سعر الدولار في البنوك المصرية اليوم الأحد 15 يونيو 2025    جيش الاحتلال الإسرائيلي يعلن اعتراض 7 طائرات درونز    باريس سان جيرمان يبدأ مشواره بمونديال الأندية أمام أتلتيكو مدريد الليلة    ريبيرو: أهدرنا العديد من الفرص أمام إنتر ميامي    وزارة التعليم: الأسئلة المتداولة لامتحان الدين بالثانوية العامة لسنوات سابقة    طلاب الثانوية الأزهرية بشمال سيناء يؤدون الامتحانات في اللغة الأجنبية الأولى    سعر صرف الدولار في البنك المركزي والبنوك صباح اليوم الأحد    الأردن يعلن إعادة فتح مجاله الجوي بعد إجراء تقييم للمخاطر    أولياء الأمور ينتظرون طلاب الثانوية العامة أمام لجان الامتحانات فى أسوان    ثانوية عامة 2025.. إجراءات أمنية مشددة على أبواب لجان عين شمس    حظك اليوم الأحد 15 يونيو وتوقعات الأبراج    الجيش الإسرائيلى: اعترضنا 7 مسيرات انقضاضية إيرانية خلال الساعات الأخيرة    طريقة عمل الحواوشي في البيت، غداء سريع التحضير وقيمته الغذائية عالية    «الجوع العاطفي».. هروب إلى الثلاجة!    طلاب الثانوية العامة 2025 يتوافدون على لجان الامتحانات لإجراء التفتيش الإلكتروني    تعليم المنوفية: ممنوع إحضار الهاتف المحمول بلجان الثانوية العامة    وفاة ابن عم الفنان محمد الشرنوبي ونجل الموسيقار صلاح الشرنوبي    30 دقيقة تأخر في حركة القطارات على خط «القاهرة - الإسكندرية».. الأحد 15 يونيو    برواتب تصل ل12 ألف جنيه.. العمل تعلن وظائف جديدة بشركة أدوية بالإسماعيلية    دعاء امتحانات الثانوية العامة.. أشهر الأدعية المستحبة للطلاب قبل دخول اللجان    أسعار الخضروات والأسماك والدواجن اليوم الأحد 15 يونيو    اليوم.. مجلس النواب يناقش مشروع قانون الموازنة العامة للدولة للعام المالي الجديد    8 قتلى و207 مصابا في هجومين صاروخيين شنتهما إيران على إسرائيل    "زيزو الأعلى".. تعرف على تقييمات لاعبي الأهلي خلال الشوط الأول أمام إنتر ميامي    «المركزى» يُقر خطة تحويل «إنكلود» لأكبر صندوق إقليمي في التكنولوجيا المالية    محافظ قنا يشارك في الاحتفالية الرسمية لاستقبال الأنبا إغناطيوس بالمطرانية    جيش الاحتلال الإسرائيلي يستهدف مقر منظمة أبحاث دفاعية إيرانية    حارس إنتر ميامي الأفضل في افتتاح مونديال الأندية أمام الأهلي    مقتل ثلاثة على الأقل في هجمات إيرانية على إسرائيل    مجدي الجلاد: الدولة المصرية واجهت كل الاختبارات والتحديات الكبيرة بحكمة شديدة    السينما والأدب.. أبطال بين الرواية والشاشة لجذب الجمهور    ذكريات مؤثرة لهاني عادل: كنت بابكي وإحنا بنسيب البيت    رقم تاريخي ل زيزو مع الأهلي ضد إنتر ميامي في كأس العالم للأندية    متى تبدأ السنة الهجرية؟ هذا موعد أول أيام شهر محرم 1447 هجريًا    «زي النهارده».. وفاة وزير الداخلية الأسبق النبوي إسماعيل 15 يونيو 2009    تجاوز 63%.. مؤشر تشغيل القروض للودائع يواصل التحليق لمستويات غير مسبوقة    اليوم.. الأزهر الشريف يفتح باب التقديم "لمسابقة السنة النبوية"    الموعد المتوقع لإعلان نتيجة الدبلومات الفنية 2025؟.. رابط الاستعلام برقم الجلوس    سبب دمارًا كبيرًا.. شاهد لحظة سقوط صاروخ إيراني في تل أبيب (فيديو)    "رفقة سواريز".. أول ظهور لميسي قبل مباراة الأهلي وإنتر ميامي (صورة)    أعراض السكتة القلبية، علامات صامتة لا