النتيجة الواضحة التي ترتبت علي مهاجمة السفارة الإسرائيلية يوم الجمعة قبل الماضي واقتحام أجزاء منها هي العودة للعمل بقانون الطواريء الذي يسمح باعتقال أي إنسان دون محاكمة ويبيح محاكمة المدنيين أمام القضاء العسكري. وهكذا تسببت حماقة البعض في إهدار أحد الأهداف الرئيسية لثورة يناير. (1) ليس صحيحا أن حل قضية فلسطين أو تصحيح العيوب التي قد تكون في معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية هو من الأهداف الرئيسية لقيام الثورة. فقد كان الاتفاق في تلك الأيام المجيدة من يناير وفبراير علي أهداف داخلية رئيسية هي الحرية والكرامة وحقوق الإنسان للمواطن المصري. فليس معقولا أن يسعي المصري لتحقيق هذه الأهداف لأحد قبل أن يوفرها لنفسه إلي جانب حقه في فرصة عمل كريمة, ذلك أن المصريين أوشكوا علي التحول إلي شعب مهاجر من بلاده يبحث عن فرصة عمل في كل مكان إلا في مصر, ولذلك فهو يركب البحر إلي أوروبا ويتسلل عبر الحدود إلي ليبيا أو السعودية أو حتي إسرائيل للبحث عن العمل. ومثل هذا الوضع لم يكن من المقبول أن يستمر, ثم إننا ندرك جميعا أن الأوضاع المزرية لحقوق الإنسان في مصر كانت من الأسباب الرئيسية لقيام الثورة. لماذا؟ لأن النظام السابق أفرط في استخدام عصا الأمن في قمع المواطن وقهره وإجباره علي الخنوع ليضمن البقاء والاستمرار إلي جانب استخدام الشرطة والقضاء في تزييف الانتخابات والإستفتاءات واعتقال أعضاء التيارات السياسية المعارضة له سواء إسلامية أو علمانية إذا إستشعر منها خطرا عليه. لذلك فقد كان انهيار الأمن في يوم28 يناير البداية الحقيقية لنجاح الثورة. (2) هل يمكن أن نندفع إلي خوض حرب أو صراع مع أي دولة في العالم قبل أن نرتب أوضاعنا الداخلية؟ كيف نفعل ذلك ونحن مازلنا لا نعرف الانتخابات النزيهة؟ و لم نجرب ولو لمرة واحدة أن يتولي السلطة حزب سياسي لمجرد حصوله علي أغلبية الأصوات الصحيحة في الشارع. ومازلنا لا نعرف أيضا معني أن يكون البرلمان المنتخب قابلا للحل إذا عجزت القوي السياسية الموجود في داخله عن الاتفاق علي برنامج عمل. وآلا يكون هذا الحل بمجرد الإرادة المنفردة لرئيس الدولة لأن المعارضة داخل البرلمان لا تعجبه أو يعتبرها تتجاوز حددوها! برغم أن وظيفتها هي انتقاده ومعارضته. ولم نر برلمانا واحدا طوال ستين عاما يضع ميزانية الدولة ويخضعها لإشرافه بالكامل ويلغي تماما مبدأ أو قاعدة الأبواب السرية بها مثل ميزانية رئاسة الجمهورية أو ميزانية القوات المسلحة أو ميزانية وزارة الداخلية أو المخابرات العامة فكل هذه الأبواب يجب أن تخضع لإشراف البرلمان القوي ثم إننا لم نتفق للآن علي أبسط شيء وهو طريقة انتخاب أعضاء البرلمان المقبل! فكل بلاد العالم المتطور حسمت هذه المسألة البسيطة, أما نحن فمازلنا نختلف حولها ولدينا قانون إنتخابات جديد في منتهي الغرابة فنصف الأعضاء سيتم انتخابهم في دوائر فردية و النصف الآخر سيتم انتخابه عن طريق القوائم وهذه شيء لا نظير له في العالم كله, ثم تصور فقط أن الدوائر ستكون من الاتساع بحيث إننا لا نعرف سياسيا واحدا علي المسرح حاليا مؤهلا لأن يخوض الانتخابات فيها علي أي مقعد. هذه الأمور البسيطة البدائية مازلنا نختلف عليها, فهل من المعقول أن نسعي إلي حسم خلاف مع أمريكا او إسرائيل و نحن لا نستطيع أن نتفق علي طريقة سهلة لاختيار من سيحكمنا. (3) كل هذه الخلافات علي القضايا الداخلية ونحن لم نقترب بعد من مشاكل الاقتصاد والمجتمع والصحة والتعليم ومكافحة البطالة ومستويات المعيشة والدخول إلخ.. أليس من الواجب أن نطمئن إلي أننا نسير في الطريق السليم أولا قبل أن ننشغل بقضايا السياسة الخارجية. في البلاد المتقدمة يجري تقييم الحكام و الحكومة وفقا لمعايير الكفاءة في إدارة الأوضاع الداخلية ولا توجد حكومة واحدة تفوز في أي انتخابات لأنها حققت إنجازات عالمية خارجية, فالأصل هو ما يتحقق في الداخل. أليس من الواجب أولا أن نضع دستورا يمنع ظهور أي طاغية جديد! أليس من الواجب ثانيا أن نضع قانونا للانتخابات البرلمانية سهلا وبسيطا يؤدي إلي اختيار برلمان يمثل الشعب فعلا بدلا من تشكيل مجالس نيابية مزورة! أليس من الواجب ثالثا أن نضع خطة لإقامة قاعدة صناعية قوية تكون أساسا لقيام مجتمع رشيد! أليس من المهم رابعا أن نفهم أن انشغالنا بقضايا خارجية سيؤدي إلي استمرار الطغيان والفساد والفقر والتخلف في الداخل لأنه لن يتبقي لنا وقت يكفي لمتابعة مشاكلنا الحقيقية. المزيد من مقالات حازم عبدالرحمن