ننشر قرارات "المحامين" بشأن الاستعداد لعقد عمومية طارئة    الوزراء: لا توجد أي مؤشرات على تغير مستوى الخلفية الإشعاعية داخل مصر    وزير الإسكان يتفقد محطة التنقية الشرقية لمعالجة الصرف الصحي بالإسكندرية    محافظ المنيا يُسلم 328 عقد تقنين لأراضي أملاك الدولة    ماذا قال بوتين ل ترامب بشأن التصعيد الإيراني الإسرائيلي؟    خبير عسكري يفجر مفاجأة بشأن الضربات الإسرائيلية ضد إيران    أنا مش هاوي، تعليق مفاجئ من أيمن الرمادي على أنباء انتظاره تدريب الزمالك    مؤامرة الحريم، محمد خميس يروي قصة قتل الملك رمسيس الثالث    متحدث الحكومة يكشف أسباب تأجيل افتتاح المتحف المصري الكبير: التداعيات الإقليمية ستستمر لفترة طويلة    مايان السيد تنشر صورًا من حفل زفاف شقيقتها وتعلق: "أختي أحلى عروسة"    أحاديث عن فضل صيام العشر الأوائل من شهر المحرم    التايمز: الدفاع البريطانية تأهبت قبيل هجوم إسرائيل على إيران لكن تم استبعادها    السياحة: منع الحج غير النظامي أسهم بشكل مباشر في تحقيق موسم آمن    أحدهم منافس الأهلي.. 6 لاعبين شباب متوقع لهم التألق في كأس العالم للأندية    مصدر ليلا كورة: الزمالك يرحب بعودة طارق حامد.. واللاعب ينتظر عرضًا رسميًا    خبير استراتيجي: إيران في مأزق كبير.. والجبهة الداخلية مخترقة بدعم أمريكي    نور الشربيني من الإسكندرية تؤازر الأهلي في كأس العالم للأندية    تزامنا مع دخول الصيف.. الصحة تصدر تحذيرات وقائية من أشعة الشمس    روبرت باتيلو: إسرائيل تستخدم الاتفاقات التجارية لحشد الدعم الدولي    صوت أم كلثوم على تتر مسلسل «فات الميعاد» | شاهد    "الإصلاح المؤسسي وتحسين كفاءة الخدمات الحكومية".. جلسة تثقيفية بجامعة أسيوط    تعليمات لرؤساء لجان امتحانات الثانوية العامة بالفيوم    مصر تستهدف 166 مليار جنيه استثمارات للصناعات التحويلية فى 2025-2026    بأغاني رومانسية واستعراضات مبهرة.. حمادة هلال يشعل أجواء الصيف في حفل «بتروسبورت»    شركة سكاى أبو ظبي تسدد 10 ملايين دولار دفعة مقدمة لتطوير 430 فدانا فى الساحل الشمالي    ديمبيلي يكشف عن الهدف الأهم فى مسيرته    كأس العالم للأندية.. باريس الباحث عن موسم استثنائي يتحدى طموحات أتلتيكو    الأكاديمية العسكرية تحتفل بتخرج الدورة التدريبية الرابعة لأعضاء هيئة الرقابة الإدارية    امتحانات الثانوية العامة.. الصحة تعتمد خطة تأمين أكثر من 800 ألف طالب    رئيس الوزراء يتفقد مركز تنمية الأسرة والطفل بزاوية صقر    تعاون بين «إيتيدا» وجامعة العريش لبناء القدرات الرقمية لأبناء شمال سيناء    تأجيل محاكمة 3 متهمين في حادث وفاة لاعب الكاراتيه بالإسكندرية ل28 يونيو للنطق بالحكم    محافظ كفر الشيخ يُدشن حملة «من بدري أمان» للكشف المبكر عن الأورام    لطلاب الثانوية العامة.. نصائح لتعزيز القدرة على المذاكرة دون إرهاق    رئيس جامعة القاهرة يهنئ عميدة كلية الإعلام الأسبق بجائزة «أطوار بهجت»    السجن المؤبد ل5 متهمين بقضية داعش سوهاج وإدراجهم بقوائم الإرهاب    تخفيف عقوبة السجن المشدد ل متهم بالشروع في القتل ب المنيا    خبير اقتصادي: الدولة المصرية تتعامل بمرونة واستباقية مع أي تطورات جيوسياسية    «التعليم العالي» تنظم حفل تخرج للوافدين من المركز الثقافي المصري لتعليم اللغة العربية    غدا.. بدء التقديم "لمسابقة الأزهر للسنة النبوية"    أهم أخبار الكويت اليوم السبت 14 يونيو 2025    غدا .. انطلاق فعاليات مؤتمر التمويل التنموي لتمكين القطاع الخاص    "القومي للأشخاص ذوي الإعاقة" ومؤسسة "شجرة التوت" يطلقان فعاليات منصة "القدرة على الفن - Artability HUB"    يسرى جبرى يرد على من يقولون إن فريضة الحج تعب ومشقة وزيارة حجارة    باستخدام المنظار.. استئصال جذري لكلى مريض مصاب بورم خبيث في مستشفى المبرة بالمحلة    تأجيل محاكمة " أنوسة كوتة" فى قضية سيرك طنطا إلى جلسة يوم 21 من الشهر الحالي    إيران تؤكد وقوع أضرار في موقع فوردو النووي    طلب إحاطة يحذر من غش مواد البناء: تهديد لحياة المواطنين والمنشآت    إجرام واستعلاء.. حزب النور يستنكر الهجمات الإسرائيلية على إيران    ضبط 3 عاطلين وسيدة بتهمة ارتكاب جرائم سرقات في القاهرة    وكيل تعليم الإسماعيلية يجتمع برؤساء لجان الثانوية العامة    مدبولي: الحكومة تبذل قصارى جهدها لتحقيق نقلة نوعية في حياة المواطنين    الطبيب الألماني يخطر أحمد حمدي بهذا الأمر    على غرار ياسين.. والدة طفل تتهم مدرب كاراتيه بهتك عرض نجلها بالفيوم    الصحة: قافلة متخصصة في جراحات الجهاز الهضمي للأطفال ب«طنطا العام» بمشاركة الخبير العالمي الدكتور كريم أبوالمجد    جماهير الأهلي توجه رسائل مباشرة ل تريزيجية وهاني قبل مباراة إنتر ميامي (فيديو)    «الإفتاء» توضح كيفية الطهارة عند وقوع نجاسة ولم يُعرَف موضعها؟    ما حكم أداء النافلة بين الصلاتين عند جمع التقديم؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



البلطجي / قصة قصيرة
نشر في شباب مصر يوم 10 - 01 - 2012

" التابعي جاد السيد " أتمتم في خاطري وأنا أركض مسرعاً ... إنه يركض بجانبي ... لاأصدق هذا ... تنهب قدماي مروجاً شاسعة منبسطة أمامي تمتد إلى مالانهاية في جنح الظلام ... أسابق الريح لا أعلم إلى أين ؟! ... مازلت أركض وتزداد سرعتي ... أضواء مركزة توهج وتخبوا من حولي وأنا أهرب منها لأتوارى في الظلام ... الأرض فسيحة أمامي وبجانبي سياج طويل مرتفع ليس بامكاني تسلقه ويمتد بلا نهاية ... كلما يأتي الضوء نحوي أسرع أتخفى في الظلام ... يختفي الضوء ويظهر من جديد ... يبدأ خافتاً ويزداد توهجا رويدا رويدا ... السياج الحديدي أشعر أنه يركض بجانبي ... الأضواء التي أهرب منها صارت بعيدة توشك أن تتلاشى ... أصبحت الرؤية من حولي تكاد أن تكون معدومة ... أسمع دقات قلبي التي تتناغممع خطواتي السريعة ... الهواء البارد يلسع وجهي ويتدفق من أنفي وفمي إلى رئتى في منظومة يعزفها صدري وهو يبصق الزفير بسرعة ركض قدمى التي تندفع وتدوس على أرض سهلة طرية ممتدة امتداد الظلام ... السياج مازال بجانبي يغوص في السواد الدامس ...