الوضع القائم في مصر منذ إقالة القوات المسلحة للرئيس الإخواني محمد مرسي وتعيين رئيس المحكمة الدستورية العليا المستشار عدلي منصور رئيسا مؤقتا للبلاد، وقد تسلم سلطاته فعلا وانتقل لقصر الاتحادية، وبدأ في اتخاذ خطوات وقرارات مهمة، كان آخرها قرار جمهوريا بحل مجلس الشورى الذي كانت جماعة الإخوان المسلمين لها الأغلبية فيه، وترافق ذا مع قرار آخر بتعييين محمد أحمد فريد رئيسا لجهاز المخابرات العامة بدلا من اللواء محمد رأفت شحاتة الذي تمّ تعيينه في الغالب في منصب فخري كمستشار أمني لرئيس الجمهورية المؤقت. ومن الواضح أنّ هذه القرارات خاصة ذات الطابع الأمني لا يمكن للرئيس المؤقت أن يتخذها بدون موافقة أو تعليمات وزير الدفاع الفريق أول عبد الفتاح السيسي الذي قاد عملية التغيير الأخيرة سواء اتفقنا على أنّها انقلاب على الشرعية أم استجابة لرغبة شعبية. المهم أنّ نتائجها أصبحت أمرا واقعا تعيشة الساحة المصرية، و أبرز ملامحها ما يلي: أولا: التوجه الذي بدأت تطبيقاته على الأرض المصرية الخاص بالإقصاء التدريجي الناعم للقيادات الإخوانية من المواقع الرسمية الهامة التي تسلمتها خلال عام من رئاسة محمد مرسي، إذ لم يكن أحد يتوقع التجرؤ على اعتقال أو حبس قيادات إخوانية مثل (خيرت الشاطر) النائب الأول للمرشد العام للجماعة، الذي تعتبره القوى المناوئة للإخوان بأنّه مسؤول (الامبراطورية الاقتصادية للإخوان) وقد تمّ نقله فعلا يوم السادس من يوليو إلى سجن طرّة لبدء التحقيق معه حول تهم منها التحريض على قتل المتظاهرين. كما شمل الاعتقال قيادات إخوانية أخرى مثل رئيس حزبهم (الحرية والعدالة) سعد الكتاتني و رشاد بيومي أحد نواب المرشد العام وقيادات سلفية مثل حازم أبو اسماعيل وغيرهم كثيرون، حيث صدرت أوامر ضبط بحق تسعة شخصيات قيادية أخرى من بينهم الدكتور عصام العريان نائب رئيس حزب الحرية والعدالة ورئيس الأغلبية في مجلس الشورى الذي تمّ حله. كما تمّ إغلاق أكثر من فضائية تلفزيونية ذات توجهات إسلامية وسلفية، ومنع شيوخ آخرين من الخطابة في المساجد أو الظهور في الفضائيات. ثانيا: استمرار وتصاعد الغضب والتظاهر الشعبي ضد فترة حكم الإخوان رغم أنّها كانت سنة واحدة فقط، وهي السنة الوحيدة التي تسلموا فيها السلطة منذ تأسيس الجماعة عام 1928 ، وأغلب باقي السنوات خاصة منذ عام 1952 كانت سنوات سجون واعتقالات وإعدامات. وما تزال مظاهرات ميدان التحرير وميادين أخرى في مدن مصرية متواصلة للإستمرار في انهاء كافة مظاهر وتطبيقات سنة الحكم الإخوانية السابقة، هذا مع عدم القفز على تواصل مظاهرات الجماعة الداعمة لعودة الرئيس مرسي خاصة في ميداني رابعة العدوية وميدان النهضة مقابل جامعة القاهرة. والملاحظ للجميع هو التضامن الكامل بين متظاهري ميدان التحرير المناوئين لحكم الإخوان والقوات المسلحة، بينما هناك التصادم المستمر بين القوات المسلحة ومتظاهري الإخوان في ميدان رابعة العدوية بغض النظر عمّن يبدأ التصادم الذي أودى حتى الآن بحياة ما لايقل عن مائة شخص ومئات المصابين والجرحى لدرجة عجز سيارات الإسعاف آنذاك عن نقل كافة المصابين للمستشفيات. ثالثا: وهو الأخطر في تاريخ جماعة الإخوان المسلمين المصرية منذ تأسيسها، المتمثل في الظهور العلني لحالة أو حركة انشقاق عن الجماعة تمثلت في مجموعة من شباب الجماعة لا تقل عن 500 شاب، أطلقوا على أنفسهم صفة (الإصلاحيون) معلنين عن حركة بإسم (إخوان بلا عنف) ، معلنين" تحللهم من يمين السمع والطاعة للمرشد ومطالبين بإسقاطه" و أنّ " شباب الإخوان وقفوا على حافة الهاوية نتيجة لممارسات بديع وأعضاء مكتب الإرشاد الذين تجاهلوا النداءات المتكررة من معظم الشباب الإصلاحي داخل التنظيم، وأصبح الآن من