ما بين «شاطر» و«مشطور» يتمدد مستقبل مصر وما بين «المر» و«الأمر منه» نسير نحو مستقبل المعلوم منه محزن والمجهول منه مقبض بين العسكريين والإسلاميين تقف مصر في انتظار مصيرها.علي أرض الواقع في مصر توجد قوتان حاضرتان وقوة غائبة العسكريون بقوتهم الفعلية علي أرض الواقع وبالدور الذي لعبوه في إنجاح الثورة وبتأييد قطاع لا يستهان به لهم والأهم من هذا بكونهم العمود الوحيد الباقي في خيمة الدولة المصرية الحديثة والتي ربما لم تواجه مثل هذه العواصف والأنواء منذ أسسها محمد علي في بدايات القرن قبل الماضي. علي أرض الواقع يوجد أيضا الإخوان المسلمون وبدرجة أقل، السلفيون الإخوان يحصدون ثمار ثورة لم يشاركوا في غرس فسائلها ولا في احتمال أعبائها لكن الواقع يقول أيضا أنهم أكثر القوي السياسية تنظيما بل ربما كانوا مع السلفيين القوي الوحيدة المنظمة علي أرض الواقع وهم يحصدون ثمار سنوات طويلة من العمل والتخطيط والانحناء للعواصف والصبر علي المكاره حتي ينالوا السلطة التي ظلت تداعب خيالهم منذ أسس حسن البنا الإخوان المسلمين عام 28 وحتي الآن . من جهة أخري فإن علاقة الإخوان بالسلطة علاقة غرائبية ومحيرة فهي تقترب منهم حتي يظنوا أنها بين أيديهم ثم تبتعد عنهم حتي يبدو أنهم لن ينالوها أبدا كانوا رجال الملك ثم انقلبوا عليه وصار بينهم دم النقراشي ثم المرشد كانوا حلفاء عبدالناصر ثم انقلب عليهم أو انقلبوا عليه وأخرجهم السادات من السجون ثم دعا مرشدهم عليه والشيء نفسه تكرر مع مبارك شهر عسل قصير أعقبه سجون ومحاكم وفي النصف كانت اتصالات وصفقات ومفاوضات. هذا السيناريو بعينه مرشح للتكرار - أو لعل مشاهده بدأت بالفعل - بين الإخوان والمجلس العسكري. ولعل تصريحات اللواء مختار الملا لوسائل الإعلام الأجنبية ورد الإخوان عليها هي خير دليل علي هذا الصراع، حيث قال الرجل إن البرلمان المقبل لن يكون معبرا وممثلا عن الشعب المصري، وأن لجنة تأسيس الدستور الجديد يجب أن تحظي بموافقة الحكومة المؤقتة، والمجلس الاستشاري. الملا اعتبر أن الانتخابات لا تمثل الشعب المصري كله، والإخوان من جانبهم ردوا بالانسحاب من المجلس الاستشاري في حين قال عصام العريان إن البرلمان القادم هو الذي سينتخب الجمعية التأسيسية لوضع الدستور القادم. -- غاب الشباب تماما فهم لا يملكون سوي فورة الغضب في العروق وهي فورة ليست لها مواعيد ثابتة تحضر حينا وتغيب أحيانا حين تحضر تزلزل الدنيا وحين تغيب تبدو وكأنها لم تكن موجودة من الأساس يمتلئ الميدان بالملايين أسبوعا ويصبح خالي الجنبات في الأسبوع الذي يليه والخلاصة أن الغضب لا يمكنه الجلوس علي مائدة المفاوضات. خرجت القوي التي قامت بالثورة من اللعبة اكتفت بالشكوي وإلقاء الحجارة من حين لآخر علي الذين جلسوا علي مائدة التفاوض الإخوان والمجلس العسكري مثل كل مرة حلفاء في البداية ثم خصوم في النهاية والمشهد النهائي الذي تنتظره مصر كلها غامض ولا يعلمه إلا