مستشفى 15 مايو التخصصي ينظم ورشة تدريبية فى جراحة الأوعية الدموية    اليوم، رئيس كوريا الجنوبية يلتقي السيسي ويلقي كلمة بجامعة القاهرة    تحذير عاجل من الأرصاد| شبورة كثيفة.. تعليمات القيادة الآمنة    رشا عدلي: أشعر بالفخر لكتابة رواية شغف.. ونجاحها إنصاف لزينب البكري    الصين تُبقي أسعار الفائدة دون تغيير للشهر السادس رغم مؤشرات التباطؤ    شاهد، أعمال تركيب القضبان والفلنكات بمشروع الخط الأول من شبكة القطار الكهربائي السريع    ترامب يرغب في تعيين وزير الخزانة سكوت بيسنت رئيسا للاحتياطي الاتحادي رغم رفضه للمنصب    أخبار فاتتك وأنت نائم| حادث انقلاب أتوبيس.. حريق مصنع إطارات.. المرحلة الثانية لانتخابات النواب    حركة القطارات| 45 دقيقة تأخيرًا بين قليوب والزقازيق والمنصورة.. الخميس 20 نوفمبر 2025    انتهاء الدعاية واستعدادات مكثفة بالمحافظات.. معركة نارية في المرحلة الثانية لانتخابات النواب    تحريات لكشف ملابسات سقوط سيدة من عقار فى الهرم    زكريا أبوحرام يكتب: هل يمكن التطوير بلجنة؟    زوار يعبثون والشارع يغضب.. المتحف الكبير يواجه فوضى «الترندات»    دعاء الفجر| اللهم إن كان رزقي في السماء فأنزله    بيان سعودي حول زيارة محمد بن سلمان إلى الولايات المتحدة    مستشار ترامب للشئون الأفريقية: أمريكا ملتزمة بإنهاء الصراع في السودان    سفير فلسطين: الموقف الجزائري من القضية الفلسطينية ثابت ولا يتغير    أدعية الرزق وأفضل الطرق لطلب البركة والتوفيق من الله    كيفية تدريب الطفل على الاستيقاظ لصلاة الفجر بسهولة ودون معاناة    فلسطين.. تعزيزات إسرائيلية إلى قباطية جنوب جنين بعد تسلل وحدة خاصة    مكايدة في صلاح أم محبة لزميله، تعليق مثير من مبابي عن "ملك إفريقيا" بعد فوز أشرف حكيمي    مصادر تكشف الأسباب الحقيقية لاستقالة محمد سليم من حزب الجبهة الوطنية    طريقة عمل البصل البودر في المنزل بخطوات بسيطة    يحيى أبو الفتوح: منافسة بين المؤسسات للاستفادة من الذكاء الاصطناعي    إصابة 15 شخصًا.. قرارات جديدة في حادث انقلاب أتوبيس بأكتوبر    طريقة عمل الكشك المصري في المنزل    أفضل طريقة لعمل العدس الساخن في فصل الشتاء    مأساة في عزبة المصاص.. وفاة طفلة نتيجة دخان حريق داخل شقة    أسعار الدواجن في الأسواق المصرية.. اليوم الخميس 20 نوفمبر 2025    خبيرة اقتصاد: تركيب «وعاء الضغط» يُترجم الحلم النووي على أرض الواقع    وردة «داليا».. همسة صامتة في يوم ميلادي    بنات الباشا.. مرثية سينمائية لنساء لا ينقذهن أحد    مروة شتلة تحذر: حرمان الأطفال لاتخاذ قرارات مبكرة يضر شخصيتهم    مهرجان القاهرة السينمائي.. المخرج مهدي هميلي: «اغتراب» حاول التعبير عن أزمة وجودية بين الإنسان والآلة    خالد أبو بكر: محطة الضبعة النووية إنجاز تاريخي لمصر.. فيديو    ضبط صانعة محتوى بتهمة نشر مقاطع فيديو خادشة للحياء ببولاق الدكرور    إطلاق برامج تدريبية متخصصة لقضاة المحكمة الكنسية اللوثرية بالتعاون مع المعهد القضائي الفلسطيني    إعلام سوري: اشتباكات الرقة إثر هجوم لقوات سوريا الديمقراطية على مواقع الجيش    موسكو