الرئيس السيسي ونظيره الروسي يشهدان حدثا تاريخيا بمشروع الضبعة النووي اليوم    فى الإعادة إفادة    وزير الري يؤكد استعداد مصر للتعاون مع فرنسا في تحلية المياه لأغراض الزراعة    ندوات تدريبية لتصحيح المفاهيم وحل المشكلات السلوكية للطلاب بمدارس سيناء    أبناء القبائل: دعم كامل لقواتنا المسلحة    سعر الدولار في البنوك المصرية اليوم الأربعاء 19 نوفمبر 2025    أسعار اللحوم اليوم الأربعاء 19 نوفمبر 2025    وزير الزراعة: حرمان المتعدين على الأراضى من الحصول على الأسمدة المدعمة    سعر الجنيه الاسترلينى فى البنوك بداية تعاملات اليوم الأربعاء 19-11-2025    وزير التموين: إنشاء بيئة تشريعية مناسبة لتحفيز الاستثمار ودعم القطاع الخاص    تريليون دولار استثمارات سعودية .. الولايات المتحدة ترفع مستوى علاقاتها الدفاعية مع السعودية وتمنحها صفة "حليف رئيسي من خارج الناتو"    حريق هائل يلتهم أكثر من 170 مبنى جنوب غرب اليابان وإجلاء 180 شخصا    بولندا تستأنف عملياتها في مطارين شرق البلاد    وزير الإعلام البحريني يبحث في زيارة للشركة المتحدة للخدمات الإعلامية سبل التعاون الإعلامي ويشيد بنجاح احتفالية المتحف المصري الكبير    هل تكون الثالثة| صلاح ينافس حكيمي وأوسيمين على أفضل لاعب أفريقي في 2025.. اليوم    تنمية متكاملة للشباب    موعد إجراء القرعة الإلكترونية لاختيار حجاج الجمعيات الأهلية    أجواء باردة وسقوط أمطار.. الأرصاد تكشف حالة طقس الساعات المقبلة    مصرع 3 شباب فى حادث تصادم بالشرقية    الشيخ الإلكترونى.. ليلة سقوط نصّاب تحرش بالسيدات بدعوى العلاج الروحانى    مهرجان القاهرة السينمائي، العرض العالمي الأول لفيلم "كوندافا" الليلة    «اليعسوب» يعرض لأول مرة في الشرق الأوسط ضمن مهرجان القاهرة السينمائي.. اليوم    رانيا فريد شوقي تدعو لتامر حسني بعد الكشف عن أزمته الصحية    رحلة اكتشاف حكماء «ريش»    7 آلاف سنة على الرصيف!    المنتخبات المتأهلة إلى كأس العالم 2026 بعد صعود ثلاثي أمريكا الشمالية    بعد انسحاب "قنديل" بالثالثة.. انسحاب "مهدي" من السباق الانتخابي في قوص بقنا    طن عز بكام.... اسعار الحديد اليوم الأربعاء 19 نوفمبر 2025 فى المنيا    أبرزها دولة فازت باللقب 4 مرات، المنتخبات المتأهلة إلى الملحق الأوروبي لكأس العالم 2026    محكمة الاتحاد الأوروبي تعتزم إصدار حكمها بشأن وضع أمازون كمنصة كبيرة جدا    مواقيت الصلاه اليوم الأربعاء 19نوفمبر 2025 فى المنيا    خبراء: الأغذية فائقة المعالجة تعزز جائحة الأمراض المزمنة    طريقة عمل كيكة البرتقال الهشة بدون مضرب، وصفة سهلة ونتيجة مضمونة    شهر جمادي الثاني وسر تسميته بهذا الاسم.. تعرف عليه    أكثر من 30 إصابة في هجوم روسي بطائرات مسيرة على مدينة خاركيف شرق أوكرانيا    زيلينسكي يزور تركيا لإحياء مساعي السلام في أوكرانيا    ارتفاع أسعار الذهب في بداية تعاملات البورصة.. الأربعاء 19 نوفمبر    حقيقة ظهور فيروس ماربورج في مصر وهل الوضع أمن؟ متحدث الصحة يكشف    زيورخ السويسري يكشف حقيقة المفاوضات مع محمد السيد    ترتيب الدوري الإيطالي قبل انطلاق الجولة القادمة    النيابة العامة تُحوِّل المضبوطات الذهبية إلى احتياطي إستراتيجي للدولة    نشأت الديهي: لا تختاروا مرشحي الانتخابات على أساس المال    انقلاب جرار صيانة في محطة التوفيقية بالبحيرة.. وتوقف حركة القطارات    ما هي أكثر الأمراض النفسية انتشارًا بين الأطفال في مصر؟.. التفاصيل الكاملة عن الاضطرابات النفسية داخل مستشفيات الصحة النفسية    النائب العام يؤكد قدرة مؤسسات الدولة على تحويل الأصول الراكدة لقيمة اقتصادية فاعلة.. فيديو    أبرزهم أحمد مجدي ومريم الخشت.. نجوم الفن يتألقون في العرض العالمي لفيلم «بنات الباشا»    حبس المتهمين في واقعة إصابة طبيب بطلق ناري في قنا    آسر نجل الراحل محمد صبري: أعشق الزمالك.. وأتمنى أن أرى شقيقتي رولا أفضل مذيعة    أحمد الشناوي: الفار أنقذ الحكام    دينا محمد صبري: كنت أريد لعب كرة القدم منذ صغري.. وكان حلم والدي أن أكون مهندسة    قوات الاحتلال تطرد عائلة الشهيد صبارنة من منزلها وتغلقه    أحمد فؤاد ل مصطفى محمد: عُد للدورى المصرى قبل أن يتجاوزك الزمن    جامعة طيبة التكنولوجية بالأقصر تطلق مؤتمرها الرابع لشباب التكنولوجيين منتصف ديسمبر    مشروبات طبيعية تساعد على النوم العميق للأطفال    فيلم وهم ل سميرة غزال وفرح طارق ضمن قائمة أفلام الطلبة فى مهرجان الفيوم    داعية: حديث "اغتنم خمسًا قبل خمس" رسالة ربانية لإدارة العمر والوقت(فيديو)    هل يجوز أداء العشاء قبل الفجر لمن ينام مبكرًا؟.. أمين الفتوى يجيب    مواقيت الصلاه اليوم الثلاثاء 18نوفمبر 2025 فى المنيا....اعرف صلاتك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من المآثر البطولية لكرد الاكز ( alagiz)
نشر في شباب مصر يوم 18 - 12 - 2010

قصاصة من جريدة البرافدا اصفر لونها وبهتت حروفها ، أحتفظت بها طوال ستة و ثلاثين عاما :لانها تحكي قصة حقيقية ومؤثرة عن بطل كردي من بلدة ( الاكز - Alagiz) الكردية الواقعة في جمهورية أرمينيا , قصة وقعت حوادثها في العهد القيصري ولكنها نموذج حي وصارخ لما وقع للكرد في أجزاء كوردستان الاخرى ،
منذ أن وطأ الاجنبي أرض كوردستان وحاول اخضاع شعبها بالحديد والنار , قصة تعبر عن أسمى وأعمق معاني الشجاعة النادرة وروح التضحية والفداء وزاخرة بأنبل و أسمى القيم الانسانية الرفيعة .
وقبل ان نسرد قصة هذا البطل الاسطوري نود أن نتطرق ولو بأيجاز الى مصير ذلك الجزء الصغير من الشعب الكردي الذي عاش منذ عهود موغلة في القدم على هامش حدود كوردستان الشمالية والشمالية الشرقية ضمن ما يعرف حاليا بمناطق ما وراء القفقاس (أرمينيا , جورجيا ، أذربيجان ) . و هم سكان أصيلون فى هذه المناطق لا مهاجرون او مغتربون كما يعتقد بعض حملة الألقاب العلمية و الأكاديمية الطنانة من المؤرخين الكرد الذين تلقوا تحصيلهم العلمى فى الجامعات السوفيتية ، اما الهجرة الكردية من كردستان تركيا و ايران الى مناطق ما وراء القفقاس هربا من أضطهاد السلطات التركية و الأيرانية ، فقد حدثت فى عصور متأخرة أى بعد الحروب الروسية – التركية و الروسية – الفارسية فى القرنين الثامن و التاسع عشر .
