تصريحات قيادات الوطني الأخيرة تكشف عن مدي استعدادهم لانتخابات تنافسية شريفة، بل والترحيب بكل من تتوفر فيه الشروط الدستورية لخوض الانتخابات الرئاسية، مؤكدين أنهم يرفضون الهجوم علي هؤلاء، فقط يتحدثون عن الأصول الدستورية لحماية الوطن من المغامرين الذين يحاولون السطو علي الوطن.. ولكن رغم كل ذلك .. يتوقع العديد من المراقبين أن ينافس الوطني نفسه من جديد وأن يحدث خروج عن الالتزام الحزبي كما هي الحالة في سباقات الانتخابات الأخيرة. ورغم ما يتباهي به قيادات الحزب بثقافة الديمقراطية الداخلية والانصياع لرأي الأغلبية حتي لو كان ضدك،خاصة مع الحديث عن أكثر من آلية لاختيار مرشحي الحزب في أي انتخابات منها استطلاعات آراء الأعضاء سرا والمجمعات الانتخابية الموسعة المستحدثة وتقارير المتابعين من الأمانة العامة، ضمانا لعدم الوقوع في أخطاء انتخابات التي يتحدث عنها أعضاء الوطني علي اعتبار أنها كارثة لن تتكرر، بعد تفتيت الأصوات في صراعات مرشحي الحزب ومستقليه لو جاز التعبير، الذي أوصل الإخوان بالعشرات للبرلمان. وبالتالي فإن الصورة العامة لتطورات الأحداث لاتزال تشير إلي أن الوطني لن يجد منافسة حقيقية من مرشحي الأحزاب الأخري أو حتي الإخوان إلا في بعض الدوائر الخاصة المعروفة تاريخيا بانتمائها السياسي لتيار معين، ومن المتوقع أن تكون صورة الوطني أكثر إيجابية من انتخابات 2005 التي تبلورت فيها كل الأخطاء السياسية الموجودة في باب التنظيم الحزبي تحت بند احذر من الوقوع في ذلك!.. تلك الأخطاء التي جندت كل قيادات الحزب نفسها لتحذير أعضائه وكوادره منها، لأن تجاوزها وفعل الصح يعني السيطرة شبه الكاملة علي البرلمان القادم أو بمعني أصح برلمان الانتخابات الرئاسية، مما يعني الكثير للوطني، لأنه من المهم جدا أن يكون هذا البرلمان غير مقلق كما هو الحال في هذا البرلمان الذي يعيش أيامه الأخيرة، وبالطبع هو مشغول للغاية بمشروعات قوانين بالجملة لدرجة إنه لا يستطيع أن يستوعب مشروعات قوانين جماهيرية وفي غاية الأهمية كان يتمني الوطني أن يحيلها له الدورة قبل نهايتها، ومنها التعديلات السبعة المهمة في قانون التعاونيات. ولا يفوت الوطني مؤتمرا أو اجتماعًا حزبيًا إلا ويؤكد أنه يشجع الأحزاب الشرعية رغم الاختلاف معها، علي سبيل إعلاء الشرعية للحركات المحظورة، في محاولة غير ناجحة بالمرة لتعود المعارضة لمكانتها التاريخية ضد الإخوان وغيرها من التيارات الاحتجاجية التي لا تتجاوز نطاق الصوت والصورة فقط. لكن بعيدا عن الترحيب الدعائي.. واقعيا، الوطني يحاصر المعارضة، وبالتالي يستفيد الإخوان وإخوتهم من هذا الأمر، فناتج المعادلة السياسية الاستثنائية التي تعاني منها الحياة السياسية المصرية التي عنصراها المعارضة بضعفها والوطني بقوته، هو بقاء الورم السرطاني الإخواني، إلي حين!.. إلا أنه يبدو أن هذا الحين سيظل طويلا عكس ما يتوقع الكثيرون، وكما تغذي الأبواق الإخوانية والموالية لها عن انهيار قريب للإخوان بسبب انقلاب القطبيين علي الحساسنة، الذي لن تقف تجلياته عند استقالة محمد حبيب وفضائح تزوير الإخوان في