بكلمات قصيرة أثارت نزعتهم «القومية - المسيحية»، استنهض الأمريكيون رونالد ريجان (الرئيس ال40) من ضريحه بحديقة «سيمى فالى» فى كاليفورنيا، ليسلم بيده مفاتيح البيت الأبيض لدونالد ترامب (الرئيس ال45).. ويذكرهم بشعار حملته الانتخابية الأولى عام 1980: «اجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى»، التى كررها ترامب بطريقتين: رفعها كشعار انتخابى له، وفوز ساحق على المنافسة الديمقراطية هيلارى كيلنتون، مثلما فعلها ريجان وفاز على الديمقراطى العجوز جيمى كارتر. دونالد ترامب الرئيس ال45 للولايات المتحدة، استطاع أن يغير الخريطة الانتخابية من ولايات زرقاء ديمقراطية، وبنفسجية متأرجحة إلى حمراء جمهورية خالصة، خاصة ولاية «أوهايو»، ويعذب المحللين السياسيين، فيعاقبهم بالسهر حتى الصباح الباكر منتظرين النتيجة النهائية، بعدما أحرقوا أصابعهم العشر- بعد نفاد سجائرهم- التى كانوا قد بصموا بها قبل يوم واحد من الانتخابات على فوز هيلارى كيلنتون باكتساح!.. فتفاجأوا بفوز ترامب باكتساح فى المجمع الانتخابى (289 صوتًا له، مقابل 228 لكيلنتون). ترامب أكثر المرشحين الجمهوريين، والرؤساء استخداما للشعار الدينى المسيحى بعد الرئيس الجمهورى رونالد ريجان (رجل الإيمان). فبذكائه استطاع أن يحشد الأمريكيين على أساس قومى (أمريكيين بالميلاد)، وعرقى (أنجلوسكسونى)، ودينى مسيحى قد ظهر بوضوح خلال التصويت والنتائج، وبالطبع الاعتزاز بالدين ليس طائفية.. الطائفية أن تعتدى على أديان الآخرين، فتصير مقززا عند الجميع. فاز ترامب بالرئاسة كنتيجة طبيعية للأصوات اليمينية التى رجحت كفته وبقوة، وكذلك أصوات «الهيسبانك» - رغم تصريحاته بشأن المهاجرين وبناء جدار أمام المكسيك - كل هؤلاء الشرائح جذبتهم أجندة ترامب الدينية، ومرجعية الحزب الجمهورى والمتمثلة فى منع الخمر فى البيت الأبيض، ومنع زواج الشواذ، وتحريم الإجهاض، والصلاة فى المدارس. أولئك الذين فضلوه على منافسته الديمقراطية خاصة أن كتلتها التصويتة كانت من الليبراليين، ودعاة زواج المثليين، والإجهاض، لدرجة أن نائبها تيم كين وقف فى نيويورك ليلة الثلاثاء وقت الذروة الانتخابية ليحشد قبيل إغلاق الصناديق فى نيويورك (معقل الديمقراطيين) قائلا: «كلنا معا.. مهاجرين وأمريكيين ومثليين»، وهو ما لم تستحسنه الكتل المحافظة غير المنتمية حزبيا. كذلك كانت لكاريزمة ترامب القوية سحرها على بقية الكتل التصويتية، التى رأت فيه رجلاً صلبًا يقدر أن يفعل أى شىء - ولو عدائي- تجاه أمن الولاياتالمتحدة، ومن المواقف التى أظهرت هذه الكاريزما كان يوم استضافته فى أبريل الماضى عبر أثير إذاعة «وإم»WHAM 1180 RADIO فجلس ترامب ضيفا للإذاعى بوب لونزبيرى، الذى سأله: ما هى الآية التى تفضلها فى «الكتاب المقدس»؟.. فرد ترامب: «العين بالعين» (سفر اللاويين).. نرد ونملك المغفرة والتسامح مع الآخرين. فعندما تسمع ما يقولونه عن بلادنا، ويسخرون منا، وما يفعلونه فى بلادنا: يأخذون أموالنا وفرصتنا العلاجية.. ماذا يمكنك أن تفعل تجاههم؟!.. علينا أن نكون «شركة» لكن قوية جدا، ونتعلم أيضا من الكتاب المقدس الكثير». الحشد الدينى كان هو الأبرز كعامل أساسى فى نجاحه، ورصده كثير من المواقع والصحف الأمريكية والعالمية. ففى استطلاع لتحالف «الإيمان والحرية - faith and freedom coalition ونشرته شبكة news max الأمريكية ذات التوجه اليمينى المحافظ، والذى بين أن %81 