إسرائيل لا تريد لنا إلا الاستسلام .. والصفقة المسمار الأخير فى نعش العرب بينما كان الرئيس الشهيد أنور السادات يريد السلام القائم على العدل وحسن الجوار.. لم تكن إسرائيل تريد لمصر والعرب كلهم إلا الاستسلام.. كنت وغيرى من هذا الجيل أول من أيد السادات، رحمه الله، فى مبادرته للسلام، وذهابه إلى القدس فى رحلته التاريخية!! ظللنا طوال حكم الرئيس مبارك، ثلاثين عاماً مؤيدين لاتفاقية «كامب ديڤيد» حتى أدركنا أن إسرائيل كانت وما زالت تريد لنا إلا الاستسلام، وكان ذلك نابعاً من عقيدة راسخة لديهم وهى أنهم يعتبروننا مهزومين فى حرب 1967، أما نتائج انتصار 1973، فقد اختزلت فى مجرد الجلاء عن سيناء لإرضاء غرور السادات، كما أنهم يعلمون أن جيش مصر لا يمكن أن يهدأ أبداً إلا بعد أن يحرر سيناء، وينتصر لكرامته فى 1967. ذلك.. وتتصرف إسرائيل منذ ذلك الحين على أن مصر بلد قد هزم فى 1967، بل والعرب كلهم!! ويجب معاملتهم من هذا المنطلق!! وبينما كان للرئيسين نيكسون وكارتر رأى غير ذلك؛ حيث كان «نيكسون» قد أوصى بمصر فى كتابه «الانتصار بلا حرب» 1999 وكارتر هو مهندس السلام بين مصر وإسرائيل فى كامب ديڤيد، تدور السنون ويتولى رئاسة أمريكا رؤساء ينفذون سياسة جدية تتبنى رؤية إسرائيل المنتصرة فى 1967! فكان لا بد من التسارع فى غزو العراق ثم يتلوها خديعة الربيع العربى؛ حيث كانت «رايس» وزيرة خارجية الرئيس بوش الصغير، أعلنت عنه فى مصر، فيما أطلقت عليه «الفوضى الخلاقة والشرق الأوسط الجديد»، ولم يكن ما سمى ثورات الربيع العربى إلا تمهيداً ل«صفقة القرن» المرتبطين ارتباطاً عضوياً لا يمكن انفصامه! الهجمة الاستعمارية الشرسة على العراق، ثم احتلال سوريا بعد أحداث ربيعها العربى!! ما هو إلا تنفيذ لنظرية «هانتنيجتون» أستاذ التاريخ والعلوم السياسية والاجتماعية فى جامعة هارفارد الأمريكية، أحد منظرى السياسة الخارجية لأمريكا فى الشرق الأوسط وصاحب نظريته التاريخية الشهيرة التى عبر عنها فى كتابه «صدام الحضارات».. فما هى؟! ملخصها: «إن اجتماع الصحوة الإسلامية والثروة فى يد مسلمى الشرق الأوسط من العرب، سوف يجعل الحضارة الشرقية تتفوق على الحضارة الغربية»!! والغريب أنه كان ضد ضرب المثل فى كتابه بالسعودية ودول الخليج العربى؛ حيث سندرك فيما بعد كيف تعامل «ترامب» معهم، مستهدفاً استنزافهم مادياً وسياسياً! ثم يكمل نظريته: «فلابد أن نتسارع -هم الأمريكان- فى هزيمة تلك الحضارة الوليدة مستغلين فرق القوة الحالى بيننا للتغلب عليهم» (انتهى).. ذلك.. كما ذكرنا من قبل كل تلك الأحداث كان وراءها عقيدة راسخة بأن العرب أمة قد هزمت فى 1967 ولم يكن ما تلاها من أحداث إلا تكملة للإجهاز النهائى عليها! الشاهد.. تكره إسرائيل أن تقوم أى ديمقراطيات فى مصر والعالم العربى كله! فى نفس الوقت الذى يرفعون فيه شعارهم بأن التفاوض مع الديمقراطيات هو الأبقى والأقوى تأثيراً على مر الزمان!! ذلك ولو أن إسرائيل كانت تحترم مبادى الحرية والديمقراطية فى بلاد جيرانهم ساعتها فقط كانت النتيجة الحتمية هى الوصول إلى سلام حقيقى