على مدار 4 أيام كانت كل الصحف والمواقع الإلكترونية تتابع عملية القبض على رأفت عبد الشكور الشهير بخنوفة والذي وصف بأنه أسطورة عزبة أبو قرن بمنطقة مصر القديمة في مجال الإجرام.. كتب: محمد المراكبي – كريم كمال
واليوم وفى مشهد مثل مشاهد أفلام السينما ، يدخل السجان المسئول عن المسجل خطر والبلطجى خنوفة ويفتح عليه محبسه فيجده منتحراً ورقبته معلقة بالبطانية التى ينام عليها فى شباك غرفته، فيخرج السجان ويغلق الغرفة سريعا ويجرى الى مأمور السجن ليبلغه بما شاهده ، فيسرع مأمور السجن ورئيس المباحث وجميع الضباط المتواجدين ومن معهم من الخدمات المعاونة ، ويفتحوا غرفة خنوفة مرة أخرى فيجدوه بالفعل قد مات ، فيخرج المأمور وجميع الضباط لإستدعاء الطبيب ليؤكد الوفاة ... ثم بعدها طلبوا النيابة لتعاين وتتطلع على تقرير الطبيب الذى قام بالكشف للتصريح لأهلة بعد ذلك بإستلام الجثة ودفنها ، ومثلما كان خنوفة مصدراً للقلق فى حياته .. كان هكذا حتى بعد وفاته ، فبسبب إنتحارة اليوم تم تأجيل خروج جميع المساجين الذين يعملون فى المصانع ساعتين كاملتين .. فبدلا ما أن يخرجوا فى التاسعة صباحا سمحت لهم إدارة السجن بالخروج فى الحادية عشر، وهذا كنوع من إجراءات التأمين حتى لا يتسرب خبر وفاة خنوفة وتحدث بلبلة بين المساجين الجنائين ويقدموا على عمل أى شئ يخل بالنظام وقوانين وقواعد السجن. وقبل أن نخوض في تفاصيل العملية البوليسية التي سقط على أثرها خنوفة .. أردنا أن نأخذك إلى "اللوكيشن" الذي كان يأوي خنوفة طوال السنوات الماضية ، وهو عزبة أبو قرن التي تقع في قلب منطقة مصر القديمة وتبدأ حدودها خلف جامع عمرو، وهي المنطقة المعروفة منذ سنوات طويلة بانتشار تجارة المخدرات تحت حماية مجموعة كبيرة من البلطجية والمسجلين الذين يمررون تجارتهم المشبوهة في مختلف أحياء محافظتي القاهرة والجيزة، ويقول محمد عبد العزيز-أحد أبناء المنطقة-: هناك سيطرة على المنطقة من قبل البلطجية وتجار المخدرات منذ سنوات طويلة حتى أصبح عدد هذه الفئة لا يمكن أن يستهان بها حيث مثلوا قوة مؤثرة ويعتمدون في تجارتهم بشكل أساسي على بيع الحشيش والبانجو والهيروين، والتي كانت تتم من زمن طويل بشكل طبيعي حيث تجد الموزعين يفترشون ترابيزات في الحواري يضعون عليها المخدرات في انتظار الزبائن، والجدير بالذكر أن هذا لم يحدث بعد الثورة وفترة الانفلات الأمني الموجودة في البلاد بينما كان يحدث في عز قوة الداخلية التي لم تكن تستطيع السيطرة على العزبة حيث أن إذا صادف وكان هناك محاولة من رجال الداخلية بالدخول للعزبة فيكون أبسط رد هو إلقائهم بالحجارة بل وتصل الأمور في بعض الأحيان إلى إشعال النيران في سيارة الدورية، وبالطبع مثل هذه الأمور قد أثرت في العديد من الأجيال التي نشأت في المكان حيث خرجت مجموعة كبيرة من تجار المخدرات والمجرمين فلا تتعجب حينما ترى أن طفل عمره خمسة سنوات وهو يلعب في الشارع بمطواة وإذا كبر قليلا ليصبح عمره 10 سنوات فتجده يحمل "فرد"، ولذلك أصبح هناك الكثير من الذين يعيشون في المنطقة من مصلحتهم أن تظل العزبة بهذا الشكل لأن بسيطرة الداخلية على المنطقة تنتهي مصالحهم المشبوهة وهو الأمر الذي يجعلني لا أتعجب من خروج أنصار خنوفة لقطع الطريق احتجاجا على القبض عليه!