تبدي استعدادًا لاستئناف مفاوضات خفض الأسلحة النووي    بوتين: يجب أن نعتمد على التقنيات التكنولوجية الخاصة بنا في مجالات حوكمة الدولة    تأجيل محاكمة المطربة بوسي في اتهامها بالتهرب الضريبي ل3 ديسمبر    خالد الغندور: أفشة ينتظر تحديد مستقبله مع الأهلي    دوري أبطال أفريقيا.. بعثة ريفرز النيجيري تصل القاهرة لمواجهة بيراميدز| صور    تقرير: بسبب مدربه الجديد.. برشلونة يفكر في قطع إعارة فاتي    ديلي ميل: أرسنال يراقب "مايكل إيسيان" الجديد    بالأسماء| إصابة 5 أشخاص في حادث تصادم ميكروباص وملاكي بأسيوط    فتح باب حجز تذاكر مباراة الأهلي وشبيبة القبائل بدورى أبطال أفريقيا    أرسنال يكبد ريال مدريد أول خسارة في دوري أبطال أوروبا للسيدات    "مفتاح" لا يقدر بثمن، مفاجآت بشأن هدية ترامب لكريستيانو رونالدو (صور)    ضمن مبادرة"صَحِّح مفاهيمك".. أوقاف الفيوم تنظم قوافل دعوية حول حُسن الجوار    لربات البيوت.. يجب ارتداء جوانتى أثناء غسل الصحون لتجنب الفطريات    عصام صاصا عن طليقته: مشوفتش منها غير كل خير    تصل إلى 100 ألف جنيه، عقوبة خرق الصمت الانتخابي في انتخابات مجلس النواب    أمريكا: المدعون الفيدراليون يتهمون رجلا بإشعال النار في امرأة بقطار    ماييلي: جائزة أفضل لاعب فخر لى ورسالة للشباب لمواصلة العمل الدؤوب    خالد الجندي: الكفر 3 أنواع.. وصاحب الجنتين وقع في الشرك رغم عناده    أهم أحكام الصلاة على الكرسي في المسجد    مواقيت الصلاه اليوم الأربعاء 19نوفمبر 2025 فى المنيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بريد الجمعة يكتبه احمد البرى
الحبيب الغادر!
نشر في الأهرام اليومي يوم 15 - 01 - 2016

أكتب إليك راجية أن تفيدنى بما يمكن أن أفعله لكى أعبر المحنة
التى تكاد تعصف بحياتى فى سلام، فأنا سيدة فى الخمسين من عمري، ومتزوجة من رجل يكبرنى بخمس سنوات، ومضى على زواجنا ثلاثون عاما، تفانيت خلالها فى اسعاده بكل السبل، ووقفت إلى جواره فى كل المواقف والأزمات، وأذكر أنه عندما تقدم لخطبتي، وسألتنى أمى عن رأيى فيه، رددت عليها بالموافقة، إذ وجدته قريبا مني، ووجدتنى قريبة منه، فكلانا من أسرة متوسطة، ولمست فيه حبا وحنانا، ورغبة فى النجاح، وبالفعل واصل طموحه وتفوقه بعد الزواج، وترقى فى عمله بسرعة تفوق أقرانه لما يتمتع به من ذكاء، وما يبذله من جهد، وكرست حياتى لخدمته ورزقنا الله بولدين عكفت على تربيتهما، وتركت وظيفتي، ولم تعد لى أى اهتمامات شخصية، وصار زوجى وابناى هم شغلى الشاغل، ونسيت نفسى فى زحام الحياة، وكبر الولدان وعملا فى جهتين معروفتين وتزوجا واحدا بعد الآخر، وخلا البيت منهما، وأصبحت وحيدة بين جدرانه أنتظر عودة زوجى بفارغ الصبر، وعندما يحضر فى المساء يتناول الطعام، ثم يجلس أمام الكمبيوتر، أو يتحدث فى التليفون، وأحيانا يخرج مرة أخرى للقاء أصدقائه خارج المنزل، فهو كثير العلاقات، وله معارف كثيرون، ومجامل لأقصى درجة، أما أنا فليس لى مكان فى أجندته المزدحمة، وإذا جلس معى يصمت «صمت القبور»، وعندما أفاتحه فى موضوع ما على سبيل الدردشة، أشعر أنه يستمع إليّ وكأنه يؤدى واجبا عليه!