يجب تجاهلها    المصرية للاتصالات وي تتلقى عروضاً لتزويد عدة مؤسسات بتكنولوجيا الجيل الخامس    الجلاد: الحكومة الحالية تفتقر للرؤية السياسية.. والتعديل الوزاري ضرورة    السفارة الأمريكية في البحرين تدعو موظفيها إلى توخي الحذر عقب الهجوم على إيران    بداية العام الهجري الجديد 1447.. عبارات مميزة لرسائل تهنئة وأجمل الأدعية    القانون يحظر رفع أو عرض العلم المصرى تالفا أو مستهلكا أو باهت الألوان    ضبط كوكتيل مخدرات وأسلحة آلية.. سقوط عصابة «الكيف» في قبضة مباحث دراو بأسوان    "العسل المصري".. يارا السكري تبهر متابعيها في أحدث ظهور    كهرباء قنا تفتتح مركزًا جديدًا لخدمة العملاء وشحن العدادات بمنطقة الثانوية بنات    بمشاركة 20 ألف.. مستقبل وطن يُطلق مؤتمر شباب الدلتا بالإسكندرية    دون أدوية أو جراحة.. 5 طرق طبيعية لتفتيت وعلاج حصوات الكلى    ضمن مبادرة "100 مليون صحة".. صحة الفيوم تقدم خدمات المبادرات الرئاسية لأكثر من 18 ألف مواطن خلال عيد الأضحى    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاحد 15-6-2025 في محافظة قنا    سر دموع عبد الفتاح الجرينى على الهواء فى "صندوق الذكريات" ب"آخر الأسبوع"    كأس العالم للأندية| «ريبيرو» يعقد محاضرة فنية للاعبي الأهلي استعدادًا لمواجهة إنتر ميامي    جامعة بدر تفتح باب التقديم المبكر بكافة الكليات لطلاب الثانوية العامة والأزهري والشهادات المعادلة    هاني رمزي: خبرات لاعبي الأهلي كلمة السر أمام إنتر ميامي    رئيس هيئة الرقابة النووية والإشعاعية السابق: لا تأثيرات لاستهداف المنشآت النووية الإيرانية على مصر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مدفن الدار: تجليات السرد العجائبي
نشر في أخبار السيارات يوم 15 - 06 - 2019

عن مركز ليفانت للثقافة والنشر صدرت الطبعة الأولي من رواية »مدفن الدار»‬ للكاتب السوري أدهم مسعود القاق، والتي يمتزج فيها الاجتماعي السياسي، بالخيالي الروائي في تشريح للواقع العربي السوري من خلال أحداث زخمة التصقت بالرواية؛ فما تحكيه الرواية يشير بالضرورة إلي معني خاص، مرتبط بهوية الشخصية الروائية، وبالأحداث التي تقوم بها، أو التي تقع عليها، وأن ذلك يجري في مكان وزمن أو محيط بشري اجتماعي له خصوصية ما.
نجد شخصية أحمد وهو الراوي العليم في الرواية يحكي أحداثا متخيلة وأخري واقعية تضم بلادا كثيرة في بلده سوريا وفي بلدان أخري ك: لبنان، والعراق، وفلسطين.
»‬شهد أحمد كثيراً من الأشباح والشياطين في أثناء نشأته بالدار الكبيرة...كانت تعترض دربه ليلاً في الدهليز الواصل بين بوابتها الخارجية وأرض الدار، وكانت تتراقص حوله مصدرة أصواتاً مؤرقة ليله».
عنوان الرواية »‬مدفن الدار» عتبة تجسد أقنعة الموت ومواجهة ‬رمزية ‬القهر المتعددة التي نشتمها في كل مكان حتي في عقر دارنا. ثمانية وعشرين فصلاً تحت عناوين منها إغماض عن ولادة مبهمة، موبقات موبقات، موت فوق المقبرة.
الرواية باعتبارها العمل الأضخم والأقدر علي احتواء الحدث عبر السرد والحوار والشخوص وعبر المساحة الفنية والشكلية حازت علي التأثر الكبير بالأحداث السياسية حيث مرَّ العالم العربي بلحظات أليمة من العنف والقتل والدمار من أجل الدفاع عن حقوقه من الحرية والعدالة الاجتماعية وصارت هذه الأحداث المادة الخصبة للروايات وتزويدها بمضامين جديدة.
