جلست ذات يوم الي صديقي خضراوي عبد الحافظ , هكذا اسميته نظرا لكونه عضوا نشيطا في جمعية الحفاظ علي البئية , فبادرته بالسؤال كيف حال البيئة يا سيد خضراوي ؟ فقال لي انهم يسممون الهواء ؟؟!!, فكانت العبارة جديدة علي مسامعي !! فقلت له كيف ذلك ؟ قال الم تقرأ التقرير السنوي لحالة البيئة في مصر والصادر عن وزارة الدولة لشئون البيئة شهر يونية لعام 2010 حول مسئولية خمس شركات أسمنت عن تلوث 75.3% من الهواء, وهي القومية للأسمنت وطرة وحلوان وأسيوط والعامرية حيث اكد التقرير أن انبعاثات الأتربة العالقة الكلية الصادرة من مداخنها تؤثر بشكل مباشر وكبير علي النطاق السكاني حولها, ولقد سبق هذاالتقرير تقرير وارد عن الجهاز المركزي للمحاسبات في شهر اكتوبر لعام 2008 ؟ قلت وماذا جاء فيه ؟ قال لي لقد جاء في التقرير ان عدد المصانع المنتجة للأسمنت قد ارتفع من4 مصانع بطاقة إنتاجية4 ملايين طن سنويا عام1975 إلي15 مصنعا بطاقة إنتاجية35 مليون طن سنويا عام2007 وهذه المصانع موزعة علي8 محافظات هي حلوان والإسكندرية والسويس وبني سويف والمنيا وقنا والوادي الجديد وشمال سيناء , ولقد أثبت التقرير أن المخلفات الناتجة عن صناعة الأسمنت تتمثل في تراب الأسمنت المعروف بتراب( الباي باص) والذي يبلغ نحو4106 أطنان يوميا بواقع1,5 مليون طن سنويا تسهم في تلوث البيئة الهوائية وإصابة السكان بالعديد من الأمراض منها التحجر الرئوي وأمراض ضيق التنفس وسرطان الرئة وإلتهاب الجلد والعين والسعال الحاد والإلتهاب المزمن للأنف . قلت ولكني اعلم ان هناك مواد اخري سامة وملوثة للبئية تنبعث من جراء هذه الصناعة , قال نعم , فحتى وقت قريب كان يعتبر الغبار والأتربة المنطلقة من المداخن في معامل الاسمنت المشكلة البيئية الأهم والأخطر في صناعة الاسمنت، لكن ومنذ أواخر الثمانينات وبداية التسعينات اتسعت قائمة الملوثات الواجب أخذها بعين الاعتبار والسيطرة عليها في صناعة الاسمنت لتشمل :انبعاثات أكاسيد الآزوت وأكاسيد الكبريت وأول أوكسيد الكربون والمركبات الهيدروكربونية والديوكسين والفورانز وثاني أوكسيد الكربون ... وغيرها من الملوثات الصلبة والسائلة الأقل أهمية. قلت له اذا فان نصيب محافظتنا الجميلة بني سويف من هذا الثلوت هو نصيب الاسد نظرا لوجود مصنعين من مصانع الاسمنت بها وانها مرشحة لعدد آخر من المصانع , قال لي وتلك هي داهية الدواهي , قلت له ولما ؟ فنظر لي نظرة حزينة وقال لي ان الاجيال الحالية و القادمة في المحافظة معرضة لقدر من التلوث لم تتعرض له الاجيال السابقة , , ذلك ان هذه المصانع تؤدي الي تلوث الهواء في المنطقة المحيطة بالمصنع في دائرة قطرها خمسة عشر كيلو متر وبالتالي فان كل المناطق السكانية الآهلة بالسكان والواقعة في محيط دائرة التلوث معرضة للتلوث , ثم اردف قائلا ياسيدي ان لنا فيما حدث في حلوان لعبرة , حيث تعتبر المدينة الثالثة بين