إن الدكتور عمارة مشكلة ثقافية من العيار الثقيل فهو يفكر حسب الموقف الواقف فيه والزمن الذى يعيش فيه ولا يجد غضاضة فى ترك هذا من أجل هذا وفعل هذا من أجل ذاك.. فنحن لو أحصينا مقالات الدكتور عمارة ودراساته المنشورة فى مجلة العربى ومجلة الهلال ومجلة الأزهر فإننا سوف نقع من طولنا ولن نجد من يسمى علينا ونقول بصوت عالٍ وفى نفس واحد. إن ما تقوم به داعش ناتج طبيعى لهذا العبث الفكرى لدى نفر من مثقفى العرب» الذين كنا نظن أنهم مثقفون يعتمد عليهم ويكونون ركناً أساسياً فى بناء المجتمع وأفراد المجتمع وأعنى أننا كنا نعد هذا المثقف أو ذاك نموذجاً للمثقف المتفتح الفاهم الواعى والذى لديه قضية وطنية تخص وطنه يدافع عنها ويفكر ويعمل من أجلها، بالضبط كما كنا نحسب فهمى هويدى كذلك، خصوصا بعد أن قرأنا كتابه المهم «القرآن والسلطان»، حيث إن هويدى فى هذا الكتاب كان نموذجا للعقل الواعى الفاهم، لكنه الأسلوب الشيعى فى الفكر والتفكير أى التقية، فالدكتور عمارة كتب فى مقاله «طبيعة الخلاف بين الإسلاميين والعلمانيين» مجلة الهلال عدد فبراير 1988. وهو - أى الدكتور عمارة - يقول فى مقالته «إن طبيعة الخلاف بين الإسلاميين الذين يرون الإسلام دين ودولة وبين العلمانيين الذى يرونه دينا لا دولة هى طبيعة سياسية وموضوعها.. هو الفروع وليست طبيعة دينية موضوعها العقائد والأصول».. «ذلك أن موضوع هذا الخلاف بين الإسلاميين والعلمانيين ليس عقائد الإسلام وأركانه وإنما موضوع الخلاف هو الدولة، ونحن إذا استثنينا إخواننا الشيعة الإمامية فسنجد سائر تيارات الفكر الإسلامى مجمعة على أن الدولة- الخلافة- الإمامة هى من الفروع وليست من أصول الدين وأركانه. ولذلك فإن الخلاف فيها إنما يجب تصنيفه تحت أحكام وأوصاف الصواب والخطأ والنفع والضرر وليس تحت أحكام وأوصاف الكفر والإيمان، وهذا الرأى لو كان يعلمه الإخوان وإخوانهم الدواعش وإخوانهم السلفيون لكنا ارتحنا جميعا من السباحة فى بحور الدم الذى يراق من أجل الحكم والتحكم، فلو أننا كنا قد أجمعنا أننا كعرب شعب واحد فى أرض واحدة فى زمن واحد- فى أوطان متعددة لكنا قد نجونا من هذا الفخ الذى اسمه الخلافة وفخ طارق البشرى والذى يحمل اسم 19 مارس 2011. فى هذا المقال استشهد الدكتور عمارة بمجموعة من الشهادات التى تؤكد أن الخلافة ليست من أصول الإسلام ونقرأ : قول/ الشهر ستانى «479 ه- 548 ه- 1086 م- 1153م» إن الإمامة ليست من أصول الاعتقاد. وقول حجة الإسلام أبوحامد الغزالى «إن نظرية الإمامة ليست من المهمات وليست من فن المعقولات فيها، بل من الفقهيات، ولكن إذ جرى الرسم باختتام المعتقدات بها أردنا أن نسلك المنهج المعتاد فإن القلوب عن المخالف للمألوف شديدة النفار. ويقول ابن تيمية «أنها ليست من أركان الإسلام الخمسة، ولا من أركان الإيمان الستة «وهى الإيمان بالله- والملائكة- والكتب والرسل واليوم الآخر والقدر»، ولا من أركان الإحسان- التى هى أن تعبد الله وكأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك». وقول العلامة ابن خلدون: