الخرط والنقش على الخشب - أشغال النحاس قامت الفنون الشعبية في مصر علي مخزون هائل عبرآلاف السنين من الإبداع الحرفي الزخرفي منذ أن عرف الإنسان بها تشكيل الفخار ونسيج الثوب والبساط وبناء المسكن وزخرفته ورسم ونحت حروف اللغة وكل ذلك باستخدام المواد والأدوات المستمدة من عناصر الطبيعة.. وتكونت لدي المصري ثقافة تشكيلية بصرية تعمل كوعاء يحتوي بداخله اللغة والتاريخ والفولكلور والأساطير والمعتقدات وأنماط الحياة اليومية. وقد امتازت مصر دون غيرها من البلاد باحتوائها علي آثار زخرفية تمثلت في العمارة والصناعات والحرف التي تمثل شتي العصور التاريخية. والصناعات اليدوية لاتزال قائمة في مصر حيث يوجد أكثر من 03 صناعة وتضم هذه الصناعات حرفا عدة أبرزها الفخار والكليم والخيامية والخزف والزجاج المعشق والخرط والتطعيم بالصدف والصناعات التقليدية تتمركز حاليا في منطقة لا تتجاوز الكيلو متر مربع هي المنطقة الواقعة داخل سور القاهرة القديمة (الفاطمية) وقد أصبحت هذه المنطقة وفي القلب منها خان الخليلي مقتصرة علي عرض المنتجات فقط، بعد أن تم إخراج الورش قبل سنوات منها. صناعة الفخار من الناحية التاريخية من أوائل الفنون التي ظهرت علي وجه الأرض.. فقد صنعت أقدم الأواني التي استخدمها الإنسان من الطين الخام المستخرج من الأرض وكانت مثل هذه الأواني تجفف في الشمس والهواء وحتي في العصور التي سبقت قدرة الإنسان علي الكتابة كان يملك القدرة علي صناعة العديد من أشكال الفخار ولازال بإمكان الأواني التي صنعت في ذلك الزمن أن تحركنا بشكلها المؤثر. والمصري في الوقت الحالي يصنع الفخار من بودرة تعجن في الماء ثم تفرد علي مثلثات وتشكل علي دولاب ثم تترك لتجف في الشمس والهواء زي زمان! أما فن الخزف فهو يعد ابتكارا إسلاميا خالصا غير مسبوق في حضارات ما قبل الإسلام.. ولم يتوصل إليه الصينيون بالرغم من علو شأنهم في مجال صناعة الخزف والبورسلين. عندما جاء الإسلام حرم البذخ والتعالي في استعمال أدوات الزينة والأواني المصنوعة من الذهب والفضة.. مما كان لهذا التحريم أطيب الأثر في العناية بصناعة الخزف وابتكار أنواع جديدة منها لتحل محل الأواني المعدنية.. فظهر لأول مرة الخزف ذو الزخارف البارزة تحت طلاء مذهب الذي يعتبر التجربة الأولي لابتكار الزخرفة بالطلاء ذي البريق المعدني في البصرة بالعراق في القرن التاسع الميلادي.. وقد انتشر هذا النوع الجديد من الفن الخزفي بين العراق موطنه الأصلي إلي مصر حينما دخلها أحمد بن طولون ووصلت صناعته إلي أوج ازدهارها في العصر الفاطمي. أما الكليم فهو فن مغزول ومشكل بخيوط الصوف التي تغلف عليها في العادة ألوان طبيعية زاهية ورسومات تخلط في مكوناتها وتصميماتها بين الفن الفرعوني والعربي والشعبي. عرف المصريون هذه الصناعة.. منذ آلاف السنين عندما شعروا بالحاجة إلي شيء يحفظ أجسامهم من عوامل الطبيعة المتقلبة والقاسية من حرارة وبرد ورطوبة أثناء النوم وملامستهم للأرض الخشنة.. فهداهم تفكيرهم إلي صنع الكليم من صوف الخراف التي كانوا يرعونها. وتعتمد صناعته علي استخدام النول البسيط دون الاستعانة برسومات محددة أو نماذج معينة لتنسج الأنامل بالفطرة قطعا فنية بديعة.. ومن واقع البيئة الطبيعية التي يعيش فيها الصانع نري الكليم اليدوي يحوي رسومات فرعونية وإسلامية وآيات قرآنية وطيورا وحيوانات إلي آخره. وهناك الحصير المرسم الذي يشبه صناعة الكليم ولكنه يختلف في المواد المستخدمة ولكنه يعتمد علي نول