كانت زيارتي الأخيرة لجاليري الهناجر كفيلة بالتأكيد علي ذلك التغير الملموس الذي شهده فن النحت في مصر خلال السنوات القليلة الماضية، إذ استضافت القاعة مؤخرا عددا متميزا من الأعمال التي بلغت التصفيات النهائية في مسابقة أدم حنين لفن النحت لعدد من شباب الفنانين دون الخامسة والثلاثين، الذين قدموا أعمالا بخامات مختلفة تنوعت بين الخشب والحجر والبرونز وغيرها وعكست تطورا كبيرا في الطرح الفني سواء علي صعيد الشكل أو المضمون. وكانت مؤسسة آدم حنين للفن التشكيلي والتي تقوم بتنظيم مسابقة لشباب النحاتين علي مدار السنوات الثلاث الماضية قد أقامت حفلا لإعلان جوائز المسابقة، حيث تم إعلان الفائزين بالجوائز الثلاث الأولي وتكريم شباب الفنانين الذين وصلت أعمالهم للتصفيات النهائية .. وللفنان أدم حنين دور كبير في الكشف عن المواهب الشابة في فن النحت ودعمهم سواء من خلال سمبوزيوم النحت بأسوان والذي قام بتأسيسه بالتعاون مع وزير الثقافة الأسبق آنذاك فاروق حسني، إضافة إلي تلك المسابقة السنوية التي تقدم فرصة لعدد كبير من الشباب للتنافس. وربما كان الفنان الشاب عبد الرحمن العجوز الفائز بالجائزة الكبري وقدرها خمسون ألف جنيه هو أحد هذه الأمثلة حيث حرص علي الاشتراك بالمسابقة في كل دوراتها، حيث شارك بالدورة الأولي وهو طالب بالسنة الأخيرة بكلية الفنون الجميلة، وقد قاده حماسه وإصراره إلي الجائزة الكبري هذا العام وذلك عقب عودته من أسوان حيث شارك بسمبوزيوم النحت كأحد الفنانين الأساسيين، بعد أن كان قد شارك العام الماضي مع شباب الورشة وهي الفرصة التي حصل عليها كجائزة صالون الشباب لعام 2018.. ولعل تلك الفرص هي التي من شأنها أن تفتح الأفق أمام شباب الفنانين. قدم الشاب عبد الرحمن العجوز عملا لسيدة بدينة من الحجر البازلت، إذ أن معظم أعماله حتي الآن تتمحور حول هذه الفكرة ولكن بصياغة مختلفة عن الشائع ليبدو الجسد علي بدانته مشدودا ورشيقا دون دخول في تفاصيل مع اعتماده علي التلخيص أحيانا والمبالغات أحيانا، وربما كان أحد التفاصيل التي لفتت نظري تلك الوردة البديعة التي حفرها باتقان علي ظهر التمثال. من جانبها تري الفنانة الشابة إيمان بركات والتي فازت بالجائزة الثانية وقدرها عشرة آلاف جنيه، إضافة إلي الإقامة والعمل في أتيليه الفنان آدم حنين وتحت إشرافه لمدة أسبوعين إن تلك المسابقة تحفز الشباب للعمل والانتاج، فعلي سبيل المثال تعود مرة أخري إلي عملها » الفرخ» أو الكتكوت باللفظ الشائع وعلاقته بالبيضة في تلك اللحظة التي تنم عن توحد الكيان الأصلي متمثلا في البيضة بالحياة التي تخرج منها متمثلة في ذلك الفرخ الصغير قبل الانفصال وهو ما يرمز إلي فكرة البدايات وحالة الاحتضان والميلاد وغيرها من المعاني .. وهو العمل الذي قدمته أكثر من مرة بتنويعات مختلفة. تضيف إيمان : لولا تلك المسابقة ما أتيحت لي الفرصة لاختبار حالة جديدة تلخص خبرتي التي اكتسبتها كنحاتة منذ أن بدأت العمل علي تلك الفكرة حيث قدمت أول نموذج في 2013، ثم بعد ذلك في 2015 و 2016 .. حيث كانت المسابقة بمثابة المحفز التي لولاها لتكاسلت عن العمل علي الفكرة مرة أخري بعد خبرة ثلاث سنوات لأستكشف جوانب جديدة لها علاقة بطاقة الكتلة وطاقة حضورها، كما أتاحت لي هذه المسابقة أن أعرضه بحجم أكبر، لأبرز قوة الخامة .. والنتيجة بالفعل أسعدتني. وعن الجائزة تقول الفنانة : ربما كان الأهم بالنسبة لي هو