هل أصبحت منظومة العلاقات الإنسانية سواء كانت حب أو صداقة أو زواج معقدة لدرجة إنها تحتاج الى من يساعدنا على أن نجتاز العثرات التى تعترض مسارها من وقتا لأخر، وما الذى طرأ على مشاعرنا حتى صارت أكثر حدة وأقل صدقا ، وكيف وصلنا الى مرحلة المضى خلف وهج الومضات الخاطفة حتى أصبحنا دراويشا لمن يدعى صدق المشاعر ونحن ندرك أننا نكذب على أنفسنا قبل أن يكذب هو علينا ، لماذا لم نعد نمنح لأرواحنا الفرصة لنبحث عن الهدوء والسماحة حتى ننعم بحياة آمنة مستقرة والأهم من هذا كله لماذا لم نعد نجيد عبارات الشكر والإمتنان لبعض .. كل تلك الأسئلة هى ما سنحاول أن نبحث عن إجابة لها مع المعالجة النفسية إلهام الكومى . قبل أن نبدأ كلامنا دعينا نوضح الفرق بين المعالج والطبيب النفسى حيث أن الأمر يختلط عن الكثير منا ! الفرق كبير بين الإثنين فالطبيب النفسى يتعامل مع الجسد عندما يصل المرض النفسى الى مرحلة تتطلب التدخل الدوائى وهى مرحلة لايأتى فيها الكلام بالنتيجة المرجوه منه أى أنه لديه إهتمام أكبر بالناحية البيولوجية فعلى سبيل المثال قبل أن يتم تشخيص مريض أنه مصاب بالإكتئاب لابد أن نتأكد من أنه ليس نتيجة نقص فى بعض الفيتامينات أو مشاكل فى الغدة الرقية أما المعالج النفسى فهو مسئول عن علاج الإضطراب النفسى الناتج عن الشعور العارض بالقهر والذل والغضب والوحدة والخذلان حيث أنه يساعد من يتعرض لهذا الشعور على التحرر من تلك المشاعر السلبيةوالعودة الى طبيعته من خلال حلسات العلاج الإسترشادية وذلك عن طريق الإستناد الى الإستراتيجيات التى نتجت عن النظريات التى تم إثباتها علميا . هل أصبحت العلاقات الإنسانية معقدة لدرجة إنها تحتاج الى من يساعدنا على إجتياز عثرتها من وقتا لأخر ؟ كلنا سواء كنا كبار أو أطفال نتعرض لمشاكل فى البيت والمدرسة والعمل وطبيعى جدا أن تلك المشاكل تدخلنا فى دائرة المشاعر السلبية منا من يستطيع أن يتجاوزها ويتحرر منها وحده ومنا من يبحث عمن يساعده فى إجتيازها ولكن فى كل الأحوال هناك ملجأ أول وهو الأعظم والأهم الذى يستطيع أن يخلصنا من كل ما يؤذينا وهو القرب من الله سبحانه وتعالى ويكفى أن فرض واحد من فروضه قادر على أن يفعل ذلك وهو الصلاة شرط أن تكون من القلب وبخشوع فالسجود فى حد ذاته يحرر الروح من الطاقة السلبية التى تعترضها مهما كان حجم المشاكل التى نمر بها والعكس صحيح فكلما توافرت لنا كل سبل الراحة والرفاهية حتى أنه لم يعد للمشاكل فى حياتنا وجود ولكننا بعيد عن الله فمستحيل أن نعم بلحظة واحدة من هدوء أو سكينة أو طمأنينة . من واقع الحالات التى تتعاملين معها .. ما هو السبب الذى يدفع بنا لتلك المشاعر السلبية ؟ أظن أن مشكلة الإنسان الأولى هى "التعلق" والحقيقة أن أغلبنا لديه خلط بين الحب والتعلق الذى يبدأ من عنده كل آذى يصيب أرواحنا يعنى مثلا طالما تأتى إلى حالات تشتكى من عدم القدرة على الإستمرار فى الحياة بعد إنفصالها عمن تحب مبررة ذلك بأن روحها متعلقة بمن تحب والحقيقة إن ما تشعر به ليس حبا ولكنه مجرد تعلق بالحالة التى كان يوفرها الأخر لذا فعندما أمر الله سبحانه وتعالى سيدنا إبراهيم بذبح إبنه كان