نتيجة دخول عدد كبير من العقول الشابة في كتابة الدراما، عقول متحررة، كسرت التابوهات، حطمت المألوف، خرجت عن السائد والمعروف. علي يد هؤلاء لم تعد أحداث المسلسل التليفزيوني تدور داخل الاستوديوهات المغلقة والبيوت القديمة لا يجري فيها سوي حوارات ومونولوجات لا تتوقف. ولم تعد قصة المسلسل تدور حول شخص واحد تدور في فلكه الأحداث ويكون محور حياة الآخرين لا يتحدثون إلا عنه ولا يتفاعلون إلا مع قصته. زاد الاهتمام بعمل مسلسلات تضم الكثير من العوالم الصغيرة داخل العالم الكبير. لكل شخص قصة ووراء كل باب حكاية.. التطور الذي حدث كان الأساس فيه هو كتاب السيناريو الشباب، خاصة الموهوبين منهم، الذين لم ينسوا تراث الماضي الجيد ولم يتوانوا عن متابعة ما وصلت إليه الدراما في العالم. عقول لجيل يطل من كل النوافذ الإلكترونية علي كل منابع المعرفة. هؤلاء الشباب يتقدمون بخطوات ثابتة عاما وراء الآخر وعملا وراء الآخر، أغلبهم يتشاركون في كتابة العمل الواحد.. ليضم المسلسل الواحد أكثر من كاتب ويكون في أغلب الأحيان تحت إشراف كاتب من ذوي الخبرة. بعضهم غير جلد وجدد دماء بعض النجوم الكبار، مثلا «يسرا» التي ظهرت شريرة - علي غير العادة - في العام الماضي في مسلسل «فوق مستوي الشبهات» وظهرت هذا العام في ثوب الخادمة الفقيرة المطحونة في «الحساب يجمع». كتّاب هذه الأعمال من الشباب، اشترك في العملين الكاتب الشاب «محمد رجاء» الذي بدأ حياته كناقد سينمائي وكاتب مشارك في بعض الورش التي تنتج الحلقات التليفزيونية الكوميدية، كما كتب سيناريوهين لفيلمين طويلين لم يتم تنفيذهما بعد. في حواره مع «روزاليوسف» تحدث «رجاء» في البداية عن التغيير الذي أحدثه وزملاؤه في حياة يسرا الفنية. وحول موقفها من هذا التطوير وهل كان مجهدا بالنسبة له ككاتب فقال: «لم تحدث أي مشاكل مع «يسرا» لأننا اتفقنا منذ البداية علي الخطوط العريضة. وفي «الحساب يجمع» مثلا طلبت مني أن أقدم لها بروفيل كاملاً للشخصية وتاريخها الذي لن نراه في المسلسل. و«يسرا» بالنسبة لي من الفنانات اللاتي لا يبذل معهن الكاتب أي مجهود لمعرفة أو توقع نتيجة ما يكتبه وكيفية أدائهم، فلم أتعب أبدا في تخيلها أي من الشخصيتين. أما عن التطوير الذي استطاع وغيره أن يحدثوه في الدراما الجديدة فقال: «أنا لا أعتمد علي تراث المسلسلات العربية، اعتمادي الأكبر علي الروايات والأفلام، ومن هنا اكتسبت الجرأة في طرح الأفكار وكسر بعض التابوهات، وأعتقد أن الجرأة التي انتشرت في الأعمال الحالية ترجع إلي عدم سيطرة موظفي الحكومة علي هذه الأعمال، كما كان سائدا في الماضي فكانت المسلسلات من إنتاج الدولة وتعرضها قنوات الدولة. الآن أصبح الإنتاج خاصا والقنوات خاصة، وعامة فالجرأة ليست في المطلق، بل نابعة من الروح العامة العصرية التي تغيرت، فهناك تغير حدث في القيم، وما كان من قبل عيبًا وحرامًا ولا يصح أصبح الآن عاديًا. هناك عنف أزيد مما كان وما نقدمه أقل بكثير من الواقع فشخصية مثل سماح - التي تؤدي دورها بوسي - في الواقع هي سليطة أكثر من ذلك بكثير، لكننا هنا نعتني بالإحساس أكثر من التعبير اللفظى. فنحن نقدم روح الأشياء ونراعي فيها المصداقية. والقبح والجمال موجودان في كل الأماكن في الكومبوند مثل العام الماضي في «فوق مستوي الشبهات» وفي العشوائيات مثل «الحساب يجمع». وحول التحول من الكتابة الكوميدية التي بدأ بها إلي الكتابة عن الواقع الأليم الذي ظهر في مسلسلاته الأخيرة قال: «كنت أكتب كوميدي، لكن الآن ليس وقت الكوميدي. هناك مرارة أو بمعني أكثر عامية «مرار طافح» علي الدراما، ومع ذلك فأنا أريد أن أجعل هؤلاء الأبطال يسعدون ويعيشون، ونحاول كصناع العمل ألا نجعل المسلسل كئيبا». من الأعمال أيضا التي لفتت الانتباه هذا العام لتطرقها إلي قضية جديدة لم تطرحها الدراما من قبل وهي قضية «الهاكرز» مسلسل «هذا المساء» من إخراج تامر محسن. المسلسل الذي أشرف علي كتابته «محمد فريد»، ومن ضمن المشاركين في ورشة الكتابة «سمر طاهر». كاتبة شابة درست الإعلام ثم درست السيناريو في أكاديمية رأفت الميهي، نُشر لها عدد من قصص الأطفال وعرض لها قبل رمضان مباشرة مسلسل «حجر جهنم» الذي شاركت أيضا في كتابته. تتحدث سمر عن العمل في هذا المساء قائلة: «القصة كتبها المخرج تامر محسن وأسند السيناريو للسيناريست محمد فريد الذي كون هذه الورشة لنعمل سويا لضيق الوقت، وبالفعل كنا نعمل معا يوميا، كانت ورشة مجهدة ومتعبة، كنا نتناقش في كل التفاصيل وكل الخطوط العريضة والفرعية ونكتب تحت إشراف ومراجعة رئيس الورشة «محمد فريد». وحول حرية الإبداع في ظل هذا العمل الجماعي تقول: «كان رئيس الورشة ديمقراطيا جدا ولم أشعر بأي قيود في إطلاق العنان لأفكاري وحرية التعبير، ولكن بالتأكيد كان ذلك في إطار ما تحتمله فكرة العمل الرئيسية وعامة العمل الجماعي ينجح بالإدارة الجيدة. لأني أعلم أن هناك مشاكل وأزمات عديدة تحدث في عالم ورش الكتابة». وعن التجديد الذي جاء في «هذا المساء» تقول: «لقد مل الجمهور من الأشياء التقليدية، وعلي الرغم من أن «هذا المساء» لا يبدأ بحادث قوي إلا أن الشخصيات التي بالعمل تقدم بشكل واقعي كل إنسان بداخله الخير والشر. لا يوجد شيء مطلق. وما قدمناه كان أخف بكثير من الواقع، حيث التقينا بعدد من الشباب «الهاكرز»، وكنا مذهولين مما نسمعه منهم من عمليات الابتزاز، مما جعلنا نقوم بتهذيب ما نسمعه بقدر المستطاع، فالواقع أكثر مرارة. وفي حالة درامية أخري تظهر فيها ملامح التجديد يأتي مسلسل «30 يوم»، وهو من نوعية الدراما التشويقية، أحداثه تدور في ثلاثين يوما فقط. كاتب المسلسل «مصطفي جمال هاشم» أديب شاب صدر له مجموعة قصصية بعنوان «جرجس» ورواية بعنوان «الموت علي طريقة تارنتينو»، كما شارك في ورشة كتابة مسلسل «كلام علي ورق». يبدأ «مصطفي» حديثه عن الروافد التي استمد منها خبرته في الكتابة الدرامية فيقول: «أنا من الجيل الذي تربي علي الأعمال الدرامية لأسامة أنور عكاشة ووحيد حامد ومحسن زايد، كما