لحق الاستعمار بالكثير من بلدان العالم على مر العصور ، فكان فى فترة من الفترات كالوباء الذى يصيب الدول الفقيرة و المتخلفة دون غيرها ، و قد أدى ذلك الى تأخر تلك البلدان عن ركب الحضارة و التقدم لسنوات طويلة ، حتى استفاق بعضها اخيرا و أصبحت من الدول التى لا يقل شأنها على الساحة العالمية . لكن مع انتهاء استعمار الدول الكبرى للدول الضعيفة ، ومع مضى فترة الثورات و الانقلابات التى حررت تلك الدول من كابوس التخلف و الاضمحلال ، لم تكن بلداننا العربية متسعدة للتحرر الكامل من نير الاستعمار وبراثنه ، ظهر نوع جديد من الاستعمار و لكنه من داخل بلداننا ، استقل قلة قليلة بزمام الامور كلها ، ولم يريدوا غيرهم ، أو لم يعطوا فرصة لأجيال جديدة ودماء جديدة تسرى فى أماكنهم ، فاتخذ بعضهم وسيلة الى ذلك : هدم العقول وممناعة سبل النضج و الوعى للشعوب ، والابقاء على الشعوب فى سبات عميق كى لا ينهضوا أبدا . فأصبح أى صوت يدعو الى التغيير هو معارض للنظام و يدعو الى الاخلال بالامن ، واصبح أى نداء الى الديموقراطية و الحرية اقتداء بأى دولة متقدمة هو منحاز للغرب و عميل ومتأمر على الوطن ، فبات نظرية المؤامرة كلمة سهلة يطلقها البعض على الغير دون تدقيق أو على الافل فهم معناها . و هكذا تاهت أصوات الاصلاح فى غيابات الشعارات و الاتهامات الزائفة ، و تم تقويض دور كل من هو صالح فى المجتمع ، و باتت نظرية المؤامرة ذلك المولود الجديد الذى تركه لنا الاستعمار هى نظرية التخلف التى تبقى علينا فى دائرة الجهل و التأخر عن ركب الحضارة و التقدم . وبعد ثورة تونس التى انتهت بهروب بن على إلى خارج تونس ، وثورة مصر التى أطاحت بفرعونها بعد ثلاثين عاما فى السلطة ، بدأت شرارة ثورات عربية أخرى ، وباتت النعرة الكاذبة بأن تلك الثورات تحركها أياد أجنبية غير مقبولة ، أو ان تلك الحشود لها أجندات أجنبية ، الحقيقة التى لا تريد الأنظمة العربية أن تصدقها هى أن الشعوب قد ضاقت ذرعاً بتلك الأنظمة ولم تعد تطيق أن تعيش أكثر من ذلك تحت سيطرة تلك الأنظمة ، لقد بات من الصعب أن تتقبل العقول تلك الشعارات التى صدعتنا بها التلفزيونات الرسمية ومازالت حتى ألان ، وكذلك المقالات التى تحتل مساحات كبيرة من الصحف الحكومية فى كل دولة عربية .. أتمنى ان تتوقف الانظمة العربية عن سخريتها من عقول شعوبها وان تغير من نبرتها خصوصا فى أيامها الاخيرة قبل ان تسقطها الثورات المرتقبة و القائمة حالياً !