في هذا الشهر العظيم شهر شعبان .. شهر مولد سيد شباب أهل الجنة الإمام الحسين عليه السلام طالعتنا الصحف المصرية بقول الدكتور ياسر برهامى : الحسين بن على اجتهد فأخطأ . نائب رئيس الدعوة السلفية اعتبر أن الإمام الحسين بن علي، اجتهد وأخطأ، في خروجه ضد يزيد بن معاوية حين ظن أن المصلحة في خروجه أرجح من المفسدة، مضيفا أن الصحابة نهوه عن الخروج وحذروه ولم يخرجوا معه وتبين صحة وجهة نظرهم، وأن الصواب كان معهم.. وذلك تأكيدا من الدكتور ياسر على تخطئة الحسين عليه السلام . قول السلفي الدكتور ياسر برهامي نراه قول جاء تبعا لهواه دون أي دليل .. نراه قول لم يستند على أي نص أثبت به أن سيد الشهداء عليه السلام اجتهد وأخطأ .. الدكتور ياسر مع تقديرنا لشخصه فقد تحدث دون إلمام بأقوال خير خلق الله في سيدنا الحسين .. نراه لم يطلع على أربعمائة تسعة وستون نصا في الحسين عليه السلام .. لذا فقال ذلك بهواه . ولأن ذلك بلا دليل فأصبح من اليسير بل واليسير جدا أن نرد هذا القول ردا علميا .. ونمحوه بالنصوص محوا في جزئيتين.. الأولى تتضمن تسعة نصوص شريفة نفت أن الحسين عليه السلام اجتهد وأخطأ .. والجزئية الثانية تثبت أن الحسين عليه السلام خرج لتنفيذ وتحقيق أقوال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم . الجزية الأولى : نبدأها بإذن الله تعالى بالدليل الأول : أولا : الإمام الحسين عليه السلام خرج إلى كربلاء بعدما أخبر جده صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أنه مقتول بها .. فكان خروجه بمثابة تكليف حقق به قول النبي في النص الشريف الذي ضمه الألباني إلى سلسلته الصحيحة وفيه قال صلى الله عليه وآله وسلم : ( أتاني جبريل عليه الصلاة و السلام , فأخبرني أن أمتي ستقتل ابني هذا يعني الحسين ) فقلت : هذا ? فقال : ( نعم , و أتاني بتربة من تربته حمراء ) وقد حقق الحسين قول النبي بخروجه واستشهاده. ثانيا : خروج الإمام الحسين لم يكن اجتهادا منه عليه السلام .. إنما تنفيذا لقول النبي الذي علم به الحسين وعلم به أزواج النبي والصحابة رضي الله عنهم .. فهم جميعا علموا أن التربة الحمراء التي أتي بها جبريل عليه السلام هي تربة كربلاء الممزوجة بدماء الحسين .. ففي المعجم الكبير للطبراني .. روت أم المؤمنين السيدة زينب بنت جحش للصحابة قول النبي صلى الله صلى الله عليه وآله وسلم : ( إن جبريل أتانى فأخبرنى أن ابنى هذا تقتله أمتى قلت فأرنى تربته فأتانى بتربة حمراء ) ثالثا : أم المؤمنين السيدة عائشة أخبرت الصحابة رضي الله عنهم أن الحسين عليه السلام سيقتل في تربة كربلاء .. فروت رضي الله عنها كما في الجامع الكبير للسيوطي قول رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لها : ( يا عائشة ألا أعجبك لقد دخل على ملك آنفا ما دخل على قط فقال إن ابنى هذا يعنى الحسين مقتول وقال إن شئت أريتك تربة يقتل فيها فتناول الملك بيده فأرانى تربة حمراء ). وفي كنز العمال كما روي ابن سعد والطبراني قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ( أخبرني جبريل أن ابني الحسين يقتل بعدي بأرض الطف وجاءني بهذه التربة وأخبرني أن فيها مضجعه ). رابعا : خروج الحسين عليه السلام لملاقاة جيش يزيد في كربلاء عند شاطيء الفرات لم يكن اجتهادا أخطأ فيه .. معاذ الله أن يكون الحسين عليه السلام من الخاطئين .. فقد خرج عليه السلام بعدما أخبره أبيه عليا عليه السلام أنه مقتول بشاطي الفرات .. ففي كنز العمال عن علي قال : قال صلى الله عليه وعلى آله وسلم : ( أخبرني جبريل أن حسينا يقتل بشاطئ الفرات ). خامسا : الإمام علي عليه السلام أخبر ابنه الحسين وأخبر جميع من معه من الصحابة والتابعين بقتل ابه الحسين .. وأراهم موضع قتله ومكان قبره الشريف في كربلاء عند شاطي الفرات بارض الطف .. ففي مسند إمام أهل السنة والجماعة الإمام أحمد .. عن عبد الله بن نجى عن أبيه : (( أنه سار مع علي ، وكان صاحت مطهرته ، فلما حاذى نينوى وهو منطلق الى صفين فنادى على : اصبر أبا عبد الله ، اصبر أبا عبد الله بشط الفرات .. قلت وماذا ؟ قال : دخلت على النبى صلى الله عليه وسلم ذات يوم وعيناه تفيضان ، قلت : يانبى الله أغضبك أحد ، ما شأن عينيك تفيضان ؟ قال : ( بل قام من عندى جبريل قبل فحدثنى أن الحسين يقتل بشط الفرات ) قال : فقال : (هل لك إلى أن أشمك من تربته ؟ قال : قلت : نعم ، فمد يدة فقبض قبضة من تراب فأعطانيها ، فلم أملك عينى أن فاضتا )). أما في كفاية الطالب اللبيب فى خصائص الحبيب للسيوطى أخرج أبو نعيم عن أصبغ بن نباتة قال : أتينا مع علي موضع قبر الحسين فقال : ( ههنا مناخ ركابهم وموضع رحالهم ومهراق دمائهم فتية من آل محمد يقتلون بهذه العرصة تبكي عليهم السماء والأرض ). وفي كنز العمال عن علي عليه السلام قال : ( ليقتلن الحسين قتلا وإني لأعرف تربة الأرض التي بها يقتل قريبا من النهرين ). سادسا : شجاعة وجسارة وجرأة الإمام الحسين عليه السلام أخرجته إلى كربلاء وهو يعلم وأهل البيت يعلمون أنه مقتول بها .. ففي مستدرك الحاكم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : ( ما كنا نشك وأهل البيت متوافرون أن الحسين بن علي يقتل بالطف ). سابعا : خرج الحسين عليه السلام إلى كربلاء كان بعد إخبار أم المؤمنين السيدة أم سلمة الصحابة بقتله .. فعليها السلام روت قول رسول الله صلى الله عليه و سلم لها : ( يا أم سلمة إذا تحولت هذه التربة دما فاعلمي أن ابني قد قتل ). وفي تهذيب التهذيب لابن حجر ذكر أنها عليها السلام احتفظت بهذه التربة فقال : ( فجعلتها أم سلمة في قارورة ثم جعلت تنظر إليها كل يوم وتقول : إن يوما تحولين دما ليوم عظيم ) ثامنا : النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أخبر عن تاريخ قتل ابنه الحسين عليه السلام بأنه سيكون على رأس الستين من الهجرة .. وقد خرج بشجاعته في سبيل الله في ذلك التاريخ يوم عاشوراء ..ففيما أخرج الطبراني ، والخطيب ، وابن عساكر قال صلى الله صلى الله عليه وآله وسلم : ( يقتل الحسين على رأس ستين سنة من مهاجرى ). تاسعا : خرج الإمام الحسين من المدينةالمنورة وهو يعرف قاتله تمام المعرفة ففي كنز العمال عن محمد بن عمرو بن حسين قال : (( كنا مع الحسين بنهر كربلاء فنظر إلى شمرذى الجوشن فقال : صدق الله ورسوله قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( كأني أنظر إلى كلب أبقع يلغ في دماء أهل بيتي ) وكان شمر أبرص )). أما الجزئية الثانية ففيها نثبت أن الحسين عليه السلام خرج لتنفيذ أقوال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حتى حققها .. فقد أخبر رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أهل بيته أن الدين سيتبدل وأن السنة ستتغير كما في النص الذي ضمه الألباني إلى سلسلته الصحيحة وفيه قال النبي ( أول من يغير سنتي رجل من بني أمية ) .. النبي أخبر أهل بيته بذلك وكلفهم بقتال الصحابة والتابعين الذين سيغيروا السنة ويبدلوا الدين بتأويلاتهم المنحرفة.. كما في النص الذي ضمه الألباني في سلسلته الصحيحة وفيه قال صلى الله عليه وعلى آله وسلم : ( تقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين بالطرقات والنهروانات وبالشعفات ) قال أبو أيوب قلت : يا رسول الله مع من نقاتل هؤلاء الأقوام ؟ قال : ( مع علي بن أبي طالب ).. فقاتل الحسين عليه السلام ونفذ قول رسول الله .. وخاض ثلاث حروب وأستمر في قتاله تنفيذا لما جاء به النبي حتى حقق النبوءة الشريفة في قول رسول الله ( أن أمتي ستقتل ابني هذا ) فقتلته الأمة فكان سيد شهدائها . فهل أخطأ الحسين لأنه نفذ ما جاء به النبي .. أم أخطأ لأنه خرج وقتل في سبيل الله منعا لتغيير السنة وتبديل الدين .. أم أنه أخطأ لأنه لم يصغ لرأي الصحابة المقدسين أصحاب الرأي الصحيح أو كما قال السلفي الدكتور ياسر برهامي .. : أن الصحابة نهوه عن الخروج وحذروه ولم يخرجوا معه وتبين صحة وجهة نظرهم . فعن أي وجهة نظر يتحدث الدكتور ياسر .. عن أي صحابة يتحدث ؟ عن الصحابة الذين بدلوا الدين وغيروا السنة بإحداث سيئ ممن قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في صحيح البخاري : ( ليردن علي ناس من أصحابي الحوض حتى عرفتهم اختلجوا دوني فأقول أصيحابي فيقول لا تدري ما أحدثوا بعدك ) أم يتحدث الدكتور ياسر عن الصحابة الفئة الباغية ممن قال فيهم النبي في الجامع الكبير للسيوطي : ( يا على ستقاتلك الفئة الباغية وأنت على الحق فمن لم ينصرك يومئذ فليس منى ) أم يتحدث الدكتور ياسر عن الصحابة من فرقة الخوارج المارقين ممن قال فيهم النبي كما ذكر أبو داود والإمام أحمد : ( تمرق مارقة عند فرقة من المسلمين يقتلها أولى الطائفتين بالحق ). لم يعد الحديث الآن عن تخطئة أهل البيت الخمسة ولا عن أي فرد فيهم مقبول .. ولم يعد ذكر عموم الصحابة مقبول .. يجب الإفصاح عن أي صحابة يتحدث و يتبع ويهوى الدكتور ياسر برهامي .. فالجد الأكبر للخوارج صحابي .. الصحابي ذو الخويصرة التميمي قال للنبي أعدل يا محمد .. والله ما عدلت منذ اليوم .. وقد خرجت منه وامتدت الذرية البائسة اليائسة التي يقاتلها الآن خير أجناد الأرض جيش مصر . وفي ختام مقالتنا المختصرة في ذكري مولد الإمام الحسين في شهر شعبان نقول ونذكر بأن خروج الإمام الحسين إلى كربلاء كان تنفيذا وتحقيقا للنصوص الشريفة .. خروج الإمام الحسين نموذج في التضحية بالنفس والمال والولد في سبيل الله لوقف تغيير السنة وتبديل الدين والذي من أجله خرج مع أفراد أهل البيت وهو يعلم أنه مقتول .. ويعلم أن أهل البيت سيلقون قتلا وتشريدا وتطريدا في البلاد .. ومع ذلك خرج عليه السلام بشجاعة وجسارة وجرأة لمنع الإحداث في الدين ، ولتثبيت العمل بالشريعة ، تحقيقا للخلافة الإسلامية .. ولمبدأ الشورى .. وإرساء مبادئ الإسلام استكمالا لمسيرة أبيه وأخيه عليهما السلام تنفيذا لما جاء به النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم . إلى كربلاء خرج عليه السلام دون أن يرضخ لبيعة يزيد ابن معاوية ابن أبو سفيان جبرا .. لم يقبل التهديد والوعيد .. خرج الحسين عليه السلام ليواجه جيشا في سبيل الله لإعادة صحيح الدين ووقف تبديله وتغيير السنة .. ليظل الإسلام منبسطا مع الفتوحات الإسلامية بلا أهواء وبلا محدثات تفسد تطبيقه الصحيح وتعود بهم إلى الوراء والتخلف والجهل ، ومن أجل ذلك قتل بشجاعته في سبيل الله مبارزة وسط عشرات الآلاف من جيش الأمة تقاتله وحيدا حتى فُصلت رأسه ، فأستحق أن يكون سيد شهداء أهل الجنة. وهذا المختصر أقل ما يذكر به الحسين بن علي في شهر ولادته .. لرد ومحو زعم ياسر برهامي. باحث إسلامي علاء أبوحقه