«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بريد الجمعة يكتبه : أحمد البرى
المشاعر الجريحة !
نشر في الأهرام اليومي يوم 23 - 12 - 2016

يقف المرء حائرا أمام الكثير من المصاعب والمشكلات التى تطرأ على حياته، ويتلفت حوله فلا يجد من يعينه على حلها، فيشعر باليأس وتتخبطه الأمواج، وتتضاءل آماله فى الوصول إلى شاطئ الأمان،
وهذه هى حالى التى وجدتنى أرويها لك، والدموع تنهمر من عينىّ بلا توقف، فخرجت منى الكلمات كما أحسها بتلقائية، وبلا ترتيب، فأنا سيدة قاربت على سن الخمسين، وترتيبى الصغرى بين أخوتى أطال الله أعمارهم، وهم ثلاث شقيقات، وشقيق واحد، وقد نشأنا لأبوين صالحين، فكان أبى تقيا ورعا لا يألو جهدا لإسعاد أهله وخدمتهم، ومساعدة كل من يلجأ إليه دون ضيق أو ضجر، نظرا لطيبة قلبه وحنانه وكرمه الذى فاض على جميع معارفه بلا استثناء، فكان بيتنا مثل محطة مصر من كثرة الضيوف، وظل كرم الضيافة هو طابعه الأساسى حتى رحيله برغم ما كنا نعانيه من شظف العيش، فلقد كان منهجه العمل بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من كان منكم يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه، ولا يؤذى جاره، وليقل خيراَ أو ليصمت»، ولم تقل أمى رحمها الله عنه تقوى، والتزم الاثنان إرضاء لله عز وجل فى كل كبيرة وصغيرة، وصبرا على الفقر والمرض، فلم يضجرا يوما من الحياة الصعبة التى واجهاها ولم تختف ابتسامتهما فى أحلك الظروف، ولم أسمع ولو مرة واحدة من أبى كلمة تؤذى مشاعر أمى أو مشاعرنا، ومازالت عبارة «الحمد لله» ترن فى أذنىّ، وكان يرددها كثيرا فى أوقات الضيق والشدة.
فى هذه الأجواء تربيت، ووجدتنى محاطة ب «سياج روحانى» يحمينى من كل المخاطر، لكن أخى دمر حياتنا تماما، وتسبب فى تعاستى، فبعد أن تزوج وصار له بيت وأولاد مد يديه على أمه وأبيه، فكان ينهال عليهما ضربا وإهانة بأقبح الألفاظ، إرضاء لزوجته، فلم يكن يوم واحد يمر، إلا وأرى بعينىّ إصابات فى جسميهما من شدة الضرب، وكم تمنيت أن يموت إنقاذا لهما من قسوته البالغة، فلم تأخذه الشفقة والرحمة على الأقل لكبرهما، وحذرته من غضب الله الذى سوف يقتص منه فى الدنيا قبل الآخرة، وهذا بالفعل ما يحدث له الآن، إذ يعانى الأمرين من أولاده، ولعله أدرك الحقيقة التى غابت عنه بأن الإنسان «كما يدين يدان»، لكنه وقتها تعامى عن كل المحاذير التى تنذر بسوء عاقبته، ومضت حياتى فى هذا الجحيم وأنا عاجزة عن حماية أقرب الناس لى من هذا «الوحش الكاسر» المسمى أخى، وتمنيت الخروج من البيت بأى طريقة، فكان شغلى الشاغل هو المذاكرة والذهاب إلى المدرسة، وبعد حصولى على الإعدادية، لم ألتحق بالثانوى العام، حيث أن ظروفنا المادية لم تكن تسمح لى بالاستمرار حتى التعليم الجامعى، ولذلك اكتفيت بالثانوى الفنى، وشهادة الدبلوم المتوسطة، ولم يمهل القدر أبى كثيرا، فمات وأنا فى أولى ثانوى، فاسودت الدنيا من حولى، وأحسست بزلزال يهز أرجاء نفسى، وعاشت أمى بعده سبع سنوات تجرعت فيها كأس المرارة وحدها من أخى، ولا أنسى أبدا محاولاتها اليومية إخفاء دموعها عنا، وهى تشكو إلى الله عز وجل فى صلاتها التى كانت ملاذها الوحيد للراحة من هموم الدنيا حتى أنها لقيت وجه ربها فى أثناء سجودها.