وتنبهت إلى أن زوجى ليس هو حبيبى الذى ارتبطت به، وأمضيت معه عمرى كله، صحيح أننى انشغلت بتربية أبنّي، والسهر على راحة أسرتي، لكننى كنت ومازلت قريبة منه، فهو يسكن قلبى وعقلي، وليس لى فى الدنيا سواه، ولسان حالى دائما أننى لا أستطيع الحياة دونه أو بعيدا عنه، وتصورت أنه يبادلنى الإحساس نفسه، لكنى اكتشفت فجأة أن تغيرات جمّة قد طرأت عليه، إذ بدأ فى معاملتى بطريقة لم أعهدها فيه، وركبه الغرور بدرجة تصل إلى حد المرض، وسيطرت عليه الأنانية، فهو وحده الذى يفهم كل شيء، وأن جميع من حوله يحسدونه على ما وصل إليه، وإذا تحدثنا فى أمر ما، يملى عليّ رأيه، وينتظر منى أن أوافقه على ما يقوله وأنفذ ما يريده بلا نقاش، ويردد عبارة واحدة، هى «انتى مش عارفة أنا بقيت ايه دلوقتي»، فأقول له «أنا زوجتك ولست موظفة عندك»، فينظر إليّ باستكبار، وينتفض من مكانه، إما لممارسة هوايته فى محادثة أصدقائه، أو يخرج من البيت للقائهم فى جلسات السمر التى تمتد إلى ساعة متأخرة من الليل!
وزاد إهماله لى بمرور الوقت، واتهمنى بأننى أضيق الخناق عليه، بل انه عند الغضب يتحول إلى انسان آخر ويستخدم كلمات جارحة عندما يوجه كلامه لى من عينة «حياتك معى قربت على النهاية»، و«أنا مش قادر أستحمل العيشة دي»، و«مش ذنبى إن انتى مالكيش صديقات»، و«اخرجى من القوقعة اللى انتى فيها»، يا الله أبعد كل هذا العمر الذى أفنيته فى خدمته، ورعاية أولادى يقول لى هذا الكلام، وهل ذنبى أننى انشغلت بأسرتي، وفضلتها على أى شيء آخر؟.. ثم هل نسى بمنتهى البساطة أنه لم يشاركنى فى تربية ابنينا، ولم يعرف شيئا عن مذاكرتهما، ولم يتابعهما يوما واحدا، إلى أن تخرجا وتزوجا، وصار لكل منهما بيت وزوجة وأولاد؟!
