يا دين النبي !!! هل أكتب حقاً هذا المقال لمجلة (الشباب) ؟؟ . الإجابة بسيطة ، فإذا كنت تقرأ أنت الآن هذه السطور ، بارك لي ، فقد تحقق حلم من أحلام زمن غادرته ولم يغادرني، وإذا لم يقرأ هذه السطور سوى أولادي فليعلموا أن (باقة النت) انتهت ، ولم أرسل هذا المقال، أو أن السيد الزميل رئيس التحرير رأى أنني أصلح لأعمال أخرى بخلاف الكتابة في مجلة الشباب. من أين أبدأ .. من أين أبدأ ؟؟ حسنًا .. يمكنني أن أبدأ كما قرأت أنت في السطور السابقة ، ويمكنني أن أبدأ هكذا : للأستاذ الكبير والراحل العظيم عبد الوهاب مطاوع صدقتان جاريتان، الأولى : باب بريد الجمعة ، والذي صنع من خلاله (ملتقى) لأصحاب المشاعر المرتبكة، ومشكلات الحياة التي لا تنتهي، فنصبوه حكيماً، وحكماً لوجعهم الإنساني الذي صاغه في صورة قصص لطالما (طبطبت) على من يقرأها، على الأقل حين أخبرته أن هناك كثيرين مثلك ، ولديهم نفس همومك ، وطبطب هو على (أبطال) الحياة ليهديهم عصارة تجاربه في رد يبدأه ب ( ولكاتب هذه الرسالة أقول : ......) لنقرأ ونستمتع ونتعلم ، ويجبر عبد الوهاب مطاوع بخاطر الناس الذين استأمنوه على مشاعرهم . أما الصدقة الجارية الثانية للأستاذ عبد الوهاب مطاوع من وجهة نظري فكانت – ولازالت - مجلة الشباب التي ترأس تحريرها، وصنع مجدها، فكانت موعداً شهرياً لبهجة أجيالالجيل الذي أنتمي إليه ، والذي كانت تحجزها عند باعة الصحف، الذين كانوا يخبئونها بدورهم ، ولا يعطونها إلا لزبائنهم ، أو بسعر أعلى ، كيف لا وأنت على موعد شهري مع (أهم) كتاب مصر . كوكتيل فاخر من الثقافة والأدب والرياضة والمتعة والفن والشعر والحكايات والقصص والمغامرات المتعة الخالصة، فها أنت تقرأ لأحمد بهجت وتتأمل مع مصطفى محمود ، وتسافر مع أنيس منصور ، وتضحك مع أحمد رجب ومحمود السعدني ويوسف عوف وحسام حازم، ثم يالجمال الاختراع المدعو (إسعاد يونس) حين يتصل بها عبد الوهاب مطاوع بعد نجاح (بكيزة وزغلول ) الذي كتبته، ليطلب منها مقالاً شهرياً يعنونه ب(زغلول يكتب) . الله على كتابات سعد الدين وهبة، يا سلام على صلاح منتصر يحدثنا عن رحلاته بين السما والأرض وحكايات الشعب حين جلس على العرش ، في حين ضياء الدين بيبرس يحكي في زاويته التي أخذت اسم برنامجه الإذاعي الشهير ( لو كنت مكاني)، وفاروق جويدة وفاروق شوشة يعزفان بالكلمات، يااااااه ، المخضرم محمود سالم صاحب الشياطين ال13 والمغامرون الخمسة في مجلة واحدة مع نبيل فاروق صاحب رجل المستحيل وملف المستقبل، إضافة لغيرهم وغيرهم من الكتاب . بعناد المراهق الذي يرى نفسه شاباً كنت أجري وراء العدد بمجرد نزوله، أو أوصي به والدي، لأعلق (البوسترات) التي كانت تميز المجلة لنجوم الفن والرياضة المصريين والعالميين على حوائط بيتنا الصغير، وأتعجب من المجلة التي تنشر عناوين مراسلة النجوم البريديةولا تطاوعني يدي في (قطع)الكوبونات الخاصة ب(أتوبيس المفاجآت) و(غذاء مع نجمك المفضل)، لأن ذلك سيشوه المجلة . بعشق مبكر للمهنة كنت