فى الوقت الذى يطالب أحمد الوكيل رئيس اتحاد الغرف التجارية بضرورة الفصل بين العلاقات التجارية والسياسية، وبأهمية التعاون التجارى والاقتصادى بين مصر وتركيا، يجمع خبراء اقتصاديون على أن المصدرين الأتراك يمارسون سياسات الإغراق داخل السوق المصرية، ومن الضرورى اتخاذ إجراءات فورية ضد الواردات المصدرة من تركيا لحماية الصناعة الوطنية وبخاصة صناعة النسيج المصرية التى باتت مهددة بالانهيار. فمؤخرا أجرى وفد رجال أعمال تركى، مباحثات مكثفة مع عدد من منظمات الأعمال المصرية بهدف إعادة تشغيل عدد كبير من المشروعات الصناعية المتوقفة للأتراك فى مصر، وترأس الوفد التركى رفعت هيزركليجول رئيس اتحاد الغرف التركية، وخلال منتدى الأعمال المصرى - التركى الذى انعقد الأسبوع الماضى بين اتحاد الغرف التجارية ورئيس اتحاد الغرف التركية الذى يرأس وفدا من رؤساء كبرى الشركات التركية، شدد أحمد الوكيل رئيس اتحاد الغرف التجارية على أن الحفاظ على العلاقات والمصالح الاقتصادية هو دور أساسى للغرف التجارية، وأنه يحظر على الغرف العمل بالسياسة، لذا فيتم الفصل تماما بين العلاقات السياسية التى تتأرجح فى ثوان وبين المصالح الاقتصادية التى تحتاج لعشرات السنين لخلقها. يجيء ذلك فى وقت كشفت فيه إحصائيات التجارة بين البلدين أن صادرات مصر إلى تركيا بلغت فى العام الماضى 1.2 مليار دولار، بينما بلغت قيمة الواردات 2.7مليار دولار ما يعنى أن المعادلة ليست فى صالح مصر، وسط مخاوف من أن إغراق الواردات التركية السوق المصرية قد يؤدى إلى تدمير صناعة مهمة مثل صناعة النسيج. فى هذا الإطار علق معتصم راشد المستشار الاقتصادى للاتحاد المصرى للمستثمرين، قائلا: من المؤكد أن التوسع فى التجارة يؤثر سلبا على الصناعة، وهذا ما جعل الاقتصاد المصرى خلال العقود الثلاثة الأخيرة غير متوازن تتحكم فيه مافيا من التجار بلا رقيب أو حسيب، وهذا ما يجعلنى أقول إن هؤلاء هم المتسببون فى جزء كبير من الارتفاع الذى حدث فى الأسعار والتضخم الذى يعانى منه الاقتصاد المصرى، فهم يتحملون قدرًا كبيرًا مما حدث مستغلين تعويم العملة وإلقاء الحمل بكامله على الحكومة.ولفت معتصم راشد إلى أن النقص فى الموارد الأجنبية جاء نتيجة مشكلة أساسية تتمثل فى الفجوة الكبيرة بين حجم الواردات وحجم الصادرات، نظرا لطغيان الاعتبارات الشخصية والمصالح الضيقة على المصلحة الوطنية وأكبر دليل على ذلك توافق مطالب أحمد الوكيل رئيس اتحاد الغرف التجارية وأحمد شيحة رئيس لجنة الاستيراد باتحاد الغرف التجارية مع مطالب رفعت هيسار أوغلو رئيس اتحاد الغرف والبورصات التركية بعودة اتفاقية الرورو التى جلبت المصائب لمصر، وكان المستفيد منها الجانب التركى الذى كان يتحصل على 75 % من الرسوم مقابل 25 % للجانب المصرى وكان إلغاؤها بسبب عدم وجود عائد تجارى واقتصادى جيد لمصر، بالإضافة إلى إضرار الاتفاقية بمصالح مصر سياسيا واستراتيجيا، إلى جانب عمليات التهريب التى كانت تحدث