تفعيل دعوة الرئيس حول مواقع التواصل بإنشاء هيئة لرصد السلبيات وتعظيم الإيجابيات تحذير: أكبر شبكة تجسس عالمية بالفيسبوك لرصد اتجاهات الرأي العام صاحب مبادرة "الاستخدام الآمن للسوشيال ميديا": حرب تدمير الجيل تستغرق 20 عاما الدكتور شريف درويش اللبان: يمكننا الاستفادة من التجربة الصينية لإنشاء مواقع تواصل محلية مواقع التواصل الأمريكية تواجه أزمة الخروج الكبير قريبا بسبب تفضيلات الجيل الجديد حرب الاغتيال المعنوي لبعض الشخصيات أحد سلبيات السوشيال ميديا إدارة الفيسبوك تحذف 583 مليون حساب مزيف وتويتر يضم 605 آلاف حساب يدعم الإرهاب وجه الرئيس عبد الفتاح السيسي بتشكيل لجنة قومية لدراسة سلبيات وإيجابيات مواقع التواصل الاجتماعي وقياس مدى خطورتها على وعي الشباب، جاءت هذه الدعوة خلال منتدى الشباب العالمي الأخير، حيث حملت رسالة الرئيس جرس إنذار مبكر لأضرار السوشيال ميديا ودورها في بث الشائعات واستغلالها من قبل الجماعات الإرهابية، ورغم أن الحديث في مصر لايزال يدور حول مخاطرها، فإن العالم المتقدم يشهد حاليا مناقشات حامية حول نهاية مواقع التواصل "الأمريكية المنشأ".. هذا ما تؤكد تقارير عديدة تفيد بأن هناك هروبا جماعيا من موقع الفيسبوك وتويتر لصالح مواقع أخرى، كما وضعت دولا عديدة تشريعات صارمة لمعاقبة هذه المواقع والحد من مخاطرها.. في حين قامت دولا أخرى بإنشاء مواقع تواصل محلية الصنع.. فما هو المصير الذي ينتظر السوشيال ميديا في مصر والعالم؟ وكيف يمكن تعظيم إيجابياتها في مصر؟ وإلى أي مدى يمكن تفعيل مبادرات التوعية التي أطلقها بعض الخبراء لتثقيف الشباب على السوشيال ميديا؟ وكيف يمكن تفعيل دعوة الرئيس للحد من السلبيات القائمة والإستفادة القصوى من الإيجابيات؟ التفاصيل في سياق التحقيق التالي:
الخروج الكبير! في البداية رصدت تقارير صحفية عالمية مؤشرات حول تراجع استخدامات السوشيال ميديا "الأمريكية" لدى الأجيال الجديدة من الشباب والمراهقين، لاسيما في دول أوروبا وأمريكا، وذلك لصالح "تطبيقات الفيديو الاجتماعية الجديدة" والتي أصبحت أكثر إثارة ومتعة في الوقت الحالي، لأنها تجذب الكثير من المستخدمين في سن المراهقة ومن هم في العشرينيات من العمر، حيث تميل الأجيال الجديدة إلى الاستمتاع بمحتويات الفيديو بشكل أكبر من المشاركة بالكتابة أو التدوين أو متابعة ردود الأفعال حول حدث ما أو أزمة على المواقع الاجتماعية التقليدية، إنهم يحاولون تقليص هذه العادة وذلك وفقا لما أثبتته الدراسات. وهذا يؤدي إلى حالة متوقعة من الخروج الكبير من التطبيقات القديمة مثل Facebook و Twitter وحتى Instagram لصالح التطبيقات المتخصصة في الفيديو، ولذلك ستكون مواقع YouTube و Snapchat وموقع الفيديو الصيني القادم بقوة "تيك توك" في الصدارة، كما توقعت شركة الأبحاث "eMarketer" الأمريكية أن مليون شاب تحت سن ال 25 سيتوقفون عن استخدام الشبكة الاجتماعية هذا العام في الولاياتالمتحدة نفسها. وللمرة الأولى، لن يستخدم غالبية مستخدمي الإنترنت في الولاياتالمتحدة الذين تتراوح أعمارهم مابين 12 و 17 عامًا الفيسبوك خلال المستقبل القريب. ومن جانب آخر تشير تقارير أخرى إلى تراجع "الثقة العالمية في وسائل