يوافق يوم 29 تشرين الثاني/ نوفمبر مناسبة اليوم الدولي للتضامن مع الشعب الفلسطيني وحين انتبهت إلى ذلك سألت نفسي وكيف نتضامن؟؟ أو بالأحرى كيف أتضامن أنا كفرد في محيط هذا الكون الواسع؟؟ ففي قرارة نفسي مثلي مثل أي عربي أحب فلسطين وأحلم بعودتها حرة آمنة لشعبها العربي الصامد. وخطرت لي فكرة.. لعل من أهم أشكال إعلان تضامنك وتأييدك لقضية فلسطين أن ننقب عن جذور تلك الأطماع الصهيونية في المنطقة وكيف تمت مواجهتها ربما بذلك نبعث في النفوس أملا ونأخذ من الأحداث عبرة ونعرف جذور المؤامرة الكبرى وكيف ثابروا وصبروا وخططوا ورسموا حتى وصلوا لمبتغاهم لعلنا نعتبر فنثابر ونصبر ونتمسك بأملنا في عودة فلسطين لأهلها مرة أخرى. يحكي التاريخ وتسجل وثائقه كيف كانت سيناء مطمعا استعماريا قديما وكيف كان حكام مصر على درجة من الوعي واليقظة تجاه تلك الأطماع الخبيثة ففي عهد عباس الأول(1848-1854) حفيد محمد على وثالث حكام مصر من أسرته كانت هناك محاولات يهودية لإقامة مستعمرة في سيناء، وكانت تلك المحاولة قد بدأت منذ أواخر عهد محمد علي وأوائل عهد حفيده عباس على حسب ما يقول به الدكتور صبري العدل في كتابه "سيناء في التاريخ الحديث 1869-1917" حيث كان من بين أهداف بريطانيا الاستراتيجية في المشرق العربي حصر محمد علي داخل الحدود المصرية وراء صحراء سيناء وتحويل هذه الصحراء إلى نوع من "سدادة الفلين" لسد عنق الزجاجة المصرية التي يمثلها وادي النيل كما جاء على لسان روتشيلد اليهودي المعروف. كانت المحاولة التي تبنتها بريطانيا لإقامة مستعمرة في سيناء في عهد عباس الأول تتلخص في حضور بعثة تضم عددا من المهندسين البريطانيين إلى طور سيناء تحت ستار استغلال الفحم الحجري هناك غير أن الدولة العثمانية والحكومة المصرية تشككتا معا في نوايا وأهداف تلك البعثة فصدرت الأوامر (حسبما جاء بالوثائق في 13 شعبان 1265ه/4 يوليو 1849) بمراقبتها واستطلاع أخبارها أولا بأول حتى يتسنى معرفة أهدافها ونواياها مع التأكيد على منع بيع شبر واحد من الأراضي المصرية إلى هذه البعثة. حدث ذلك في وقت ظن البعض فيه أن التقارب بين الوالي عباس الأول والقنصل البريطاني في مصر وقتئذ شارلز أغسطس مري Charles Augustus Murray قد يكون باعثا للوالي ليغض الطرف عن محاولات مري المستمرة لجذب بدو سيناء إليه ربما لأهداف قد تكون متصلة برغبة البريطانيين في تأمين مواصلاتهم البرية إلى الهند، فعندما أدرك عباس حقيقة تلك المحاولات المستميتة من القنصل البريطاني قام بإنشاء مركز حربي في الطور ليحول دون تأسيس البريطانيين مراكز نفوذ في تلك المنطقة يهددون بها حدود مصر الشرقية. بل أذهب بتوقعاتي بعيدا بأن لو حدث وأقام البريطانيون نفوذهم ورسخوه في سيناء آنذاك فربما اتخذوا من تلك المنطقة نقطة انطلاق للتوسع بنفوذهم وتواجدهم شمالا إلى فلسطين، بل المؤكد انهم كانوا سيفعلون. أعود وأقول إني أكتب هذه الكلمات وأستعيد فيها مواقف حاسمة وواعية لمصر وحكومتها لأدلل على أننا ومن قبل أن تكون فلسطين محتلة ومن قبل أن تكون نكبتها قضية ولذكراها يوم نتضامن فيه معها كانت مصر لمحاولات الاستعمار الغربي والصهيوني تقف بالمرصاد وتمثل حجر عثرة في طريق مخططاتهم فلما لم يستطيعوا دخول فلسطين من سيناء -حلمهم القديم الحديث-دخلوها من بوابة بريطانيا ووعدها المشئوم (وعد بالفور) ... ولكن يظل الأمل يحدونا ونعيش به وعليه لتعود فلسطين لنا مرة أخرى عودا مجيدا.