لقد لعب الكرد دورا مهما ومؤثرا في تاريخ تلك المناطق ويروي لنا العالم اللغوي الشهير نيكولاي مار (1864-1934) ماجاء في احدى الحكايات الارمينية عن الكرد حيث يقول : " أن النبلاء الارمن والقائدين العسكريين الجورجيين ( اخاي و ايفانو) كانا من أصل كردي و اذا ما تبين أن ما ورد في هذه الحكاية أمر غير صحيح فأن ذلك له دلالة أبلغ ويعني أن النبلاء المسيحيين كان يشرفهم أن يكونوا من أصل كردي " ويضيف مار قائلا : لقد حكم الكرد الشداديون في القرن العاشر أران أعتبارا من عام 951 م وحكم فرع من الشداديين في كنجة وقدم فرع اخر منهم في القرنين العاشر والحادي عشر أكثر الحكام ثقافة الى مدينة (اني) حيث بنوا مسجدين حسب الاسلوب المحلي . ويرجع أصل الشداديين الى مدينة (دوين) وكانوا ينتمون الى عشيرة (راوند) الكردية ومن المدينة ذاتها والعشيرة نفسها أنحدر الايوبيون الذين لا يقلون عن الشداديين شهرة ومجدا (1169_1250) .م .
أن أسم مؤسس الدولة الأيوبية صلاح الدين الايوبي معروف لكل مثقف في العالم فقد كان احد أعظم رجالات العالم الاسلامي .
ومنذ تأسيس الامبراطورية الروسية في سنة 1721م اتبعت سياسة الترويس والاستعلاء القومي تجاه الشعوب الشرقية الخاضعة لسيطرتها , وبعد الحاق جزء من كوردستان الشمالية الى روسيا القيصرية بموجب معاهدة (كلستان) الموقعة بينها وبين ايران في عام 1831م لم يتغير وضع الكرد كثيرا ولم يحاول النظام القيصري بذل أدنى جهد لتحسين حياة الكورد من رعاياها , بل على النقيض من ذلك قامت بتزيف التاريخ الكوردي وانكار تراثه وثقافته وبعد ثورة أكتوبر 1917م قام البلاشفة في ستة 1923م بتأسيس منطقة كوردستان الحمراء للحكم الذاتي ومركزها مدينة (لاجين) الواقعة في ناغورنى قرباغ ، لتكون بمثابة منطقة عازلة بين جمهورتي أرمينيا وأذربيجان حيث كانتا تتنازعا للسيطرة عليها .
لقد نال الكرد في ظل النظام البلشفي - القيادة اللينينية ولفترة قصيرة حقوقهم الثقافية وجرت تحولات أجتماعية واقتصادية غيرت الواقع الكوردي نحو الأفضل حيث أسست اولى المدارس الكردية و معهد للمعلمين لأعداد المعلمين الكرد حصرأ و صدرت جريد ( ريا تازة ) الكردية و و تم أنشاء أول مسرح كردى و غير ذلك من الأنجازات التىأصبحت نموذجا رائدا للكرد جميعا . ولكن ذلك لم يدم طويلا .
بعد وفاة لينين في سنة 1924 وسيطرة ستالين على مقاليد الحكم بدأت المكاسب الكردية تختفي تدريجيا وبحلول سنة 1929 لم يبق شي يذكر من تلك المكاسب وبضمنها جمهورية كوردستان الحمراء ذات الحكم الذاتي .وخلال عقدى الثلاثينات والاربعينات حين خيم على الاحاد السوفيتي جو بوليسي رهيب راح ضحيته الملايين من الابرياء , في هذا الجو المفعم بالبؤس والشقاء والقمع تعرض الكرد في جمهوريات ماوراء القفقاس الى الترحيل القسري من ديارهم الى مناطق نائية كما تعرض العديد من خيرة المثقفين الكورد وبضمنهم رائد الرواية الكوردية عرب شمو (1897 – 1979 ) م الى الاعتقال والنفي , وخلال هذه الفترة السوداء كان أي مظهر من مظاهر الاهتمام بالثقافة القومية تصنف ضمن خانة العداء للنظام الاشتراكي .
الأستعلاء القومى الروسى
حكاية البطل الكردي (علي) التى أشارت اليها جريدة ( البرافد) لا تخلو من آثار نظرة االاستعلاء القومي الروسي الموروثة من العهد القيصري والتي تبناها ستالين وخلفاؤه وثمة عدد كبير من المؤرخين ورجال الفكر الروس الذين يعتقدون بأن سياسة ستالين القومية (اي سياسته تجاه القوميات الاخرى الخاضعة لسيطرته في ذلك الوقت (من غير الشعوب السلافية ) لم تكن تختلف من حيث الجوهر عن سياسة القياصرة تجاه الشعوب الشرقية , ولكن ستالين وخلفاؤه كانوا يتسترون وراء شعارات براقة لاتمت الى الماركسية بصلة .