الإعلام الاجتماعية الأمريكية"، حيث انتهى عهد الثقة في نشر أخبار وسائل الإعلام الاجتماعية إلى حد كبير بفضل عدد من الأخطاء والفضائح والتسريبات والشائعات التي حدثت مؤخرا، وخاصة بعدما تأكدت الكثير من الدول من استغلال السوشيال ميديا في ترويج الشائعات والأخبار الكاذبة، هذا بالإضافة إلى اقتحام خصوصيات المستخدمين وسرقة بياناتهم لصالح شركات الإعلان والدعاية الكبرى. لكن الأكثر تأثيرا في مصير السوشيال ميديا عالميا أن هناك شركات كبرى أغلقت حساباتها على هذه المواقع كما توقفت عن الإعلان بها، ووفقًا لصحيفة "الأيكونوميست" The Economist، فإن 46٪ من الشركات الكبرى أعلنت أنها تخطط لمغادرة المواقع الاجتماعية في السنوات القليلة القادمة. صناعة الإرهاب وتتسائل دراسات أخرى حول أسباب اعتقاد البشر حاليا في أهمية هذه المنصات الأمريكية على الرغم من وجود أدلة متزايدة على أنها تمزق المجتمع إلى حد بعيد- حيث يتم استخدامها كأدوات لتجنيد الإرهابيين، حيث كشفت شبكة سي إن إن الإخبارية الأمريكية في تقرير سابق لها، أن تنظيم داعش الإرهابي ينشر أو يعيد نشر ما يزيد على 90 ألف مادة إعلامية ودعائية بشكل يومي على وسائل التواصل، بغرض التواصل والتجنيد والدعاية والحشد. مما يزيد من القلق بشأنها- هذا على الرغم من الفوائد والتسهيلات الواضحة التي تقدمها؟ وفي الواقع، هذا الأمر دفع بعض العاملين في هذه المواقع للاستقالة منها، حيث إن بعض موظفي Facebook الأوائل يشعرون الآن بالوحش الذي خلقوه. حيث يشهد موقع التواصل الاجتماعي الفيسبوك استخداما سيئا من الجماعات والتنظيمات الإرهابية، لدرجة أن إدارة الموقع رصدت خلال النصف الأول من هذا العام نحو 29 مليون مشاركة في الموقع خرقت القواعد المتعلقة بحظر ترويج خطاب الكراهية أو الإرهاب، كما حذفت الشركة 583 مليون حساب مزيف في الفترة بين يناير وحتى مارس الماضي. كما أزالت إدارة الموقع خلال نفس الفترة نحو 1.9 مليون قطعة فيديو تشير إلى محتوى متطرف. أما إدارة موقع التدوينات القصيرة "تويتر" فقد أعلنت عن حذف 235 ألف حساب إرهابي منذ عام تقريبًا، إلا أن الخبير الإعلامي معتز صلاح الدين، وفقا لتقارير صحفية، كشف عبر دارسته (مواقع التواصل وكيفية تعظيم منافعها وتقليص أضرارها) أن 605 آلاف حساب مازال يدعم الإرهاب على موقع التدوينات القصيرة، مشيرًا إلى أن نسبة كبيرة جدًا تدعم التطرف بشكل أو بآخر، فمن ناحية ممكن أن تظهر هذه الحسابات تعاطفا مع الإرهاب أو تنشر عبر حساباتها منشورًا يروج للأفكار المتطرفة. مبادرات قومية كل هذه الأسباب دفعت بعض الدول لاتخاذ إجراءات صارمة للتخفيف من أضرار مواقع التواصل من ناحية، وتعظيم منافعها من ناحية أخرى، وهو ما دعا إليه الرئيس عبد الفتاح السيسي خلال منتدى الشباب، ومن جانبها استجابت بعض الجهات المتخصصة في مجال السوشيال ميديا والتسويق الإلكتروني لهذه الدعوة، حيث أطلقت شركة new waves"" العاملة في هذا المجال مبادرة للتوعية بكيفية الاستخدام الآمن لمواقع السوشيال ميديا. وفي حالة تبني الدولة لهذه المبادرة، فإنه من المقرر أن يبدأ التعاون بين وزارة الشباب والرياضة أولا كتحرك أول للمبادرة، وذلك بعقد ندوات مكثفة داخل مراكز الشباب لتوعيتهم