يحاول الكاتب أن يعيد صياغةَ ملامح الواقع المكتنز بكم هائل من الأحداث الشائكة التي تطول البلاد العربية ونقف عند بلده سوريا حيث يرصد لنا الكاتب بعين لاقطة لوحاتٍ حية من الواقع السوري وهي ممزوجةٌ بآهات الحياة ومنغصاتها.
تكشف الرواية ‬عن ‬طاقة ‬تمثيلية ‬تتنوع ‬تشكّلاتها ‬الموضوعية ‬والتعبيرية، ‬وعن ‬منظور ‬سردي ‬تتمثل ‬قراءاته ‬وكشوفاته ‬مجموعة ‬من ‬الأحداث ‬ذات ‬الطابع ‬الملحمي، ‬ومجموعة ‬من ‬الشهادات ‬عن ‬تفاصيل ‬حياة ‬مسكونة ‬بالوجع ‬والمحو ‬والاستلاب.
تحفل الرواية ‬بلحظة ‬تاريخية ‬سورية ‬مفارقة، يحتشد ‬فيها ‬استلاب ‬الكائن ‬مع ‬موت ‬المكان، ‬مثلما ‬يتحول ‬فيها ‬زمن ‬الكتابة ‬الي ‬زمن ‬محكوم ‬بالواقع، ‬وموته، ‬إذ ‬تتمخض ‬أحداثها ‬عن ‬مظاهر ورؤي ‬تُحيل ‬إلي ‬سيمياء ‬الخراب، ‬وتُفضي ‬إلي ‬التقاطات ‬تتفتح ‬عبرها ‬معانٍ ‬شوهاء ‬للوجود، ‬وبما ‬يُعطي ‬للجهد ‬السردي ‬مهمة ‬استثنائية ‬في ‬توصيل ‬الرسالة ‬وفي ‬فتح ‬أفق ‬تتفجر ‬عبره ‬الكثير ‬من ‬شحنات ‬التخيّل، ‬ويتوافر ‬علي ‬تقنيات سردية ‬لتنمية ‬الاجتهاد ‬الروائي ‬في ‬التحرّي ‬عن ‬محنة ‬الكائن ‬والمكان، ‬وفي ‬الإبانة ‬عن ‬عدمية ‬الزمن.
إذا كان من أهم سمات النص الروائي لا يكتب إلا بعد تأمل عميق فإننا حين نقف عند البنية السردية للرواية نجد المؤلف ممسكًا بخيوط بنائه السردي الدرامي طبقًا لمعرفته الشعورية، والثقافية التي يملكها فنلمح ذاتية في الحكي تتآذر مع ما يخلقه لنفسه من سرد أكثر جرأة، في أفكاره، وطموحاته، فيعري الواقع بكل تجلياته، ويصوره تصويرا فنيا صادقا استقصي فيه كل خبراته الحياتية، ليجعله واقعا نابضا بالحياة، مرتكزا علي الحبكة الروائية بكل آليتها من الوقائع والأحداث.
بالنسبة لشخصيات الرواية الرئيسية شخصيات مستلبَة مقهورة يعد نموذج الحكم الاستبدادي المهيمن هو المصدر الأول لنشوء الاستلاب في مجتمع ما.
وظهر ذلك في معظم شخصيات الرواية حيث نجد شخصية أحمد، وشخصية ثريا وهما شخصيتان رئيسيتان في الرواية، بقدر طموحاتهما وكفاحهما المستميت كنشطاء سياسيين في الفصيل الثوري يصدمان بواقع مستلب مقهور بالرغم من محاولتهما المستميتة لصد عنفوان الظلم والإيثار لفئة دون أخري.
حتي شخصية »‬الذيب بن شطمة» أيضا شخصية بقدر اقترابها من السلطة ولكنها شخصية لا تقدر علي عمل أي شيء بإرادتها.