وكان لنا قريب من بلدتنا يزورنا باستمرار، ولم أكن أطيق رؤيته لهزاره الثقيل مثل دمه، إذ كان يضربنى بهزار، وأنا أكره من يفعل ذلك، حيث أننى أسترجع صورة أبى وأمى وأخوتى، ونحن جميعا نتعرض للضرب على يدى أخى، وأنخرط فى البكاء، ومازالت هذه العقدة النفسية تلازمنى حتى الآن، وبرغم هذا الإحساس نحو قريبنا، فإننى وافقت على الإرتباط به عندما تقدم لأخى طالبا خطبتى، واعتبرته طوق النجاة الذى سيخرجنى من هذا «البيت القاتم»، وشعرت لأول مرة بمشاعر الأنثى المرغوبة، وتحول كرهى الشديد له، إلى حب يفوق الوصف لدرجة أننى كنت أبكى عندما يغيب عنى يوم واحد، وأمطرته بوابل من المشاعر الفياضة والأحاسيس الحلوة، فهو أول وآخر رجل فى حياتى، وبعد عقد القران، سافر إلى دولة عربية للعمل بها، من أجل توفير مبلغ يساعده فى تأثيث عش الزوجية، وعشت أسبوعا لم أتناول فيه أى طعام حزنا على فراقه، وكدت أن أتعرض للإغماء فى أحيان كثيرة من شدة التعب والجوع ومرت سنتان كالدهر، ثم تزوجنا، ووعدنى بأنه سوف يعوضنى عما قاسيته من أخى، وسيكون لى نعم الزوج والحبيب، ولن يدخر جهدا لإسعادى، ولكن هيهات أن يحقق ما وعد به، فلقد تبعثرت كلماته على أرض الواقع الأليم منذ ليلة الزفاف، حيث عاملنى بقسوة ليس فيها شىء من الحنان والرحمة، وكنت بالنسبة له جسدا فقط يأخذ منه ما يشتهى فى أى وقت دون النظر إلى حالتى النفسية والصحية، إذ تربى على أن الرجل مسموح له بكل شىء، وأن المرأة ليس من حقها أن تعترض، أو تراجع زوجها فى أى موقف، أو تشير عليه برأى ما، وكل ما عليها أن تقول «حاضر وطيب» فقط، وأن تكون مثل «الحذاء» فى قدم الرجل، والله هذا ما يردده كثيرا، علاوة على الضرب المبرح، والإهانة المستمرة أمام الناس وفى وجود أولادى، وبهذا الأسلوب ضرب بكرامتى عرض الحائط، فوجدتنى أعيش مع نسخة مصغرة من أخى فى كل شىء، أما القسوة فيفسرها بأنها رجولة لكى يحافظ على وجوده أمامى ولا أدرى أين الرجولة فى إهانة شريكة الحياة؟، وكان أيضا بخيلا فى مشاعره لأقصى درجة، معتقدا انه لو قال لى «كلمة حلوة» أو عاملنى معاملة طيبة فإن هذا ينتقص من رجولته، ومع ذلك تحملته لما بداخلى من بقايا محبة له، ولكن أنى للحب أن يعيش وسط هذا الجفاف العاطفى؟ فالحب كالشجرة يحتاج دائما إلى أنه نرويه بالحنان والكلمة الطيبة.
لقد كان زوجى ومازال سبب تعاستى وشقائى، وقد رزقنا الله بثلاثة أولاد «بنتين وولد» هم لى بمثابة «المنديل» الذى أجفف به دموع الحياة عن وجهى، وأسأله سبحانه وتعالى أن يبارك لى فيهم، ويكفينى حنانهم وبرهم بى، فكم تحملت من متاعب حتى يكملوا تعليمهم، وعندما كنت أطلب من أبيهم مصاريف المدارس كان يثور ضدى، لأنه لا يرغب فى أن يكملوا تعليمهم، وأن يبحث كل منهم عن عمل، مادام يعرف القراءة والكتابة، فوقفت فى وجهه كالمحارب فى الجبهة لكى أصل بهم إلى بر الأمان، وكنت أدخر قليلا من مصروف بيتى وأعمل جمعيات، وأدبر ما يحتاجونه، حتى تخرجوا فى الجامعة.