ان (البرافدا) توحي للقارئ بان الثائرالروسي (بيترو ) هو الذي فتح عيني البطل الثائر (علي ) على المظالم التي كان يتعرض لها أبناء جلدته في ظل النظام القيصري . ولكن (البرافدا) تناست أن التاريخ الكردي زاخر بالاف الابطالل الذين سطرو صفحات مشرفة وخالدة بنضالاتهم البطولية ضد الظلم والاضطهاد . ان المبادئ السامية والقيم الانسانية النبيلة التي ناضل (علي) في سبيلها وضحى بحياته وحياة ابنه من اجلها , هذه المبادئ والقيم لازالت حية في ضمير كل كردي شريف .
و كان كرد (ناكورني قةرباغ) ، الضحية الاولى للحرب الطاحنة في هذا الاقليم المتنازع عليه بين جمهورتي ارمينيا واذربيجان) بعد تفكك الأتحاد السوفييتى ، واضطر الالاف منهم الى ترك ديارهم وممتلكاتهم واللجوء الى مناطق أكثر امانا فى روسيا الأتحادية أو هاجروا الى البلدان الأوروبية و الولايات المتحدة الأميركية ومدينة (لاجين) التي كانت في يوم ما مركزا لجمهورية كوردستان الحمراء أصبحت مدينة مهجورة بعد أن غادرها سكانها الكورد وهذا مثل واحد من عشرات الحالا ت المماثلة.
و فى داخل الأتحاد الروسى أنتشر الكرد فى مدن عديدة ولكن مناطق اللجوء الرئيسية هي مدينة (كراسنادارا) في الجنوب الروسى و بعض البلدات قرب العاصمة موسكو و مدينة بطرسبورغ , ولكن الروس انفسهم بعيد أنهيار النظام السوفييتى كانوا يعانون من شظف العيش فما بالك باللاجئين ؟ كان الله في عون ابناء جلدتنا في روسيا وارمينيا واذربيجان و المناطق الأخرى لرابطة ( الدول المستقلة ) .
و يبدو أننا قد أستطردنا قليلا و الآن لنقرأ معا قصة البطل ( على ) التى أعتمدنا فى سردها على ما نشرته جريدة ( البرافدا )فى عام 1974 .
النبع الخالد
يمتد الطريق متموجا و صعودا و هو يحتضن الجبل الهائل و تظل المضائق فى الأسفل بعيدا وحين تصل الأنعطافة الأخيرة ينفتح أمامنا منظر ساحر و خلاب لا نظير له ,
تتلاصق الجبال و هى تشق عنان السماء و تختفى قممها فى أعماق زرقة السماء ، سحر ألوان الطبيعة الخلابة يرغم المرء على التوقف و تذكر كلمات الشاعر الروسى العظيم الكساندر بوشكين :
" القفقاس تحتى "
حين و قف الشاعر طويلا على قمة الجبل فى طريقه الى ( أرضروم ) كان مأخوذا بالسحر القفقاسى ، و على حين غرة أتت عربة فلاحية و سأل الشاعر :
- من أنتم ؟
- من طهران
- ماذا تنقلون
- قال الفلاحون بصوت واحد :
- غريبايدوف (4)
كان الفلاحون ينقلون نعش الفكر و الدبلوماسى ( غريبايدوف ) من ( طهران ) الى ( (تفليس ) عاصمة جورجيا . و فى ضواحى كل بلدة أو قرية عبر أرمينيا كان الناس يقابلون النعش بالصمت الحزين .
مضى زمن طويل منذ ذلك الوقت ، و أطلق الشعب أسم( بوشكين ) على تلك القمة . و فى الموقع الذى التقى فيه بوشكين بالنعش ، تم نحت تمثال يتدفق منه ماء النبع العذب .
نحات ماهر نقش على الحجر هذا المنظر بالذات ,
يتدفق تيار الماء الجبلى العذب صافيا و شفافا ، مذكرا الناس بالماضى .
