موقع أمريكي: واشنطن تضغط سرا على بعض الدول للتصويت ضد عضوية فلسطين    فلسطين.. قصف مدفعي متواصل يستهدف المناطق الجنوبية لغزة    تحقيق: بلينكن أخفى بلاغا بانتهاكات إسرائيلية في الضفة قبل 7 اكتوبر بينها قتل مسن خنقا واغتصاب مراهق    باستثناء جنوب الصعيد، الأرصاد تطمئن المواطنين بشأن طقس اليوم وتحذرهم من هذه الظاهرة    القباج تكشف ل«البوابة نيوز» قيمة رسوم الدفعة الثانية لقرعة حج الجمعيات الأهلية    محمود عاشور حكم الفار الأول في إفريقيا يوجه رسالة لوزير الشباب    مواقيت الصلاة اليوم الخميس 18 ابريل في محافظات مصر    القدسي: أمريكا تحاول إغراء إسرائيل بالمساعدات العسكرية مقابل التمهل في ضرب إيران    وزارة الطيران المدني توضح حقيقة انتظار إحدى الطائرات لمدة 6 ساعات    مدير أعمال شيرين سيف النصر: كانت عايزة تشارك في عمل ل محمد سامي ( فيديو)    أحمد عبد الله محمود يكشف كواليس تعاونه مع أحمد العوضي ومصطفى شعبان    ما حكم نسيان إخراج زكاة الفطر؟.. دار الإفتاء توضح    شاب يتحول من الإدمان لحفظ القرآن الكريم.. تفاصيل    مجلس الأمن يصوت الجمعة على طلب فلسطين الحصول على "العضوية"    لبنان.. 6 غارات جوية إسرائيلية وأكثر من 70 قذيفة مدفعية استهدفت مدينة الخيام    سامسونج تثير الجدل بإطلاق أسرع ذاكرة في العالم .. فما القصة؟    "نقص الغاز".. برلمانيون يوضحون أسباب أزمة زيادة انقطاع الكهرباء (خاص)    إبراهيم سعيد يوجه رسالة نارية ل كولر    حظك اليوم وتوقعات الأبراج الخميس 18/4/2024 على الصعيد المهني والعاطفي والصحي    منة عدلي القيعي: «حققت حلم حياتي بكتابة أغنية لعمرو دياب»    الصين قادمة    استمرار نمو مخزون النفط الخام في أمريكا    دعاء الرياح والعواصف.. «اللهم إني أسألك خيرها وخير مافيها»    الكشف على 1433 شخصاً في قافلة طبية ضمن «حياة كريمة» بكفر الشيخ    7 علامات بالجسم تنذر بأمراض خطيرة.. اذهب إلى الطبيب فورا    رشة من خليط سحري تخلصك من رواسب الغسالة في دقائق.. هترجع جديدة    طريقة عمل مربى الفراولة، زي الجاهزة للتوفير في الميزانية    البنك الدولي يعتزم توصيل خدمة الكهرباء ل 300 مليون إفريقي    «البيت بيتى 2».. عودة بينو وكراكيرى    إبراهيم نور الدين: كنت أخشى من رحيل لجنة الحكام حال إخفاقي في مباراة القمة (فيديو)    عيار 21 الآن بعد الانخفاض.. سعر الذهب في مصر اليوم الخميس 18 أبريل 2024    مبارة صعبة لليفربول ضد اتلانتا بإياب دور ربع النهائى للدوري الاوروبي .. موعد اللقاء والقنوات الناقلة    الاتحاد الأوروبي يفرض عقوبات على إيران    تعرف على موعد إجازة شم النسيم 2024.. 5 أيام متصلة مدفوعة الأجر    أنت لي.. روتانا تطرح أغنية ناتاشا الجديدة    فستان لافت| نسرين طافش تستعرض أناقتها في أحدث ظهور    اشتري دلوقتي.. رئيس شعبة السيارات يوجه رسالة ونصيحة هامة للمواطنين    رئيس حزب الوفد ناعيا مواهب الشوربجي: مثالا للوطنية والوفدية الخالصة    بعد 24 ساعة قاسية، حالة الطقس اليوم الخميس 18-04-2024 في مصر    علي جمعة: الرحمة ليست للمسلمين بل للعالمين.. وهذه حقيقة الدين    انتداب المعمل الجنائي لمعاينة حريق منزل في العياط    بسبب منهج المثلية | بلاغ للنائب العام ضد مدرسة بالتجمع    استعدادا لمواجهة مازيمبي| بعثة