تأثرت بالدراما العالمية الحالية والمتطورة بشكل كبير جدا» وعن المخاطرة في اختيار مثل هذا الموضوع الجديد علي الدراما يقول: «المخاطرة موجودة بالطبع، ولكن متابعتي لتأثير العمل وردود الفعل تؤكد علي أن المسلسل تم تقبله من شريحة كبيرة. ولابد من وجود اختلاف وألا يعمل الجميع علي الشكل المعتاد.. المسلسل يكمن اختلافه في أنه تجربة جديدة وأحداثه متلاحقة لأننا نعيش قصصًا جديدة يوما بيوم وعن مدي قناعة المنتجين بالكتاب الشباب وأعمالهم يقول: «بالتأكيد إقناع المنتجين شيء صعب، لكن المنتج الذي يري أمامه نصًا جيدًا يوازن بين الموهبة والحرفة ويكون كاتبه مدركًا لطبيعة سوق الأعمال الدرامية. يكون اقتناعه بالعمل أسهل وأسرع، أما عما أثير علي بعض مواقع التواصل الاجتماعي من تشبيه المسلسل بالأعمال الأجنبية وتحديدا شخصية «باسل خياط» التي شبهت بشخصية الجوكر في سلسلة «باتمان» يقول: «شخصية الشرير ليست متواجدة في الأفلام العالمية فقط وليست شخصية الجوكر وحدها. فلدينا تاريخ طويل من الأفلام التي امتلأت بالأشرار مثل محمود المليجي وعادل أدهم وغيرهم»، وعن الرقابة الجماهيرية التي تتربص دائما للأعمال التليفزيونية يقول: «إذا وضعت الرقابة في ذهني وأنا أكتب سوف يتحدد سقف العمل، ومع ذلك إذا شعرت أثناء الكتابة أن هناك جملة لا تصلح للتليفزيون أحاول أن أجد بدائل لها». ومن خلال موضوع يبدو تقليديًا وتم طرحه من قبل إلا أنه هذه المرة مأخوذ من «فورمات» أجنبي يأتي مسلسل «حلاوة الدنيا» الذي قامت بكتابته كل من «سماء عبد الخالق» و«إنجي القاسم». المسلسل يتناول قصة فتاة تتعرض للإصابة بمرض السرطان، كيف تواجه هذه الأزمة هي وكل من حولها هذا ما يظهر في أحداث المسلسل. الذي تحدثنا عنه الكاتبة «سماء عبدالخالق» الذي يعد هذا المسلسل هو العمل الثالث لها بعد مشاركتها في ورشة كتابة مسلسلي «طريقي» و«جراند أوتيل»، هذه المشاركة في الكتابة لا تراها «سماء» شيئًا سلبيا بالعكس فهي تثني عليها وتؤكد: «أن الدراما تحديدا ولأنها تصل إلي 30 حلقة، مما يجعل بها مشقة في التفكير، لذلك يكون من الأفضل مشاركة أكثر من عقل وهذا ما يحدث فارقاَ». أما عن موضوع المسلسل فتتحدث «سماء»: «كنا ندرك أن فكرة المسلسل بها نوع من الكآبة، فالفكرة الرئيسية عن احتمالية فقدان إنسان بسبب مرض السرطان، ولكننا هنا نتعامل مع أزمة اقتحمت جميع البيوت تقريبا سواء بأحد أفراد العائلة أو شخص قريب أو صديق.. الفكرة هنا في المسلسل أننا نعرض لهذه الصدمة عندما يواجهها الإنسان وكيفية قدرته من استكمال حياته بها. وكيف ستكون المواجهة، أيضا كيف يتأثر من حول المريض بهذه الصدمة وكيف يواجهونها، ورغم مأساوية الفكرة فإننا حاولنا ألا نطيل من لحظات الكآبة وأن نضع دائما لحظات حلوة تتناسب مع العنوان علي الأقل «حلاوة الدنيا». وحول اتهام شباب الكتاب بالجرأة الزائدة تقول سماء: «بعض الناس تري أن هناك جرأة زائدة والبعض الآخر لا يشعر بها وتبدو الأفكار عادية وليست جريئة.