وزوجى بخيل معنا فقط، أما خارج البيت فهو كريم معطاء ليقول الناس أنه كذلك، ولا يصلى إلا أمام الآخرين ليقال انه متدين، وفى وسط هذا العراك الزوجى راودنى حلم استكمال دراستى الجامعية، ففاتحته فى الموضوع، فرد علىّ بأنه لن يعطينى مليما واحدا للدراسة، فتحديته وقلت له: لن اطلب منك أى شىء، وادخرت مبلغا من مصروفى القليل جدا، ودخلت به جمعيات كنت اقبضها كل عام دراسى، والتحقت بكلية التجارة ضمن التعليم المفتوح، ووجدت هناك عالما مختلفا عن عالمى، وتفتحت مداركى، وتودد أكثر من زميل إلىّ بأرق الكلمات والكلام المعسول، فلم ألق بالا لهم، والحقيقة أننى لست جميلة، ولكنى مقبولة الشكل، وحبانى الله بجمال الروح، ووهبنى كتابة الشعر، وكل من يعرفنى يحبنى، وهى نعمة منّ الله علىّ بها، وكنت اهين أى رجل يقول لى كلاما حلوا لأنى ليس من حقى أن أسمع هذا الكلام إلا من زوجى، ولك أن تتخيل حجم المعاناة التى كنت أعانيها، ومجاهدة النفس حتى لا اقع فى الخطأ، فمن القسوة أن أسمع كلام الحب من زملائى فى حين أجدنى محرومة من سماع كلمة واحدة طيبة من زوجى، وكنت عندما أقول له من باب «الهزار» أن أحد زملائى معجب بى, يرد علىّ بعبارة مؤلمة قائلا: «هيبصولك على جمالك»، فدمرنى كأنثى وزاد على ذلك بقوله: أنه كان أعمى حين ارتبط بى، ولو تركنى فلن أجد أى رجل يقبلنى، ويعايرنى بمحبتى الشديدة له ويقول لى «أنا اللى خليتك بنى آدمة»، ويعايرنى بأنى ليس لى مكان أذهب اليه إذا طلقنى، لأن أخى مقيم فى بيت والدى، وكان ومازال دائم الطرد لى منه، ويقول لى: «روحى نامى فى الشارع»، وفوق كل هذا، فإن زوجى دائم النظر إلى السيدات، والحديث معهن بمعسول الكلام حتى إننى كرهته بشدة، وأغلقت قلبى على مشاعرى الجريحة، وعلى أولادى، وأخرجته من داخلى تماما، وأصبحت أعامله معاملة الرجل الغريب عنى، وكرهت مجرد لمسة يده على جسدى، وأبكى بحرقة وألم، وأدعو الله ألا يحملنى ما لا أطيق عندما يريد معاشرتى، ومازلت فى حيرة من أمرى لأنه كثير القسم بالطلاق، ولا أدرى هل مازلت زوجته أم صرت محرمة عليه؟، وللأسف فإنه لا يعرف من الدين غير اسمه، إذ لا يصلى ولا يدفع الزكاة. وأشعر أننى خسرت الدنيا والآخرة، وأجدنى عاجزة عن إرضاء الله فيه بعد أن أصبت بحالة «قرف» منه، وأقسم بالله أننى حاولت كثيرا أن اجاهد نفسى ومشاعرى على قبول علاقتنا الجسدية، فلم استطع، وكانت النتيجة إصابتى بمرض السكر.
إننى أعيش الآن حياة محطمة بلا مشاعر، وتحولت إلى جسد بلا روح، ولا أحاسيس، فمن وجهة نظره أن المرأة لا تحتاج سوى الأكل والشرب فقط، وأن يعطينى حقى الشرعى فى العلاقة الجسدية، وأقول لك إنه لم يعد يهمنى فى الحياة سوى أولادى، وأعيش كأم فقط، واتمنى من الله أن يتزوجوا ويسعدوا بحياتهم حتى أكون قد أديت رسالتى على أكمل وجه تجاههم، ويبقى أن أنصح كل زوج بأن يتقى الله فى زوجته، فالرجولة لا تعنى أن يهينها، ولا أن يضربها ولكن الرجولة هى أن يحافظ عليها ويحتويها، ويكون لها نعم السند والمعين فى الحياة وأنه لن يخسر شيئا إذا قال لها كلمة طيبة، بل سيكسب محبتها وطاعتها له، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
ولكاتبة هذه الرسالة أقول:
بكل تأكيد فإن الحب يقابله عطاء، والكره نتيجته الجفاء، وشتان الفارق بين حالك عندما تقدم إليك قريبك طالبا الزواج منك، وسفره إلى الخارج، وبكائك الدائم على فراقه، وحالك بعد الزواج عندما كشف لك عن وجهه الحقيقى بالضرب والإهانة والسباب، فلقد ظلمك بمعاملته القاسية لك، ولم يراع الله فيك، ولم يدرك بعد كل هذا العمر أن دعوتك فى لحظات الألم والدموع والخشوع بين يدى الله, لا يردها عز وجل خائبة أبدا، فلقد نسى ما قدمته له، وخانك فى الوقت الذى حافظت فيه عليه، ولم يشغل بالك غيره، وحان الوقت لكى تقفى معه وقفة جادة، ولكن ليس كما يقول الشاعر:
إذا كنت تحاول بسيف الهجر تهديدى
الهجر سيفك وأنا النسيان سكينى
فالوضع الطبيعى بين كل زوجين لا يمكن أن يسير على هذا النحو لأن المسألة هنا ليست بين ندين، وإنما بين كيانين يكمل كل منهما الآخر، بمعنى أنه لابد من رعاية الحب والعلاقة المشتركة بينهما، كالنبتة الصغيرة التى تحتاج إلى إرواء ورعاية دائمة حتى تكبر وتظل نضرة دائماً، ومن المهم أن يعامل كل طرف الآخر بلطف ومودة، وأن تكون بينهما أوقات لا تخلو من مشاعر الصداقة والود والاحترام، وأن يساند زوجته على تخطى الأزمات، وأن يملآ معا عش الزوجية بالحب والمشاعر الدافئة وإرواء المشاعر والعواطف التى تدفع كليهما إلى التفانى فى تحقيق السعادة، وكلما كانت الحياة بسيطة وغير متكلفة, صارت أكثر سعادة وراحة وطمأنينة.