مثل هذا النبع – التمثال يوجد فى العديد من المدن و النواحى فى الجبال و المضائق و تقاطعات الطرق فى أرمينيا . يقوم الشعب بأنشائه منذ عهد بعيد لتخليد ذكرى أبنائه البررة ,
و حين يروى المستطرق العطشان ظمأه من الماء المنعش المتدفق ، أنما يعبر فى الوقت ذاته عن عرفانه بالجميل و أحترامه لصاحب النبع – التمثال ، و قد أقيم تمثال بوشكين فى قمة الجبل فى العام 1937 م .و قد صنعه أستاذ النحت ( مهراب ). و لا يوجد أنسان فى بلدة ( لورى ) لا يعرف هذا الأسم . ( مهراب ) نحات يعمل بمهارة الفنان و خياله المبدع و بدقة المعمارى يحفر الصور على الحجر .
أن كلمة ( ماربيت ) تعنى فى اللغة الأرمنية ، الأستاذ العظيم . و هو لقب لا يمنح بموجب مرسوم أو قرار رسمى ، أنما يطلقه الشعب على الشعراء و الفنانين العظام . و قد منح الشعب هذا اللقب للشاعر الأرمنى العظيم ( ايساكيان ) و الممثل ( نيرسيسيان ) و الفنان التشكيلى ( مارتيروس سارايان ) .
كما أطلق الشعب هذا اللقب على الفنان ( مهراب ) الذى كان يبلغ من العمر (77 ) عاما حين نشرت البرافدا الفقرات التى نسردها اليوم .
لقد أنجز الفنان القدير ( مهراب ) عشرين تمثالا على شكل ينابيع يتدفق منها المياه و لكن أحب تلك التماثيل الى قلبه ، ذلك التمثال الموجود فى ( كيرفاكان ) . و حين كان الفنان يعمل فى أنجازه ، غرق فى العمل ليل نهار ، نسى معه النوم و الأكل ، و بعث الروح فى الأحجار البازلتية بدقة عظيمة و يتذكر ( مهراب ) تلاميذه الذين زينوا معه واجهات مبانى يريفان بالنقش و النحت البارز و التماثيل .وعلمهم هذا الفن الشعبى العظيم ، فن الحفر و النقش على الحجر : كانوا فنانين رائعين لا يهابون المصائب و لا يتراجعون أمامها قط . و حاولوا أن يخلفوا ورائهم و ( بلغة الحجر ) أئرا فى الحياة .
فى عيون ( مهراب ) دموع و الألم يعتصر قلبه . دق المطرقة بقوة أكبر و كأنما أراد بذلك ، أن يطفى أضطرابه الداخلى . لقد كرس الفنان هذا النبع – التمثال لتخليد ذكراهم . لقد ذهبوا جميعا للحرب و لم
يعودوا (5 ) و قد شيد الفنان هذا التمثال من دون ان بكلفه احد بذلك وأهداه للناس و نقش على المثال أسمائهم.
بطولة و نبل و تضحية
تحدث الفنان مهراب طويلا و تذكر قصة بلدة (الاكز) . كان ذلك منذ زمن طويل ، حين جاء الى البلدة أثنان من الجندرمة و أخذوا ( بيترو ) الروسى الذى جاء من الشمال أى ( روسيا ) و زوجته و أبنته الى جهة مجهولة .
أجتمع الرعاة فى الكهوف ، جلسوا حول موقد النار و تحدثوا طويلا ، لم يكن ( بيترو ) معهم الآن و لكنهم تذكروا حكاياته و كلماته التى أنطبعت فى قلوبهم عميقا.
ذات مرة فى الربيع أخترق البلدة و بسرعة جنونية رهط من الفرسان ، اندفعوا نحو الجبل و عادوا قبل الغروب و أرغموا سكان البلدة على التجمع فى ساحتها الرئيسية . رفع رئيس الجندرمة سوطه متوعدا و مهددا . قال مخاطبا أهل البلدة :
- يختفى فى بلدتكم (مجرم) أسمه ( على ) و الذى يعرف مكانه دعه يقول لنا أبن هو الآن و بعكسه ( و هنا مرر بيده على عنقه فى أشارة لا تخفى مغزاها على أحد و هو يحاول ترهيب الحاضرين.