من الإنجيليين البيض صوتوا لصالح ترامب. الاستطلاع شمل 800 ناخب بعد الآدلاء بأصواتهم مباشرة وكانت النتائج موزعة كالتالى: الإنجيليون البيض: %81 لصالح ترامب، مقابل %16 لكيلنتون. المحافظون المسيحيون: %79 لترامب، مقابل %15 لكيلنتون. الكاثوليك البيض: %54 لترامب، مقابل%37 لكيلنتون. وهذا ما أكده أيضا تيم هيد، المدير التنفيذى ل«الإيمان والحرية» بقوله للشبكة: «إن الأصوات الدينية المحافظة أظهرت فاعليتها مرة أخرى، وما كان للجمهوريين الفوز بالرئاسة دون هذه الأصوات». والملفت للنظر أن فى حديث هيد ل«نيوز ماكس» قد وجه نصيحة للديمقراطيين: «الحكمة التى يجب أن يتحلى بها الديمقراطيون هى مخاطبة المواطنين عن طريق الإيمان أيضا». وانتقد القس الدكتور ديفيد جيرميا، صاحب الجماهيرية المسيحية الكبيرة فى سان ديجو بولاية كاليفورنيا، الديمقراطيين ومرشحتهم بقوله: «يجب على هيلارى كيلنتون أن تقدم اعتذارًا للإنجيليين والكاثوليك على حد سواء نظير ما فعلته تجاه معتقداتهم، فلو كانت قد قالت عن المسلمين ما قلته عن الكاثوليك لكانت الأخبار سوف تتوقف» (يقصد أن المسلمين لن يسكتوا على تصريحات تمس ديانتهم كما فعلت هيلارى تجاه المسيحية بنقدها لنصوص من الكتاب المقدس عن الطلاق والإجهاض). مضيفا: «هيلارى ليس لها أى قيمة تجاه الحياة البشرية، لأنها تؤيد الإجهاض». فيما قال المحلل ألبرت مور: إن المسيحيين صوتوا للمرشح الجمهورى نظرا لأنه يعارض الإجهاض. معلنا أن ترامب سيقود ثورة إصلاحية داخل الولاياتالمتحدة. ويبدو أن موضوع «معارضة الإجهاض» كان من أهم ما طرحه ترامب فجعل %86 من المسيحيين ككل يصوتون له بحسب مجلة «كريستيان توداى». حيث احتفت المجلة ذات التوجهات «الأصولية المسيحية» بفوز ترامب بإحصاءات ومقالات كثيرة لكبار محلليها السياسيين واللاهوتيين، كان أبرزهم هارى فارلى، الذى كتب تحليلا تحت عنوان «الإنجليون هم يد النصر لدونالد ترامب»، معلقا على نجاح المرشح الجمهورى الذى استطاع أن يهيمن على الولايات الرئيسية والمتأرجحة، بما فيها: «أوهايو، كالورينا الشمالية، بنسلفانيا»، كذلك استحواذه على ولاية فلوريدا الحاسمة جدا. المحلل السياسى أشار إلى أن ترامب استطاع أن يحصد %81 من المسيحيين الإنجيليين البيض، وهو أعلى رقم حصل عليه مرشح جمهورى فى سباقات الرئاسة فى العشر سنوات الأخيرة متفوقا على بوش الابن، وماكين، ورومنى. وما يزيد الأمر حسما هو تعليق تونى كمبولو، مستشار الرئيس الديمقراطى الأسبق بيل كلينتون بالقول: «فاز ترامب نتيجة تصويت الإنجيليين الذكور البيض». الأصوات الكثيرة فى صفوف المحافظين المسيحيين من (الجمهوريين، والأمريكيين غير المنتمين حزبيا)، التى أنجحته قد تجعل ترامب رجلاً محافظا بالفعل، أو تجبره على السلوك المحافظ خلال فترة رئاسته، فالرجل الذى اتخذ شعار حملة رونالد ريجان: «اجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى» ربما سيكرر نصيحة ريجان الأخيرة لهؤلاء المحافظين المسيحيين والأصوليين، الأمريكيون يعتقدون أن التسلية والترفيه يكون من خلال أفلام الجنس، والعنف، والجرائم، وهذا فى الحقيقة هو إهانة لبشريتهم. نحن شعب يؤمن بأن الحب سينتصر على الكراهية، والإبداع سينتصر على الهدم، والأمل سينتصر على اليأس، لذا علينا الرجوع إلى الأخبار السارة الحقيقية فى الإنجيل، فلقد آمنا أن الله قد خلقنا لهذا السبب، ولتعلموا أن الأيام المتبقية لى سوف أعيشها لله».