العصر العتيق هو العصر الذي شهد فترة حكم ملوك الأسرة الأولى والثانية في مصر القديمة بعد نجاح الملك "نعرمر" في توحيد القطرين – كما تشير بذلك لوحة "نعرمر" المكتشفة في الصعيد والموجودة الآن بالمتحف المصري بالقاهرة – وقد استمر هذا العصر "أي استمر حكم ملوك الأسرتين الأولى والثانية لمصر الفرعونية أو مصر القديمة" حوالي 500 عام – منذ عام 3200 قبل الميلاد وحتى عام 2700 قبل الميلاد – على حد قول بعض العلماء (انظر كتاب في تاريخ مصر القديمة لدكتور محمد علي سعد الله ص 55 ، 89 ). لكن هذه الفترة الكبيرة من تاريخ مصر القديم كيف كانت الحياة الاقتصادية خلالها؟ هذا ما تحدث عنه العالم والتر إمري في كتابه "مصر في العصر العتيق" من خلال ما ورد لديه من آثار العصر العتيق المكتشفة في عهده. بالنسبة للصادرات و الواردات كان هناك تجارة داخلية منظمة و منتشرة في مصر في العصر العتيق و كان هناك تبادل تجاري للسلع بين مصر و جيرانها الأجانب و كان على نطاق واسع منذ أقدم العصور ، و الدليل على ذلك وجود أدوات غير مصرية في مصر (1) مثل الأختام الأسطوانية التي وجدت في مصر منذ عصر حضارة جرزة و كانت من ملامح حضارة بلاد الرافدين . و يرجع السبب في انتشار التجارة الداخلية و الخارجية إلى الموارد الطبيعية التي وجدت في مراكز متعددة و متباعدة في مصر كسقارة و أبيدوس و هيراكنبوليس (2) . و قد كان المصريون في ذلك العصر يحصلون على الموارد الطبيعية و الأحجار و المعادن من مناطق كثيرة ، فقد كانوا يحصلون على المرمر من محاجر حاتنوب في الصحراء الشرقية و من منطقة خلف بحلوان و كانوا يحصلون على البازلت من الفيوم و الديوريت من الصحراء الشرقية و أسوان (3) و غير ذلك من الأحجار و المعادن . بالإضافة إلى ذلك ، طبقا لما يذكره حجر بلرمو فقد انتشرت تجاة الأخشاب و استيرادها في مصر في العصر العتيق حيث كان يتم استيراد خشب الأرز من لبنان و سوريا و كان يتم استخدامها في البناء و الصناعة و صناعة المراكب ، حيث يذكر حجر بلرمو أن هناك سفنا صنعت من خشب الأرز في عهد الملك عحا أول ملوك الأسرة الأولى (4) . ويبدو أن الصناعة في العصر العتيق كانت مزدهرة حيث أنه بجانب الأواني المصنوعة من الفخار تم العثور على أوان مصنوعة من أحجار أخرى أجمل وأغلى مثل حجر الألباستر "الرخام" الأبيض، كما أن مقبرة الملك "دن" أحد ملوك الأسرة الأولى كانت أرضيتها مصنوعة من الجرانيت الأحمر والأسود. كذلك ازدهرت التجارة إلى حد كبير كما أوضحنا فيما سبق ويوجد اسم الملك "نعرمر" على صخور وادي القاش جنوب الطريق التجاري بين قفط والقصير مما يدل على وجود بعثات تجارية في تلك المناطق، كما وجد اسم الملك "واجت" في الصحراء الشرقية على صخرة جنوب إدفو مما يدل على وجود بعثات تجارية أو تعدينية في تلك المناطق"انظر كتاب في تاريخ مصر القديمة ص74". من خلال كل ذلك يتضح لنا أن ملوك العصر العتيق بعد توحيد القطرين اهتموا اهتماما كبيرا بالمشروعات الاقتصادية في مصر حتى بلغت مصر ازدهارا اقتصاديا عظيما في تلك الفترة من تاريخها القديم. (1) والتر إمري ، مصر في العصر العتيق ، ترجمة / راشد محمد نوير ؛ محمد علي كمال الدين ، مراجعة / عبد المنعم أبو بكر ، نهضة مصر للطباعة و النشر و التوزيع ، يناير 2000 ، ص175 . (2) المرجع نفسه ص175 . (3) المرجع نفسه ص175 . (4) نيقولا جريمال ، تاريخ مصر القديمة ،الطبعة الثانية ، ترجمة / ماهر جويجاتي ، مراجعة /زكية طبوزادة ، دار الفكر للدراسات و النشر و التوزيع ، القاهرة 1993 ، ص62 . بالإضافة إلى ذلك فقد عرفت مصر في العصر العتيق استيراد الأبنوس من الجنوب و الأوبسيديان و اللازورد من غرب أسيا . و في الحقيقة إن معلوماتنا عن صادرات مصر في العصر العتيق