وفى ظل هذا الوضع انعزلت عن الآخرين، فلم أعرف سبيلا إلى التنزه، أو الخروج من البيت وليست لى صديقات أزورهن، ويزورونني، مثلما فعل هو حين انصرف إلى نفسه، وتركنى أتولى المهمة الأسرية وحدي، فهل بكثير عليّ أن يخصص لى يوما واحدا فى الاسبوع نجلس فيه معا ونتحدث ونقترب من بعضنا كأى زوجين؟.. لقد قلت له كثيرا اننى بعد أدائى متطلبات المنزل أجلس بجوار ساعة الحائط أنظر إليها كل دقائق كأنى أخاطب عقاربها لكى تدور بسرعة حتى يأتى زوجى وحبيبى الذى ليس لى فى الدنيا غيره، لكن الوقت يمضى والعقارب تدور ساعة تلو الساعة، حتى يأتى الليل وزوجى لم يعد بعد، وفى كل مرة يسمع كلامى ويتجاهلنى فبدأ الشك يتسرب إلى قلبى بأن امرأة أخرى فى حياته، وصارحته بما يدور فى مخيلتي، والذى يؤكده ما طرأ عليه من تغيرات فى معاملتي، وأسلوبه الجاف، وكلماته القاسية التى لم أكن أسمعها من قبل، لكنه كالعادة نفى تماما أنه يعرف أى امرأة، وأكد أن أحاديثه فى الهاتف مع أصدقائه الرجال، وليست مع السيدات كما قد يتبادر إلى ذهني، وأعطانى هاتفه وقال «تأكدى بنفسك أن كل شكوكك ليس لها أساس من الصحة، ولما أمسكت الهاتف مرة بعد مرة، لاحظت توتره، فزاد شكى فى أن له علاقة بسيدة ما، وأنه يمسح الرقم بعد كل مكالمة سرية، وحسمت الأمر من هذه الناحية بأن وضعت برنامجا لتسجيل المكالمات على تليفونه المحمول، وأخفيت هذا البرنامج حتى لا يظهر عنده ويأخذ احتياطاته، أو يعطله لكى لا أكتشف أمره، ونجحت هذه الحيلة، وأصبحت أسمع مكالماته التى يجريها ليلا عندما أصحو من النوم وقبل استيقاظه، ومن كثرتها كنت أتجاهل بعضها، إلى أن رصدت مكالمات حب وغرام منه إلى زوجة شابة فى مثل سن ابننا، وهو يتوسل إليها أن تأتى إليه فى الموعد الذى اتفق عليه، ولا تتأخر، فلقد ألغى كل مواعيده حتى يراها، ويقضى بعض الوقت معها.. ونزلت كلماته عليّ كالصاعقة، وتأكدت من صحة شكوكى فيه، ووجدتنى أبكى بمرارة وأسأله فى نفسى والدموع تنهمر بغزارة من عينىّ، «وأين أنا فى حياتك التى عشتها زوجة مطيعة حريصة على زوجها وولديها، وكنت أنتظرك بكل الشوق والحب»؟.. الآن عرفت لماذا تنهى مكالمتى معك بعد أقل من عشر ثوان، بحجة أنك مشغول، فوقتك صار متاحا لغيري، أما أنا رفيقة العمر فقد أصبحت منتهية الصلاحية!
والحق اننى لم أتحمل أن يستمر هذا الوضع، وقررت أن أواجهه بغدره وخيانته، وأبلغت ابننا الأكبر بكل شيء، فصمم أن يكون معى لحظة المواجهة، خوفا عليّ من الانهيار، وبمجرد أن جلسنا نحن الثلاثة معا، أسمعت زوجى مكالماته الغرامية فثار وهاج، وبررها بأنها مجرد تسلية لا أكثر، وأتهمنى بأننى أتجسس عليه، وافتعل أزمة بيننا، وترك البيت، أما أنا فساءت حالتى الصحية، وبدأت رحلة الأطباء النفسيين والمهدئات والمنومات، وقال لى ابناى إننى أردد كلمة «ليه» كل دقائق، وأنهما يخشيان أن يصيبنى مكروه، فلم أرد عليهما، ودخلت فى دوامة «الاضطراب» من جديد.. وبعد أيام جاءنى الإثنان ومعهما والدهما، واعتذر لى أمامهما عن خيانته وظلمه لى كل هذه السنين وتقصيره فى حقي، وتعهد بأن يرجع إلى ما كان عليه وأن يعوضنى عما فات، فقلت له «إننى لم أقصر معك فى أى شيء، وكنت أنتظرك على أحر من الجمر، وأريدك بجانبى فى كل لحظة، فهل يكون هذا جزائي؟. فاعترف بأنه هو المقصر فى حقي، والمخطئ بما أقدم عليه من علاقته بأخري، وطلب منى أن أسامحه، وبرر لى ما فعله بأنه أراد أن يشعر برجولته، وأنه مازال مطلوبا ومحبوبا من النساء! فأخذت أضرب كفا بكف وأسأله فى استنكار: وأين مشاعري؟ وأين احتياجاتى العاطفية والنفسية؟.. وبكيت بحرقة وألم، وتذكرت سنوات عمرى الضائع، ومكافأة نهاية الخدمة التى كافأنى بها زوجى بخيانته لي، فجذبنى إليه وأخذنى بين أحضانه، وهو يقول «أنا اتعلمت الدرس، وعرفت انى كنت سأخسرك إلى الأبد».
