سواء كانت رواية امين الشرطة المحكوم عليه بالاعدام ل الاهرام صادقة او غير صادقة, فالأمر يحتاج الي وضع قواعد للاشتباك عند تعامل رجال الشرطة مع المجرمين والبلطجية.. قواعد معلنة وواضحة وشفافة تضع الأمور في نصابها وسط هذه الفوضي الأمنية التي تأخذ البلاد الي مسار مختلف تماما عما اراده الثوار وعما يحلم به الشعب في مستقبل اكثر امنا ورخاء. وعلي اي الأحوال أتمني أن أصدق أن الرجل كان ينفذ تعليمات واجبة التنفيذ ضد مجموعات من الشباب الذين استغلوا احداث الثورة للثأر من قسم الشرطة والجهاز الأمني بأكمله ربما بدفاع حماس الثورة دون ان يدركوا ان هذه الهجمات سوف تسفر عن فراغ امني رهيب. وبديهي ان عودة الثقة الي جهاز الشرطة.. واقصد بالثقة هنا, ثقة ابناء الشرطة في انفسهم وفي مساندة الشعب لهم اثناء ممارستهم لدورهم الذي يتعرضون بسببه لمخاطر حقيقية تؤدي في كثير من الأحيان الي استشهادهم.. ويحتاج هذا الأمر الي كثير من الخطوات والاجراءات. والمؤكد انه لا يمكن ان نستمر في الخضوع لابتزاز البلطجية واهالي المجرمين الذين ينتشرون الآن في كل مكان يسعون لتوسيع نطاق الفوضي لتحقيق مصالحهم الاجرامية ولفرض سطوتهم علي المجتمع وعلي السلطة.. وقد حدث بالفعل ان ازهقت ارواح كثير من ابناء الشرطة قبل ثورة يناير دفاعا عن البسطاء, كما حدث ان استشهد بعضهم في اثناء الثورة, ولا نعرف عدد شهداء الشرطة الان ولا عدد شهداء القوات المسلحة الذين دفعوا ارواحهم ثمنا غاليا لضبط النفس والحفاظ علي بياض الثورة وعدم اراقة دماء شبابها.. وحدث ان اضطر الكثير من رجال الشرطة الي التخلص من اسلحتهم حتي لا يضطروا الي استخدامها ضد الثوار.. وحدث ايضا ان واجه بعضهم مصيره ذبحا داخل الاقسام وعلي اعتاب منازلهم, وهذا طبعا لم يكن فعل الثوار من الشباب الذين انتفضوا للدفاع عن مستقبل مصر وابنائها.. ولكنها افعال بلطجية اطلق سراحهم عمدا ليجهضوا الثورة. مجلس الوزراء اكد في اجتماعه9 مارس الماضي وقوفه بكل قوة بجانب رجال الشرطة في اثناء تصديهم لحالة الفوضي التي اجتاحت البلاد بطولها وعرضها.. مؤكدا حقهم في الدفاع الشرعي عن النفس في حالة تعرضهم للاعتداء عليهم داخل منشآتهم الشرطية وبالطبع في اثناء ممارستهم العمل في اي مكان اخر تمتد اليه خدماتهم في توفير الأمن.. لكن يبدو ان شيئا لم يتحقق في سبيل اعادة الثقة الي هذا الجهاز الذي تعرض لموجات قاسية من الهجوم الي درجة ان الشتائم والسباب تنهال عليهم علنا في الشوارع بل ان الأيدي تمتد بالاعتداء عليهم دون ان يكون من حقهم الرد او الدفاع عن انفسهم بحجة ضبط النفس وعدم استفزاز الأهالي. اي منطق يحكم هذا البلد ؟.. واي مستقبل يراد له في ظل العجز التام للجهاز الأمني في الدفاع عن نفسه ؟.. لا يجب بحال من الأحوال ان تظل تجاوزات حبيب العادلي ورجاله في خدمة النظام السابق, مبررا لتجاوزات من نوع آخر