قليلة و لكن ما يدل على وجود صادرات و تجارة خارجية لمصر هو العثور على أوانٍ حجرية – و التي كانت تُعْتَبَرُ من أهم الصادرات المصرية في ذلك الوقت – في كل من بيبلوس و فلسطين و كريت بالإضافة إلى بلاد اليونان الأصلية(1) . كانت صناعة الفخار من أهم الصناعات في مصر في العصر العتيق و كان الفخار في ذلك الوقت يخلو من الإبداع الفني إلى حد كبير إذ أنه كان يتم الاهتمام بصناعته من أجل الانتفاع به و استخدامه في الحياة اليومية و يرجع السبب في انتشار صناعة الفخار في مصر إلى غنى مصر بطين الفخار كذلك عرفت مصر صناعة الأخشاب في ذلك العصر و ذلك منذ نهاية العصر السابق للأسرات (2) . و كذلك عرفت صناعة الكتان و التي بلغت منذ عصر الأسرة الأولى درجة كبيرة من الرقي (3) . و قد كان الكتان يستخدَم في صناعات مثل صناعة الحبال كذلك كان يتم استخدام الحجر بكثرة في العمارة و الأثاث المنزلي و أخذت صناعة السلال أيضا أهمية كبيرة في مصر في العصر العتيق و كان يتم استخدام السلال في أغراض متنوعة و متعددة مثل حفظ الطعام . كذلك عرفت مصر الصناعات المعدنية و عرفت استخدام الذهب و النحاس في الصناعة حيث استخدم الذهب في صناعة الحلي و النحاس كان يستخدم في صناعة الآلات و الأواني و الأسلحة ، و لقد انتشرت صناعة الحلي في مصر في العصر العتيق و التي كانت صناعة هامة جدا في ذلك الوقت و كان يتم صناعة الحلي بمهارة عالية . (1) والتر إمري ، مصر في العصر العتيق ، ترجمة / اشد محمد نوير ، محمد علي كمال الدين ، مراجعة / عبد المنعم أبو بكر ، نهضة مصر للطباعة و النشر و التوزيع ، يناير 2000 ، ص177 . (2) المرجع نفسه ص191 . (3) المرجع نفسه ص194 . بالإضافة إلى ذلك فقد انتشر استخدام و صناعة العظم و العاج في أغراض متعددة و متنوعة مثل صناعة الحلي و الأثاث و الأسلحة و اللعب و أدوات الزينة . كذلك كانت صناعة الجلود – و التي تعتبر صناعة أخرى هامة في ذلك العصر في مصر – و قد كان يتم استخدام الجلد في صناعة الملابس و الأثاث ، مثل جلد الفهد الذي كان يرتديه رجل يتبع الفرعون في لوحة نعرمر و ظن البعض أن هذا الرجل هو وزيره (1) . و بالنسبة للظران فلم يتوقف المصريون عن استعماله في العصر العتيق (2) ، حيث كان يستخدم في صناعة الأدوات و السكاكين و المكاشط و الأمواس و أسلحة الفئوس و رؤوس الحراب و السهام و نصال المناجل المسننة و رؤوس المثاقب (3) . و أما عن الزراعة فمما لا شك فيه أن مصر هبة النيل و أن مصر بلد زراعية في المقام الأول و ذلك منذ أقدم العصور و لذلك كان هناك اهتمام بالزراعة في مصر في العصر العتيق – و قد كان الاهتمام من فبل ذلك حيث نرى في رأس مقمعة الملك العقرب منظر للملك العقرب و هو واقف يمسك فأسا و يشق قناة مائية – و قد اهتم المصري في ذلك الوقت بأدوات الزراعة اهتماما كبيرا فكان يستخدم الفأس في عزق الأرض و كان يستخدم المنجل في الحصاد . و أكبر دليل على اهتمام المصري بالزراعة في العصر العتيق هو ظهور وظيفة أو لقب المشرف على حفر القنوات (عدج إيب) . و من أهم ما قام المصري بزراعته في ذلك الوقت هو نبات القمح و الشعير و الذرة بالإضافة إلى الفاكهة مثل البلح و الجميز و العنب كذلك انتشرت زراعة الكتان في ذلك الوقت و كان يستخدم في صناعة الأقمشة بالإضافة إلى ذلك فقد عرف المصري القديم في العصر العتيق تربية الماشية و الأغنام و الماعز و الخنازير و الثيران . (1) سليم حسن ، مصر القديمة الجزء الثاني ، كلمات عربية للترجمة و النشر ، 2012 ، ص12 . (2) والتر إمري ، مصر في العصر العتيق ، ترجمة / راشد محمد نوير ، محمد علي كمال الدين ، مراجعة / عبد المنعم أبو بكر ، نهضة مصر للطباعة و النشر و التوزيع ، يناير 2000 ، ص205 . (3) المرجع نفسه ص205 .