ذراعاى تتطوحان في الهواء ... يدي اليسرى تلمس شيئا خشنا ... أحس بشخص يركض بجانبي ... يلتصق الكتفان ويفترقان .. تتعثر الذراعان وتتخبط .. أصبح يلتصق بي من الجانب الأيسر .. تصطدم ذراعي بشئ خشن .. تتخبط يدي في يده وفي بطنه .. أصابني الهلع .. انطلقت قدماى تعدوان كحصان جامح .. لاترى عيناى الكثير .. بصيص من الضوء يأتي من بعيد .. مازلت أشعر أنه يعدو بجانبي .. بدأت قواى تخور وأخذت قدماى في البطء قليلاً .. كلانا يلهث .. أسمع صوت صفير الهواء في رئتيه ، بدأت الرؤية تنجلي قليلاً ، أخذت يديه تتلمس ذراعي ، أدفع يده عني بيدي ، اصطدمت كفي بمعدته الكبيرة ، أكاد أتبين ملامحه وأرى وجهه على بصيص الضوء الخافت البعيد ، إنه هو !! ، لعثم تفكيري المفاجأة .. " (التابعي جاد السيد) ، ألم يمت !! أما زال حياً !! ،
لقد رأيته وهو ينزلق من على الإفريز الخارجي لهذا المبنى الشاهق الارتفاع - الطابق الرابع أو الخامس ، لا أتذكر - ، رأيته يهوي وسمعت صوت ارتطام جسده بالأرض وأفراد من الشرطة العسكرية والمدنية يهرعون إليه من كل صوب " ، وأنا كامن داخل هذا التراس (البلكونة) ذات الإفريز المنبعج إلى الخارج وبه فتحات تسمح للقابع داخل التراس أن يرى ما يحدث خارجه ، كنت أختبئ مذعوراً ألملم جسدي وأتكور كالقنفذ عند الخطر .. يطيش بصري وأنا أسمع صوت الطلقات النارية تتطاير حولي من كل صوب ، تضيق حدقة عيني وتتسع مع ضجيج وزمجرة الرشاشات والمدافع متأثرة بإرهاف سمعي ونفوره ، استشعرت الأمان وأنا أرى انزلاق أقدام ذلك المدعو ( التابعي جاد السيد ) أشهر وأعتى مجرمي وبلطجية المنطقة .
هبّ الشباب والشعب في جميع أركان البلاد بعزم وإرادة بثورتنا البيضاء ضد الفساد والظلم
والاستعباد ونجحت الثورة في إسقاط النظام ورأس النظام والفساد ورؤس الفساد وواكب الثورة الكثير من الأحداث الخطيرة التي كان لها الأثر الكبير والخطير على المجتمع المصري ... انسحاب جهاز الشرطة من مسرح الأحداث وفتح السجون وهروب المساجين والمجرمين وما تلاه من انفلات أمني وأخلاقي والهجوم على مراكز الشرطة وسرقة الأسلحة المختلفة بجميع أنواعها ... زادت أعمال الإجرام والعنف والبلطجة في جميع البلاد .. انتشرت الوقفات الاحتجاجية والمطالبات الفئوية والمظاهرات في كل مكان مما جعلها مناخاً سهلاً وميسراً للبلطجية والمجرمين ومرتعاً لأعمال العنف والبلطجة .. وتآمر بعض الفاسدين والمفسدين علي ضرب وحدتنا الوطنية .. من هدم كنائس .. وتفجير أضرحة وبعض المرافق الحيوية في البلاد .. وجاء دورجيشنا الوطني المشرف الذي أخذ على عاتقه احتضان الثورة منذ البداية وحمايتها والتعهد بإدارة شؤن البلاد وحمايتها وحماية مؤسسات الدولة إلى أن يتم تسليم البلاد إلى حكومة مدنية ينتخبها الشعب .