الخارج قبل الداخل! -البرجماتية السياسية وانطلاقا من هذه البرجماتية السياسية التي من المهم جدا أن يوازن بينها الوطني وبين واجبه كحزب أغلبية تاريخي يقدم النموذج والدعم للحياة السياسية حتي تشفي من أمراضها العضال، ومنها القبلية والعصبية والطائفية والمتاجرة بالدين وندرة المشاركة السياسية الحقيقية والتواكل علي ثقافة التزوير وبيع الأصوات التي نحاول التخلص منها، لإقناع النفس بالسلبية التي تضاعف الأغلبية الصامتة، بمعني أنه كما من حق الوطني أن ينافس بقوة ويفعل أي شيء في إطار الشرعية طبعا حتي يفوز بالأغلبية المطلقة، أن يدعم فعلا المعارضة حتي تقوي وتواجه الإخوان مثله، ولا تضطر للحجيج إلي عتبات مكتب الإرشاد في منيل الروضة.. والسؤال هو! لماذا لا يقرر الوطني إعطاء نسبة من المقاعد للمعارضة في مجتمع مريض سياسيا، وسيستمر هذا المرض طويلا، ومن الممكن ألا نعاصر العلاج لنراه شافيا. إن اقتراحي غير واقعي بالمرة بالنسبة للبعض، وناقشت قيادة بالحزب حول ذلك، لكن ماذا عن الصفقات السياسية التي من الضروري أن تعقد بين الوطني والمعارضة لصالح الجميع إلا القوي غير الشرعية، فبعيدا عما تردد عن صفقات انتخابات المحليات بين الوطني والأحزاب، فلقد كانت لو تمت فعلا تجربة غير مضرة بصورة كاملة، لأن السياسة مناورة، ويجب أن يبحث كل طرف عن مصالحه، فلماذا لا يكون الوطني والمعارضة علي الإخوان؟!.. عكس ما يتم الآن، حيث بدأت الأنباء تتردد عن تحالفات بين الإخوان في صورتهم الدموية الجديدة وأحزاب أخري تعاني الضعف السياسي والمادي، والذي وضح تماما في الشح الكبير لتواجد المعارضة في انتخابات الشوري كما هو متوقع من مواقف الأحزاب المختلفة.. كبيرة وصغيرة.. وبالطبع الإخوان محترفو صيد في الماء العكر.. لكن أين الوطني من ذلك؟ -تجارب خاصة هناك تجارب ناجحة بين الوطني والمعارضة تجلت في الحوارات التي دارت حول العديد من القاضايا الجماهيرية قبل أن يبت الوطني فيها، ومنها الملكية الشعبية التي ناقشها الحزب مع التجمع والوفد وأدخل عليها تعديلات عديدة بعد توصياتهما، وهناك أيضا قانون التأمين الصحي الجديد، رغم أن هناك أصواتا في الحزب رافضة تماما للتحاور مع المعارضة وتري أنه حوار طرشان غير مجد.. لكن هذا غير صحيح علي طول الخط وبالذات في هذه الأثناء. - القضايا الأساسية واستكمالا للسياق السياسي الذي يسير فيه الوطني، تنظيميا وفكريا حتي الآن، فإنه بدأ بالفعل حوارات متوازية متزامنة في الحزب عن قضيتين أساسيتين، هما آلية متابعة دقيقة جدا لما لايزال يتم إنجازه في البرنامج الانتخابي للحزب، فكما تجاوزت محافظات ووزارات معدلات الإنجاز المخططة، فهناك وزارات ومحافظات متأخرة بصورة واضحة، ولذلك يبدأ الحزب في هذه المتابعة للانتهاء من البرنامج علي أقصي تقدير قبل الانتخابات البرلمانية، أو يستحسن أن يكون قبل الشوري لكنه أمر صعب، والقضية الثانية هي إطلاق الحوار حول شكل البرنامج الانتخابي الجديد للحزب الذي يخوض به الانتخابات البرلمانية والرئاسية من بعدها، وكما هو واضح، فإن الحال مختلف عن الانتخابات السابقة حيث سبقت وقتها