ناقشك على زنودى بيارق نصر، مهما تدور الدواير الكل فانى، وانتى اللى باقية يا مصر، بارقة أمل أنشدها كابتن غزالى على أنغام السمسمية واجه بها ظلمات نكسة1967، وأحيا بها المقاومة، أعلن المواجهة تحت خط نار الحزن بعدما ارتكن الناس إلى الظلام فى انتظار الفارس النبيل، ليأتى الكابتن غزالى يدق طبول المقاومة على أنغام السمسمية. «غزالى» عاش شاهرًا سيف المقاومة، مداويًا الجراح بالموسيقى، وأشعل منها شرارة الحرب من الإنجليز وحتى إسرائيل. أصعب شيء البداية من الصفر، وهذا ما فعله الغزالى، زعيم المقاومة فى السويس، فى نضال بدأ من بداية الخمسينيات وحتى الوفاة القريبة، البداية بالمقاومة ضد الإنجليز فى 1951، مستعينًا بخبرة الدارس الذى شاهد وذاكر الحرب العالمية الثانية، ليفاجأ الطالب النجيب أن الحرب العالمية الثانية التى استذكر دروسها أصبح على موعدٍ مع اختبار فى ساحة المعركة، بالمقاومة على خط القناة. الدور الأعظم للغزالى أنه أحيا مفهوم المقاومة من العدم، واجه معنويات فى مرحلة الموات، وشباب يفقد الأمل، فانطلق من ذات الموت مقاتلًا ونادى بالقتال لتحرير الأرض من روح الشهداء وأجسادهم، فأنشد على أنغام السمسمية، منطلقًا من شوارع المدينة التى امتلأت بالشهداء ليقول «بينا يلا بينا/ نحرر أراضينا/ وعضم اخواتنا/ نلمه نلمه/ نسنه نسنه/ ونعمل منه مدافع/ وندافع/ ونجيب النصر هدية لمصر/ ونكتب عليه أسامينا». زعامة الغزالى للمقاومة ضد الاحتلال جاءت من كونه رجلاً اشتد ساعده بالسلاح فقاتل بالبندقية، ودق طبول الحرب بأنغام السمسمية، فأنشد «غنّى يا سمسمية لرصاص البندقية ولكل إيد قوية حاضنة زنودها المدافع غنى لكل دارس فى الجامعة والمدارس لمجد بلاده حارس من غدر الصهيونية». صحيح أن هناك موسيقيين قالوا إن موسيقى السمسمية كانت مارشات حرب إلا أنه قال فى أحد حواراته إنه لم يكن يدرك هذا، بل كان يلهب الحماس للمقاومة، وأنه كلما مات منهم مقاوم كانوا يغنون، فالحلم فى المقاومة يُولد من رحم المعاناة. الكابتن.. ليس لقب «الغزالى» فقط، لكنه لقب يطلق على كل السويس فى ذاك الجيل لأن كل الشعب السويسى، فى ذلك الوقت، كان يمارس الرياضة على اختلافاتها، والغزالى كان لاعبًا متميزًا فى الجمباز، وأحد أبطال الجمهورية، ووصل إلى عضوية اللجنة الأولمبية المصرية. بالتوازى مع تاريخ المقاومة الذى يحظى به الكابتن، فإنه له تاريخ أدبى آخر لا يمكن إغفاله، ألا وهو دوره فى إحياء أدب المقاومة، وتأسيس فرقة الأرض التى كانت قاتلاً لأى باعث لقوى الإحباط، دافعة على التفاؤل دومًا، رافضة رداء الخنوع، رافعة لواء التمرد والمقاومة. فى خندق من خنادق المقاومة، أو بالأحرى فى أحد البدرومات، وهو مكان اجتماع فدائيى السويس، خرج أدب المقاومة السويسى الارتجالى. الكابتن ينفعل بكلمات وأهازيج وأشعار على نغمات السمسمية التى كانت تصاحب أمسياتهم وخرجت كلمات على نغمات تلقائية لتعبر عن الأحداث وتزرع الأمل فى العودة إلى النصر. روح المقاومة للغزالى لم تنته فى السويس بل امتدت لكل البلدان، فحيا المقاومة الفلسطينية بقوله «اشتد يا فتح.. اضرب واشتد هد عدو عروبتك.. هد.. حول الزيتون.. قنابل.. وازرع