مئات الرسائل الإنسانية التى رد عليها الأستاذ عبد الوهاب مطاوع، بالحكمة واللين فى بريد الجمعة على مدار 22 عاما.. أضفى عليها من خبرته وتجاربه وقراءاته المتعددة ورجاحة عقله الكثير.. أنا وأبناء جيلى والجيل الذى سبقنا تعلقنا ببريد الجمعة لنقرأ تجارب البعض فى الحياة ولنتعلم من الأستاذ عبد الوهاب مطاوع الحكمة فى علاج كل مشكلة. من حالفة الحظ مثلى وعاصر الأستاذ الحكيم شاهدة وهو يمشى ببطء فى طرقات الأهرام سارحا فى حل مشكلتة الأسبوعية، بكل لين وحكمة وحياد، واليوم محصلة بريد الجمعة على مدار 22 عاما حوالى 44 كتابا هى إرثنا من عبد الوهاب مطاوع،. البداية، كانت حين قرر منذ السنة الأولى فى الجامعة أن يتدرب فى صحيفة أو مجلة، وعمل لفترة قصيرة متدربا بمجلة روزاليوسف ثم ذهب للقاء الكاتب أحمد بهجت وعمل معه بمجلة (صباح الخير) وبعد النجاح فى السنة الدراسية الأولى (1958) اقترح عليه صديقه الكاتب أحمد بهجت أن يعمل فى قسم التحقيقات الصحفية الوليد، تحت إشراف الكاتب الكبير صلاح منتصر، وبالفعل تقدم إليه وأصبح أول اسم يدرج فى هذا القسم متدربا بمكافأة بسيطة، وأجرى عددا من التحقيقات وبدأ اسمه يظهر فى التحقيقات، وبدأ اهتمامه الاجتماعى والإنسانى بتحقيق قضايا الناس ومشكلات الجمهور فقد أفاده هذا العمل الالتحام بقضايا الوطن ونبض المجتمع. عبد الوهاب مطاوع من مواليد 11 نوفمبر 1940 ولد فى مدينة دسوق إحدى مدن محافظة كفر الشيخ. حصل عام 1961 على الليسانس وتم تعينيه رسميا بالأهرام فى السنة نفسها كمحرر صحفى بقسم التحقيقات وقبض أول راتب (18 جنيها شهريا) واستمر هذا الراتب لمدة ثلاث سنوات ونجحت تجربته فى قسم التحقيقات الصحفية لمدة 16 عاما. عام 1976 انتقل بعدها للإشراف على صفحة أسبوعية عنوانها (الوجه الآخر) تهتم بشئون الأقاليم، والتى كان يتولى الإشراف عليها الكاتب (مكرم محمد أحمد) وانتقل لمكان آخر ورشح كاتبنا ليحل مكانه ولأول مرة يقدم آرائه الخاصة فى عمود خاص به. التحق بعد ذلك بالديسك المركزى ل»الأهرام» عام 1982، ثم أصبح مسئولا عن صفحة بريد الأهرام يوميا والصفحة الأسبوعية ونائب مدير تحرير الأهرام، ثم رئيس تحرير لمجلة الشباب عام 1986. كان يؤمن بأن الصحافة ليست مجرد وسيلة لنقل الأخبار، وإنما هى فى حد ذاتها رسالة هدفها إيقاظ الوعى الإنسانى واطلاعه على ما يدور حوله من أحداث التاريخ ووقائعه. وفى كل موقع مما سبق ترك عبدالوهاب مطاوع بصمات وتلاميذ أثروا ولايزالون فى الصحافة المصرية والعربية بإسهامات بارزة. عبد الوهاب مطاوع كان المسئول عن باب بريد الجمعة الذى حاز شهرة واسعة فى حل المشكلات الانسانية والاجتماعية وظل عبد الوهاب مطاوع محافظاً على هذا المنصب طوال 22 عاماً. لقب بلقب صاحب القلب الرحيم وذلك لانه كان دائما يتصدى شخصياً لمساعدة الناس علاقة قراء بريد الجمعة بعبد الوهاب مطاوع كانت علاقة ذات طابع خاص، لم تكن مجرد علاقة قراء بكاتب بارع، بل كانت علاقة أبناء بالأب الروحى لهم والراعى الرسمى لجبر الخواطر. وقد يندهش البعض حين يعلم أن بريد الجمعة بطابعه الإنسانى لم يكن سوى مساحة لتلقى شكاوى المواطنين وخصوماتهم مع الجهات الحكومية والمسئولين، والبداية الحقيقية لم تكن سوى محض مصادفة. الشرارة الأولى التى جلبت لنا كل هذا الوهج من الخبرات الإنسانية كانت رسالة تلقاها عبد الوهاب مطاوع من أب شاب فقد طفله الوحيد فى سن صغيرة، وبعد فترة قصيرة من حادثة الوفاة وضعت أخته مولودها الأول، فعزفت عن الاحتفال احترامًا لمشاعر أخيها، فأقام هو الاحتفال. بعث هذا الأب المكلوم فى ابنه لعبد الوهاب مطاوع يسأله، هل ما قام به تصرفًا طبيعيًا أم أنه أصابه الجنون، نشر بريد الجمعة الرسالة مصحوبة بتعقيب عبد الوهاب مطاوع الذى كان يخفف فيه عن الأب هذا الكم من الحزن والألم، طالبًا من القراء إرسال رسائل على عنوان البريد للتخفيف عن هذا الأب، على أن يعيد إرسال هذه الرسائل للأب مرة أخري. كانت المفاجأة عندما تلقى عبد الوهاب مطاوع سيلاً من الرسائل التى يشارك بها أصحابها هذا الأب مصابه الجلل، ومن هنا جاءت فكرة بريد الجمعة، واتسعت مساحته لتؤكد أهمية المشاركة الوجدانية لتخفيف الأحزان. مئات القلوب الحزينة والخواطر المكسورة وطالبى المشورة والنصيحة، والباحثين عن الونس والحب والدفء وجهوا بصلتهم صوب بريد الجمعة الذى اصبح ملاذ للكثيرين على مدار 22 عاما. كان عبد الوهاب مطاوع يتلقى آلاف الرسائل فمتوسط ما كان يصله من بريد الجمعة 120 رسالة أسبوعيا (520 رسالة تقريبا شهريا) شهرياً منذ عام 1982 وطوال 22 عاما. منذ هذه اللحظة وضع يده على الدراما الإنسانية التى ستكون الوقود لفلسفة حياته، فالبريد يحمل إليه تلال الرسائل تحوى آلام الناس وتحولات حياتهم بين الغنى والفقر، القوة والضعف، الوفاء والغدر. بشر يصعدون وبشر يهبطون، وتتبدل النفوس وتتغير الوجوه المحيطة من الابتسام إلى العبوس ومن الحب للكراهية ومن الوفاء للجحود. كان نجاح عبد الوهاب مطاوع غير خاف على أحد حتى ان نجيب محفوظ أطلق على بريد الأهرام نبض مصر، وقال من يريد الاطلاع على حال المصريين يجب أن يتابع هذا البريد، وقد احتل مطاوع فى قلوب القراء مكانا بارزا عبر حبر وأوراق، فقد كان يروى لنا اسبوعيا حكاية لا بد أن نسمعها.