من الأخطار التي تحيط بهم عند تعرضهم المباشر لمنصات التواصل الاجتماعي، والتنسيق مع وزارتي التربية والتعليم والتعليم العالي، وذلك لعقد دورات للطلاب في المدارس والجامعات. ويقول عمرو حسين، استشاري السوشيال الميديا، وصاحب المبادرة: هدف المبادرة هو التوعية بكيفية الاستخدام الآمن للسوشيال ميديا من خلال الوقاية من أضرارها والاستفادة بالإيجابيات الكبيرة التي تتحقق منها، والحقيقة أنه منذ أن دخل الإنترنت في مصر فإن المستخدمين لم يجدوا من يرشدهم لكيفية الاستخدام الصحيح له، حيث نحتاج لنوع من أنواع التثقيف الحقيقي للتفاعل داخل العالم الإفتراضي، ونتيجة غياب هذا الوعي فإن هناك سلوكيات وعادات كثيرة خاطئة عند الاستخدام، وفي هذا الإطار فإن مواقع السوشيال ميديا يتم توظيفها لتكون جزءا من حرب قائمة ضدنا علما بأن خطط التخريب تحتاج لفترة تستغرق من 15 إلى 20 سنة لتدمير جيل واحد. وأشار حسين إلى أن أحد أدوات الحرب التي يتم تفعيلها عبر السوشيال ميديا هي الشائعات، ولذلك فهى إحدى المحاور التي تقوم عليه المبادرة، حيث إننا كمجموعة خبراء ومتخصصين نريد أن نقدم توعية للدولة وللمستخدمين أيضا بمصدر الشائعات وكيف يتم إطلاقها. أيضا من ضمن المحاور أو الموضوعات محتويات الفيديو التي يستخدمها الأطفال والمراهقين والشباب بكثافة وتؤثر بشكل كبير على عقله الباطن، ويصل الأمر في بعض الأحيان لدرجة الإدمان. ولا تعني التوعية هنا حذف أو إزالة محتويات معينة أو فرض رقابة على المواقع وإنما المنشود هو التثقيف وكيف نربي في المستخدمين عادات الاستخدام الآمن والرشيد وكيف يختاروا المحتويات السليمة، وكيف يمكن حمايتهم من الوقوع كفريسة للجماعات الإرهابية التي ثبت أنها نجحت في تجنيد أعداد كبيرة من الشباب للقتال في صفوفها من خلال مواقع التواصل. وحول مصير ومستقبل السوشيال ميديا في ظل انكشاف أخطارها، يؤكد عمرو حسين أن هذه المواقع تمثل الحلقة الأكثر تطورا في سلسلة التواصل الإنساني التي بدأت بالبريد ثم الصحف ثم الراديو والتليفزيون، ثم الإنترنت وأخيرا الهواتف الذكية ومواقع التواصل، ولذلك فإن هذا التطور ليس له نهاية، لكن الأهم من يمتلك هذه التكنولوجيا هو الذي سيحكم العالم، والتحدي الذي يواجهنا هو كيف يكون لنا مكانة إستراتيجية داخل هذه المواقع. حرب تزييف الوعي ويقول الدكتور شريف درويش اللبان، أستاذ الصحافة بكلية الإعلام جامعة القاهرة، والمتخصص في هذا المجال: مواقع التواصل الاجتماعي تمثل إشكالية كبيرة جدا، فهي وسائل اتصالية مثلها مثل بقية الوسائل الأخرى، حيث إن لها سلبيات ولها أيضا إيجابيات، والتحدي الحقيقي الذي يواجهنا هو كيفية الحد من السلبيات، حيث إن مواقع التواصل تم استغلالها بشكل سيء في مصر، وبسببها نحن كنا ضحايا على كل المستويات وربما تكون البداية من ثورة 25 يناير التي لا نستطيع أن نقول إنها في حد ذاتها كانت مؤامرة ولكن على الأقل هناك من تآمر في ظلها، حين تم استخدامها في التعبئة والحشد والتحريض وخلافه وتتجلى صور المؤامرة عبر السوشيال ميديا حاليا في "حرب تزييف الوعي" والأخبار الوهمية أو fake news التي يتم نشرها من خلال صفحات وهمية ومزيفة لبعض الصحف المواقع الإخبارية المعروفة هذا