الضروري بدء حوار وطني، والابتعاد عن ممارسة العنف بكل أشكاله، ووقف التعدي على أفراد الشعب، الأمر الذي جعل التنظيم على وشك الانهيار بعد أجيال من الدعوة ورسالة ظلّ يعمل عليها في كافة أنحاء العالم الإسلامي" مطالبين صراحة ب " ضرورة التزام كافة شباب الجماعة بالمنهج السلمي في التعبير عن الرأي كما تخاطب رسالة حسن البنا شباب الجماعة، مع إسقاط المرشد العام وأعضاء مكتب الإرشاد والدعوة إلى انتخابات مبكرة لشغل عضوية تلك المناصب". ومن المهم ضمن سياق هذه الانشقاقات الجماعية، التذكيربأنّه قد سبق ذلك انشقاق قيادات مشهورة عن الجماعة مثل المهندس أبو العلا ماضي الرئيس الحالي لحزب الوسط ونائبه عصام سلطان و الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح والدكتور ثروت الخرباوي الذي نشر كتابين في منتهى الخطورة عن أسرار الجماعة: ( سرّ المعبد) و (قلب الإخوان) وكتاب محمد حبيب النائب السابق للمرشد العام (انحرافات الإخوان ) وحتى الآن لم تردّ قيادة الجماعة على هذه الاتهامات الخطيرة أو تنفيها مما يجعل القارىء المحايد أقرب لتصديقها. والزائر للقاهرة يستطيع رصد ما لا يقل عن خمسة عشر كتابا جديدا ضد جماعة الإخوان المسلمين والجماعات الإسلامية الأخرى، ومنها كتاب الدكتور عبد الرحيم علي ( الطريق إلى الاتحادية، أسرار الإخوان المسلمين) و ( الخروج من بوابات الجحيم ) لماهر فرغلي. حصار و رفض في دول عربية أخرى، خاصة في الأردن حيث ترفض جماعة الإخوان وحزبها (جبهة العمل الإسلامي) الحوار مع الحكومة والمشاركة في أية انتخابات بلدية أو برلمانية، وكذلك دولة الإمارات العربية التي أدانت وأصدرت أحكاما متفاوتة بالسجن على ما لا يقل عن ثمانين شخصا من القريبين أو المؤيدين للجماعة، ومنهم منتمون لدعوة (الإصلاح) الإماراتية، وسط ترحيب شبه عام إعلامي وشعبي إماراتي. ومن المهم ملاحظة أنّ حكم عمرحسن البشير الانقلابي في السودان الذي يتصف بالإسلامي، يعتمد على القوة العسكرية التي من صفاتها في الشارع السوداني القتل والسجون والإعدامات، ويكفي أنّه وصل للحكم عام 1989 عبر انقلاب عسكري على حكومة (الجبهة القومية الإسلامية) برئاسة الصادق المهدي ونائبه حسن الترابي الذي أمضى سنوات عديدة في سجون الانقلابي البشير، وهنا المفارقة المضحكة: إسلامي ينقلب على إسلامي وكلاهما يعتبر نفسه المدافع عن الإسلام!!!!. إذن ما الحل؟ ضمن هذا الرفض الرسمي والجماهيري ، أرى أن تترك جماعة الإخوان في كافة الدول العربية السياسة والسعي للحكم، وتتفرغ للدعوة الإسلامية والوعظ الإرشادي الهادف لتقويم الخلق والأخلاق، لأنّه على ما يبدو من الصعب الجمع بين الدعوة والحكم، بدليل الأخطاء التي تعترف بها الجماعة خلال السنة الوحيدة من حكم الرئيس مرسي، وكذلك تجربة ما لايقل عن سبع سنوات لحركة حماس في قطاع غزة، حيث الهدوء مع الاحتلال أكثر بكثير من الهدوء مع السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، وبالطبع فهدوء السلطة مع الاحتلال أكثر بكثير من هدوئها مع حركة حماس. وفي الختام من المفيد قراءة الفقرة التالية التي وردت في بيان شباب الجماعة المنشقين في مصر (إخوان بلا عنف) تعقيبا على أحداث الحرس الجمهوري الأخيرة، إذ ورد في بيانهم: " كفانا قادة لا تستمع ولا تناقش وتصرّ على أخطائها، فليس في الإسلام كل ما يحدث الآن، فالإسلام دعوة الحق ومكارم الأخلاق، فكونوا أئمة تهدون بأمر الله تعالى ولا تكونوا أئمة تدعون إلى النار، ولا تكونوا أئمة تدعون إلى النار"، معلنين أنّهم لم يشاركوا في أية مظاهرات أو اعتصامات بعد بيان وزير الدفاع بإقالة الرئيس محمد مرسي، موجهين النصح لإخوانهم بفض الاعتصامات وإعادة الهدوء للشعب المصري. www.drabumatar.com