فى مثل هذا اليوم من عام 1911 توفى بطل موقعة الحصان الشهيرة فى التاريخ المصرى .. قصة الفلاح الذى تحدى الخديو والباشوات وقاد أول ثورة مصرية فى العصر الحديث .. كلامنا عن الزعيم أحمد عرابى الذى وقف أمام الخديو ليقول له " لقد خلقنا الله أحرارًا، ولم يخلقنا تراثًا أو عقارًا؛ فوالله الذي لا إله إلا هو، لا نُورَّث، ولا نُستعبَد بعد اليوم.. فى إبريل من عام 1841 شهدت قرية "هرية رزنة" بمحافظة الشرقية ميلاد القائد العسكرى أحمد عرابى . كان والده هو عمدة القرية فحرص على أن يلقنه أولاً التعليم الدينى فسلك طريق الأزهر ثم ألحقه بالمدرسة الحربية التى كان قد أنشأها محمد على فى إطار اهتمامه بالجيش المصرى.. كان عرابى ضابطاً عادياً إلا أن أحداثا كثيرة وقعت جعلته قريبا من الخديو سعيد باشا فعمل على ترقيته ويذكر بعض المؤرخين أن الملامح الشخصية والصفات الكارزمية التى كان يتمتع بها عرابى ساهمت كثيرا فى صعوده العسكرى فقد وصف بطول القامة وكثافة الحاجبين وضخامة الوجه ورشاقة الجسد ومع الوقت صار عرابى قريباً من القيادة العسكرية بعد أن صار يترقى فى الرتب العسكرية حتى حصل على لقب أميرلاى وكان صعوده مثار جدل كبير حيث كان عرابى ولا يزال ينتمى لطبقة الفلاحين فكيف لفلاح أن يناطح البكوات والباشوات من قادة الجيس المصرى فى ذلك الوقت كما أن كل ما كان يمتلكه عرابى ابن العمدة لم يكن يتجاوز 10 أفدنة كان بالتحديد ثمانية أفدنة ونصف إلا أن بعض المؤرخين أكدوا بعد ذلك أن عرابى استفاد من خدمته العسكرية ورفع مساحة الأطيان التى امتكلها والده إلى ما يزيد عن 700 فدان وصار بذلك واحدا من كبار الإقطاعيين .. هكذا لم يكن عرابى الضابط البسيط ينتمى لأسرة أرستقراطية وتعليقا على أصله الاجتماعى ذكر عرابى للضباط عندما تولى وزارة الحربية أن الفقراء صار عندهم أمل فى أن أولادهم يتقدمون ويصيرون حكاما على بلادهم بعد أن كانوا يتوهمون أن ذلك من المستحيل عليهم ولا كان يخطر ذلك فى أفكارهم ولنضرب مثلا لحضرات الضباط بنفسى لأنى لست من بيت غنى بل من بيت متوسط الحال وها أنا بين أيديكم الآن ناظرا على جهاديتكم" . ومنحه الخديو إسماعيل نحو 150 فدانا فصار من الإقطاعيين ثم تزوج من إبنة مرضعة إلهامى باشا ابن عباس باشا. ويذكر عرابى فى مذكراته أنه ألحق بالأورطة السعيدية المصرية بقناطر فم البحر وحصل على رتبة وكيل بلوك أمين ونظرا لطموحه فقد حصل على ترقيات سريعة من باشاويش إلى ملازم ثان إلى ملازم أول إلى يوزباشى إلى رتبة صاغ إلى رتبة بكباشى ثم رتبة قائمقام وكان أول مصرى يترقى فى الجيش لهذه الرتبة باكراً فى حياته عام 1860 وفى عهد سعيد باشا كان عرابى كبير الياوران له فأعطاه كتابا عن تاريخ نابليون بونابرات فتأثر به كثيرا ومن هنا بدأ عرابى يفكر فى مصرية المصريين وفى حاجة البلاد لحكومة دستورية. واستطاع عرابى الفلاح أن ينتقل من طبقة الفلاحين الكادحين إلى طبقة الباشاوات بحصوله على