كتب: محمد التابعى 29 أكتوبر 1956 صدر العدد الأول من مجلة روزاليوسف فى أكتوبر 1925، وأذكر أن المجلات التى كانت فى السوق فى ذلك الوقت هى - بترتيب قدمها فى السوق - اللطائف المصورة لصاحبها المرحوم إسكندر مقاريوس والنيل والحسان لصاحبيها المرحوم فرج سليمان فؤاد والكشكول لصاحبها المرحوم سليمان فوزى وأخيرا المصور وكانت قد صدرت منذ شهور قليلة قبل «روزاليوسف». وكل هذه المجلات ما عدا الكشكول، لم تكن صحافة رأى أو صحافة خبر، فالحسان كما يدل عليها اسمها، كانت عبارة عن مجموعة من صور حسان من الفتيات الجميلات أو العاريات، والنيل كانت تعنى بأخبار التمثيل، والمسائل الشخصية والتشبيح، والصور الإخبارية. واللطائف المصورة، كانت تنشر أخبارا من كل نوع إلا السياسة، والمصور كما يدل عليه اسمه، كان يبذل همة مشكورة فى نشر صور الحوادث الخارجية والداخلية.. وفيه مقالة بقلم الصحفى الكبير زميلنا فكرى أباظة، يتناول فيها بأسلوبه الرشيق، كافة الموضوعات من جميع الألوان إلا السياسة. وكانت الكشكول المجلة السياسية الوحيدة، تناصر كل حزب مادام معارضا لحزب الوفد المصرى، فكانت المجلة الوحيدة للرأى والخبر، أخبارها كلها ضد الوفد، ورأيها ضده وصورها الكاريكاتورية ضده. وخرجت مجلة «روزاليوسف»، وكما قيل فى دوائر العارفين فى ذلك الوقت، كانت مجلة أدبية فنية اجتماعية فى 66 صفحة وتباع بقرش صاغ. ولكن لم يمض على صدورها عام وبعض عام إلا ودخلت فى غمار السياسة ووقفت فى وجه مجلة الكشكول، وهذا التاريخ معروف لا أحب أن أخوض فيه، ولكنى أقول إن «روزاليوسف» نجحت نجاحا فاق كل حد، وانتهت حملتها على الكشكول بتحطيمه تماما. وكان حزب الأحرار الدستوريين يعاير حزب الوفد، فيسميه حزب «روزاليوسف» ثم دارت الأيام دورتها، وجاء يوم كسدت فيه سوق جريدة السياسة لسان حال الأحرار الدستوريين وكفت عن الظهور، ويومئذ لم يجد الأحرار الدستوريون صحيفة تدافع عنهم وتنشر لهم آراءهم سوى المجلة التى كانوا يعايرون بها حزب الوفد. و«روزاليوسف» كانت مجلة رأى وخبر فكانت فيها المقالة والخبر والصورة الكاريكاتورية والموال السياسى، وأدخلت فيها أبواب جديدة جعلتها ثورة فى الصحافة الأسبوعية فى العرض وفى الأسلوب وفى رواية الخبر. وارتفع رقم توزيعها ارتفاعا قياسيا، ففى عام 1928 بلغ توزيعها 40 ألف نسخة، وهو رقم يزيد كثيرا عما كانت توزعه أروج الصحف اليومية والأسبوعية المماثلة. وكانت شيئا غريبا أن تحمل مجلة، ومجلة سياسية بالذات اسم سيدة، وسيدة معروفة.. فكانت الصعوبة التى تواجهنا نحن، كيف نحمل القراء على أن ينسوا أن هذا اسم سيدة، وأن يأخذوا كلام المجلة على محمل الجد، وكانت هذه أكبر صعوبة واجهتنا فى أول الأمر. واعترف لى الأستاذ مكرم عبيد مرة، أنه كان حريصا على قراءة مجلة «روزاليوسف»، لكنه كان يستحى من قراءتها أمام الناس، فكان يضعها داخل جريدة يومية ويقرؤها. أما اليوم والحمدلله، فأصبح عندنا عشرات من السيدات المتعلمات يكتبن فى الجرائد ويؤخذ كلامهن على محمل الجد. فى تلك الأيام كانت الصحف و«روزاليوسف» بالذات، تعتمد على التوزيع لا على الإعلانات، كنا نعتمد فى تسديد نفقاتنا وفى الحصول على ربحنا من التوزيع، فالمجلة فى سياستها متحررة من كل قيد الإعلانات. إذا لم يعجبنا يوسف وهبى هاجمناه، وإذا لم يعجبنا فيلم تناولناه بالنقد اللاذع. وطظ فى الإعلانات وكان أكبر راتب بين المحررين فى المجلة 15 جنيها لصاروخان، وبقية المحررين تتراوح رواتبهم بين 12، 8، 6 جنيهات. وكانت يومية العامل الممتاز من 12 إلى 15 قرشا.. ويومية رئيس العمل 25 قرشا. وكان إيجار إدارة المجلة 6 جنيهات لشقة بالدور الأول تطل على شارعين فى حى راق بقصر النيل، وتتكون من 4 حجرات وصالتين ويتضمن الإيجار استعمال المياه.. كان كل شىء رخيصا، وعملنا شاقا ومجهدا، ومع ذلك كنا سعداء به. وبعد مرور عشرة شهور على «روزاليوسف» نصحنا البعض باعتبار أن السنة عشرة شهور فقفط، وأن نكتفى بهذا القدر من الأعداد التى صدرت ونغلق المجلة، ولكننا كتبنا المقالات السياسية، وترجمنا متفرقات وقصصا أوروبية، وأعدنا كتابة موضوعات المجلة، وارتفع التوزيع حتى ضرب أرقاما قياسية. قارنوا هذا باليوم.. أصبحت الصحافة تعتمد أولا وقبل كل شىء على المعلن والإعلانات لتسدد نفقاتها، وإذا تبقى شىء فهو المكسب، وارتفعت الرواتب فأقل رئيس تحرير يأخذ مائة جنيه فما فوق وأقل محرر يأخذ 20 أو 25 جنيها. وارتفعت أثمان الورق، وأيامها كان طن الورق بثمانية جنيهات فأصبحت ثمانين جنيها، وكانت رزمة الورق 500 فرخ بعشرين قرشا فأصبحت بمائة وستين قرشا. وزادت تكاليف الإدارة، ولا ينتظر أن تعود إلى ما كانت عليه، والمرجو أن تقف عند ما هى عليه الآن. وعرفت الصحافة التخصص، فالمحرر السياسى غير المخبر الصحفى أو المترجم أو من يعيد كتابة الموضوعات أو من يقوم بتوضيب الصفحات وسكرتارية التحرير، وكنا نقوم بجميع هذه الأعمال فى وقت واحد. تحية لمجلة «روزاليوسف» منى، وأقول لها ملخصا من قلبى، أنه لو كان هناك شخص آخر امرأة أو رجل فى مكان الزميلة الصديقة السيدة «روزاليوسف» لكان أكبر الظن أنه يئس وأوقف المجلة عن الظهور عند عامها الأول، لو كان أقل إرادة منها، بسبب المصاعب التى لاقتها، ولكن عزيمتها تغلبت على كل شىء.