والذيب بن شطمة »‬نسي الناس موبقات الذيب، ونسوا أفضال الحاج الدغري عليهم، ونسوا أنه من أنقذ الذيب من الموت بعد أن اختفت أمه شطمة المجنونة ونسوا الذي رعاه وعلمه نسي الناس أن الذيب هو سبب مقتل ابنه مضر وسبب تهجير أبنائه الآخرين» ص168؛ حيث لديه امتيازات تمنحها له السلطة نظير خدماته في الزج بشباب واعد يهاجم النظام فيوشي بهم وبنشاطهم السياسي، بل ويحصل علي الدكتوراه وهو ليس مثقفا أو مهتما بالثقافة لا من قريب ولا من بعيد لأنه في الحقيقة إنسان غبي أحمق، وهذا ما يثير أذهاننا أن صاحب التحصيل الجامعي والأكاديمي معيار المثقف وفق العقلية السورية الحالية، والذي يرتبط أيضا بمجموع الشخص في الثانوية العامة »‬البكالوريا» و كل من حاز علي شهادة جامعية يعد من المثقفين حسب المفهوم السائد، والتحصيل الجامعي من الأدوات المهمة للمثقف والركيزة الأساسية في صناعته، لذلك فأن أي مثقف يمتلك حتما هذه الأدوات و باختلاف التحصيل ونوع الدراسة.
وهذا ما استطاع أن يحققه الذيب أن يصل لأعلي الدرجات بالغش والتدليس، والتسلق لمكانة علمية لا يستحقها، هذا المفهوم يسيء لمفهوم الثقافة الحقيقية ولصورة المثقف وشخصيته الاعتبارية والاجتماعية .
الضمير السردي توزع في بعض أجزاء الرواية علي قسمين هو وهي من الغياب إلي المتكلم، وكأننا أمام رواية لصوتين يقاربان أحداثًا واحدة، هذا التوجه يكفل لكل صوت التعبير عن ذاته أولاً، بآمالها وإحباطاتها ومخاوفها ورؤيتها للآخر.
اللغة عند الكاتب تجمع بين الفصحي، والعامية السورية في بعض ألفاظها حيث نجد لغة ممزوجةٌ بأدبية شفيفة في كتابتها؛ فاللغة عند الكاتب، هي كشفٌ مخبوء لسلسلة من المفردات يظفر بها المبدع، ووسيلة للإيحاء والدقة الفائقة في الوصف، وليست أداة لنقل معان محددة؛ حيث ينهض الوصف أيضا بمنح دلالات خاصة تنسحب علي تيار الحكي العام، كاشفا عن العلاقة التفاعلية بين المكان الموصوف، والكتلة السردية.
حالة ثمة
من الحزن الموجع تسيطر علي هذه الرواية ملتقطة لأدق المشاعر والأحاسيس فمثلا يستعير الكاتب رؤيته للحدث من خلال العرض المكثّف للحمَّام الذي وجدوا فيه ثريا غارقة في دمها ورأسها مفصولا، ومعلقا فوق جسدها »‬حمام الموت الذي استمر نزفا حمام الموت الذي أراد أن يصنع وطنا بحجم توابيت الطائفة والقبيلة والحزب والأب القائد...».
وكانت النهاية المفجعة والأليمة سطرتها القوي الغاشمة لحياة امرأة قالت لا في وجه الظلم والعدوان حيث »‬حضر ضباط الشرطة كتبوا ضبطا وصفوا فيه مشاهدتهم التي ضمنوها اتهاما لشخص اسمه أحمد إذ وجدوا اسمه علي لوحة مؤرخة من أكثر من عشر سنوات ... يروق لي تمري فاشتهي تمردا حتي علي التمرد التوقيع أحمد، تحتها كتب بخط رديء تمردي يا ثريا الآن بقدر ما تستطيعين - كتبها القاتل وحشرها إلي جانب رأس ثريا المفصول عن جسدها »‬.
وتختم الرواية بخبر يحيي المولود الجديد لأحمد الذي سطَّر بموته في سجون السلطة صفحة كفاح شاب يحب بلاده ويذود عنها و كأن الأمل ما زال معقودا لغد أفضل إشراقا كولادة جديدة لشعب سوري يعيش الأمن والسلام في مجتمعه منتصرا علي مواطن الشر وما أكثرها في البلاد العربية!
وإلي ما يذهب إليه بول ريكور في أن »‬الخيال لا يكتمل إلا بالحياة، والحياة لا تُفهم إلا من خلال القصص التي نرويها عنها» فقد منحنا الكاتب سردا نابضا بالحياة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.