بيارتك.. مناجل.. سجل بالدم سطور المجد». جاءت فكرة فرقة الأرض بعد أن استقر «غزالى» بمدينة السويس بعد النكسة ولم يغادرها ضمن التهجير الجماعى للمدينة، ولإحساسه بدوره الوطنى المحتم عليه القيام به نحو بلده ساعد فى تجميع الجنود المشتتين، وساعد الجرحى، وأوصل الذخائر للجنود؛ وتطوع فى المقاومة الشعبية للدفاع عن مدينة السويس. وكان للفرقة تيمة مُعيّنة لدخولهم فى بداية حفلاتهم مُتمثلة فى «سقفة الكّف» السويسية مع كلمات: إحنا ولاد الأرض/ ولاد مصر العظيمة/ تارنا هانخدُه بحرب/ للنصر غناوينا/ شباب ثوار/ ما نسيبش التار/ إحنا ولاد الأرض. وضمت الفرقة عبدالرحمن الأبنودى ومحمد حمام والملحنين إبراهيم رجب وحسن نشأت والمطرب محمد العزبى، الذى غنى له والله هترجع تانى لبيتك ولغيطك يا خالب، من تأليف وتلحين غزالى. اجتمع فى الكابتن غزالى القول والفعل فى المقاومة فلم يكن لسانًا فقط، ولم يكن كغيره ممن لم يذكرهم التاريخ، فنال تحية المقاومين فى كل الربوع، فزاره عدد كبير من عمالقة الشعر منهم؛ صلاح جاهين، أمل دنقل، عبدالرحمن الأبنودى، وشاعر المقاومة محمود درويش، الذى عبر عن إعجابه الشديد بأولاد الأرض، حين قال: عندما سمعت هذه الكلمات شعرت أننى أتحول إلى تلميذ مبتدئ بمدرسة شعر المقاومة. وفى عشقه للسمسمية يقول «طول ما فى شعوب لابد أن يكون هناك فن والسمسمية أثبتت على مدار عقود طويلة أنها أصلب من المدافع والطيارات وكلامها محفور فى قلوب المصريين فهى «بيانو» الناس الغلابة وصوت الفقراء ومهما وصل مجتمعنا لتطور ستبقى السمسمية رمزًا لتضحية أهل السويس الذين لا ينتظرون شيئًا من أحد وهم مثل كل المصريين الحقيقيين أول من يضحوا وآخر من يستفيدوا». من حسه الوطنى رفض الخطاب الإعلامى فى الستينيات والسبعينيات وما يقدمه فهاجم عبدالحليم حافظ وكل ما بثته الإذاعة المصرية من أغانى عاطفية، حتى أنه كان يسخر من أغنية عبدالحليم حافظ «سواح»: «لأ لأ لأ لأ لأ مش ح أغنى للقمر، ولا للشجر، ولا للورد فى غيطانه، ولا نيش سواح، ولا حأقول للهوى طوحنى، طول ما فيكى يا بلدى شبر مستباح». رغم حبه للمقاومة والحرب التى تجرى فى دمه إلا أنه لم يتمكن من المشاركة فى حرب أكتوبر أو فى مقاومة شعب السويس للثغرة، فلم يكن فى السويس من الأساس بسبب أن الرئيس الأسبق أنور السادات وضعه تحت الإقامة الجبرية فى مارس 1973 بسبب انتقاده البطء الشديد فى قرار الحرب، ومثلما كانت كلماته حماسية، كان انتقاده لاذعًا، مما دفع السادات لوضعه تحت الإقامة الجبرية بأحد المنازل بمدينة بنها بعيدًا عن مسرح الأحداث، ليظل فى منفاه الإجبارى لمدة عام ليعود بعدها إلى السويس لا يفارقها ولا تفارقه. إلى أن جاءته لحظة أخرى يسترجع فيها آمال وأحلام المقاومة، ألا وهى وقت ثورة 25 يناير فقال «طول ما أنا موجود سأظل أكتب للسمسمية ولشباب الثورة فأراهم لا يقلون أهمية عن أبطال أكتوبر وأنشد لهم على أنغام السمسمية «طالعة من التحرير ثورة ما شاء الله عليها، ثورة شباب مغاوير طاهرة لا شيء عليها، طالعة من التحرير، موالها سلمية، الشهداء تلال نور، والشهقة عربية، والشعب هو الجيش والثورة مصرية».. وداعًا كابتن غزالى.