صحيح أنه ردد على مسامعى كلاما مغايرا لما كان يقوله من قبل عندما تنبهت إلى حقيقة ما يفعله بعيدا عني، لكنى لم أعد أثق فيه على الاطلاق، ويقتلنى الشك تجاهه، وأتعذب ليل نهار، بل ألوم نفسي، وأتمنى أن يرجع الزمن إلى الوراء، فأكون الزوجة «المغفلة، المغيبة» وألا أفعل ما فعلته أو أسمع ما سمعته حتى أستطيع أن أعيش بشكل طبيعي، وأن أرتاح فى حياتى وأنام هادئة مطمئنة بعيدا عن عذاب الشك القاتل.. ثم أسأل نفسي، هل ما حدث من زوجى نتيجة «أزمة منتصف العمر» التى أسمع أن الرجال يعانونها عند سن معينة؟.. ثم هل من الممكن أن تتكرر أم أنه لن يعود إليها مرة أخري، وهل سترجع ثقتى فيه مع الوقت؟.. أم أن ما انكسر من الصعب إصلاحه؟.. إننى أتعذب ولا أجد إلى الخلاص من شكوكى وآلامى سبيلا، فبماذا تشير عليّ؟
ولكاتبة هذه الرسالة أقول:
«تكلم لكى أراك» حكمة عربية قديمة تلخص أهمية الكلام فى التواصل، فإذا كان مهما أن يتكلم الناس مع بعضهم للتعارف والتكامل، فإن الحوار يصبح أكثر أهمية بين الزوجين، إذ يؤدى الصمت إلى إرباك الحياة الأسرية، وإثارة الشكوك بين طرفيها، وهذا ما حدث معك إذ وصفت سكوت زوجك الدائم فى المنزل بأنه «صمت القبور» لتأكيد أنه لا ينطق بكلمة واحدة فى المنزل، وقد فاتك أن تعالجى هذا الأمر فى مهده، بسؤاله عما به، والإلحاح عليه بالحوار والكلام، وكذلك الحال بالنسبة له، فما كان ينبغى أن يترك نفسه للأهواء التى تتصارع داخله، فكلاكما غاب عنه الوعى بأن الحوار عصب الحياة الزوجية، والجسر الذى تنتقل عبره المغازلات والمعاتبات والاشارات والملاحظات، كما أن الحوار يؤدى إلى التفاهم، والهدوء والسلاسة فى التعامل، وكلاكما أيضا ترسخ فى داخله اعتقاد خاطيء بأن الأفعال تغنى عن الأقوال، فهناك من يرى أن الفعل دليل على الحب وأنه أبلغ من الكلام، لكن ذلك نصف الحقيقة، إذ يبقى الكلام دائما جسرا للتواصل ومكملا للفعل، فلقد ظللت ثلاثين عاما تعملين فى صمت وتراعين ابنيك، وتهتمين بشئون زوجك، لكنك تغافلت عن التواصل فى الحديث معه، وانجرف هو الآخر إلى عالمه فى العمل ومحيط