«السمسمية» تلك الآلة الموسيقية التى يعرفها المصريون جميعا، ويظن غالبيتهم أنها مجرد آلة موسيقية تميز مدن القناة وتعتبر فنا شعبياً متوارثا على ضفاف قناة السويس، لكن الحقيقة أن «السمسمية» هى رمز من رموز الصمود الوطنى والمقاومة، وأنها تعدت كونها آلة موسيقية إلى أداة لشحذ الهمم وبث الحماس فى النفوس وأيضا لحفظ الأحداث الوطنية فى الذاكرة الشعبية. وحينما نتحدث عن الدور الوطنى لما نسميه –نحن المصريين- خط القناة، قاصدين به مدن السويس والإسماعيلية وبورسعيد، فإنه لا يمكن أن نغفل ذلك الدور الذى لعبته السمسمية التى تحولت فى فترات الكفاح الوطنى لتحرير الأرض من المستعمر إلى بطل شعبى حقيقي، يعكس أحلام أهل مدن القناة فى الانتصار والعودة إلى الديار بعد التهجير، وأحلام الوطن فى استرداد الأرض والكرامة. فكانت تقوم بدور الوسيلة الإعلامية التى استخدمها شعب القناة فى إشعال الحماس الوطنى، وكانت السمسمية موجودة على خط النار تحكى البطولات وتشحذ الهمم، فتخطى تأثيرها أهل القنال ليشمل الشعب المصرى كله، ومازالت الكلمات التى كانت تتغنى بها تعيش فى وجدان المصريين حتى الآن. ويعود تاريخ السمسمية الوطنى إلى أبعد من النكسة وحرب الاستنزاف، وبالعودة إلى تاريخ السمسمية نجد فنانها يسخر من المحتل الانجليزى فيقول: جاني طبيب الجراح قلت له كامو (come on) قال لي جروحك بالغة قلت له سيت داون (sit down) قال حداك شغل قلت له توماتش قال لي حداك ماني قلت له بلنتي (plenty) والله ان طاب الجرح يا طبيب لاركبك دونكي ويتوعد سكان القناة المحتل الإنجليزى بالمقاومة حتى الجلاء عن مصر، غير عابئين بأسلحة المحتل ولا قواته: كون دبابات كون مدافع حانفجر بركان كون حاوي كون نمس كون ثعلب أكون شيطان كون سل في العضم كون زهري أكون سرطان يا تلم عفشك وترحل من سكات بدري يا أخلي عيشتك على شط القنال قطران وعندما بدأ العدوان الثلاثى على مصر عام 1956، ظهر الدور الأقوى للسمسمية، فعلى أنغام السمسمية تصدح الأصوات فى بورسعيد لتؤكد بذل الروح فى قناة السويس التى كان تأميمها كالطعنة فى قلوب أعداء الوطن: بحّر يا بابور واسرع بي لاجل احمي بلادنا البحرية ع يهددوا بالأساطيل والغواص والطيايير اما احنا فمعانا مٌعين وع نقابل رب كريم ونجاهد في الحرية لاجل كنالنا البحرية بحّر يا بابور يا بابور بحّر كنال السويس اصله بتاعنا وف حفره ماتت اجدادنا وظبطنا اللص اللي سرجنا ع يجاوح عايز يموت دا كفاية عليه النبوت من جبلي ولا البحريه بحر يا بابور يا بابور بحر أما فى فترة النكسة وحرب الاستنزاف، فقد لمع نجم السمسمية فى سماء مصر كلها، ومن المؤكد أن لعملية تهجير سكان مدن القناة أثره على قوة دور السمسمية فى هذه الفترة، فقد بث فنانو القناة همومهم وأملهم فى النصر واستعادة الأرض لآلتهم المفضلة، فلعبوا بها دورا وطنيا مشهودا، وكانت البداية بالحزن على التهجير وفراق الديار، ولكن بلا يأس بل بمزيد من الأمل فى النصر: هجرنا المصنع والولاد وعشقنا المدفع والجهاد دوس دوس دوس يا بطل دوس ع الزناد ودعنا ليل الانسجام ونسينا حتى الابتسام وازاي يا خويا راح ننام والقدس ملفوف بالسواد دوس.. دوس ع الزناد ودعت