كان من الضروري استعادة الأمن والأمان الذى انفلت زمامه في البلاد وإعادة هيكلة جهاز الشرطة وتأهيله لخدمة الشعب والمجتمع حيث أنه كان من ضمن أحد الأسباب الرئيسية لاندلاع الثورة فقد كان يخدم أمن فئة خاصة من المجتمع من بينها النظام الحاكم ورأس النظام والبقية من المنتفعين والفاسدين " العصابة التي كانت تحكم البلاد وتفننت في نهب الخيرات وإزلال العباد وسلب الثروات وأراضي الدولة بطريقة منظمة على مدي ثلاثين عاماً " وقد تفنن الكثير من أفراد الشرطة في ظلم وإهانة وإزلال فئات كثيرة من الشعب وكبت مشاعر السواد الأعظم من العباد بالأعمال الدنيئة والعنف والإجحاف البين التي كان يرتكبها ذوو النفوس الضعيفة غير السوية من رجال الشرطة ، هذا بخلاف تصدي جهاز الشرطة بقواته المختلفة للثورة والثوار واستعمال الأسلحة والذخيرة الحية في قمع الثورة والثوار رغم سلميتها مما أدى إلى سقوط المئات من الشهداء والجرحى من أبناء مصر الثورة .
كل هذه الأحداث أفقدت المصداقية والثقة بين الشعب والشرطة المدنية وكان لزاما علينا إعادة تأهيل وهيكلة جهاز الشرطة ووزارة الداخلية من جديد ومضت الدولة بخطى كبيرة في تنفيذ هذة الإجراءات ، وبدأت الشرطة المدنية بمساعدة فرق عديدة من الجيش حملاتهما الموسعة والمكثفة لاستعادة الأمن والأمان في البلاد والقبض علي الهاربين من السجون من القتلة والمجرمين .
" التابعي جاد السيد " كان واحداً من البلطجية الكثيرين المنتشرين في جميع البلاد الموالين للنظام السابق والذين كانوا يمثلون الطابور الثاني بعد الشرطة واليد الطويلة الآثمة الغاشمة لخدمة الأعمال القذرة والمشبوهة والتي تطول ما لا تطوله يد الشرطة أو يتنزه عنها بعض رجالها ، كانت منظومة كبيرة من الفساد وسلسلة متكاملة من الاستبداد تطبق بإمعان حلقاتها علي أحلام وآمال السواد الأعظم من أفراد المجتمع لخدمة فئة قليلة من السلطة وبعض رجال الأعمال المشبوهين الفاسدين ، سقط النظام وأتباعه وأعوانه ومواليه ورجال الأعمال الفاسدين
وقُدموا للمحاكمات ودخلوا السجون ومازالت المحاكمات مستمرة ...
أصبحنا نسمع عن أعمال العنف والبلطجة والإجرام وعصابات قتل وسرقة بالإرهاب ، بسط بعض البلطجية أياديهم وسلطتهم على مناطق كثيرة في البلاد وفرض السيطرة والإتاوات على بعض التجار وانتشرت أعمالهم الإجرامية في كل مكان ، صار لكل بلطجي عصابته الخاصة تدعمه وتأيده وتحميه .