الأصدقاء، حتى وجد نفسه بعد هذا العمر فى شباك زوجة شابة، فتناسى أنها حتما تريد منه مصلحة ما بحكم عمله ومنصبه، وانجرف وراءها لكى ينال غرضه منها، وبالطبع لن تكون هى وحدها التى سيقع فى شباكها، وسوف تتبعها أخريات يسعين للهدف نفسه، ولو أن الحوار موجود فى حياتكما ما وصلتما أبدا إلى هذه الدرجة من التفكك، فلقد تسربت على لسانه كلمات جارحة فى حقك، ما كان ينبغى أن ينزلق إليها أبدا فى كل الأحوال سواء أنه يشغل منصبا مهما، أو غير ذلك، فالمعاملة الزوجية ليس فيها رئيس ولا مرؤوس، وإنما تقوم على التكامل بين الطرفين، ويصعب على كل زوجة أن تصبر على الكلام الجارح من زوجها، فلها مشاعر وكرامة، ويجب أن تجد معاملة حسنة من شريك حياتها، لكنى توقفت عند عبارة ذكرتيها، وأراها دليلا على عقلك الواعى، وفكرك المستنير، وهى أن زوجك «عند الغضب يتحول إلى إنسان آخر». فلماذا لا تجعلينها مفتاحا للتعامل معه؟ ولماذا لا تنظرين إليه من هذا المنظار، فعندما يغضب تخيلى بالفعل أنه ليس زوجك الذى تعرفينه، وتعاملى معه على هذا الأساس، وسوف ترتاحين، وسيتغير هو تلقائيا، وسيدرك الخطأ الذى وقع فيه، ومن ثم يعتذر لك ويعود إليك من جديد!
ومن المهم أن تتجنبى فيما هو قادم استعادة الماضى أمامه، أو أن تذكريه بأخطائه أو تعايريه بنزوته التى اعترف بها، ووعدك بأن يطويها من حياته، لأن ذلك يعد من قبيل «الضرب تحت الحزام»، ولا تبادليه كلمة بكلمة لأن طريقة «العين بالعين» فى مثل هذه الأمور تؤثر فى استقرار الحياة الزوجية، فالمناقشة الهادئة تعيد مد جسور الحب بين الطرفين، ولا أنصحك بكثرة البكاء أمامه، فمن تستخدم «سلاح البكاء» تظن أنها بذلك تلين قلب زوجها، وقد يحدث هذا فى البداية، ولكنه سوف يعتاد الأمر، ولن يتأثر به، بل لن يثير فى نفسه ذرة من الشفقة، ومن ثم سينصرف عنها، وقد يشعر بالهم يحاصره، ولا يزيده إلا تبرما، فدموع المرأة القليلة تروى الحب، لكن دموعها الكثيرة تخنقه» ووقتها لا يعد تصرفه دليلا على عدم محبته لها، وإنما سيكون رد فعل طبيعى لأمر اعتاده كثيرا، وصار بلا أدنى تأثير عليه.