الرئاسية البرلمانية، وبالطبع التكتيك يختلف هذه المرة بعض الشيء. وهناك العديد من القضايا التي تهم الحزب في هذا الإطار وهو يستعد لإطلاق برنامجه الجديد الذي لايزال أمامه بعض الوقت، ورغم أنه يلعب علي العديد من الأوتار الفارقة في المجتمع ومنها الفلاحون ومحدودو الدخل والفقراء، إلا أنه يولي اهتمامه بقضايا أخري مؤثرة منها الاحتقان الإعلامي أو ما يسمي بالإعلام السلبي الذي تحول إلي ظاهرة بالطبع ستتزايد كلما اقتربت الانتخابات ، ويتزامن أيضا ذلك مع دخول استطلاعات الرأي حول نوابه وشعبيتهم في دوائرهم مراحل الرتوش النهائية، حيث تضمن الاستطلاع السؤال عن تواصلهم مع الناس والخبرة السياسية والتواجد والسمعة والتطور في الأداء، مقارنة بأسماء جديدة ظهرت في دائرته. -الاستطلاعات السرية وهذه الاستطلاعات ستكون مكونا أساسيا في تحديد مصائر النواب الذين سيجدد لهم الوطني بيعة الترشيح باسمه، في الانتخابات القادمة خاصة أن هناك عددا كبيرا من المرشحين الذين يريدون الترشيح باسم الحزب، رغم التشكيك في المجمعات الانتخابية وحتي الاستطلاعات، وسط توقعات بعدم وجود مفاجآت كبيرة في ترشيحات الوطني في الشوري والشعب، خاصة أنه يمهد الأرضية السياسية لانتخابات رئاسية قوية مرتقبة.. إلا في حالات استثنائية من الممكن أن تكون معدودة . وعلي سخونة الانتخابات المتوقعة فإن الحزب الوطني مرشح لصدمة غير كبيرة مع خروج العديد من أبنائه عليه، رغم كل الجهود التنظيمية المبذولة لمواجهة هذه الظاهرة أو حتي علي الأقل تخفيض آثارها، ويشدد القيادات علي أن يكون مرشحو الحزب علي قلب رجل واحد، هل من المستبعد أن يكتب النجاح للتجربة بنسبة تفوق كبيرة لأنها في الاختبار الأول لها بعد التطوير التنظيمي الكبير الملحوظ بين كوادر الوطني القاعدية في كل المستويات، خاصة بعد إعادة تفعيل الانتخابات الداخلية والتي من المقرر أن تعود لوتيرتها كل أربعة أعوام بعد استقرار ثقافة التنافس السياسي داخليا قبل خارجيا وقبول الأمر الواقع الذي تقره الأغلبية مهما كان، رغم أن التجاوزات التي حاول قيادات الحزب تهميشها تؤكد أن نسبة الخارجين علي الوطني في انتخابات الشعب ستكون غير قليلة، رغم انخفاضها بصورة كبيرة جدا ولا تقارن في انتخابات الشوري الأخيرة، لكن الأمر يختلف كثيرا، ولا يصح الإسقاط عليه . - النموذج الفارق ويبدو أن الانتخابات القادمة، من شوري حتي مع توقعات ضعفها وإلي الشعب، ستكون نموذجا تاريخيا فارقا لأن الحالة كلها فارقة، ولأن أيضا كل الظروف التي تعيشها هذه الانتخابات استثنائية، فهناك فيضان بشر في قبلي وبحري والقناة وسيناء يريدون الترشح للبرلمان، حتي أن مطلب زيادة الدوائر الانتخابية أصبح مطلبا جماهيريا، لزيادة عددها، وينافس في منزلته إنشاء الوحدة الصحية والمدرسة، حتي أنه يلاحق جمال مبارك الأمين العام المساعد وأمين السياسات في زياراته للقري الأكثر فقرا، وبالتالي سيكون الوطني أمام اختبار جد صعب يستعد له من الآن، حتي يرضي كل هذه الطموحات ويستوعبها دون أزمات تؤثر علي أغلبيته، وبالتالي ستكون المنافسة قوية حتي لو نافس نفسه فقط.