يمارسها كل المجتمع الآن ضد جهاز الشرطة.. ونعلم جميعا ان الغالبية العظمي من الضباط والأمناء هم من أبناء الناس المحترمين ويمارسون دورهم طبقا لتقاليد راسخة تمت تربيتهم عليها رغم انهم جميعا امضوا طوال فترة خدمتهم تحت قانون الطوارئ الذي افسح لهم المجال واسعا للتجاوزات.. فليس كل رجال وأبناء الشرطة مذنبين.. حتي وان كان البعض منهم مذنبا, فجزاؤه وحسابه لا يمكن ان يكون في يد البلطجية, بل من خلال قواعد واضحة وشفافة تطبقها الأجهزة الرقابية الرسمية. انها حالة من الاذلال المتعمد المريع تسقط معه كل دواعي حماس رجال الشرطة لتأدية الواجب.. لقد وصل الحال الي درجة مجازاة رجل شرطة برتبة كبيرة حاول ان يدافع عن زوجته في الشارع بعد ان تعرضت الي معاكسة بذيئة من احد البلطجية المتنطعين وما اكثرهم.. ومثله مثل أي مواطن محترم يتعرض لمثل هذا الموقف لقن الضابط ذلك المجرم علقة لا نعرف ان كانت ساخنة ام باردة.. المهم انه تصرف بالشكل الصحيح بعقلية الرجل الشرقي.. وكانت النتيجة ان تم عقابه لأنه لم يضبط نفسه ولم يسمح للبلطجي بالتمادي في معاكسة زوجته.. وقد كنت شاهد عيان لواقعة اعتداء سائق ميكروباص علي عقيد شرطة طلب منه ابراز رخصة القيادة, ولم يملك العقيد سوي ضبط النفس, وواقعة اخري مماثلة سخر فيها سائق سيارة ملاكي من نقيب شرطة قائلا هو انتم لسه بتشوفوا الرخص ؟!! وتركه وذهب في طريقه, وايضا لم يملك النقيب سوي ان يضبط اعصابه ونفسه.. والحكايات كثيرة وكلها تنذر بتزايد حالة الاذلال التي يتعرض لها رجال الشرطة يضاف اليها السخط العام علي ما آلت اليه احوالهم المادية التي لا تكفي لسد احتياجات اي اسرة متوسطة الحال.. وقد اعلنها العادلي صراحة ذات مرة علي شاشة التليفزيون عندما قال ان رجال الشرطة ليسوا في حاجة الي زيادة المرتبات لأنهم يعرفون كيف يدبرون احتياجاتهم.. هكذا كان الرجل ينظر الي ضباطه باعتبارهم جميعهم فاسدين ومرتشين.. بل كان يدفع من لم يقع بعد في دائرة الفساد الي ان يفسد. نجاح البلطجية في ابتزاز الحكومة والرأي العام جعلهم يتمادون في طغيانهم.. وفي الأيام الأخيرة نكتشف زيادة محاولاتهم مؤيدين من الاهالي وبعض العامة والدهماء لهدم جدران اماكن الاحتجاز داخل اقسام الشرطة للهروب منها بل ووصل الأمر الي تنظيم هجوم منظم علي الأقسام لتهريب المحتجزين. ثم.. هل نسينا ان هؤلاء البلطجية قد احرقوا ودمروا 90 قسما للشرطة و4 آلاف سيارة شرطة, ولا نعلم كم الأسلحة التي تم نهبها والتي تباع الآن في الأسواق جهارا نهارا ليتحول الشعب الي ميليشيات مسلحة. والسؤال الآن.. هل احد من ابناء الشرطة مستعد ان يلتف حول عنقه حبل المشنقة من اجل ان يدافع عن الناس الأبرياء والغلابة ؟ لا اظن.. والمؤكد ان شعب مصر كله سوف يظل يعاني لسنوات طويلة نتيجة الغياب الحقيقي للشرطة. [email protected] المزيد من مقالات محمد السعدنى