في 9 سبتمبر عام 2591، تحولت حركة يوليو إلي ثورة، عندما أعلنت عن الإصلاح الزراعي. وفي 9 سبتمبر عام 1102، أصبحت ثورة يناير مهددة بالتحول إلي فوضي، تحت شعار تصحيح المسار! لست أظن أن الذين خرجوا يوم 52 يناير إلي ميدان التحرير هم الذين ارتكبوا أحداث ليل 9 سبتمبر. فلا أتصور أن الثوار الذين أسقطوا الاستبداد يوم 11 فبراير الماضي لهم أدني علاقة بأولئك الفوضويين الذين يدفعون بالناس دفعاً نحو الحنين إلي أيام الاستبداد! الذين وقفوا أول أمس في ميدان التحرير كانوا يطالبون بإنهاء حالة الطواريء والعزل السياسي لقيادات الحزب الوطني وعدم محاكمة المدنيين أمام محاكم عسكرية وسرعة تسليم الحكم إلي سلطة مدنية وتعديل معاهدة السلام.. بينما الذين خرجوا لإقتحام وزارة الداخلية ومديرية أمن الجيزة والسفارة الإسرائيلية.. كانوا في واقع الأمر يعبرون عن أهداف هي نقيض لهذه المطالب!.
لست مع أسلوب الاستسهال في إلقاء التهم الذي انتهجته وزارة الداخلية حين أكدت في بيانها وجود اياد خارجية وراء هذه الاحداث المؤسفة التي جرت طوال الليل وحتي ساعات نهار أمس، فهذا هو نفس الأسلوب العتيق الذي كانت تعتنقه داخلية العادلي، عندما كانت تنسب كل اعتصام واضراب واحتجاج إلي اصحاب الأجندات الخارجية!. ولست أيضا مع بيان حركة 6 ابريل التي ألقت بالمسئولية عن هذه الاحداث علي من وصفتهم بأنصار مبارك، فلو كان أنصار الرئيس السابق رغم اقصائه عن الحكم، بكل هذا الحجم والتأثير في الشارع، فكيف إذن نجحت الثورة؟!. مع ذلك أقول أن أحداث ليل الجمعة تحقق مصالح جهات خارجية بل معادية حتي لو لم تمد أياديها، وتلبي أهداف القوي المعادية للثورة وعلي رأسها المنتفعون من النظام السابق حتي لو كانوا قابعين في منازلهم!.
السبب الرئيسي فيما جري هو نخبة سياسية غير مسئولة أحجمت عن أن تعارض نزعات منفلتة أوغوغائية تضر حقا بالثورة وتنتكس بمسارها، خشية أن تتهم بأنها ليست ثورية، بل انساقت تؤيد تصرفات تبدو براقة بينما هي في جوهرها شديدة الاضرار بالمصالح الحيوية للبلاد واندفعت معها بكل أسف جهات حكومية مسئولة، تكافيء هذه التصرفات، تارة بالمقابلات وتارة بإهداء الشقق وشهادات التقدير!. ندرة من السياسيين والمثقفين امتلكت جرأة القول بأن البطولة الحقيقية هي في انزال علم العدو في ميادين القتال، لكن أصواتهم تبددت في ضجيج التهليل والإهداءات الرسمية. فما كان من أنصاف المتعلمين ومحدودي الوعي، إلا أن استجابوا لدعاوي البطولات المزعومة، واغراء أضواء الإعلام وإغواء الهدايا والمكافآت، فذهبوا إلي السفارة الإسرائيلية يحطمون الجدار الذي يعزل مبناها عن محيطه، وصعدوا ليقتحموها دون تفكير ويرتكبوا بفعلتهم جريمة في عرف القانون الدولي، غطت علي جريمة حقيقية اقترفها الصهاينة بحق ضباطنا وجنودنا، وتسببت في إهداء حكومة نتنياهو مخرجا من مأزق كانت غارقة فيه، ووضعت حكومة الثورة المصرية في حرج أمام العالم الذي لا يمكن أن يتفهم اقتحام اي سفارة في اي دولة مهما كانت الذرائع. لم نهدم الجدار العازل الذي يقتطع أراضي الضفة الغربية حين هدمنا الجدار الهزيل أمام المبني الذي تقع به السفارة الإسرائيلية. ولم نحرر أرض فلسطين حين اقتحمنا شقة السفارة. ولم نثأر لدماء شهدائنا الذين سقطوا عند العلامة »97« حين قذفنا رجال الشرطة المصرية وعرباتها بزجاجات المولوتوف وحين ردت هي بقنابل الغاز بل سقط منا 3 شهداء وأكثر من الف مصاب، في ساحة معركة جرت بين مصريين ومصريين، بلا هدف ولا معني ولا نتيجة إلا ازهاق الأرواح وإراقة الدماء المصرية. الذي حدث أننا جعلنا من إسرائيل ضحية، ودفعنا الولاياتالمتحدة إلي اعطائنا دروسا علنية في أصول احترام القانون الدولي!. كنا نتكلم عن تعديل معاهدة السلام لزيادة القوات المصرية في سيناء، فأصبحت اسرائيل تتحدث عن حماية دولية لسفارتها في القاهرة!.