أرضي بسيط أيضا. في حين أن خرط الخشب حرفة تقليدية في الأساس. فالنجارون الأقباط ورثوا مهارة تشكيل الخشب عن الحضارة الرومانية، فقد كان لدي الأقباط معرفة تامة بأنواع الخشب وهم الذين أبدعوا المشربيات ثم أخذها عنهم المسلمون بعد فتح مصر واستمر الفن القبطي في هذا المجال حتي القرن العاشر الميلادي ثم اتضحت سمات الفن الإسلامي وأصبح له شخصية خاصة ثم بدأ التبادل بينهما حتي اندمجا في كيان واحد. والخرط هو تدوير وتشكيل الخشب ليأخذ أشكالا صغيرة أو متوسطة تركب مع بعضها وتصنع منها المشربيات والنوافذ بطريقة التعشيق. وأنواع الخرط عديدة منها أبو جنزير ومنجور مربعات وميموني عدل أو مائل وملفوف وصهريجي وعرناس أو عرنوس وصليب مليان. أما فن تطعيم الخشب فهو تثبيت مواد منتقاة في مكان يتم حفره في سطح الخشب بهدف تجميله بزخارف معينة ومن أهم المواد المستخدمة في التطعيم الصدف والعظام والأخشاب الثمينة كالابنوس والخشب الأحمر والمعادن مثل النحاس والفضة والذهب. وقد استمرت حرفة الخرط علي الخشب متجاوزة للمصاعب الكثيرة التي واجهتها حتي يومنا هذا ومازلنا نراها علي شكل منتجات بديعة الصنع. كلمة (الخيامية) تعني فن الزخرفة علي القماش والذي بدأ في مصر الفرعونية وتحديدا في عصر بناة الأهرامات حيث كانت تستخدم تلك الأقمشة الملونة كمظلة يقف تحتها الفرعون ورئيس العمال.. وبلغت صناعة الخيام رقيا كبيرا قبل الفتح العربي لمصر ومع دخول الإسلام ظهرت المنتجات التي استلهمت روح الدين الجديد ومن ذلك الأعلام والبيارق لمشايخ الطرق. كما ارتبط فن الخيامية لفترة زمنية طويلة بكسوة الكعبة التي انفردت مصر بإبداعها وإرسالها إلي الأراضي الحجازية في احتفالية سنوية وموكب المحمل المهيب. فضلا عن أن الخيامية من أهم الفنون التي تشتهر بها مصر دون غيرها من البلاد العربية حيث تعتمد علي تجميع شرائح القماش الملون بأشكال زخرفية مستوحاة من التصميمات التراثية والشعبية والكتابات والحروف العربية والزخرفية ومسطحات القماش بعناصر هندسية أو نباتية. وإن كان هذا الفن قد دخلت عليه أساليب غريبة مثل الطباعة بالشاشة الحريرية علي القماش بدلا من الرف بقطع القماش الملون والغرزة المسحورة التي لاتري بسهولة. وهناك فن النقش علي الجبس والخشب.. وهذا الفن من الفنون القديمة.. لكن بروزه أكثر كفن يهدف إلي التجميل والزخرفة وإضفاء عنصر جمالي علي العمارة والصناعات الحرفية، تجلي أكثر من خلال الحضارة الإسلامية كواحد من فنونها الراقية. وبالرغم من المستوي العالي الذي بلغته اليوم الصناعات الحديثة والتي كانت طوال عقود طويلة وحتي وقت قريب مصدرها الحرف اليدوية إلا أن النقش سواء علي الخشب أو الجبس لايزال يحتل مكانة رفيعة في كل بلاد العالم كحرفة جمالية وفنية راقية تدعم القري والفنادق السياحية في مصر بمنتجات تساهم في إبراز شخصية الأمة وهويتها والحفاظ علي تراثها وموروثاتها. وهناك فن آخر يضاهي سابقه وهو الزجاج المعشق بالجص وهو عبارة عن قطع زجاج ملونة يتم تجميعها بواسطة الجص لتؤلف وفق تصميم يضعه الفنان المبدع.. وكانت تستخدم حشوة الزجاج المعشق بالجص في أغراض الديكور والتصميم الداخلي بدافع تخفيف حدة الضوء في القصور التي شيدها الملوك ثم استعملت بالمساجد ذات الصحن المكشوف للغرض نفسه وانتشر هذا النوع من الشبابيك في العمائر الدينية. وتعرف هذه الشبابيك المصنوعة من الزجاج المعشق بالجص باسم القمريات إذا كانت مستديرة الشكل وباسم الشميات إذا كانت غير مستديرة