حينما يكون الانسان مقبلاً على محاولة لفهم العلاقات بين الله والكون والانسان فإنه هنا كمن يقف امام جبل شاهق الارتفاع لا يتمكن من بدايته ويعلم جيداً صعوبة ادراك نهايته ، يظهر هنا الفيلسوف المتطفل الذى يدرك جيداً ما سبق ذكره ولكنه يأبى الاستسلام للواقع فتطفله هذا يدفعه لفهم اعمق واشمل لما يتخلل الجبل الشاهق ! فعل التفلسف هو حقا فعل غامض . يبدأ فعل التفلسف حينما تبدأ "شهوه" جديده ترسيخ عقيدتها فى نفس الفيلسوف ، هي "شهوة المعرفه الاكثر عمقاً ووعياً " ، فتبدأ "الشهوه" فى توغل نفس الفيلسوف ويغدو عقله فى هذه اللحظه فريسه للأسئله من كل حدب وصدب . يبدأ فعل التفلسف بالذهول والدهشه كما صرّح سقراط منذ قرون . يعترى الفضول الفيلسوف ليصبح هذا الفعل خارج عن ارادته الكليه . لا ادرى ان كان الفضول يرجع الى خلل نفسى او مرض عقلى ، واننى لا اعزيه الى ذكاء او موهبه او عبقريه فهو قوه تسيطر على العقل لا يُعرف مأتاها ! يبدو الامر قاسياً حينما يغدو الفيلسوف غير قادر على التمتع بالافعال التقليديه والروتينيه "الضروريه" احياناً ! فقد قادته "الشهوه الجديده" الى البحث عن الصعب والجديد دوماً ، فمن يشعر بلذة الاجابه الجديده اللامعه لابد وان يصيبه السأم من فعل كثرثره غير مجديه . ويبدو الامر معقداً حينما يغدور الفيلسوف متشككاً حتى فى اجاباته وفى ما توصل اليه فتفعل به الحيره الافاعيل ! لا يسعى الفيلسوف فى فلسفته الى توغل الحياه ومظاهرها داخل الكون بل يسعى الى الفهم الاعمق والاكثر نضجاً للكون نفسه . انه بالفعل فعل غامض لكنه "مثير" ! طرحت فى مقالى الاخير فكرتى عن التجرد والخلود وسأحاول الآن اضفاء بعض من العمق والاسهاب والايضاح . اختصاراً سابدأ بتعريفى للتجرد : هو مصطلح يعبر عن الانفصال التام والكلى بين " ذات " وكل ما يمت لها او يصدر عنها . وهنا لزاماً علىّ ان افرق بين صورتين من التجرد : - تجرد الذات . - تجرد الفعل . تجرد الذات : انفصال "اساس" الذات عن كل شيء . تجرد الفعل : ويعنى ان يكون "الفعل" مجرداً فى " ذاته " . تفصيل تلك النظريه " - الله " كذات خالقه " خالداً لان ذاته مجرده تجرداً كلياً عن كل شيء . - الكون " كفعل " مجرداً تماماً فى "ذاته المخلوقه" وبالتالى فهو خالداً ولكنه قد ينتقل من " حاله " الى " حاله " . - الإنسان "كفعل" ليس مجرداً كليا فى "ذاته المخلوقه" وبالتالى فهو ليس خالد . اذاً فشرط الخلود هو التجرد فتجرد الذات تجرداً تاماً يؤدى الى خلودها اللامتناهى ، وتجرد الفعل فى "ذاته" يؤدى الى خلوده . تجرد الفعل مشروط بتجرد الذات فالذات المجرده فقط هى التى تستطيع انتاج فعلا مجرداً تجرد كلي . وقد ذكرت تصورى مسبقاً للحاله الوحيده التى قد يكون فيها انساناً خالداً وهى وجود حاله بشريه فرديه فى محيط الكون ففى هذه الحاله ستكون ذاته مجرداً تجرداً كلياً وسيكون اي فعل صادر عنه خالداً لانه مجرداً تماماً عن "ذاته" اى ذات فاعله . اذاً فبلا تجرد لا خلود ولا ابديه وبلا وجود وبلا فعل لا تجرد . بوقت لاحق بأمر الله سأطرح تصورى بشأن نظرية ( وحدة الوجود ) كى يعد الطرح كاملاً .