أكثر مدن العالم تلوثًا ، ويكفي معرفة أن البحوث الحديثة تشير إلى أن حجم التلوث بغبار الإسمنت في حلوان بلغ أربعة عشر ضعف المسموح به، وذلك بما يعادل 5% من الطاقة الإنتاجية لمصنع الإسمنت نفسه! كما أن 29% من أطفال المدارس في منطقة حلوان مصابون بأمراض الرئة، وهي نسبة شديدة الخطورة. ثم التفت الي وقال ان منظمة الصحة العالمية أكدت في تقرير جديد لهاأن ظاهرة التلوث البيئي تكمن وراء 24% من أكبر الأمراض القاتلة في العالم، وهي النسبة التي تبلغ 33% من تلك التي تصيب الأطفال دون سن الخمس سنوات ، وتتسبَّب في موت أربعة ملايين منهم سنويًّا. قلت اليس هناك طرق ووسائل للسيطرة علي هذا التلوث , قال نعم ولكنها مكلفة وتاتي علي حساب الارباح الخرافية لهذه الصناعة, لذا يغض القائمون علي هذه الصناعة الطرف عنها , كما ان الجهات الرقابية لاتملك الا ان تحرر محاضر بالمخالفات ولكنها تصبح حبرا علي ورق , والا لما بلغ عدد محاضر التلوث البيئي المحررة ضد شركات الأسمنت772 محضرا عن عام2007 فقط , كما جاء في تقرير الجهاز المركزي للمحاسبات دونما اتخاذ اجراءات رادعة في هذا الشأن . قلت له لقد سمعت ان الدول المتقدمة تقوم بالتخلص من الصناعات الملوثة للبيئة وتصديرها الي دول العالم الثالث قال نعم هذا ما أشار إليه تقرير الجهاز المركزي للمحاسبات , من وجود شركة واحدة فقط برأس مال وطني هي الشركة القومية للأسمنت وباقي ال14 شركة برأس مال أجنبي ومصري مشترك , كما كشفت عنه خريطة الصناعات الملوثة للبيئة التي أعدها مركز حابي للدراسات البيئية , والذي جاء فيه ان المستثمرون الأجانب قاموا بنقل مصانعهم المغلقة في بلادهم إلى مصر، ثم يعيدون تصدير إنتاجها جاهزًا إلى بلادهم، فيجنون أرباحًا طائلةً على حساب العمالة المصرية الرخيصة والقوانين المصرية الرخوة، والتي تعطي الأهمية للاستثمارات على حساب صحة المواطنين من جهة، وتجنّب بلادهم مساوئ التلوث البيئي من جهة أخرى؛ فكانت النتيجة ارتفاع أسعار منتجات هذه المصانع والشركات، فضلاً عن ارتفاع فاتورة التلوث. قلت له وما السبيل , قال ان تتحرك الجهات الشعبية والرسمية كما حدث في منطقة الفحيص بالاردن وطالبوا الحكومة بإلزام الشركة العمل على وضع جدول زمني لرحيل مصنع الاسمنت الى مناطق غير مأهولة بالسكان، آملين بأن يكون العام 2012 هو عام الترحيل، كما طالبوا بتطبيق خطة التسوية البيئية لرفع الضرر الواقع على المجتمع المحلي إضافة الى تمثيل اهالي الفحيص في أية ترتيبات تتعلق بموضوع ترحيل المصنع أو الآثار المترتبة على ترحيله. قلت له لقد وجب ان نرفع القبعة لهؤلاء المقاومين لكل اشكال التجاوز كما نرفعها لشعب دمياط لوقفته الجريئة ضد انشاء مصنع اجريوم لتصنيع الاسمدة خشية تلوث البيئة لديهم , فهل سيأتي يوم تتحرك الجهات الشعبية والرسمية كما حدث في دمياط والفحيص لدفع هذا البلاء ؟... قل عسي ان يكون قريبا .