أنظر باحترام شديد لعبد الوهاب مطاوع وهو يفتح نافذة لجيل مختلف من الصحفيين ، ويعيد الاحترام لفن المغامرة الصحفية بأسلوب السهل الممتنع ، وأذكر مغامرة بسيطة فكرتها تعتمد على مواطن يريد مقابلة وزير، وحينها لم يوافق على مقابلة المواطن (الذي كان صحفياً بالمجلة)سوى وزير الكهرباء والطاقة آنذاك ماهر أباظة كان عبد الوهاب مطاوع شديد الإعجاب بالأفكار الجديدة ، ويبحث عما يحبه الشباب ، ربما لذلك لم أندهش من أن يكون ضمن أبواب المجلة حينها باباً لمصارعة المحترفين وآخر لكمال الأجسام إلى جانب مقالات وحوارات وتحقيقات وفنون صحفية أبواب أخرى كانت سبباً في بهجتنا. أما العبد لله ، فبتعلق وعشق شديد لعمرو دياب أذهب لمبنى الأهرام الجديد في شارع الجلاء لأنتظره بعد أن ينتهي من (نجمك على التليفون) مع محمد عبد الله الصحفي النشيط الذي سيصير رئيساً لتحرير المجلة فيما بعد، وأحاول التقاط صورة معه ( مع عمرو أكيد وليس محمد) بالكاميرا الكوداك الصغيرة ( التي ستنقرض بعدها بسنوات)، لكن عمرو يصافحنا وينطلق سائقه قبل التقاط الصورة ثم بفرحة أرسل للأستاذ يصالحني عبد الوهاب مطاوع بعد رسالة خطية راجياً إياه فيها أن يرسل لي صورتي بصحبة (وحش الشاشة) فريد شوقي ، والذي قابلته بعد أن أسعدني الحظ واختارتني المجلة لأذهب إليه مع القراء في فيلته بشارع الكواكبي، ويومها كان (ملك الترسو) منطلقاً ومرحباً وودوداً وفرحاً بقراء المجلة الأهم في مصر آنذاك، ولم يبخل عبد الوهاب مطاوع بصورتين وصلتا لي بالبريد مع توقيعه على رسالة شديدة التهذيب تؤكد أنه (لبى رغبتي) ، وأنني (الإبن العزيز) .. ربما لهذا لم أخف وأنا أخطو داخل الأهرام مرة ثانية طالباً مقابلة عبد الوهاب مطاوع الذي كان الكاتب الأكثر مبيعاً في هذا الوقت بكتبه التي يجمع فيها ردوده على بريد الجمعة، إضافة لكونه رئيس تحرير الشباب التي أصبحت (مدرسة) مستقلة داخل الأهرام . كنت وقتها في سنواتي الجامعية الأولى، ولم يرفض الرجل مقابلة شاب طلب منه (التدريب) ، بل استمع إلى أفكاري قبل أن يعلم بخط يده على الورق (الدشت) الذي كتبت عليه أفكاري وهو يعنون فكرتي ب(العيب على ألسنة الشباب)، وكانت فكرة الموضوع عن الألفاظ الشائنة التي يستخدمها الشباب من الأغنيات الأجنبية دون أن يدركوا أنها (شتائم) ، والسباب المتبادل على سبيل (الهزار) فيما بينهم، ويومها صافحني الأستاذ منتظراً أن أعود بالموضوع ، لكنني لم أعد . ولم أعرف سبب عدم عودتي ولم أعرف مدى حبي لهذه المجلة إلا وأنا أبكي على أيامي الخوالي يوم تحولت لجريدة، ثم سرعان ما عادت من جديد لتعود قطعة من تاريخ حياة الذاكرة العاطفية والاجتماعية لجيل مختلف، كبر أحد أطفاله فجأة ، ليطلب منه أن يكتب مقالاً في المجلة التي تربى عليها.سيقول قائل : ومن هو ( محمد فتحي) كاتب هذا المقال ، والإجابة النموذجية بعيداً عن (العيب) الذي قد يأتي (على ألسنة الشباب): قارئ تحول حلمه إلى حقيقة ، وها أنت تنهي أولى مقالاته للمجلة التي تربى عليها .