بسبب الاتفاقية التى لا يزال يدافع عنها الوكيل، على الرغم من أنها كانت تهز بالاقتصاد القومى وفوائدها لتركيا أكبر بكثير من مصر. وأضاف: تسببت الاتفاقية فى ضياع رسوم على قناة السويس بسبب أن التجارة كانت تنتقل من تركيا إلى الإسكندرية وتوضع على تريلات تركية يقودها سائقون أتراك يتحصلون على رسوم وغير مسموح للجانب المصرى تفتيشها ثم تذهب إلى ميناء العين السخنة لتحمل مرة أخرى على المراكب وكان إجمالى الرسوم المدفوعة التى يتحصل عليها الجانب المصرى بمقدار الربع، بينما كان يتحصل الجانب التركى على الثلاثة أرباع، فضلا عن توفير الرسوم المدفوعة لقناة السويس وتقليل متحصلاتها لأنها لا تمر عبر القناة ما يعنى أن تركيا كانت المستفيد الأول منها بعد أن لجأت إلى هذا التعاقد مع مصر على إثر اندلاع الحرب فى سوريا التى كانت المعبر الوحيد لمرور البضائع التركية إلى دول الخليج لكى تحافظ على صادراتها مقابل رسوم زهيدة كانت تدفعها للجانب المصرى. كما أن مصر لم تكن مستفيدة من هذه الاتفاقية إلا فى الجزء المتعلق بتحصيل الرسوم على مرور الشاحنات، وكانت البضائع التى تدخل أراضيها أقل بكثير مقارنة بالبضائع التى تصل إلى دول الخليج، فضلا عن حصول الشاحنات التركية على الوقود المدعم، كما لم تستفد مصر أيضا من الشق الثانى بالاتفاقية المتعلق بتصدير المنتجات المصرية إلى أوروبا عبر تركيا. وتابع: إزاء الشكوى المستمرة من زيادة حجم الواردات إلى السوق المصرية ودخول منتجات وبضائع بفواتير مضروبة، فضلا عن عدم تطبيق المواصفات القياسية لتلك المنتجات المستوردة قامت الحكومة المصرية برفع سقف المواصفات القياسية للاستيراد وأن تكون كل شركة من الشركات المستوردة مسجلة ومدرجة بشكل قانونى فى الكشوفات، وهذا أدى إلى تقليل الفجوة إلى حد ما بين الصادرات والواردات لصالح الميزان التجارى إلا أن ذلك لم يعجب الوكيل وأصدقاءه الذين دعوا الوفد التركى ورئيسه رفعت هيزركليجول رئيس اتحاد الغرف التركية بمطالب تصب فى صالح تركيا وليس فى صالح السوق المصرية التى تم إغراقها من خلال عمليات التهريب بالملابس الجاهزة والأحذية والمنتجات الجلدية وبشكل يضرب الصناعة الوطنية فى مقتل! وفى النهاية أكد المستشار الاقتصادى على تشجيع الصناعة المصرية بتشغيل المصانع والمحافظة على موارد النقد الأجنبى إذا أردنا فرص تشغيل وقيمة مضافة وجلب نقد أجنبى وبغير ذلك لن تحل مشاكل الاقتصاد المصرى. ويرى النائب البرلمانى محمد المرشدى رئيس غرفة الصناعات النسيجية أن الاقتصاد المصرى فى الوقت الحالى يعانى أزمة اقتصادية شديدة، ونقصًا كبيرًا فى الموارد الدولارية ولن يحل هذه المشكلة إلا الصناعة الوطنية باعتبارها خيارا استراتيجيا وهدفا قوميا للحكومة، ولذلك انتهجت الدولة فى الفترة الأخيرة سياسة الإنتاج لأن الاستيراد وزيادة التجارة يؤثر بالسلب على الاقتصاد المصرى قائلا: لا نجد الدولار وما زلنا نستورد السلع من الخارج والمفترض أن أى مسئول يتحلى بالوطنية