أخذ ينفث سيجارته المعبأة بالحشيش وهو يرقب الدخان الكثيف المنبعث من فمه في خيلاء وإرتياح ، جالساً على الأريكة المريحة وسط رجاله وأعوانة الذين أعدوا له حفلاً كبيراً لابنته الصغيرة " منى " في عيد ميلادها السادس ، أصر " التابعي جاد السيد " على أن يحي حفل عيد ميلاد ابنته الغالية راقصات فاتنات لا يقل عددهن عن إثنتى عشرة راقصة لولبية فتية عفية وقد كان : تم إقامة سرادق كبير ضخم على إمتداد الشارع أمام المبنى الذي تقطن به أسرة صديقنا " التابعي " المكونة من الزوجة " هند " والأبن " أحمد " ذي الخمسة عشر ربيعاً ، وتم تزويد السرادق ببوفية كبير لإعداد متطلبات الحفل من المشروبات المختلفة وإعداد لوازم الدخان من جوزه " أرجيلة " وفريق من العاملين لرص المعسل وتطعيمه بالحشيش وإعداد الفحم لخدمة رواد الحفل وتلبية طلباتهم ، وتجهييز سيارتين نقل من الحجم الكبير " تريللا " دون رأس وتم فرشهما بالمخمل وإعدادهما كمسرح للفرق الموسيقية والراقصات ، طقم من الأرائك والطاولات الفخمة لكبار المدعوين من بلطجية الأحياء المجاورة والبلدان القريبة وتزويد السرادق بباقي الكراسي والطاولات والإضاءة الجيدة في كل ركن ومكان .
وبدأ الحفل الصاخب والصوت الضخم من مكبرات الصوت الصاخبة أيضاً والموسيقى الصارخة والطبول والزمور وشرعت الراقصات اللولبيات الفاتنات المايصات يتقصعن
ويتلولون ويتمايلن فوق المنصة الكبيرة والفرقة الموسيقية تعزف الأغاني الشعبية الهابطة الخليعة والمطربون الصاعدون شباب دلعني وشخلعني وقطعني وارميني في الزيت .
الكل هايص وزايط بين شرب وشد ومد والعيون تنخلع من محاجرها وتلقي ببصرها جاحظة على الراقصات الكاسيات العاريات اللاتي كن يتبارين في إظهار المفاتن والتضاريس الخفية ، كانت الراقصات تعتلين المنصة بالجوز والفرد وحسب رغبة الجمهور ، الليلة لعلعت والجوز زغردت والمشاريب لألأت في الصواني وشبورة من الدخان الصاعد لاح يتخلل الإضاءة وفوانيس النور وترتفع حتي تجتاز عواميد النور الحكومية أيضاً .
صعد اثنان من عصابة البلطجي صاحب الحفل أحدهم يمسك في يديه دفتراً وقلماً والآخر أمسك بالميكروفون وهنا بدأ قطاف الثمار الحقيقية والتي من أجلها أقيم هذا الحفل !!
- " ألف جنية وتحية خاصة من مصطفى الزعتور وفتوات السيالة بدمياط "
- " ألف ومئتين جنية وتحية كبيرة من عزوز التهامي وفتوات الجرابعة "
- " تحية كبيرة قوي من زعيم الشوافي وحيتان المينا وألفين جنية - رقصني ياجدع "
وعلي التوالي كل من الزعماء ( البلطجية ) الحاضرين يودع مبلغاً من المال و صاحبنا الممسك بالميكرفون يهلل ويفخم ويرحب بفخر وسط لعلعة الموسيقى وهزهزة الأثداء والأرداف وتمايل الراقصات ، وصاحبنا الأخر يسجل الأسماء والأماكن والمبالغ المودعة " فلان من الإسماعيلية وعلان من المنصورة وتلان من القنطرة " .
كلُ أخذ يفخر ويتباهى وهو يقدم فروض الولاء والطاعة هذا غير الأموال التي أخذت ترف على رأس أخينا "التابعي جاد السيد" ومن كثرة الأموال المودعة يخيل للسامع والرائي أن البلد كلها تحولت إلى بلطجية ، وبدأ الرقص بالسيوف والسنج واستعراض القوة والطلقات النارية والصوتية في الهواء ، الكل يستعرض فرقته ورجاله كأنها فرق من الجيش ! .