يقصد ذبح تعلقه بغير الله " قال يا بنى أنى أرى فى المنام أنى أذبحك " وعندما إستجاب إبراهيم وإبنه إسماعيل قال تعالى " فلما سلما وتله للجبين وناديناه أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا إنا كذلك نجزى المحسنين إن هذا لهو بلاء مبين وفديناه بذبح عظيم" وقد كان القصد هنا ذبح شهوة البشرية من التعلق بغير الله وللأسف تلك هى مشكلتنا الأولى فمن يتعلق بالمنصب ينسى أنه زائل ولا يعمل على مراعاة المصلحة العامة التى تضمن له الدنيا والآخرة ومن يتعلق بحبيب يحصر سعادته فى وجوده حتى يأخذ المخ إشارات بأن سعادته محصورة فى وجود هذا الشخص وحده دون غيره ومن ثم فالتعلق هو السبب الأول لدخولنا فى دائرة الشعور بالهم والحزن والإكتئاب . لكن الطبيعى أن مشاعر الحب يتبعها تعلق .. فكيف السبيل الى التوازن حتى نتفادى عواقبها ؟ الأصل فى الإنسان هو الضعف لذا فالسبيل الوحيد آلا نستسلم لهذا الضعف ونوازن أو بمعنى أصح نوزع مشاعرنا ما بين زوج وأولاد وعمل ورياضة وصداقة واعمال تطوعية يعنى مثلا التعلق المرضى بالأولاد يدخلنا ويدخلهم فى دائرة خوف بالتأكيد ستؤذيهم فى المستقبل وهذا ينطبق على أى مشاعر حب لأن التعلق يجعل الجسد والروح مرتبطين بمن نحب ومن ثم فبمجرد إبتعاده لأى سبب تذبل الروح ويجف الجسد لذا فلابد من آلا نسمح لأنفسنا ولا لمشاعرنا بهذا الإيذاء ولا نرهن سعادتنا بوجود شخص أخر . أظن أنه فى علاقات الحب والزواج تحديدا المفروض آلا يؤدى تعلق الطرفين ببعض إلا لمزيد من الترابط الأسرى وهذا شىء إيجابى ! فى علاقات الحب والزواج تحديدا طبيعى أن تعلق الطرفين ببعض يؤدى الى الترابط وهذا شىء إيجابى لكن أيضا المزيد من التعلق قد يشعر الأخر بالنفور لذا يجب أن يتحلى الإثنان بالذكاء العاطفى خاصة أن العاطفة عادة ما تكون أكثر إتزانا بعد الزواج فمن الطبيعى أن تهدأ ثورة المشاعر ويحل محلها المودة والرحمة والمعاملة الحسنة والعشرة الطيبة لكن ماذا لو قرر طرف من الإثنين التخلى عن تلك العلاقة أو الخلاص منها أو التعامل بما لايرضى الله فأنا طالما رأيت حالات بمجرد أن يقرر طرف أو حتى الإثنين الإنفصال ينسوا العشرة والمحبة والمودة التى كانت تجمع بينهم رغم أن الأصل هو العكس كما فى قوله تعالى " ولا تنسوا الفضل بينكم " والفضل هنا أهم من العدل لأن العدل يعطى كل ذى حق حقه ولكن الفضل يجعل صاحب الحق يتنازل عن حقه أو عن بعض حقه . أظن أن هذا يرجع الى سوء الإختيار من البداية ! بالتأكيد لذا فنحن دائما ما ننصح أى إثنين مقدمين على الزواج آلا يتسرعوا فى حكمهما على بعض ولا يندفعوا وراء المشاعر وأن يمهل كل طرف لنفسه الفرصة لفهم الأخر حتى لايصطدم بالواقع بعد الزواج عندما تسقط أقنعة الرومانسية والكلام الحلو خاصة أن الإنخداع بمشاعر البداية البراقة يرفع سقف التوقعات لديهما حتى يعيش الواقع ويجد أنه مختلف تماما عما كان فى خياله لذا فعلى كل واحد أن يسأل نفسه إن كان هذا الأخر مناسب لعقله وطبيعة شخصيته وطباعه أم لا ويتذكر قول رسولنا الكريم " إذا جاءكم من ترضون دينه فزوجوه " وبالمناسبة ليس شرطا أن يكون الأخر سيىء بالعكس ممكن يكون شخص ممتاز ولكنه غير مناسب لشخصيتى يعنى لو كنت أنا معتدلة فمن غير الطبيعى أن أرتبط بشخص متطرف أو غير ملتزم من الأساس وهذا هو ما قصده رسولنا الكريم بكلمة ترضون دينه أى أنه يكون مناسب لنا لذا فأهم شىء فى الإختيار هو أن نكون متوافقين على مستوى العقل والأخلاق وهذا فى حد ذاته يضمن لنا التفاهم والمودة والرحمة الذى هما أساس أى زواج ناجح ومستقر . وكيف يمكن الحفاظ على تلك المودة والرحمه والحب أيضا ؟ بالإهتمام فأنا أرى أن البيوت مثل البنوك ولكنها هى بنوكا للحب والمشاعر ونحن من نودع ونسحب منها كيفما نشاء وإذا لم نغذى هذا البنك بالإيداع الدائم سيتعرض لحالة من الإفلاس الجزئى التى قد تؤدى الى البرود والامبالاة بالتالى ينتهى الحب وتضيع المودة التى هى الأصل فى الرحمة ودوام العشرة الطيبة لذا فعلى الزوجين أن يقوموا بعملية إيداع كل فترة وبنسب متساوية وأن يراعى كلا منهما حجم الضغوط التى تقع على الأخر لأن هذا التقدير فى حد ذاته يخلق حالة من الإمتنان فعلى الرجل أن يقدر مجهود زوجته فى البيت والعمل وتربية الأولاد وأن يدرك أن الأصل فى الإسلام أن يأتى لها بمن يخدمها وأن ما تفعله هى من خدمة له ولأولاده فضل وتفضل منها كما عليه أن يحترم أنوثتها ويمنحها وقت لنفسها حتى تشحن روحها وقدراتها من جديد ونفس الشىء بالنسبة لها فعليها أن تقدره وتشعره أنه السند والأمان والحب وآلا تضيق عليه الخناق بل تحترم حريته ورغبته فى التحرر من قيود الأسرة من وقتا لأخر سواء مع أصدقائه أو حتى بمفرده وأن يحاولا معا كل فترة أن يجددا مشاعرهما سواء بفسحة أو هديه " تهادوا تحابوا" أو كلمة طيبة أو حتى سهرة أمام فيلم فكل هذا من شأنه أن يزيد من التقارب النفسى والوجدانى بينهما وآلا يتركا أى مشكلة بينهما إلا ويتناقشوا فيها حتى لاتتحول الى مشاعر سلبية مكبوته وإذا إستصعب عليهما الحل فلا ضرر من اللجوء لمتخصص يساعدهما فكل هذا من شأنه الحفاظ على الحب والمودة والرحمة كما أنه لابد أن يكون عن الزوجين فكر الثقافة الجنسية حتى يصبح لديهما وعى كامل بتلك العلاقة وأهميتها لأنها إذا لم تكن متوافقة بينهما فطبيعى أنها ستؤدى الى النفور العاطفى وهناك كتاب إسمه " لغات الحب الخمسة " دائما ما أنصح المتزوجين بقراءته لأنه يعرض ويحلل تلك المشاكل بالتفصيل . ومتى يصبح الإنفصال أمر لابد منه ؟ لو إنقطعت جميع السبل للإصلاح والتوافق والتفاهم وعندما إن ضرر الإستمرار فى الزواج أكبر من إنهائه فأذكر أن هناك حالة قالت لى مرة إنها عندما كانت تسمع صوت تكة مفتاح زوجها فى الباب تشعر بإرتفاع فى درجة حرارة جسمها من شدة غضبها لمجيئه ونفس الشىء بالنسبة للزوج فإذا شعر أنه لم يعد يطيق زوجته أو يحتمل وجودها بجانبه ولا يريد أن يرجع البيت حتى لايراها فالإنفصال هنا يصبح أمرا لابد منه لإن الحياة ستتوقف ولن يستطيع الإثنان أن ينجزا أى شىء فى حياتهما ولكن هذا الإنفصال مشروط بالإحسان حتى لانؤذى بعض ولا نؤذى أولادنا وحتى نستطيع أن نبحث عن حياة أخرى جديدة بقلب مفتوح وروح نقية لذا فأنا دائما ما أنصح باللجوء الى إستشارى نفسى بعد الطلاق حتى تستقيم الحياة بين الطرفين ولا يؤثر الأمر على الأولاد .