كان مقاتلاً شجاعاً ومفاوضاً بارعاً، ومؤمناً بقضية وطنه العادلة، وحقها المشروع في تحرير كل شبر من ترابها الوطني، لذلك لم يتردد ولم يتراجع ولم يخش الهجوم عليه، وأثبتت الأيام أن السادات كان علي حق، بدافع المصلحة الوطنية العليا، فقد استلم وطناً فيه أرض تحت الاحتلال، وسلمه منتصراً ومحرراً. وكما كان السادات جريئاً في قرار الحرب، ولم يلتفت لدعاوي الهزيمة، ولم يهتز لتخويفه من الانتحار العسكري، كان أكثر جرأة في قرار السلام، فنهاية الحروب تكون دائماً في غرف التفاوض، وبعد أن تصمت المدافع، ترفع أغصان الزيتون، ويجني المنتصر ثمار انتصاره الذي تحقق في ميادين القتال. لو استمع السادات لنصائح »حراس الهزيمة»، واهتز القلم في يده، وما كان في استطاعته أن يوقع قرار الحرب، ويكلف قادته العسكريين بتحرير سيناء، والحفاظ علي أرواح أبنائه الضباط والجنود، وكان قراراً في منتهي الحكمة والخبرة، ويريد النصر بأقل تضحيات، خصوصاً في الأرواح، ولم يشأ أن يكون الانتصار العظيم، ممزوجاً بالأحزان. رفض استمرار البلاد في حالة اللاسلم واللاحرب، وأدرك أن العالم كله لن يسمح له بإلقاء إسرائيل في البحر، ولم يشأ أن تظل قضية بلاده رهناً لألاعيب ساسة تل أبيب، الذين روعتهم الهزيمة، فأرادوا أن يخففوا آثارها بالمماطلة والتسويف. واختار السادات »سلام الشرفاء»، بعد أن خاض حرباً في ظروف إقليمية ودولية في منتهي الصعوبة والتعقيد، ولم يغره الانتصار الذي تحقق في الأيام الأولي للحرب، بعد أن فتحت واشنطن مخازن عتادها، وأقامت أكبر جسر جوي في التاريخ، لنقل أحدث المعدات العسكرية إلي إسرائيل، وقال جملته الشهيرة »أنا أحارب إسرائيل، لكن مقدرش أحارب أمريكا». لم يبحث السادات عن »سلام منفرد»، ولكنه أراد حلاً شاملاً للقضية، وفي قلبها فلسطين، فرفع علمها في سميراميس، وطال الانتظار دون أن يحضر أحد، وكان مصراً علي أن يكون إعلان قيام الدولة الفلسطينية جزءاً أساسياً في صفقة السلام، وأن تكون عاصمتها القدسالشرقية. الحرب وما أدراك ما الحرب، وقودها البشر وثروات الدول والنار والدماء والأشلاء. لو تمتع الرئيس العراقي صدام حسين بحكمة السادات، ما فكر إطلاقاً في الإقدام علي غزو الكويت، وهي الجرح العربي النازف حتي الآن، وأضاع مفهوم الأمن القومي العربي، من »إسرائيل هي الخطر» إلي »العرب خطر علي العرب»، ومن يومها لم تشهد الأمة العربية إجماعاً علي قضية، أو توافقاً علي رأي، وكان الطرف الأكثر تضرراً هم الفلسطينيون، الذين انحازوا لصدام، رغم أنهم يعيشون في الكويت، ويتمتعون بحقوق ومزايا تفوق الكويتيين أنفسهم. بعد غزو الكويت، خرجت من الأدراج المغلقة المؤامرات الغربية ضد المنطقة، ولم يرد بخيالنا نحن الجيل الذي عاصر تلك الأحداث، أن تجرؤ جيوشاً أجنبية علي استباحة الأراضي العربية، بعد أن انتهت حقبة الاستعمار، وتحررت الشعوب ونالت استقلالها. وتصدر العراق قائمة دول الشر، المطلوب تفكيكها والقضاء عليها، وعشنا أياماً نحلم بالجيش العراقي القادر علي دحر »العلوج»، وضرب مؤخرتهم، وكان البعض يصدق، أملاً في النصر المستحيل علي جيوش جبارة، جاءت لتحرير الكويت، ثم غزت العراق، وتوطنت في المنطقة، رافعة شعار »جئنا لنبقي وليس لنرحل». دروس التاريخ لا تكذب، والدول التي تحافظ علي استقلالها تمسك جمراً، لأن الحرب لم تنته ولكن تغيرت معالمها، وأصبح الغزو ذاتياً، عن طريق جماعات الشر والإرهاب، التي فعلت في دولها، أفظع مما فعلته الجيوش الغازية علي مر التاريخ.. يقول الحكماء: في زمن الحرب يعرف الجميع من يطلق الرصاصة الأولي، ولكن لا يعلم أحد من يطلق الرصاصة الأخيرة!