ولقد فات زوجك أن لك حقوقا عليه منها توفير الحياة الكريمة لك ولأولادكما وإكرامك وعدم جرح مشاعرك، بل والحديث معك بفكاهة وبساطة ومزاح فى أوقات الراحة، وإدخال السرور عليكم وعدم التجهم أو الغضب عند دخول المنزل، وعدم تأنيبك أمام الغرباء، أو البوح بأسرارك، فمثل هذه الأمور تترك أثرا غائرا فى النفس يتراكم بمرور الوقت، وبعد كل ما جرى منه آن الأوان لأن يدرك أن عش الزوجية هو الجنة وارفة الظلال التى يلجأ إليها كل أفراد الأسرة هربا من ضجيج الحياة، ولذلك يجب تدعيمه بالحب والمودة ليصبح قويا حصينا، لا تؤثر فيه الرياح، وكلاكما مسئول عن تضميد الجراح التى لحقت ببيتكما ليعود إلى ما كان عليه.
وإذا كنت قد واجهت كل هذه المتاعب من زوجك، فلا يعنى أن تستسلمى، ولكن عليك أن تبحثى عن عوامل مؤثرة تساعدك على الوقوف من جديد، وأحسب أن أولادك قادرون على مد جسور التواصل بينكما بالحوار الإلحاحى لإعادته إليكم، وهنا يجب أن يلين كل منكما جانبه للآخر، فيتراجع عن الأسلوب الهمجى الذى يتبعه معك، وتعيدين بث كلمات الحب والإطراء على مسامعه كما كنت تفعلين، وتأكدى أنه يحبك ويبادلك المشاعر نفسها، ولا يستطيع الابتعاد عنك، بدليل أنه يحافظ عليك زوجة له برغم منعك نفسك عنه فى أحيان كثيرة، ولو أدرك أن كلامه الفظ وقلبه الغليظ قد تسببا فى الألم النفسى الداخلى الذى تعانينه الآن، لأيقن أنه الخاسر، إذ يصعب على أى رجل أن يعيش مع من لا ترغبه ولا تريده، وأظنه لو شعر بذلك لأعاد حساباته من جديد.
لقد بلغتما سن العقل والاتزان، وأحسب أن التهور فى اتخاذ قرار الانفصال العاطفى سوف تكون عواقبه وخيمة على الأسرة ولا بديل عن وقفة جادة تراجعان فيها نفسيكما، وتحتويان أبناءكما، فتعود المياه إلى مجاريها وتواصلان الإبحار معا فى نهر الحياة إلى نهاية المشوار.
ويبقى ضرورة الحفاظ على علاقة متوازنة بينكما وبين أبنائكما، وليكن ما فعله شقيقك مع أبويك وما تجرعه من نفس الكأس على أيدى أبنائه هو الدافع الأكبر لتلافى آثار التربية الخاطئة لأبنائك على يد زوجك، فالحقيقة التى ألمسها أن العلاقة التى تربطكما بأولادكما ليست بالحرارة ولا بالكثافة والانتظام والاتصال الواجب أن تسود بين الأبناء وأبويهم، فعليكما احتواءهم، ولتكن هناك جلسة عائلية مشتركة ولو مرة واحدة فى الأسبوع تعيد إليكم الود المفقود.
وأخيرا بإمكانك أن تضمدى مشاعرك الجريحة بشىء من الصبر والتقرب من زوجك، ونسيان إساءاته إليك، وعدم مساعدته لك فى الكثير من الأمور، وابدآ صفحة جديدة بشرط أن يتجاوب معك ويتخلى عن غطرسته، فالرجل بمعاملته الطيبة، وليس بالشخط والسباب، وعليه أن يعى أن المسلم ليس بسباب ولا لعان، ولكنه من سلم الناس من لسانه ويده، وأحسب أن الأحق بذلك هم أفراد أسرته، فليراجع مواقفه وليدرك أن ما بقى له من عمر أقل بكثير مما قضاه فى الدنيا حتى الآن، وقد حان الوقت لأن يرسم لنفسه منهجا يتقرب به إلى الله، ويمد جسور المودة مع أرحامه، وذويه، وأهله، وفى مقدمتهم زوجته وأبناؤه، وأسأل الله لكم التوفيق، وهو وحده المستعان.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.