نشأ خنوفة في عزبة أبوقرن وسط أسرة بسيطة ، لم يحصل علي قدر كبير من التعليم, وخرج في المرحلة الاعدادية ، كان يقوم بضرب كل من يتعرض له وكان رافضا لاتاوات أمناء الشرطة في العهد الماضي حتي أدمن المخدرات وبالتحديد سلك طريق الكيف حتي وصل إلي الاتجار فيه وتم إلقاء القبض عليه منذ عام 2009 وقضت المحكمة بمعاقبته بالسجن المشدد عشر سنوات, بعد وفاة والده الذي قام ببناء منزل لاولاده الأربعة في احد شوارع عزبة أبوقرن ، وبدأت حكاية خنوفة تعود للأضواء من جديد يوم 5 يوليو الماضي حينما شن هجوما عنيفا على قسم شرطة مصر القديمة مع حوالي 300 بلطجي من عزبة أبو قرن يحملون الأسلحة النارية والبيضاء، حيث أطلقوا الأعيرة النارية وزجاجات المولوتوف لتهريب عدد من المحجوزين الذين تم القبض عليهم خلال حملة أمنية لمباحث القاهرة على العزبة مما أدى إلى حدوث معركة بينهم وبين رجال الشرطة الذين استطاعوا السيطرة على الوضع، ولكن عاد خنوفة مرة أخرى في 15 أغسطس للهجوم على القسم بعد احتجاز زوجته ووالدته لحين تسليمه نفسه، وأستطاع بمعاونة رفقته أن يحطموا الكشك المروري الواقع أسفل كوبري الملك الصالح، وإصابة أحد الضباط وإحراق دراجة نارية تابعة لرجال المرور، ومن ثم قطع طريق صلاح سالم، وتوجه "خنوفة" وأعوانه عقب ذلك الهجوم إلى قسم الشرطة لاقتحامه وإخراج والدته وزوجته، وهو الأمر الذي أثار غضب رجال الداخلية غضبا شديدا، فوضعوا خطة كان مضمونها نشر عدد كبير من ضباط ورجال المباحث داخل العزبة متنكرين في ملابس عمال نظافة وآخرين انتحلوا صفة باعة جائلين وعمال إنشاء على مدار 10 أيام متواصلة، حتى تمكنوا من القبض عليه بعد مطاردة دامت لساعات شهدت تبادلاً لإطلاق النيران، وهو الأمر الذي قابله معظم أهالي العزبة بالفرح الشديد وهو ما ظهر في نوبة زغاريد متواصلة من سيدات العزبة. وتم عرض خنوفة على نيابة مصر القديمة التي أمرت بحبسه على زمة أحكام صادرة ضده بالسجن 10 سنوات، بخلاف اتهامه بثلاثة قضايا قتل، وقضية شروع في قتل رئيس مباحث مصر القديمة، بخلاف ماضيه الإجرامي حيث سبق ضبطه واتهامه في 18 قضية، وهروبه من سجن وادي النطرون أثناء أحداث ثورة 25 يناير حيث حكم عليه بأربع سنوات في قضية مخدرات بالسجن، بالإضافة إلى أنه مطلوب ضبطه في 6 قضايا سرقة وأخرى ضرب، ومطلوب ضبطه على ذمة قضية إتلاف سيارات الشرطة! خنوفة حتى انتحاره اليوم كان متحفظاً عليه بغرفة التأديب بليمان طرة، وهذه الغرفة كما وصفها لنا أحد مصادرنا داخل السجن مساحتها عبارة عن 2 × 3 متر ولا يوجد بها غير حمام- بلدي- بحنفية ماء، وبدون إضاءة، ووسيلة التهوية الوحيدة بها عبارة عن نافذة صغيرة جدا بأعلى الغرفة حتى لا يستطيع المسجون أن يقدم على فعل أي شئ يهدد سلامته أو تجعله يقدم على الهرب، لكن هذه النافذة الصغيرة كانت كافية له لينهي حياته ، أما عن شكل الطعام الذي كان يقدم له فهو عبارة عن رغيف خبز عليه ملعقة من الجبن وزجاجة ماء ، وهذا هو زاده المسموح له طوال اليوم، ويظل محتجزاً بغرفته لا يخرج منها نهائيا ولا ترى عينيه النور إلا إذا استدعته النيابة لاستكمال التحقيقات، وفى حالة خنوفة النيابة كانت تأتى وتحقق معه بالسجن بمكتب المأمور ويخرج من غرفته إلى مكتب المأمور تحت حراسة مشددة وهو مقيد اليدين، وهذه إجراءات أمنية تتبع مع المسجلين خطر وعتاة الإجرام، وطوال فترة إقامته بغرفة التأديب تمنع عنه الزيارات ولا يشاهده أحد إلا السجان المسئول عن زنزانته أو الضباط أو وكيل النيابة الذي يقوم بالتحقيق معه ودكتور السجن الذي يمر عليه كل يوم في حدود الساعة الخامسة مساء ليطمئن على صحته ، أما عن الفئات التي تودع بغرف التأديب فهم النزلاء الجدد الذين يسجنون لأول مرة برغم وجود أحكام عليهم في قضايا بلطجة وتجارة مخدارت أو يكون نزيل أساسا بالسجن وأرتكب جريمة أو أخل بقواعد ونظام السجن فيعاقب وينقل إلى الحبس الانفرادي أو غرف التأديب .