الله. -- في البداية كان شهر العسل وكانت شواهد العلاقة الجديدة بادية للجميع لجنة تعديل الدستور يرأسها فقيه إخواني هو طارق البشري وتضم في عضويتها ممثلا للإخوان المسلمين والاستفتاء علي تعديل الدستور اعتبره المجلس العسكري استفتاء علي شرعيته وكان الإخوان هم جنوده في معركة الاستفتاء هم الذين استخدموا سلاح الدين وهم الذين أقنعوا الناس أن التصويت ب«لا» علي التعديلات الدستورية يعني إلغاء المادة الثانية من الدستور! رفض المجلس العسكري أن يكون الدستور أولا استجابة لرغبة الإخوان ثم تذكر بعد شهور طويلة أن هذا لا يعني سوي شيء واحد وهو أن الإخوان والإخوان وحدهم هم الذين سيضعون دستور مصر القادم. استيقظ المجلس متأخرا حاول إنقاذ الموقف بوثيقة المبادئ الدستورية التي سماها الإخوان بوثيقة علي السلمي تقليلا من شأنها لكن الإخوان الخبراء في انهاء شهر العسل في الشهر المناسب ألقوا القفاز في وجه المجلس العسكري وحشدوا مئات الآلاف في ميدان التحرير في الجمعة التي حملت اسم «قندهار الثانية». ثم جاءت الانتخابات التي جف حلق القوي الليبرالية وقوي الثورة في الحديث عن تأجيلها جاءت الانتخابات ليسلم المجلس العسكري مصر للإخوان مثل «بيضة مقشرة» فلماذا يغضب إذن إذا التهموها ثم حمدوا الله وأثنوا عليه! ولماذا يشعر بالقلق بأثر رجعي وبالغضب بعد فوات الأوان في خلفية المشهد كان هناك المكون الثالث للمشهد - قوي الثورة وهي قوي واسعة فضفاضة تلقائية وعشوائية وجدت ألف من يركبها وألف من يسحبها وألف من يستفيد منها ويحولها إلي مكاسب سياسية ومادية وإعلامية وإلي أرصدة في البنوك. انتفضت قوي الثورة انتفاضتها الأخيرة بعد جمعة قندهار الثانية بيومين اثنين وكأنها تريد أن تقول إنها أيضا موجودة وليس الإخوان والمجلس العسكري فقط امتلأ الميدان بمئات الآلاف ثم انفض دارت المعركة الاستشهادية عند محمد محمود لأيام طويلة وبخسائر كبيرة ثم انتهي المشهد للا شيء راحت قوي الثورة كما جاءت وبقي الإخوان والمجلس العسكري وجها لوجه ولا أحد يعرف من الذي سيشهر سلاحه أولا ومن الذي سيصيب الآخر بشكل أسرع. من جهة أخري ستجد السلفيين أقرب بحكم التكوين للبقاء في معسكر السلطة، لكن هذا لا ينفي وجود حالات تمرد عنيفة لعل أبرزها الشيخ حازم صلاح أبوإسماعيل الذي قد يكون إحدي المفاجآت الغامضة في مستقبل مصر، فهو إخواني البداية سلفي النهاية، يملك كاريزما الدعاة والوعاظ الدينيين ويتمتع بالقدرة علي إطلاق أكبر كم من التصريحات غير المسئولة حول تصوره للحياة في مصر إذا تولي السلطة. هل يتكرر سيناريو 1954 أم أن هناك سيناريو آخر تتم كتابته وإذا كان الأمر كذلك فما هي تكاليف إنتاجه ومن الذي سيتحمل «الفاتورة» بين الإخوان والمجلس العسكري تقف مصر في انتظار مصيرها مثل شخص لا يعرف هل سيقتل شنقا أم ذبحا وينتظر أن يتدخل القدر في اللحظة الأخيرة ليكتب له نهاية سعيدة لكن النهايات السعيدة لا توجد سوي في الخيال فقط.