دقت ساعة الحقيقة وسط قلق الخائفين منها واطمئنان الخائفين عليها، وساعة الحقيقة هي ثورة الشباب أنبل وأعظم ما أنجبته مصر علي مدار الثلاثين عاما الأخيرة، وسيأتي زمن الحق في العدالة بعد زمن الرهان علي أن يبقي ظلم اغتيالات الحق والحقيقة في كل مكان في مصر، ثورة الشباب قطعت الطريق علي استمرار المظالم واجتازت المراحل الصعبة من الطريق واقتربت من خط النهاية ولا مجال بعد الآن لتعطيل مسار الثورة ولا كان هناك في الأصل مجال إلا في أوهام البعض، الغريب أنه مازالت الاستخفافات بمطالب الثورة مستمرة باعتبار أن الوقت ليس في صالح المتظاهرين باعتبار أن بعد فترة من الوقت سيصاب المتظاهرون باليأس أو الإحباط أو الانقسام. المفاجأة أن المتظاهرين ينتشرون في كل مكان في أرض مصر ومظاهر التأييد تزداد من الصغار والكبار بل والمشاركة من جانب العمال. بدأت بوادرها بإضراب عمال النقل العام، لكن العجز عن فهم وإدراك أهمية ثورة الشباب عطل كثيرا من الفرص المتاحة لعودة الحياة الطبيعية لمصر والمصريين بحجج مختلفة لا تتماشي مع ما أنجزته وحركته عجلة ثورة 25 يناير لماذا نضيع الفرص ونخلق الأخطار بأنفسنا وإلي أين نسير في حال ضاعت هذه الفرص المفتوحة أمامنا؟ ارحموا البلد والناس وكونوا علي الأقل في حماس المتظاهرين لإنقاذ مصر . ليس أكبر من الإصرار علي الاستخفاف بمطالب المتظاهرين سوي الشكوك في أية استجابة لمطالب الناس. من الأقوال المأثورة أن التاريخ يحكم علي الحكام من خلال أمرين مدي قبولهم للتفاعل والتغلب علي ما هو غير متوقع، لكن أهل السلطة عاجزون عن فهم ما يحدث والاستخفاف بمطالب الناس مازال مستمرا وكأن مشهد ميدان التحرير الذي لم يسبق له مثيل لم يحدث بعد. هذه الوحدة الوطنية التي حدثت بميدان التحرير من مختلف الأعمار عجزت الحكومة عن تحقيقها طوال 30 عاما، كل هذا يحدث وأهل السلطة عاجزون ليس فقط عن التفاعل من غير المتوقع بل أيضا عن معالجة الواقع وما هو متوقع. هل يعتاد المصريون علي الفراغ السياسي؟ هل خطط لهم أن يعتادوا مثل هذه الأجواء التي تستنزف الكثير من ثروات البلاد وتعطيل مصالح الناس. بعيدا عن كل هذه المطالب لابد من وضع الأمور في نصابها الصحيح ولابد من إعادة ترتيب الأسئلة لتأتي الأجوبة أكثر منطقية، السؤال الأول: لماذا وصلت الأمور إلي ما نحن فيه؟ الحقيقة أن المسئول عما حدث هو من في يده المسئولية ويتحمل فشل القرار أو تفشيل القرار من في يده القرار. وانطلاقا من هذا فإذا استمرت المعاندة والسير مجددا في خيارات عكس مطالب شباب 25 يناير فإنه لا يستبعد أن يصحو المصريون علي المجهول. مطالب الشعب هي الطلقة الأخيرة التي تنقذ البلد من الضياع والإحباط، المصريون خائفون مما سمعوه ويسمعونه عبر الفضائيات والميكروفونات والشاشات. وما يخيفهم أكبر هو الهمس وأحاديث السيناريوهات الدائرة في الكواليس والمجالس الخاصة. شعب يحب الحياة يراد له أن يحترف ثقافة الموت. المشكلة ليست في السباق مع الوقت، المشكلة في تجاهل الوضع العام وحال الناس عبر الانشغال بصلاحيات الرئيس وبقائه أو عدم بقائه، فالبلد في شلل تام بسبب فرد واحد فقط، والأدوات الوحيدة التي تتحرك هي الألسنة فقط. في هذه الأجواء ليس الجيش بعيدا عن مطالب الشعب المشروعة لأنه ابن الشعب الوفي وحامي الوطن، وما يظهر في الأفق أن الجيش سيتحرك لصالح مصالح الناس ومطالبهم لأنه جيش مصر ولم يكن في يوم من الأيام جيش فرد. الفرحة والمستقبل الجديد والحياة الصحيحة التي تسودها العدالة ستكون بتحرك الجيش لصالح مطالب الناس الذي ليس هو بعيدا عنها. السلطة التي أرادت أن تكون قدر المصريين تواجه قدرها وليس أمامها سوي الرحيل وإن تعددت محاولات التأخير فما يحدث داخلها من تسويات هو مجرد مجادلة بين الرحيل المنظم الهادئ أو الفوضوي المدوي. ما كان ولايزال يشغل أهل السلطة هو لعبة السلطة التي لا علاقة لها بهموم الناس. فلا هذه التسويات تعيد الاعتبار إلي الدستور والقوانين ومؤسسات الدولة، ولا هي ترد الدين العام وتخلق فرص العمل وتفتح أمام الاقتصاد باب النهوض. والسلطة التي لا تحمي شعبها ليست لها شرعية، والخائفون علي المراكز والثروات، «كل همهم تهريب أموالهم إلي دبي التي لا تفرض رقابة علي الأموال الداخلة أو الخارجة، بعكس أوروبا وأمريكا، لذلك يتكاثر الأثرياء علي تهريب أموالهم والتواجد الآمن بدبي، بعد أن سبقتهم إليها زوجة زين العابدين، لذلك كل ما يفعلونه يبدو قزما أمام شعب جبار يطالب بالحقيقة والحرية فكيف يقال لشباب 25 يناير أنهم يفقدون رصيدهم كل يوم في حين أنهم يستعيدون الرصيد الوطني لمصر من دون أن يطلبوا شيئا لأنفسهم». لا مجال بعد اليوم لإنكار الدور السياسي والوطني للشباب والنساء فالمرأة التي نزلت إلي الشارع من أجل الحقيقة والحرية ومستقبل أولادها تستحق أن تأخذ مكانها الواسع. والجيل الجديد الذي أضاء ليل الظلمة والظلام بالإيمان بالوطن والوحدة الوطنية يستحق أن يحتل موقعه الطبيعي في بناء المستقبل وهم جميعا تجاوزوا الكثير وهم في أي مكان معارضون للفساد والظلم وجرائم الاغتيال والتفجير الطائفي وهم يريدون إعادة الروح إلي مصر ومن يعترض عليهم يضع نفسه في صفوف الخراب الذي أخذونا إليه وبشرونا بالمزيد منه! وليس هذا سوي بقايا أوهام الغطرسة للسلطة ونحن علي مشارف فجر جديد. والشعب أخذ قضيته ومصيره بيده ولا أحد ولا شيء يمكن أن يمنع التغيير الذي يصنعه الجيل الجديد.. والجيش هو الشعب والشعب هو الجيش.