لا يشجع على الاستيراد، بل عليه أن يعلى قيمة المصلحة الوطنية على المصالح الشخصية الضيقة. وأضاف: العلاقات التجارية بين مصر وتركيا فى صالح الجانب التركى أكثر من الجانب المصرى، فقد استحوذ الأتراك على جزء من السوق المحلية ولم يضيفوا استثمارا جديدا كما هو المفترض، فقد تمكنوا من جذب عمالة المصانع المصرية، حيث إن متوسط الأجر الذى يحصل عليه العامل المصرى فى المصنع التركى هو600 دولار، وقد أغلقت الكثير من المصانع فى مجال الغزل والنسيج بسبب ذلك، وبالتالى فإنه قام بفتح مصنع جديد فى مقابل آخر أغلق، فمعظم الاستثمارات القائمة هى لمصانع ملابس تعتمد على جلب القماش من تركيا ثم حياكته فى مصر ثم إعادة تصديره مرة أخرى إلى دول الكويز والكوميسا، وبالتالى تتمتع بمزايا النفاذ إلى هذه الأسواق بعد أن رفضت دول الاتحاد الأوروبى عضوية تركيا. وتابع مرشدى: إن المشكلة الأكبر هى حصول المصدر التركى على دعم صادرات نظرا لأن المنتج المصدر يعد منتجا مصريا فهل يوجد أى اتفاق ينطوى على كل هذا الكم من الظلم للجانب المصري؟! وأكد أنه لا بد من إعادة النظر مرة أخرى فى العلاقات التجارية بين مصر وتركيا إذا لم تراع تركيا هذا البعد، فإن علينا أن نقاطع المنتجات التركية التى لا تحقق أى نفع للاقتصاد المصرى، بل هناك بدائل أرخص وأجود من المنتجات التركية، مطالبا بأن يراعى من يطالبون بتوسيع التجارة على حساب الصناعة مصلحة وطنهم وألا ينظروا إلى مصالح شخصية ضيقة. فيما أكد المهندس «حمدنا الله» نائب رئيس الشركة القابضة للغزل والنسيج أن صناعة الغزل والنسيج المصرية من الصناعات الاستراتيجية التى كانت تعتمد عليها مصر خلال سنوات طويلة وحققت خلالها طفرات فى الإنتاج وصدرت لجميع دول العالم وكانت بمثابة الذراع الثانية للاقتصاد بجانب صناعة الحديد والصلب، مشيراً إلى أن تشجيع هذه الصناعة هو الحل لتوفير العملة الصعبة وتشغيل العمالة وعدم الحاجة للاستيراد. وشدد «حمدنا الله» على أنه ينبغى على الدولة ألا تكل ولا تمل حتى تعود صناعة الغزل والنسيج إلى ما كانت عليه وبدونها لا أمل فى إصلاح اقتصاد مصر الذى عانى منذ ثلاثين عامًا من السمسرة والعمولات تحت اسم «التوكيلات» حتى أصبحت الدولة كلها قائمة على اقتصاد العمولات، مشددا على ضرورة التدخل السياسى واتخاذ قرار حاسم لإعادة هذه الصناعة إلى الحياة من جديد. وقال: إن المنتجات المصرية لديها الآن مواصفات تنافسية من حيث الجودة والذوق وحتى فى الأسعار، بل تضاهى الأسواق العالمية فى تلك المواصفات ولدينا مصانع وشركات قطاع عام وخاص تنافس المستورد فى هذا الإطار، مثل شركة سيتا التى تصدر أجود المنتجات إلى المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة وشركة المحلة التى تصدر منتجاتها إلى دول أوروبا وأمريكا، وهنا يثار التساؤل: لماذا نسمح لدول أخرى بإغراق السوق المصرية بواردات تسهم فى أزمة نقص موارد النقد الأجنبى ونحن لدينا مقومات حقيقية لصناعة وطنية رائدة؟