يَعرف الصحفيون أن باب "بريد القرّاء" مِن أسوأ الأقسام التي يُمكن أن يتولّى الصحفي إدارتها؛ فأنت قد تتلقّى رسائل من المستحيل نشرها، ورسائل أخرى لو نُشِرت لَمِا أعطت للباب قيمة؛ لأنه أوّلاً وأخيراً يظلّ بابا صحفيا يجب أن تتوفَّر فيه بعض القيم الصحفية الأساسية. ويَعرف الصحفيون -خاصة في مصر- أن العديد مِن المحررين يقومون بتأليف بعض الرسائل ونشرها على اعتبار أنها رسائل أُرسِلت لهم، وذلك مِن أجل تجنّب كل هذه المشكلات، كما أن بعضهم يقوم بتأليف الرسائل بطريقة معيّنة تضمن الإثارة، والتطرّق إلى المواضيع التي تهمّ القارئ حتى لو لجأ إلى الإسفاف. ولكن يعرف الصحفيون أن هناك أسماءً قليلة للغاية في هذا العالم عاملت الأمر على أنه مهمة إنسانية، ويعتبر الصحفي الراحل عبد الوهاب مطاوع من القلة التي جعلت من باب "بريد القرّاء" أدباً حقيقياً عُرِف باسم "أدب الاعتراف". لم يكتفِ "مطاوع" باحترام المهنة، بل حوّل صفحته الأسبوعية بجريدة الأهرام إلى مؤسسة خيرية بالمعنى الحرفي للكلمة، ونَسَجَ علاقات طيبة مع رجال الأعمال ومحبّي العمل الخيري، ووظّف كل هذا لخدمة ملايين الرسائل التي تصل مكتبه، والتي تتضمّن مشكلات الناس. لم تكن تلك الرسائل تحتوي على مشكلات عاطفية فحسب، بل كانت تحتوي على مشكلات مالية ومعيشية قاسية، وكان "مطاوع" يقوم بحل كل هذا في هدوء. يعرف الصحفيون في مصر أن قلّة مِن أعمال "مطاوع" الخيرية هي التي نُشِرت، بينما الأكثرية حدثت في صمت بعيداً عن صفحات جريدة الأهرام. وُلِد عبد الوهاب مطاوع بمحافظة كفر الشيخ في 11 نوفمبر عام 1940، تخرج في كلية الآداب قسم صحافة في مايو عام 1961، وقد بدأ العمل الصحفي بجريدة الأهرام قبل تخرُّجه في الجامعة. وفي عام 1982 تولّى مسئولية باب "بريد القرّاء" بجريدة الأهرام، وعلى يد "مطاوع" أصبح الباب يفرد له صفحة أسبوعية بعدد الجمعة (العدد الأسبوعي لجريدة الأهرام). أصبحت هذه الصفحة مِن أهم الأبواب الصحفية التي تُنشَر على مستوى العالم العربي كله، إلى درجة أن جريدة "الرايو" القطرية وجريدة "صوت العرب" الإماراتية توصّلا إلى اتفاق مع مؤسسة الأهرام يقضي بنشر الصفحة في نفس اليوم على صفحاتهما، وهو إجراء نادراً ما حظي به صحفي عربي على مستوى الصحافة العربية برمتها. ونظراً للنجاح الساحق الذي حظيت به الصفحة، تقرّر تجميع مقالاتها ونشرها في كتب، وهكذا خرجت سلسلة مِن الكتب ل"مطاوع"؛ منها: "أصدقاء على الورق"، "العصافير الخرساء"، "نهر الدموع"، "أزواج وزوجات"، "أرجوك لا تفهمني"، "أيام السعادة والشقاء"، "حصاد الصبر"، "نافذة على الجحيم"، "أرض الصبر".... وغيرها. وبالطبع لم يكن هذا اللون الأدبي الوحيد الذي أجاده "مطاوع"، فقد كان كثير الأسفار والترحال، وأثرى قلمه أدب الرحلات بالعديد من الكتب المهمة، لعل أبرزها: "سائح في دنيا الله"، "حول العالم في 30 عاماً"، بالإضافة إلى "يوميات طالب بعثة". وداخل "الأهرام" كان "مطاوع" يُواصل رحلة صعوده؛ فأصبح سكرتير تحرير الجريدة، ثم نائباً لرئيس التحرير، وفي ديسمبر عام 1986 أصبح رئيساً لتحرير مجلة الشباب الشهرية وحتى وفاته. وكان طبيعياً بعد كل هذا النجاح أن تتحوّل بعض أعماله إلى مسلسلات تليفزيونية وإذاعية ناجحة. وتُوّجت مسيرته الصحفية والأدبية حينما تلقّى جائزة المركز الثقافي الكاثوليكي عام 1995، وفي 6 أغسطس عام 2004 تُوفّي الكاتب الكبير عن عمر يُناهز 64 عاماً، وكانت لوفاته عظيم الأثر في نفوس العشرات ممن ساعدهم، والملايين الذين يُدركون الدور الخيري الذي قام به طوال حياته.