الظروف الاقتصادية الصعبة ونسبة البطالة المرتفعة دفعت آلاف الشباب المصري إلي المجهول من خلال محاولات الهجرة غير الشرعية إلي أوروبا بعد أن فشلوا في توفير فرص عمل شريفة, لكننا في السطور التالية رصدنا تجربة حقيقية في مصر لتشغيل الشباب في أكثر من ألف صنف من المشغولات اليدوية والملابس وقطع الديكور, والغريب أن هذه المصانع لا تجد عمالا وتبحث عنهم وتعتبرهم كنوزا!! البداية كانت في المحلة الكبري والتي كانت تعتبر من أهم المدن الصناعية المصرية في صناعة الغزل والنسيج , وبرغم أن سياسة الخصخصة الفاشلة أودت بحياة هذه المدينة وحولتها من مدينة صناعية الي مدينة التوك التوك .. ولكن في هذه المدينة جزء من مشروعات يتبناها عدد من رجال الأعمال للنهوض بالصناعات اليدوية , كما أكد لنا محمد مندور صاحب الفكرة أن المصانع تقوم علي العمالة اليدوية وذلك لانتاج ما يزيد علي الألف صنف من المنتجات , والتي غالبا ما تطلب للتصدير للخارج وأهمها مفارش السرير والمفارش والسجاد الجلد وقطع الديكور التي يتم تركيبها يدويا والساعات والديكورات الخشبية والميداليات الجلد وصناديق المجوهرات والمصاحف وآيات قرآنية وغيرها الكثير من المنتجات التي يتم تصنيع أجزائها عن طريق ماكينات حديثة ثم جمعها يدويا عن طريق عمال ويمكن أن تقوم السيدات بالعمل في هذه المنتجات في منازلهن , وبالفعل نحن منتشرون في أكثر من 6 محافظات منها الشرقية والاسكندرية والمحلة والبحيرة والقاهرة والدقهلية ويعمل في كل محافظة من المحافظات حوالي 650 فردا ونوفر فرص عمل للرجال والسيدات , وأهم شيء في هذه الأعمال أنها تعطي فرصة لأي شخص يرغب في العمل في ذلك بصرف النظر عن ظروفه لأنه من الممكن أن يعمل في منزله , اضافة الي أنها توفر دخلا جيدا جدا , فمثلا متوسط دخل السيدة التي تعمل في تطريز المفارش 1200 جنيه ويمكن أن يصل الي 3 آلاف جنيه اذا كانت محترفة وأوضح أنهم تقدموا بمشروع للدكتور كمال الجنزوري كحل سريع وجذري لمشكلة البطالة وذلك عن طريق هدم عدد من المنازل في العشوائيات مثل منطقة الدرب الأحمر ثم اعادة بنائها لتكون نواة لمدن صناعية يدوية بمعني أن يتم بناء المنزل علي أربعة أدوار يكون أول دورين مصنع منتجات يدوية ويكون الطابقان الثالث والرابع شققا سكنية لأصحاب البيوت التي تم هدمها اضافة الي أن هذه المصانع سوف تكون منتجاتها مطلوبة للتصدير الفوري وأنا أتعهد للحكومة بانجاز هذا المشروع في ستة أشهر وتوفير مبالغ كبيرة لخزانة الدولة يتم توظيفها لصالح الصحة والتعليم , ولكن المهم هو توفير الماكينات دون جمارك لأنها هي التي توفر القطع التي تقوم بتشغيل الشباب ولكن أزمة هذه الماكينات هي ارتفاع أسعار الجمارك الخاصة بها , وبالتالي نجد صعوبة في استيرادها . وأضاف أشرف ابراهيم أحد القائمين علي المشروع أن المشكلة الحقيقية التي أصبحت تواجهنا الآن هي نقص العمالة فهنا في المحلة لا نجد شبابا لنوظفهم , فمثلا الماكينة التي من المفترض أن يعمل عليها من 12 الي 15 عاملا لا يعمل عليها سوي ثلاثة عمال وفي النهاية نجد أنهم يظهرون في الفضائيات ويقولون لا نجد فرص عمل ونعيش في البطالة وأنا أبحث عن عاملين مقابل 2000 جنيه شهريا كبداية ويرفضون للعمل علي التوك توك وعندما أتحدث مع الشباب يقولون دخلي اليومي من التوك توك 30 جنيها ولا أتعب , ولكن العمل في المصنع صعب وبهدلة , وأضاف أننا الآن نبحث طلب عمال من الخارج سواء بنجلاديش أو الصين , والعمال المؤهلون يعملون باخلاص وأجورهم 900 جنيه في الشهر وينجزون العمل أفضل من المصريين , وأكد أن قرار وزارة الصناعة منع استيراد ما يمكن تصنيعه في مصر هو قرار جيد جدا وفي صالح الصناعة , وقد استغللناه في تصنيع منتجات كنا نستوردها من الصين بأسعار أعلي وجودة أقل ونعمل علي أن تخرج المنتجات في كل