رتبة الباشوية وبتعييه مساعدا لوزير الحربية. وكان فى الجيش ظلم وتعسف تركى وشركسى ضد الجنود والضباط المصريين فأخذ عرابى يجمعهم حوله ويؤلف قلوب الضباط ضد هذا الظلم ثم تطور موقف عرابى بعد ذلك بعد أن صار زعيما للجيش المصرى . وكانت مقدمات الثورة العرابية قد بدأت منذ عصر إسماعيل فقد أدخل إسماعيل الجيش المصرى فى أزمات ومعارك طاحنة فى الحبشة والقرم بل والمكسيك كما استدان أموالا طائلة أخضعت مصر تحت ضغط الدائنين لدرجة أن مصر أعلنت إفلاسها وهى المرة الأولى المسجلة تاريخيا بأن تقوم دولة بإشهار إفلاسها وبدأ التدخل الأجنبى فى شئون مصر منذ عهد توفيق الذى خلف أبيه إسماعيل فى الحكم وتشكلت وزارة محمود سامى البارودى وشغل عرابى فيها منصب وزير الحربية وحدث خلاف بين توفيق ووزراءه فاستغلت إنجلترا وفرنسا الأزمة وأرسلت أسطولين إلى ميناء الإسكندرية وطلبت الدولتين صراحة إقالة الوزارة وإبعاد عرابى عن مصر ورفضت مصر التدخل الأجنبى فقصفت إنجلتراالإسكندرية واحتلتها فاتجه عرابى إلى كفر الدوار ليحررها لكن الخديو توفيق باع المصريين وانحاز للإنجليز وخضع لشروط قائد الأسطول البريطانى وعزل الخديو توفيق أحمد عرابى من منصبه وفى هذه الأثناء نهب المراقبون الماليون الأموال التى كانت فى صندوق الدين وتطورت المعارك شرقا وغربا بينما كان عرابى يقاوم منفردا العدوان الانجليزى من معركة القصاصين ثم معركة التل الكبير .. وأخيرا انهزم الجيش المصرى بقيادة عرابى وفى يوم 15 سبتمبر عاد عرابى إلى القاهرة وزحفت القوات الإنجليزية خلفه فاحتلت المحروسة ودخلت القلعة وقبض على عرابى وثلاثين ألفا من المصريين وتواطأ الخديو مع الإنجليز الذين أوهموه بالدفاع عن ملك أسرته وكانت الحقيقة أنهم جاءوا بغرض الاحتلال الذى دام فى مصر قرابة 72 عاماً .. وبعد أن قبض الإنجليز على عرابى وفد إلى مصر اللورد دوفرن أول مندوب سامى بريطانى وتولى محاكمته فصدر الحكم عليه بالإعدام ثم تم تخفيف الحكم إلى النفى إلى جزيرة سيلان على متن الأسطول البريطانى برفقة زميليه محمود سامى البارودى وعبد الله النديم كان ذلك يوم 28 ديسمبر 1882 وعاش عرابى فى المنفى سنوات طويلة لكنه كما روت بعض المصادر التاريخية قد تخلى عن أفكاره الثورية وطلب من الملك إدوارد السابع ملك بريطانيا فى أول عام 1901 العفو عنه وصدر قرار العفو وعاد عرابى إلى مصر وأدلى بحديث لجريدة المقطم أثنى فيه على الإنجليز وأعلن عن تمنيه زيارة بريطانيا فهاجمه مصطفى كامل ، كما وكل عرابى أحد المحامين للمطالبة برد حقوقه وممتلكاته، بل أن عرابى لجأ إلى الإنجليز وكتب خطابات عديدة لملك إنجلترا والمندوب السامى ليساعداه فى استعادة حقوقه الضائعة ولكن دون جدوى حتى مات عرابى معدما فقيرا لا يجد قوت يومه فى مثل هذا اليوم 21 سبتمبر سنة 1911. واليوم تمر مائة عام على وفاته واليوم تقيم وزارة الثقافة احتفالا كبير كما تحتفل قريته بذكرى وفاته كعادتها من كل عام.