استمرارًا لمسلسل انتهاك حقوق الأطفال وإهدار براءتهم، وضرب عرض الحائط بالقوانين التى تجرم عمل الصغار، ظهرت مهنة جديدة وتحديدا فى أسواق القاهرةوالجيزة لاستغلال هذه البراءة. «الأطفال التاكسى» وهم نوع جديد من «الشيالين» الذين تمتلئ بهم أسواق بيع الخضار والفاكهة، وقد أطلق على هؤلاء هذه التسمية نظرا لأنهم يقومون بحمل أكياس وشنط البضائع للسيدات وتوصيلها إلى سياراتهن أو إلى أقرب مكان يردنه بمقابل مادى يتراوح بين الجنيه وال 5 جنيهات. والمحزن فى الأمر أن أكبر هؤلاء الأطفال لا يتجاوز ال10 أعوام من عمره، ويأتون من محافظات الصعيد وأغلبهم من محافظتى المنيا والفيوم ليعملوا طيلة أيام السنة فى الأسواق ليدبروا مصاريف تعليمهم ويعودوا إلى منازلهم مع موعد اقتراب الامتحانات. الطفل راضى 9 سنوات من محافظة المنيا، وفى الصف الرابع الابتدائى، قال إنه يعمل «تاكسى» منذ 3 سنوات فى «سوق التعاون» بمنطقة الهرم ويسكن مع 8 من زملائه فى غرفة فوق السطوح بمنطقة كعابيش القريبة من فيصل، وأنه يذهب يوميا إلى السوق من الساعة 7 صباحا حتى الساعة 5 عصرا ويحصل يوميا على 30 أو 40 جنيها مقابل عمله تاكسى. وأضاف أن بعض بائعى الخضروات يجبرون الأطفال على فرش الخضار ولمه مقابل أن يتركوهم داخل السوق وأن من يمتنع عن ذلك يقوم البائع بإخبار السيدات أنه سارق حتى لا يتركوه يعمل طوال اليوم. وذكر أن هناك سيدة تعمل بالسوق بائعة فواكه لحوم تدعى «المعلمة أم حمادة»، وهى سيدة «طيبة» تقوم بجمع تبرعات كالملابس والبطاطين من السيدات دائمات التردد على نفس السوق وتقوم بفرز الملابس وغسلها حسب أعمار الأطفال وتعطيها لهم. وقال أحمد، من محافظة المنيا أيضا: إن أحد أبناء قريته التابعة لمركز سمالوط، الذى يذهب إلى القاهرة شهريا للعمل أخبره أنه يمكنه جمع مصروفات تعليمه من عمله بالسوق ك«شيال»، وأنه على استعداد أن يدبر له ولأصدقائه مكانًا للمعيشة، وأنه أيضا كان يعمل «تاكسى» حتى استطاع تدبير مبلغ من المال اشترى به بعض الخضروات وافترشها فى السوق وأصبح يملك عمله الخاص، وأضاف الطفل أحمد: «أنا أعمل تاكسى منذ سنة تقريبا وأحصل على الكثير من المال لأننى أستطيع حمل عدد كبير من الأكياس للسيدات وأحيانا أوصلها إلى منازلهن البعيدة عن السوق وأعود إلى بلدى قبل شهر من الامتحانات مع زملائى لأدرس ما فاتنى وأعطى أمى ما جمعت من مال، وقد تعرضت أكثر من مرة للملاحقة من قبل الأحداث، لكنهم تركونى حين علموا أننى آتى للعمل وأننى لست متسولاً، فطلبوا منى أن أخبر زملائى الذين يعملون تاكسى أن يحمل كل واحد منهم شهادة ميلاده بجيبه حتى لا يتعرض أحد لملاحقة الأحداث، وهم الآن أصبحوا يعرفوننا جيدا ويسلمون علينا لحظة مرورهم بجانب السوق (عشان إحنا مش حرامية). وأشار إلى أن هناك بعض الأطفال وجوههم غير معروفة بالنسبة لهم وللبائعين بالسوق يأتون لحمل البضائع للسيدات، ولكنهم يسرقون الخضار ويهربون. وقال الطفل محمد 8 سنوات من محافظة أسيوط إنه كان يكسب 40 جنيها والذى يعتبره مبلغًا كبيرًا جدا (وهو لا يساوى نصف ثمن وجبة كنتاكى للأطفال الأسوياء) وحصل عليه السنة الماضية بسبب إقبال السيدات على شراء الخضر والفاكهة، أما هذه الأيام فمعظم السيدات يشترين بضائع قليلة ويحملنها بأنفسهن ولا يحتجن «تاكسى» يحمل عنهن البضائع، مؤكدا أنه يظل أكثر من 10 ساعات فى السوق حتى يتمكن من جمع 15 جنيها يصرفها على طعامه ولا يستطيع التوفير منها حتى إن زملاءه أصبحوا يدفعون له نصيبه من الإيجار بسبب صغر سنه، مشيرا إلى أنه يسكن مع 10 زملائه فى غرفة صغيرة ببيت قديم مقسم إلى مجموعة غرف وبها دورة مياه مشتركة وينامون جميعهم على الأرض بجوار بعضهم، وأضاف: إن هناك سيدة بعينها تأتى كل خميس إلى السوق لشراء الكثير من الخضر والفاكهة وأنه ينتظرها بفارغ الصبر هو وزملاؤه، وتعطيهم 20 جنيهًا لكل واحد كى يحملوا عنها ويوصلوها إلى منزلها. وتقول السيدة «أم حمادة» بائعة بالسوق، إن ظاهرة «الأطفال التاكسى» ليست جديدة على السوق وأنها موجودة منذ 25 عامًا، ولكن الأطفال يتغيرون كل فترة معظمهم يعود لبلاده وآخرون يصبحون بائعين داخل السوق وأنا أعرفهم جميعا، مضيفة: «أنا أتولى شئونهم وأجمع لهم المال والملابس ولا أترك أحدا يستغلهم وأحذرهم دائما ألا يذهبوا مع أحد إلى منزله حتى لا يكونوا عرضة للخطف أو سرقة الأعضاء التى باتت ظاهرة منتشرة جدا فى هذه الأيام». والجدير بالذكر أن الأطفال التاكسى أكثر انتشارا فى أسواق محافظة الجيزة منها فى القاهرة وذلك بسبب كثرة المناطق الشعبية التى من السهل أن يجدوا فيها غرفًا للمعيشة الجماعية، ومعظم هذه الغرف فى بيوت قديمة جدا لا تصلح للحياة الآدمية، فهى عبارة عن أربعة حوائط وسقف فقط لا يوجد بها أى أثاث. ويأتى إقبال هؤلاء الأطفال على هذه المهنة للظروف الحياتية الصعبة التى تعيشها أسر الصعيد التى لا يوجد لديهم دخل، ويعيش معظمهم على معاش السادات، خاصة فى القرى، مما يجعل الأسر تدفع بأبنائها إلى العمل والتجارة فى بعض السلع الهامشية مما يعرضهم لكثير من مخاطر الشوارع، كما تلعب الظروف الاقتصادية الحالية دورا أساسيا فى انتشار ظاهرة عمل الأطفال، وبحسب آخر مؤشرات الفقر الصادر عن الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء المصرى فإن 49 % من سكان ريف الوجه القبلى يعانون الفقر وتقل النسبة إلى أقل من الثلث لتبلغ 27 % بين سكان الحضر فى الصعيد، كما تصل نسبة الفقراء إلى أعلى مستوياتها فى محافظاتأسيوطوالمنيا وقنا.