الأهلي تصل فندق الإقامة بمدينة لوبومباشي بالكونغو    الله أكبر| احتفال مثير من روديجر بريال مدريد بعد الإطاحة بمانشستر سيتي    «معلومات الوزراء»: 1.38 تريليون دولار قيمة سوق التكنولوجيا الحيوية عالميًا عام 2023    حظك اليوم برج الميزان الخميس 18-4-2024.. «كن مبدعا»    مصرع طفل غرقًا بنهر النيل في المنيا    بحجه تأديبه.. التحقيق مع بائع لاتهامه بقتل ابنه ضربًا في أوسيم    طاقم حكام مباراة الإسماعيلي وزد في الدوري المصري    الجامعة البريطانية في مصر تعقد المؤتمر السابع للإعلام    أسباب نهي الرسول عن النوم وحيدا.. وقت انتشار الشياطين والفزع    تراجع سعر كارتونة البيض (الأبيض والأحمر والبلدى) واستقرار الفراخ بالأسواق الخميس 18 ابريل 2024    تراجع سعر الحديد الاستثماري وعز والأسمنت بسوق مواد البناء الخميس 18 ابريل 2024    ارسنال ومانشستر سيتى آخر ضحايا الدورى الإنجليزى فى أبطال أوروبا    موعد بدء التوقيت الصيفي 2024 في مصر (اضبط ساعتك)    لقد تشاجرت معه.. ميدو يحذر النادي الأهلي من رئيس مازيمبي    إطلاق النسخة الأولى من المهرجان الثقافي السنوي للجامعة الأمريكية بالقاهرة    عدد أيام إجازة شم النسيم 2024 .. «5 بالعطلة الأسبوعية»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رسائل الأب إلى طفلته «الجنين» عن جدوى الحياة


أحمد الزناتي

فى ثلاثٍ وستّين رسالة موجَّهة إلى ابنته التى لم ترَ الدنيا بعد، يعود الروائى النرويجى كارل أوفه كناوسجارد (1968)، إلى القارئ بعمل سردى صغير الحجم، يحمل عنوان «خريف»، مُلتقطًا بعناية فائقة واختيار مقصود مجموعةً من الأشياء والأحداث اليومية، ليصوغَ من خلالها رؤيته للعالم بهدفِ تقديمها لابنته التى لم تكن قد رأتْ النورَ بعد.
كارل أوفِه كناوسجارد، المقيم حاليًا فى السويد، هو الكاتب النرويجى الأكثر شهرةً فى الدول الإسكندنافية.. حقّقَ كناوسجارد نجاحًا مدويًا لفتَ إليه أنظار الدوائر الأدبية فى أوروبا وأمريكا الشمالية بعد صدور سلسلته الروائية «كفاحي» (2009– 2011)، وهى السلسلة التى أثارَت جدلًا واسعًا فور صدورها لسببيْن؛ السبب الأول هو تطابق عنوان السلسلة الروائية مع عنوان السيرة الذاتية للزعيم الألمانى أدولف هتلر، «كفاحي»، والسبب الثانى هو تناول سيرته الذاتية تفاصيل حميمية تخصّ حياته العائلية، على نحو أثار استياء أقاربه شخصيًا بسبب الصراحة المفرطة التى تلامس تخوم «نشر الفضائح»، فى معرض تناوله تفاصيل حياتهم، الأمر الذى اضطر بعضهم إلى مقاضاة الكاتب.
نُشِرتْ سلسلة (كفاحي) على ستة أجزاءٍ، أو بمعنى أدقّ، على هيئة ستِ روايات مستقلّة فى عدد صفحات تجاوزت ثلاثة آلاف وخمسمائة صفحة، وقد استُقبلَ العمل استقبالًا حافلًا، ونال عنه كناوسجارد عددًا من الجوائز الأدبية المرموقة داخل النرويج وخارجها، فضلًا عن ترجمة الرواية إلى عدد كبير من اللغات، من بينها اللغة العربية، فقد صدرت الترجمة العربية للجزء الأول تحت عنوان (موت فى العائلة) عن إحدى دور النشر العربية.
فى كتابه الأخير، (خريف)، الذى صدرت ترجمته إلى اللغة الإنجليزية هذا العام عن دار Penguin Press، يُحوِّل كناوسجارد دفّة قلمه مئة وثمانين درجة، مُلتقطًا الأشياء البسيطة المتناثرة حولنا، مُستخرجًا منها جمالًا بِكرًا غائبًا عن الأنظار.