إن مشكلتك يا سيدتى من أبسط المشكلات التى يمكن احتواؤها بقليل من الحكمة، فلو اطلعت على ما يحمله إليّ البريد من المشكلات الزوجية، وما ابتليت كثيرات من النساء من أزواج لا خلق لهم، وما ابتلى فيه بعض الرجال من نساء لا تطاق عشرتهن سيهّون عليك ما أنت فيه، وما أجمل ما قالت الخنساء:
ولولا كثرة الباكين حولى
على إخوانهم لقتلت نفسى
وعليك أن تستثمرى عودة زوجك إليك، واعترافه بخطئه، ولا تجعلى ذلك ذريعة للشك فيه، ولا تعودى إلى التجسس عليه، والتفتيش فى محموله أو أغراضه، فإن هذا السلوك يجر عليك المتاعب والشكوك، ويدفع زوجك إلى الاجتراء عليك بما كان يستره عنك، بل إنه سيرى أن ما يفعله صار أمرا سائغا، وسوف يختلق الأعذار له، فعن معاوية بن أبى سفيان رضى الله عنهما قال «سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «انك إن اتبعت عورات الناس أفسدتهم، أو كدت أن تفسدهم» أى إذا بحثت عن معائبهم وجاهرتهم بذلك، فإن ذلك يؤدى إلى قلة حيائهم منك، فيجترئون على ارتكاب أمثالها مجاهرة»، وعليه أن يكف عن الحديث مع النساء فى الهاتف أو لقائهن، والتطرق فى أمور تدفع به إلى ارتكاب المحرمات، فمن يدريه أن الكلمة أو النظرة لن توقعه فى المهالك «فعن سهل بن سعد رضى الله عنه أن رسول الله قال «اياكم ومحقرات الذنوب، كقوم نزلوا فى بطن واد، فجاء ذا بعود، وجاء ذا بعود حتى أنضجوا خبزتهم، وإن محقرات الذنوب متى يؤخذ بها صاحبها تهلكه»، وعليه أن يعى أن تساهله فى العلاقات المحرمة من خطوات الشيطان، حيث قال الحق تبارك وتعالى «يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان ومن يتبع خطوات الشيطان فإنه يأمر بالفحشاء والمنكر. ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكى منكم من أحد أبدا، ولكن الله يزكى من يشاء، والله سميع عليم».
والحقيقة أن زوجك اعترف بخطئه، وانى أرى هذا الاعتراف دليل قوة، وليس علامة ضعف، وما أجمل أن تقابلى اعترافه بالعفو والتسامح، فقديما قالوا «المقر بذنبه كمن لا ذنب له»، وقبول العذر من كمال المعاشرة بالمعروف، فعليك أن تثقى فى كلامه، ولا تعودى إلى التفتيش فى محموله، وكونى واثقة فى نفسك، وليكن هو عند هذه الثقة، وأجدنى أقول لكما معا:
أنتما فى رحلة العمر معا
تبنيان العش كالروض الأنيق
قد نما بينكما عهد الوفا
صادقا فالعهد فى الله وثيق
تحملان العبء روحا ويدا
والتقى نعم التقى زاد الطريق
نفحة تثمر فى النفس الرضا
تجعل الأيام كالغصن الوريق
فإذا الدنيا سراج هادىء
والمنى تسبح فى بحر طليق
وأرجو ألا يشغلك ما يقال عن أزمة منتصف العمر للرجال، فما يقال عن الرجال يقال عن النساء، وهناك من خبراء علم النفس من يتحدث عن المراهقة المتأخرة كمرض نفسى، ومن يصنفها كمرض عضوى ناتج عن اختلال الهرمونات فى السن المتأخرة، ويرى آخرون أنها مجرد حالة عمرية طبيعية جدا تصيب الانسان لأسباب مترابطة، يتعلق بعضها بالتنشئة وبعضها الآخر بصفات شخصية أو وراثية لا يمكن قياسها بشكل واضح، لكنهم يجمعون على أنها مرحلة طبيعية فى السن المتأخرة، وغالبا ما تمر دون عواقب أو مشكلات بين الزوجين ويبقى ذكاء كليهما فى الأخذ بيد الآخر لعبور هذه المرحلة، فاحرصا على أن تكونا معا فى كل خطواتكما، واستثمرى عودته إليك، وركزى على الحوار الالحاحى معه بأنك تحبينه، وتذكرى اللحظة التى جذبك فيها، وأخذك بين أحضانه، فلولا أنه يحبك ما فعل ذلك، أسأل الله أن يديم عليكما الحياة الهادئة المستقرة والعامرة بالحب والحنان، والله المستعان.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.