الإقامة والعمل في أتيليه الفنان آدم حنين، لأني علي ثقة أن المعايشة اليومية مع كل تلك الأعمال الفنية التي تحيط بي سوف تضيف لي ولمخزوني البصري، أما النقطة الثانية فتتمثل في أنني سأحاول في تلك الفترة الاستفادة من خبرات الفنان لتطوير شغلي، حيث أفكر في أن أعرض عليه كل تجاربي السابقة واستمع إلي ملحوظاته، خاصة وأن العمل طوال تلك الفترة أمام عينه يختلف عن المناقشة السريعة. ويبدو العمل الفائز بالجائزة الثالثة وقدرها خمسة آلاف جنيه مختلفا علي أكثر من صعيد الأول هو تلك الخامة التي وظفتها الفنانة الأردنية لين جميل حيث استعانت بخامة الحديد والصوف، إذ قامت بتغطية قضبان الحديد بخيوط الصوف الملونة، ذلك إضافة إلي كون الفنانة هي الفائزة الوحيدة من خارج مصر وهي تدرس بالسنة الرابعة بكلية الفنون والتصميم بالجامعة الأردنية، وقد عرفت عن المسابقة عن طريق الفنان إسلام عبادة الذي يقوم بالتدريس لها في الجامعة. تقول الفنانة : فكرت من خلال العمل أن أعبر عن كمية المشاعر التي يحملها أي كائن حي ولذا استخدمت ألوانا كثيرة لأن الألوان بالنسبة لي هي تجسيد لتلك المشاعر .. وربما اختارت الفنانة الناموسة لأنها تثير مشاعر متناقضة من القلق والخوف والتوتر، إذ أنها كائن بسيط لكن تحمل وراءها مشاعر كثيرة. وربما كانت هذه المسابقة فرصة طيبة للفنانة لين،إذ أنها المرة الأولي التي تشارك فيها في مسابقة فنية والمرة الأولي التي تقوم فيها بزيارة مصر، إضافة إلي أنها فرصة طيبة للتعرف علي عدد كبير من شباب النحاتين خاصة مع قلة عدد النحاتين بشدة في الأردن. وكان حفل توزيع جوائز الدورة الثالثة قد تضمن العرض الأول للفيلم الوثائقي »آدم حنين.. نحات مصري» من إنتاج مكتبة الإسكندرية ومدته 28 دقيقة. وقد ضم الفيلم شهادات من عدد من الفنانين والمقربين من الفنان مثل الفنان فاروق حسني، والمعماري أكرم المجدوب، والفنان عصام درويش، والفنان أنسي أبو سيف، ومدير المؤسسة عماد عبد المحسن. وقد استعرض الفيلم محطات عديدة في حياة أدم حنين الفنية، منها سفره إلي ألمانيا في مطلع حياته، وبعثته الداخلية إلي الأقصر، وفترة حياته التي قضاها في باريس، إلي جانب قصة ترميم أبو الهول، وتأسيس سمبوزيوم أسوان الدولي لفن النحت بالتعاون مع الفنان فاروق حسني وزير الثقافة الأسبق. واستعرض الفيلم جماليات متحف آدم حنين بالحرانية، سواء الحديقة المتحفية، أو القاعات الثلاث الداخلية للمتحف. جدير بالذكر أن الدورة الأولي للمسابقة انطلقت في أكتوبر 2016، وهي موجهة لشباب النحاتين في مصر والعالم العربي الأقل من 35 عاماً. وعبر دوراتها الثلاث، تقدم إلي المسابقة 170 فناناً، وشارك في معارض الأعمال التي بلغت التصفيات النهائية خلال السنوات الثلاث 83 فناناً. وقد وصل إلي التصفيات النهائية هذا العام كل من : أحمد بسيوني، وأحمد نبيل، وأيمن محمد سعيد، وتمارا العلي، وحسام محمد، وحسام مصطفي، وحسين ديب، ودينا محمد سعد، ورحمة محمد السيد، وريم أسامة، وزينب صبحي، وسارة يوسف، وسمر مجدي، وشروق هلال، وشيماء درويش، ولينا المجدوب، ومحمد عزت، ومروة مجدي، ومصطفي فكري، ومعاوية هلال، ومني عمر مصطفي، ومني هيكل، وميسون الزربة، ونهلة وجدي، ووئام علي، ويوستينا فهمي. وكان المهندس المعماري أكرم المجدوب قد أعلن خلال الحفل الختامي لهذا العام أن لجنة الجائزة قررت رفع الحد الأقصي لسن المتقدمين ليصبح أربعين عاماً بدلا من 35 عاما.