رغم شاعريته العالية وإغراقه فى الذاتية، لا يضمُّ الكتاب أيّ حبكة روائية، ولا أحداث ولا شخصيات، وإنما يأخذ، كما أُشيرَ آنفًا، شكل رسائل يحرّرها كناوسجارد إلى ابنته الرابعة التى لم تولَد بعد (وقت تأليف الكتاب).. ففى الشهور السابقة على مولدها، يتناول كناوسجارد، كلّ يومٍ، موضوعًا أو فكرةً (بدايةً من فان جوخ وفلوبير، وصولًا إلى موضوعات شديدة البساطة مثل: نمو الأسنان اللبنية لدى الأطفال، حقائب التسوّق البلاستيكية، الوَحْدَة، مضغ اللبان، التبوّل، أكل التفاح، إلخ)... مُحاولًا، من خلال وصف الأشياء لابنته، ومِن خلال وصفه لعلاقته بالأشياء ذاتها، اكتشاف مواطن الجمال الكامنة داخل تلك الأشياء البسيطة، التى نراها ونستعملها يوميًا دونَ أن ننتبه إلى قيمتها فى حياتنا.
يستهلّ كناوسجارد كتابه بعبارة دالّة: «لهذا السبب وحده يا طفلتى أكتبُ لكِ هذا الكتاب، أريد أن أصفَ لكِ العالم من حولنا، الباب.. الأرض.. صنبور الماء وحوض المطبخ وكرسيّ الحديقة تحت النافذة والشمس والماء والأشجار، أعرف أنّكِ سوف تأتينَ إلى العالم وتختبرين الحياة بنفسِكِ، كما أعرف أننى وأنا أصف ذلك العالم إنما أصفه من أجل نفسى أيضًا، أن أريكِ ذلك العالم الصغير».
فى رسالةٍ صغيرةٍ لافتة يطرحُ كناوسجارد على ابنته -أو ربما على نفسه- سؤالًا مهمًا: هل الحياة جديرة حقًا بأن تُعاش؟
بذكاء الروائى وبمشاعر الأب، يتسلّلُ كناوسجارد إلى عقلية الأطفال وهم يفكّرون فى الحياة، كى يجيبَ عن هذا السؤال..
يقول «إنَّه لا يوجد طفل فى العالم قد جال بخاطره يومًا طرح مثل هذا السؤال: «ما جدوى الاستمرار فى الحياة؟» مُضيفًا أنَّ الحياة يُستدلُّ بها لا عليها، الحياة تُعاشُ ولا تُسأل عما تفعل».
فالطفل لا يرى فرقًا إن كانت حياته تعيسة أم سعيدة، بل إنَّ الأمر لا يعنيه فى شيء، لأنّ الطفل يعيشُ الحياة، يراها، لكنّه لا يقف لها بالمرصاد، ولا يتأملها، فالطفل – بحكم طبيعته - منشغلٌ بكل حواسّه داخل مسار الحياة انشغالًا يصل لدرجة القبول الكامل لكل شيء، ويستمرُّ هذا القبول حتى مرحلةٍ معيّنة، حين يحدث الانفصال المحتوم بينه وبين الحياة، أى حينما يدركُ الفرقَ بين ما تريده «ذاته» وما تريده «الحياة».
فالطفل الذى يسقطُ فى أثناء اللعب وتُدمى يداه أو قدماه، قد يتوقّف بضع دقائق ليبكي، إلا أنّه ما يلبث أن ينهضَ ليواصل الجرى واللعب دونَ الاشتباك مع الدنيا، ودونَ تحميل العالم مسئولية ما وقع له.
يدركُ الطفل، ربما بعقلية أشدّ نضجًا من عقلية البالغين، أنّه لو توقّفَ لتأمّلِ ما لحقَ به، فسوف تفوته «اللعبة»، وتفوته -معها، متعة المشاركة فى اللعِب.
يُشبّه كناوسجارد الأمر بالضغطِ على «مقبض» باب الغرفة إلى الأسفل ودفعِ الباب للأمام للمرور، فيقول: «نعم» فالباب ينفتحُ أمامكَ للداخل أو للخارج مثل جناح طائرٍ محلِّق، وهذا هو ما يجعل الحياة جديرةً بأن تُعاشَ.
يستطردُ كناوسجارد مخاطبًا طفلته التى لم ترَ العالم بعد، أو ربما قارئه المُحتمل: «... إنَّ العالم/الحياة تعبّرُ بذاتها عن وجودها أمام أبصارنا، إلا أننا لا ننصتُ إلى رسائلها، وحين لا ننصتُ لرسائلها، فإنها تلوذ بالفرار وتتسرّب من بين أيدينا».
الكتاب سلسلة من «الإسكتشات» الإنسانية، المرسومة بشاعرية عالية وحساسية فائقة، تحاول أن تفكَّ شِفرة رسائل العالم الخفيّة والمخبأة داخل الأشياء الصغيرة البسيطة حولنا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.