إلى جانب الترويج للشائعات لدرجة أنه تم رصد 21 ألف شائعة خلال أشهر قليلة، ومن جانب آخر فإنه يتم استغلال السوشيال ميديا في حرب الاغتيال المعنوي لبعض الشخصيات فتظهر شائعات الوفاة و شائعات تشويه السمعة حول بعض الأشخاص من حين لآخر. أضف إلى ذلك أن مواقع التواصل يوجد بها أكبر شبكة تجسس عالمية حيث ترصد ردود الأفعال والأزمات القائمة في الدول، كما ترصد التفضيلات واتجاهات الشباب وبعض الفئات نحو بعض المواقف أو الأزمات.
ويضيف اللبان أن هناك مجموعة من الحلول التي يمكن اللجوء إليها لتفعيل دعوة الرئيس حول السوشيال ميديا، وأول هذه الحلول هو إنشاء "مرصد" لمتابعة كل ما يقال على مواقع التواصل لرصد الشائعات وتعقب مصدرها وذلك من خلال ميكانيزمات أو آليات تكنولوجية واضحة، ومن ضمن الحلول أيضا ما تضمنه قانون تنظيم الإعلام حيث بدأت الأجهزة المعنية ترصد وتهتم بمتابعة الحسابات التي يتجاوز عدد متابعيها 5 آلاف شخص واتخاذ إجراءات بحظرها في حالة ترويجها لأفكار متطرفة، أيضا هناك ضوابط وضعها المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام مؤخرا بترخيص كل موقع على شبكة الإنترنت وحظر الكثير من المواقع المجهولة أو المتطرفة والتي تستغل السوشيال ميديا في ترويج أخبارها الوهمية. كل هذه الأليات تساهم في سيطرة الدولة على الفضاء المعلوماتي وضمان توجيهه بشكل أفضل. وفي إطار تفعيل دعوة الرئيس، ذكر اللبان أن هناك حاجة لتشكيل مجلس أو "بورد" أو هيئة لدراسة المخاطر وإيجاد طرق للتصدي لها بشكل ممنهج في إطار رؤية الدولة، على أن يضم مجموعة من الشباب لأنهم أكثر خبرة بالتعامل مع هذه المواقع كما يضم خبراء وأساتذة جامعة وصحفيين ومسئولين من الأجهزة الأمنية والمعنية، بحيث يكون هناك إلمام شامل بكافة استخدامات السوشيال ميديا، وفي الإطار نفسه يمكننا تعظيم الإيجابيات الخاصة بالشبكات الاجتماعية كمنصات للتواصل وإنشاء الجروبات والاستفادة بها في التعليم والمدارس والجامعات وفي التسويق السياسي والتجاري. وحول مستقبل السوشيال ميديا، يؤكد الدكتور شريف درويش أن العالم يتجه للسيطرة الداخلية وإنتاج أشكال محلية من مواقع التواصل الاجتماعي، حيث إننا لم نعد مضطرين للخضوع للشبكات الاجتماعية التقليدية " فيسبوك – تويتر – إنستجرام .. إلخ" فهناك لاعبون آخرون على الساحة وهناك مواقع أخرى حققت شهرة عالمية كبيرة في هذا الإطار بعيدا عن الوسائل التقليدية، فالصين مثلا لا يوجد بها شبكات تواصل أمريكية، والفيسبوك ممنوع منعا باتا بها على سبيل المثال، ولكنهم في المقابل لديهم الوسائل الخاصة بهم فهناك مواقع للفيديو مثل "تيك توك" وموقع للتواصل شبيه بالفيسبوك، وهناك موقع مقابل لتويتر كما أن هناك تطبيقا مشابها لواتساب. روسيا أيضا لديها بعض الشبكات الاجتماعية الخاصة بها، وهناك دول أخرى طبقت هذه التجربة من خلال إنشاء منظومة خاصة بالتواصل الاجتماعي تخص الدولة وتستطيع أن تفرض سيطرتها عليها وليس المقصود هنا فرض رقابة أو الحد من الحرية ولكن على الأقل الوقاية من شرور المواقع الأمريكية، ويمكن تطبيق هذه التجربة في مصر أو في عدة دول عربية إذا حالت الإمكانيات المادية دون ذلك، كما يمكن الاستفادة من التجربة الصينية.