اقترب الفجر ومازال الطبل والزمر والرقص دائراً في حينا ، والرؤوس أثقلها الدخان المعمر والشرب المقطرن وبلبعة أقراص الترمادول المخدرة - التي ترتفع بسقف الدماغ - وبدأت الألسن تنطلق وتنفلت ، شرع شبه الفائقين من الرجال يهدؤون من الاضطراب الذي شاع في الجو والذي كاد أن يؤدي إلى مذبحة حقيقية في الحي .
تنفس سكان المنطقة - المحيطة بالسرادق - الصعداء وهم يشاهدون المدعوين يغادرون المكان تباعاً في سياراتهم الملاكي والربع نقل والموتوسكلات وانتهاء الحفل على خير .
انتفض فزعاً عند سماع خبر مقتل صديقه ( حسن الشوافي ) أثر مشاجرة كبيرة مع عصابة أخرى من البلطجية ، اقتطب وجه ( التابعي جاد السيد ) واتسعت عيناه وهو يوجه نظره إلى أحد الرجال الذين آتوا إليه بالخبر قائلاً :
- إززاى .. ؟ - ضاغطاً أسنانه بشدة - كيف حدث هذا !؟ تبرق عينيه وتصتدم أقفاصها بالمحاجر .
- سرق (الشوافي) مع رجاله حاوية كبيرة من الميناء مليئة بالخير وكان شريكه (عاطف) ...
" (عاطف) من ؟ " " (أتوف أبو لوزة) أكبر مهرب في المينا هو وعصابته .. هل نسيته !؟".
استطاع كل من ( حسن الشوافي ) و ( أتوف أبو لوزة ) إخراج الحاوية (الكونتينر) المسروقة
من الميناء ولاذا بصيد ثمين إلا أن الطمع جعلهما يختلفان في تقسيم الوليمة فنشبت بينهما مشاجرة كبرى ، معركة حربية اُستخدم فيها جميع أنواع الأسلحة ، لمعت السيوف وقعقعت السنج وزمجرت البنادق والرشاشات واستنفرت المسدسات الآلية أصحابها ، فرّ مَن فر وإلتحم
مَن إلتحم وفارت الدماء وانسكب كثيرها ، كر وفر وسقوط وقيام .. معمعة ..
" أفرغت في صدره خزنة الطلقات كلها " .. يصيح (عاطف أبو لوزة) بصوت عال وهو يجري حول رجاله رافعاً في قبضته مسدسا آليا تنتابه حالة من الهستريا المشوبة بفخر الإنتصار .
انتهت المعركة بقتل (حسن الشوافي) وسقوط الكثير من الجرحي و إضافة المزيد من المجد والإنتصار والصيت إلى الهجام والمهرب البلطجي ( عاطف أبو لوزة ) .
وكما تعودنا في الأحداث الأخيرة بعد الثورة ... تأتي الشرطة وأفراد الجيش بعد إنتهاء المعركة ويكون حصادها الجرحى والأموات .
استشاط ( التابعي جاد السيد ) غضبا شديداً لمقتل صديقه وأضمر شراً مستطيراً للمدعو
( أبو لوزة ) وتعهد أمام رجاله قائلاً : " نهايته على إيدي بعون الله " .
بدأت المناوشات والصراعات تنحو نحواً خطيراً بين العصابتين ... شرعت كل عصابة
تستقطب أعضاء جدد والأدهى من ذلك انضمام العصابات إلى بعضها ( أتحاد العصابات )
انضمام بعضها لعصابة ( التابعي ) والبعض الآخر إلى عصابة ( أبو لوزة ) .
واستمر الصدام والقتال والحروب اليومية بين العصابات وميادين كل معركة تختلف أماكنها باختلاف التربص والأكمنة ، وسط المدينة مرةً ومرات كثيرة أطراف المدينة ، وتعددت اللقاءات التي أصبحت صورة من حياتنا اليومية وحكاياتنا المتكررة في المقاهي والمنازل والمكاتب وأماكن أعمالنا والأسواق والحوانيت .