ودائم مع جيرانها.. ذلك كان حلم الرئيس السادات، رحمه الله، الرئيس الذى كرموه عندهم وأطلقوا اسمه على معهد «السادات - بيجن»، وعلى بعض شوارعهم فى تل أبيب!! ولو أنهم جنحوا للسلم لوجدوا فى مصر أكثر من «سادات»!! ووجدوا شعباً لا يحمل لهم أى كراهية!! الرجل الذى أخلص لوطنه وأخلص لهم.. ولكنهم لم يخصلوا له! إنهم يرون غير ذلك.. منطق القوة وفرض الأمر الواقع!! واليوم.. أدركنا أن من عارض الرئيس السادات فى صلحه مع إسرائيل قد كان على حق! ليه؟! لأنه كان قارئاً للمستقبل، لما عرفه هو ولم نعرفه نحن عن تفكير إسرائيل. ذلك وسُلمت سيناء كاملة إلى مصر فى عهد الرئيس مبارك، الذى استطاع أن يلعب دوره بكفاءة عالية لمدة 30 عاماً، مع كل من أمريكا وإسرائيل. ولكن خلال السنوات الخمس الأخيرة من حكم الرئيس مبارك يدرك أن أمريكا وإسرائيل لا تريدانه فى حكم مصر أكثر من ذلك!! وهنا لا ننسى مقولة الرئيس «أوباما» الشهيرة وكان ذلك أثناء هوجة 25 يناير؟! (You have to leave now!!& Now means now!!) بأى حق يقول لرئيس دولة مثل مصر تعدادها مائة مليون «ارحل الآن.. وفوراً»، ذلك فقد اعتبر مصر دولة ناقصة السيادة، يتم التلاعب بقيادتها كيفما يشاء!! هل هذا هى رؤيتهم للسلام المنشود بين مصر وجيرانها؟ والآن ها هى صفقة القرن!! المسمار الأخير فى نعش مصر والعرب وفلسطين، ذلك إذا تركناهم يدقونه!! فكانت الإطاحة بالرئيس مبارك نفسه!! عندما طلب منه نتانياهو جزءاً من سيناء يمتد من مدينة رفح وحتى العريش محتوياً مطار العريش وميناءها البحرى!! ليكون امتداداً لقطاع غزة وكنواة لإقامة دولة فلسطينية فى سيناء، وتنتهى المشكلة الفلسطينية، سبب الصداع لإسرائيل والعرب! فكان رد الرئيس مبارك: "Forget Mr. Natanyaho"!! «ذلك كان تسجيلاً نادراً بصوت الرئيس مبارك نفسه»، وأضاف مبارك: أوعى ييجى فى دماغك أى عمل أو قرار فى هذا الصدد؟! سوف أحاربك.. فكان رد رئيس الوزراء الإسرائيلى: «لا.. اعتبر الموضوع منتهياً»!! ذلك.. كان الرئيس كلينتون طلب نفس الطلب! ولكن.. لم يكن الموضوع لينتهى أبداً؟! وتدور السنون القليلة؟! ويجلس توماس فريدمان!! ومعه ثلاثة أشخاص ينظرون ويقررون ل«صفقة القرن»!!! وما على إسرائيل وأمريكا إلا التنفيذ.. بالذوق إن أمكن.. ما فيش مانع!! وإما استخدام القوة إذا لزم الأمر!! فكان رد المصريين «لا تعنى موافقتنا على تسليم جزء من سيناء الغالية، إلا أننا مهزومون فى حرب 1967، وأن انتصار 1973 لم يكن له أى أثر إلا عودة سيناء كاملة كمرحلة خداع من إسرائىل!! فأين ذهبت «كامب ديڤيد»؟! ليه؟! كانت نية إسرائيل أنه تسليم ظاهرى ومناورة فى مرحلة خداع، لتعود سيناء كلها يوماً ما إلى إسرائيل وليس للفلسطينيين لقيام دولتهم عليها كما يدعون!!. إن شعب مصر وقيادته أمس واليوم وغداً لا يقبل قيام «استعمار استيطانى» حتى لو كان بحجة أنهم مسلمون وفلسطينيون - ذلك لأنه أخطر من احتلال إسرائيل لسيناء لمدة 7 سنوات أو حتى احتلال بريطانيا لمصر مدة 70 سنة؟! ليه؟! رحلت إسرائيل عن سيناء ورحلت بريطانيا عن مصر.. ألا هل بلغت.. اللهمَّ فاشهد.