خيم يوم حزين على البلدة الكردية، ضربوا حتى الموت ثلاثة رعاة فى الساحة . كان الثائر الكردى ( على ) يثير الخوف و الهلع فى نفوس أعدائه ، و يتنقل مع رفاقه من بلدة الى أخرى ، ينتقم من أعداء الكرد و من البكوات الظالمين , و كان يتحدث عن صديقه الحميم و رفيق دربه ( بيترو ) الثائر الروسى ، و كان (على ) وحده يغلم بمكان أختفاء ( بيترو ) . طوقت الجندرمة البلدة لمدة ثلاثة أيام و فتشت بيوتها و أخذت معها ثمانى رهائن من اهل البلدة . و أعلن رئيس الجندرمة :" اذا لم يسلم على نفسه حتى صباح اليوم التالى ، فأن الجندرمة ستقوم بحرق البلدة .
كان صباحا ربيعيا صافيا و مبكرا و كان بوسع المرء ان يرى قمم جبل ( ارارات )، و هذا أمر نادر الحدوث ، فهذه القمم تغرق عادة فى السحب الكثيفة فى مثل هذا الوقت المبكر من الصباح . أقترب من البلدة فى هدوء فارس على حصان ابيض و توقف امام رئيس الجندرمة ، نزل من الحصان و قبل عينيه الذكيتين ، ثم نزع سلاحه .
لقد جاء ( على ) ليسلم نفسه الى أعدائه اللدودين و لأنقاذ البلدة من الفناء .
أصطف الفلاحون جانبا و أخذوا يراقبون ما يجرى .طلب رئيس الجندرمة من على أن يدله على مكان أختفاء رفاقه . ظل ( على ) صامتا لا يجيب ، ربطوه بقوة الى عمود و شرعوا بتعذيبه و لكنه لم ينبس ببنت شفة ، وظل صامدا و صامتا ، عندئذ جاؤا بأبنه البالغ من العمر عشرة أعوام و بضربة سيف قطعوا رأس الطفل ، ندت صرخة أستنكار من الفلاحين شقت عنان السماء لهول المشهد الفظيع . كان ( على ) ما يزال صامدا و صامتا . حفر الجلادون بالخنجر أخاديد عميقة فى كتفيه و ساقيه ، و لكنه أحتفظ برباطة جأشه و لم تصدر منه نأمة أو أنين و فجأة نطق ( على ) :
أسمعونى يا ناس ! أتدرون ماذا كان الأمر الأشد رعبا لى فى حياتى ؟
كان يتكلم يصعوبة و وجهه ملطخ بالدم و عيناه تتوهجان أشتعالا .. ثم أضاف قائلا :
- ذات مرة طرق باب دارنا انسان فقير . طلب خبزا ، و لم يكن لدينا خبز ، رجع البائس جائعا . .. أسمعوا ، لقد كان ذلك اليوم هو اليوم الأشد رعبا لى فى حياتى ، ثم أستجمع قواه و هتف :
أنا انسان حر و أموت حرا
مضى زمن طويل منذ ذلك الحين . ولكن الشعب الكردى يذكر هذا الأنسان النبيل و الشجاع و تحول الى رمز خالد و يتردد أسمه فى الحكايلت و الأغانى الشعبية على كل لسان فى ( الاكز ) و المناطق المجاورة .
قال الفنان ( مهراب ) و هو يتأمل التمثال الجديد ، نبع الحرية الذى أهداه للناس :
هكذا ينبغى للأنسان أن يعيش مخلفا و راءه أئرا فى الحياة .
الهوامش :
(1) جريدة ( البرافدا ) العدد الصادر فى 20/9/ 1974
(2) نيكولاى مار ( 1864- 1934 ) م عالم لغوى جورجى شهير ، كانت له حظوة كبيرة لدى ستالين الذى استغل نظرية مار اللغوية لتحقيق أهداف سياسية و أنعم عليه بالأوسمة و الأمتيازات و المناصب قبل أن ينقلب عليه ( أى على مار ) بعد أن أنتفت الحاجة الى خدماته .
(3) نيكولاى مار مرة أخرى حول كلمة ( جلبى ) ، سانت بطرسبورغ ، 1911م ، ص ( 25-26) باللغة الروسية
(4) غريبايدوف ( 1795 – 1839 ) م شاعر و مفكر روسى شهير ، ينتمى الى أسرة موسكوبية عريقة ، خدم فى الجيش ثم فى الدبلوماسية ، و اوفدته الحكومة القيصرية الى مناطق القفقاس و بلاد فارس .. كان من مؤيدى ثورة ديسمبر ضد النظام القيصرى ، أغتيل فى طهران فى سنة 1839 م
جودت هوشيار – موسكو


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.