أصبحت العباد تخشى بعضها البعض .. في الشوارع .. في المعاملات المختلفة بينهم ، وخاصة عندم يستمعون عن وحشية المعركة التي نشبت اليوم وحصيلة الجرحى والقتلى أثناء المعركة ، والأسلحة العديدة والفريدة المتنوعة المستخدمة ، الناس كأن على رأسها الطير يتوخون الحذر ويترقبون وعند الخطر كلُ يلوذ للأمان ، اصبحت حاجتنا للأمن والأمان أكثر منها للغذاء ، باتت الناس تشتاق لمكان آمن تستنشق فيه عبق نسيم الحرية والأمان .
أخذت العصابات تقتل بعضها البعض بشكل شبه يومي وشاع صيت أسماء بعض البلطجية في
لوحة شرف سجل الحرامية وعتاة الإجرام ، وجاءت اللحظة الحاسمة السانحة والتي اقتنصها
( التابعي جاد السيد ) البلطجي .. البطل غير المشرف لقصتنا .
استطاع ( التابعي ) أن يكمن بخبث للبلطجي ( ابو لوزة ) وأفرغ في صدره عبوة الطبنجة الخاصة به ، زاع صيته وطاش عياره وخلت الساحة له وأصبح الكثيرين يؤتمرون لأمره .
تنوعت البلطجة واختلفت أساليبها وتوغلت في نواحي حياتنا اليومية ، تؤثر وتتأثر في وبجميع أنشطة معاشاتنا وبات هناك بلطجية البوتاجاز وبلطجية السولار وزادت الأنشطة من سرقة وقتل وسطو مسلح وعصابات سيارات وخطف أفراد ، أصبحنا وأمسينا نستمع إلى جرائم فريدة وجديدة على مجتمعنا .
كثفت الشرطة والجيش الحملات الموسعة من أجل فرض السيطرة والأمن ، استطاعت القبض على الكثير من المجرمين والخارجين على القانون والهاربين من السجون ، وتم ضبط الكثير من الأسلحة بجميع أنواعها ومن بينها ( مدفع ) والأدهى من ذلك مصانع أسلحة ! ، " لك الله يا مصر " .
زاد نشاط (التابعي جاد السيد) وزادت حصانته بين أقرانه وكثرت جرائمه ، أصبح العنف والجموح متلازمين لروحه الإجرامية ، تجمدت مشاعره ومات قلبه جرأةً وعصفاً .
فات بسيارته الخاصة هو وبعض من رجاله على إحدى حملات الشرطة والقوات المسلحة الكامنة على منفذ الطريق خارج المدينة ، فما كان من (التابعي) إلا أن أخرج طبنجته وأردى ضابطاً قتيلاً وأصاب بعضاً من أعوانه من الضباط والجنود وفر هاربا بجريمته الشنعاء .
استمرت الحملات التفتيشية المكثفة للبحث عن ( التابعي جاد السيد ) دون جدوى ، فبالرغم من تواجدة الدائم وجرائمه المستمرة إلا أنة كان يحسن التخفي بين أقرانه ، واضطرت الشرطة بالتعاون مع أفراد القوات المسلحة بنصب الأكمنة المختلفة له ومع هذا فشلت الكثير من الأكمنة معه وفر منها هارباً .
خرجْتُ في إحدى الأمسيات لشراء بعض متطلبات المنزل ، أهدتني قدماى إلى المركز التجاري ( مول المدينة ) الذي أفتتح حديثا في المدينة ، كانت فرصة للتجول داخل ( المول )
ومشاهدة طوابقه المتعددة والحوانيت الجديدة المتنوعة و(السوبر ماركت) الضخم الذي يحتوي
على كل شئ ، " بالطبع من دون الصاروخ " قلتها في خاطري وأنا أتطلع يروقني رؤية الكثير من الأغراض والمعروضات المتنوعة والأقسام المتعددة داخل ( السوبرماركت ) .
