أعرف أنها ثورة مفعمة بروح الشباب الوثابة ، وأعرف أنها ثورة كل ألوان الطيف السياسي والشعبي، وأعرف أن الفساد الذي كان للركب لا يزال بحاجة إلى إزالة. ولكنني أعرف أننا بحاجة إلى ممارسة حياتنا وأعملنا، وأننا نعيش في وطن وليس في مورستان سياسي .. و أية ثورة بلا حكمة هي الفوضى ، و أن ارتباك الحكومة بسبب ما تحدثه الهبات والمظاهرات من قلق أمنى وسياسي واقتصادي. هل هذا المشهد الفوضوي هو نفسه الذي بدا به الشعب المصري وهو يصنع ثورته في ميدان التحرير منذ عام مضى؟ .. أليس ما يحدث الآن هو نفسه ما راهن عليه مبارك عندما قال: أنا ومن بعدي الفوضى؟ .. أليس ما يحدث الآن هو نفسه ما يتمناه نزلاء مزرعة طرة وعصابتهم وعائلاتهم وأنصارهم ؟ .. ألسنا نحن من نعطيهم الفرصة لينفذوا فينا مخططاتهم الإجرامية الساعية إلى إسقاط الدولة وإفشال الثورة؟ .. ألسنا نحن من نعطي الفرصة كاملة للهو الخفي لأن يندس في صفوفنا لأداء مهام إجرامية؟ .. نعم هناك سوء تخطيط وارتباك وهذا طبيعة المرحلة عقب كل الثورات، وهناك أداء أعرج للمجلس العسكري، وهناك بقايا للنظام السابق في مؤسسات الدولة.. كل هذا معلوم ، والمعلوم أيضاً أن النظام السابق ربط بين الفساد ومؤسسات الدولة ، والتطهير الكامل الآن لمؤسسات الدولة يعنى إسقاط الدولة كاملة .. المرحلة إذن تقتضي الحكمة والتفكير الهادئ والتخطيط الجيد .. وإعطاء الفرصة كاملة لمجلس الشعب للقيام بدوره التشريعي والرقابي ومحاسبة الحكومة إذا أخطأت أو رفع المطالب إليها لتنفيذها أو طرح الثقة عنها إذا كانت فاشلة. المطلوب هو تدعيم مجلس الشعب لأداء دوره، وكذلك دعم الحكومة وتوفير المناخ الملائم للعمل، ولا مانع من رفع المطالب السياسية إلي المجلس العسكري ولا مانع من انتقاده وفق آليات العمل الديمقراطي .. لكن ليس مطلوبا أن نساوى بين فعلنا وفعل اللهو الخفي وبلاطجة النظام السابق. لقد نسي كل فرد أنه انتخب من يمثله في البرلمان وراح يُنصَّب نفسه مُشرِّعاً ومحاسباً ومراقباً .. ما معنى قيام برلمان منتخب إذن وما دوره؟ .. كل فرد جعل من نفسه ثورجياً ، وراح يبيت في الميادين تحت شعار الثورة مستمرة، وأعلن مطالب فورية يريد من الدولة تنفيذها بعصا سحرية دون التفات إلى إماكانات الدولة الاقتصادية وما تفرضه المرحلة من حكمة التروي والاتفاق على مطالب ممكنة وفي حدود مهام الحكومة الانتقالية . كل فصيل له مطلب مغاير عن المطالب الأخرى!! .. أي هذا الهراء السياسي؟! .. إذا كنا نسعى إلى استقرار البلد واجتياز المرحلة الانتقالية بسلام نحو إرساء حياة ديمقراطية نظيفة، فما هو المطلوب؟ هل المطلوب هو الإضراب العام وتعطيل الاقتصاد محاصرة وزارة الداخلية ، والاعتصام المستمر في ميدان التحرير للمطالبة برحيل المجلس العسكري و اقتحام مجلس الشعب وإثارة الشغب والفوضى في محيطه وعرقلة عمل النواب؟ .. هل هذا عمل ثوري أم تعطيل عمل؟ هل من الحكمة أن نراهن علىعدم وطنية الآخرين بسهولة ونرفع في وجوههم مطلب الرحيل سواء كان الاحتجاج فئويا أو سياسياً ؟ وماذا بعد أن يرحل الجميع ؟.. أليس من الواجب أن ندع هذا المطلب لمجلس الشعب وحده، هو الذي بإمكانه أن يحاسب الحكومة ويطرح الثقة عنها. إن شعار الثورة مستمرة شعار حق يراد به باطل أحياناً، ويعطى الفرصة كاملة للهو الخفي ليمد أذرعه وبلاطجته بين المتظاهرين لارتكاب فظائع دموية تسعى لإسقاط الدولة ومؤسساتها في الفوضى . من المعلوم أن المدة الباقية على انتخابات الرئاسة وتسليم السلطة شهور قليلة ، وقد أصبح لدينا برلمان منتخب بحاجة إلى الدعم ليؤدي عمله في هدوء، ولدينا حكومة يرئسها رجل لا تنقصه الخبرة أو الوطنية، وهو بحاجة إلى العمل في هدوء، ولدينا أزمات اقتصادية طاحنة طالت الحاجات الملحة للمواطن ، وأمامنا تحديات دولية دخلت أمريكا طرفاً فيها بمحاولاتها التدخل في شئون مصر السياسية.. أيضاً هناك دول خليجية تنتظر فشل الثورة، وقد امتنعت عن دعم مصر في مرحلتها الحالية.. ولدينا جيوش من المفسدين وبلطجية النظام يثيرون الفزع والفوضى في البلد ، ولدينا اقتصاد متعطل.. فهل كنا على مستوى المسئولية وقدمنا دعمنا للمؤسسات القائمة لأداء عملها ، وقد أصبح لدينا نواب منتخبون بشكل ديمقراطي يمكنهم التعبير عن مطالبنا ومحاسبة الحكومة وتقصى كل الحقائق .. يمكننا أن نطمئن لمجلس الشعب شريطة أن نعطيه الفرصة للعمل، ويمكننا أن نطمئن للحكومة ونحاسبها لو أخطأت بشكل صحيح عن طريق برلماننا المنتخب، أما من لا يطمئن لأحد بحجة الثورة مستمرة فلا شك أنه سوف يُفسد الحياة ويحولها إلى مورستان سياسي طويل وعريض بطول مصر وعرضها. [email protected]