مراحلها بشكل دقيق بداية من مرحلة التصميم الي مرحلة تصنيع الاجزاء الي مرحلة التجميع في المنازل وهي المرحلة التي يتركز فيها عمل السيدات والفتيات في المنازل ويحصلن علي دخل جيد , فمثلا طقم الدرابية كامل تطريزه يكون مقابل 200 جنيه ويأخذ من يومين الي ثلاثة اضافة الي العمل في مجال تطريز تي شيرتات الأطفال عن طريق الستارسات وهي صناعة مربحة وسريعة في نفس الوقت , ففي المتوسط يقوم العامل بتطريز ألف ورقة في اليوم ويحصل علي 100 جنيه يوميا اضافة الي وجود آلة يمكن أن يعمل عليها 3 أفراد سعرها نحو 60 ألف جنيه تعمل في الحفر علي المعدن أو الزجاج أو الخشب ونستخدمها في تصنيع أدوات الديكور ومن الممكن أن تكون مشروعا لعدد معين من الشباب يعملون عليه بشكل منفرد ويصدرون منتجاتهم , وأوضح احمد أبوعبده مصمم الرسم في المشروع أن التصميمات يجب أن تتميز بالرقة والابتكار في أي شيء سواء شغل الأركيت كالساعات أو الفازات وصولا الي ألعاب الأطفال التي قمنا بتصنيعها علي هيئة بازل يتم فكها وتركيبها وذلك لتنمية قدرات الأطفال علي الفك والتركيب وبدلا من أن نشتري للطفل بازلا من الكارتون لا يستخدمه الا مرة واحدة فهذه الألعاب تستخدم كديكور أيضا , وكل هذه المنتجات هي منتجات للتصدير وتأتي اليها طلبات بكميات كبيرة ولكننا لا نستطيع التعاقد عليها كلها لأننا لا توجد لدينا العمالة الكافية للوفاء بهذه الطلبيات , واضاف أن السوق الآن أصبحت أكثر استعدادا لشراء المنتجات اليدوية المصرية خاصة السوق الخليجية وذلك بعد الحرب في سوريا وتعطل الانتاج فيها وتأكد المستوردين أن المنتجات المصرية علي جودة عالية تتجاوز كل المنتجات الأخري جاءت الينا طلبات ضخمة لاستيراد علب المصاحف والمفارش اليدوية ومفارش السرير والسجاجيد الجلد لدرجة أننا أصبحنا لا نعرضها للبيع المحلي الا في أضيق الحدود وذلك لتوفير المنتجات المطلوبة للتصدير . ومن أصحاب المشروع والقائمين عليه الي العاملين فيه حيث قالت لنا أم فردوس : إن بيوتا كثيرة خاصة في الأرياف مفتوحة من هذا المشروع فالست تستطيع أن تظل في منزلها وتعمل في نفس الوقت الذي تراعي فيه ابناءها وهو يدر علي السيدات دخلا جيدا جدا يصل الي 2000 جنيه وكلما زادت المرأة حرفية في العمل زاد دخلها وأصبحت محترفة فيه أكثر , وأوضحت أن الشباب يرفضون العمل في المصانع في المشغولات اليدوية لأنهم يستسهلون ولا يرغبون في التعب وهذا الشغل يحتاج الي صبر ومجهود ولكنها توفر دخلا ثابتا لا يجده أي شخص الآن في ظل ارتفاع الأسعار وقلة فرص العمل , وأضاف محمد يوسف عامل أنه يعمل في هذه المهنة منذ عشر سنوات وأن المهنة الآن أصبحت أكثر تطورا وربحا لأن الماكينات الجديدة أصبح العمل بها أسهل وتوفر الوقت والطاقة بالنسبة للعاملين , اضافة الي أنها توفر دخلا ثابتا بالنسبة للشباب وفرصة للاستقرار وتعلم الشغل حتي تكون فرصة لفتح مشروع مستقل اذا فهم العمل وتعلم كيفية التصدير , وأوضحت حنان السيد ربة منزل أن هذه المصانع والمشغولات اليدوية هي أمل مصر في الاصلاح والصين وغيرها من الدول أسست اقتصادها علي المشغولات اليدوية ومصر بها أيد عاملة كثيرة , ولدينا المصممون الذين يخرجون التصميمات التي يطلبها المستوردون اضافة الي وجود أيد عاملة كثيرة في مصر والموضوع لا يحتاج الي تدريب طويل ومن الممكن أن يتعلمه الشخص في يوم واحد دون أي مجهود , وأوضحت أن هذه المشروعات يمكن أن تكون في كل بيت في مصر به شخص عجوز أو انسان قعيد أو حتي أطفال في مراحل دراسية , ويمكن أن يعملوا في أوقات فر اغهم وأنه علي الحكومة المصرية التي من المفترض أن تكون حكومة ثورة تعمل علي تسهيل وتشجيع مثل هذه المشروعات اليدوية لأنها سوف تقضي علي البطالة بسهولة وتوفر الفرص لملايين من الشباب الحاصلين علي مؤهلات متوسطة وفوق متوسطة .