الدفة والحبال وبقيت فدائي ع الكنال صامد ومهما الحرب طال عنيد وأعند من العناد دوس.. دوس ع الزناد يا شمس طلي من السحاب واخلي طريقنا من الضباب وفي بيتنا اجمعي كل الصحاب وعمار يا بورسعيد عمار يا بورفؤاد ولم يكن هناك يأس، ولكن مع ألم التهجير وفراق الديار، كان الأمل فى النصر والعودة: يا مهاجرين اطمنوا قرب الميعاد وهاترجعوا بعد البعاد تملوا البلاد فرحة كأعياد الميلاد وها ترجعوا راجعين.. راجعين.. راجعين راجعين والنصر فى ايدينا وحمامنا يغنى على الشطين ثم كانت «غني يا سمسمية» إحدى أشهر أغنيات شاعر السمسمية ومغنيها الشهير الكابتن غزالى: غني يا سمسمية لرصاص البندقية ولكل إيد قوية حاضنة زنودها المدافع غني للمدافع واللي وراها بيدافع ووصي عبد الشافع يضرب في الطلقة مية غني للجنود سمير وعلى ومسعود وغباشي لجل يعود ويجيب النصر ليا غني لكل عامل في الغيط وفي المعامل بيأدي الواجب كامل واديله وردة هدية غني لكل دارس في الجامعة وفي المدارس لمجد بلاده حارس من غدر الصهيونية غني ودقي الجلاجل مطرح ضرب القنابل بكره تطرح سنابل ويبقي خيرها ليا وغنى الكابتن غزالى أيضا: عطشان يا رفاقه للتار من إسرائيل عطشان والجرح ملح م الوقفه فى الهجير ياعناد غيطاننا إطلع قوم فتش ع السبيل قوللى ياشاعر قوللى كمان خلى كلامك ناب وسنان يكبش يهبش قلب الخونه يطلع فجرى سلام وأمان لأ .. لأ .. مش حاغنى للقمر ولا للشجر ولا للورد فى غيطانه ولانيش سواح ولا حاقول للهوى طوحنى طول ما فيكِ يا بلدى شبر مستباح وعندما اهتزت القلوب حزنا على ضحايا العدوان الصهيونى الغاشم على أطفال مدرسة بحر البقر، اهتزت معها أوتار السمسمية تعزف اللحن الحزين، وتطالب بالثأر للدم البرىء الذى أريق: دم الولاد على الكراسات بيصحى فى القلب الممات بيقول يا خلق اتحركوا ياعرب لموا الشتات دى مدرسة ف بحر البقر امريكا يا سم البشر يا وباء ف ابشعها صور أطفالنا ماتوا من سكات تلاميذ ولسه بيحلموا متشوقين يتعلموا بالغدر ماتوا وسلموا ضاعت جميع الامنيات والتار فى رقبتك يا أخينا الدم بيصرخ ف وادينا والعالم ساكت حاولينا والنجمه بترسم علامات وعندما كانت الأوضاع تهدأ ويخفت صوت المعارك، كانت السمسمية تعزف لتذكر المصريين بالأمل: سكت ليه يا مدفعي؟ يا لحن غاب عن مسمعي فين اللهب فين الصدى؟ خايف لتبلا من الصدا اصحي وجلجل في الفضا خلى الأمل يصحى معى واحتفالا بالعبور العظيم، غنت السمسمية أناشيد النصر: يارمل سينا يوم العبور كنت تنادينا وتقول يا نور يا أولادى مدوا للشرق عبور إياك تهدوا هدوا الغرور وغنى أهل مدن القناة: عدي القنال عدي وفى السويس هدي عدي القنال عدي وفى اسماعيلية هدي عدي القنال عدي وفى بورسعيد هدي ويا داخل المينا بالنصر هنينا وغنوا أيضا على أنغام السمسمية: نور الفناره سألني ازي الأحوال انا قلت سعيد وبغني وباعلي الموال لما السفينه قالت يللا يا عبدالعال انا اخدت القارب تاني ورجعت القنال وعندما حانت لحظة الفرحة الكبرى بالعودة أخيرا إلى الديار بعد الانتصار، كانت السمسمية – كعادتها فى مقدمة ركب المحتفلين: يا مهاجرين هتروحوا ياما زينتوا الليالي يا محني ديل العصفوره وجيوشنا هي المنصوره