أما الاعتداء علي مبني وزارة الداخلية ومحاولة اقتحام مديرية أمن الجيزة، فلا يمكن التحجج بأي أهداف من ورائه، إلا نشر الفوضي، واقتياد البلاد إلي نفق مظلم، لا تبدو في نهايته أضواء حرية أو ديمقراطية أو انتخابات. فكيف يمكن إنهاء حالة الطواريء، في ظل إجرام وترويع وانتهاك فاضح للقوانين وهدم متعمد لمؤسسة حفظ الأمن والنظام؟!. هل يمكن نقل الحكم إلي سلطة مدنية منتخبة إلا عبر انتخابات برلمانية ثم انتخابات رئاسية؟! وهل يتصور أحد ان تقويض الشرطة ونشر الفوضي يمكن أن يوفر مناخا مواتيا للأنتخابات؟!. الشارع المصري حزين علي الضحايا الذين سقطوا من أجل لا قضية. الشارع المصري قلق علي مستقبل بلاده.. قلق علي مصير ثورته. الشارع المصري يري أن مطالب الثورة لا يمكن أن تتحقق عبر الفوضي. الشارع المصري يتساءل: أين ثوار 52 يناير؟!. سن القلم لست أظن أن شهادة المشير حسين طنطاوي وشهادة الفريق سامي عنان في محاكمة القرن، ستكونان هما الفاصلتين في تحديد مصير الرئيس السابق حسني مبارك. فالمطلوب من الشاهدين في اعتقادي الاجابة علي سؤال محدد هو: هل أصدر الرئيس السابق أمراً مباشراً إلي القوات المسلحة باطلاق الرصاص علي المتظاهرين؟! وأيا كانت الإجابة سواء ب »نعم« أو »لا«، فلن تكون هي الحاسمة في الحكم علي مبارك، لسبب بسيط أن الجيش لم يطلق أي رصاصة علي المتظاهرين، ومن ثم لم تقع أي جريمة حتي بافتراض صدور أمر مباشر من مبارك للقوات المسلحة. ربما تحمل شهادة اللواء عمر سليمان واجاباته علي الأسئلة جديداً غير منتظر، وربما تكشف شهادة كل من منصور عيسوي ومحمود وجدي بوصفهما وزيراً حالياً أو سابقا للداخلية عن رد حاسم علي سؤال مهم هو: هل يستطيع وزير الداخلية الأمر باطلاق الرصاص دون الرجوع إلي رئيس الجمهورية بوصفه الرئيس الأعلي لهيئة الشرطة؟! لكن هل معني هذا أن هذه الشهادات أو غيرها هي الفيصل في ادانة أو براءة مبارك من دماء المتظاهرين؟! بالقطع لا.. فمبارك حتي لو لم يكن قد أصدر أمراً للعادلي باطلاق النار علي المتظاهرين، فلاشك أنه علم بضرب النار، وعلم بسقوط شهداء ومصابين، من أبناء الشعب الذي أقسم علي رعاية مصالحه وحقوقه وأهمها حقه في الحياة. ورغم ذلك لم يمانع ولم يأمر بوقف اطلاق الرصاص علي المتظاهرين. حق المستشار أحمد رفعت رئيس محكمة جنايات القاهرة الذي لا ينازعه فيه أحد ، أن يأمر بسرية جلسات محاكمة القرن في الأيام الخمسة المخصصة لشهادات كبار المسئولين العسكريين والسياسيين. لكني أتمني أن يصدر القاضي الجليل مع نهاية كل جلسة بياناً يلخص مجرياتها دون اخلال بما يراه من اعتبارات تتعلق بالعدالة والأمن القومي. ويقيني أن هذا البيان سوف يقطع الطريق علي الشائعات التي لابد أن تشيع وتنتشر في ظل حظر النشر بالصحف أو الاذاعة ووسائل الإعلام الأخري لاسيما أن السيطرة علي مواقع الانترنت الأجنبية والفيس بوك غير ممكنة والمحاسبة علي خرق الحظر من جانبهم غير متاحة. يوسف بطرس غالي ورشيد محمد رشيد الهاربان من أحكام بالسجن في قضايا فساد، موجودان حاليا في الدوحة. الانتربول المصري طلب من السلطات القطرية تسليمهما. ما رأي قناة الجزيرة؟!