راقني أيضا الدرج المتحرك الذي إعتليته إلى الطوابق العليا ، ورؤية الناس تزدحم هنا وهناك
لكثرة العروض والتنزيلات .
كان أحد الطوابق يحتوي بعض الحوانيت لبيع الذهب وقد استرعاني بريق الذهب كما استرعي انتباه الكثيرين والأقدام تتجول هنا وهناك وإذا بأصوات طلقات نارية خفيفة وثقيلة تطيش في كل مكان والناس تجري في كل صوب وتتعثر من حولي ، فجأة امتلأ الطابق بأفراد من رجال الشرطة والجيش وبين راكض ومهاجم ومصوب وأربعة آخرون من المجرمين مدججين بأسلحتهم يتبادلون إطلاق النيران وبينهم ( التابعي جاد السيد ) ، فر وكر وقفز وفزع من هنا وهناك ، نظرت حولي فرأيت نافذة بجانبي قد تحطم زجاجها من اطلاق الرصاص فقفزت خارجها أحتمي من الطلقات الطائشة داخل (بلكونة) صغيرة ذي نتوء بارز يتحوطه إفريز خارجي بأعمدة صغيرة متفرقة أرى خلالهما مروج خضراء شاسعة على امتداد رؤيتي .
لقد كان كميناً أحكمت الشرطة اعداده للقبض على البلطجي (التابعي) ، استشعرت ببعض الأمان عندما رأيت (التابعي) يسقط أثناء هروبه من الشرطة جثة هامدة كما بدا لي ، خرجت
من مكمني وهرولت مسرعاً عبر الدرج الذي قادني إلي مخرج جانبي أركض عبر المروج الشاسعة الممتدة في الظلام .
انبلجت خيوط الضوء لتنسج فجر يوم جديد وصارت الرؤية واضحة من حولنا وقد أعياني
التعب وأخذت قدماى في البطء وبجانبي (التابعي جاد السيد) بشحمه ولحمه يخور ويجر جراً قدميه المنهكتين .
- ما الذي أتى بك إلى هنا يا عم سعيد ؟ بصوته الأجش المبحوح موجها حديثه إلي .
- وأنت ألم تمت ؟ لقد رأيتك بعيني وأنت تسقط هامداً .
- عُمْر الشقي باقي يا عم سعيد .. هيا لنجد مخرجاً من هذا المكان .. وتأبط ذراعي وسرنا سويا بمحاذاة السياج الذي كاد أن ينتهي .
شعرت وأنا أسير بجانبه أنني رهينته لبر الأمان ، حقا أنه يعرفني ونحن من منطقة واحدة ولكن لم يجر بيننا حديث من قبل .. ليس بيننا وِد أو عداء .. ولا أستطيع أن أتكهن بالسلوك
الذي سيتبعه نحوي .
أسترعى إنتباهي وهو يشير إلى باب في نهاية السياج يصل بالسياج الأخر المتعامد عليه .. اقتربنا منه .. أومأ إلي برأسه أن أفتح الباب .. وأشار بأصبعه إلى عينه وإلى الباب إشارة أن أرى أيضاً خارج الباب .. خطوت بحذر أدفع بيدي الباب الموارب .. أتطلع يميناً ويساراً ..
أفلتُ يدي من يده وركضت مسرعاً .. هرع يلحق بي مجعجعاً مغمغماً وما كاد يبتعد قليلا عن
الباب إلا وأفراد الشرطة والجيش يحيطون بنا من كل صوب .. دفعني بيده بقوة فسقطت أرضا
وأخرج الطبنجة في حركة تمثيلية ... أصمّت الأعيرة النارية أذني وبالكاد سمعت ارتطام واصطدام ( التابعي جاد السيد ) بالأرض مدرجاً في دمائه .
حمل إبنه الأكبر ( أحمد التابعي جاد السيد ) ابن الخمسة عشر .. حمل لواء البلطجة والأجرام
من بعد أبيه ( التابعي جاد السيد ) .
تمت
بقلم / السيدالعربي رزق


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.