وشبه الشيعة الأمامية فى ذلك إنما هى كون الإمامة من أركان الدين وليس كذلك إنما هى من المصالح العامة المفوضة إلى نظر الخلق. ويقول دكتور زمانه محمد بن عمارة «فالدولة- الخلافة الإمامة- بكل ما يتعلق بها- هى من مباحث الفروع وأحكام وأوصاف الفكر والمفكرين المختلفين فيها، يجب ألا تتعدى إطار الخطأ والصواب والضرر والنفع، هو فى اعتقادى- الإطار الذى يجب أن يحكم خلافنا نحن الإسلاميين مع العلمانيين الذى لا يتبنون العلمانية الثورية الداعية إلى اقتلاع الدين من اعتقادات الأفراد والشعوب». ويختم الدكتور محمد عمارة بقوله القنبلة «وإذا كان لى أن أسوق شواهد على هذه النعمة التى تميز بها الإسلام، ودعانا إلى التزامها والحرص عليها فى مواجهة الكهنة والكهنوت والسلطة الدينية للأحبار الذين انتزعوا لأنفسهم سلطان الله فى الحكم على معتقدات البشر». وقبل أن أنقل رأى الدكتور عمارة فى الخلافة فى 2015 أرجو منا جميعا أن نعيد قراءة المقال من الأول حتى نفهم أى فلسفة ينتهج الدكتور محمد بن عمارة، فهو ينسف كل هذا بما كتبه فى افتتاحية العدد الأخير من مجلته والتى تحمل اسم الأزهر «..حين أجمع المستشرقون على أن رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم قد أقام- هو وصحابته الكرام- بالمدينة المنورة- عقب الهجرة- دولة ضمت رعيتها غير المسلمين مع المسلمين.. وعلى أن هذه الدولة قد اتسعت حدودها فى ظل الخلافة- لتشمل الشرق الممتد من «غانة» غربا إلى «فرغانة» شرقا ومن حوض نهر «الفالوجا» شمالا إلى خط الاستواء جنوبا، وجدنا هذه الفضائيات تنكر حقائق الدين والتاريخ وتدعى أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان فقط قائدا روحيا ولم يكن قائد دولة أبدا»، وفى المقال القادم سوف نقرأ مقال مهم للدكتور عمارة نشر فى مجلة العربى الكويتى العدد 220 الصادر فى مارس 1977 وفيه يناقش الدكتور عمارة مسائل مهمة للغاية جدا فى الفكر الإسلامى وكان المقال أو الدراسة تحت عنوان «مكان الإرادة الإنسانية فى الفكر الإسلامى السياسى» ونقرأ جزءاً من أول المقال «.. يجعلون صاحب السلطة السياسية فى النظام الإسلامى- الحاكم- وكيلا عن الله- سواء صرحوا بذلك أم لم يصرحوا- لأن الحاكم هو فى النهاية منفذ شريعة ومطبق قانون وهو فى عمله هذا إنما ينوب عن صاحب السلطة الأصلى فى المجتمع، فإذا قلنا أن السلطة دينية وكان متوليها حاكما بالحق الإلهى ونائبا عن الله وخليفة له وظلا.. أماإذا قلنا كما هو الحال فى الفكر الديمقراطى بأن صاحب السلطة الأصلى هو الشعب كان متوليها نائبا عن الأمة ووكيلا أو شبه وكيل وكان مسئولا أمام الأمة التى لها الحق فى محاسبته ومراقبته وعزله إن هو أخل بشروط عقد البيعة..». إن كارثة محمد عمارة منذ أن تبوأ مجلة الأزهر أعاد طرح قضيته قتلا بحثا ألا وهى الخلافة مع أن الإنسان فى أصله «خليفة الله» لكن هو وجماعته منذ حسن أفندى البنا وكلامه عن الخلافة على أشده. مع أنه لو حسن أفندى البنا وجماعته ركزوا على الارتقاء بالفرد المصرى من حيث الثقافة بكل معانيها وفن التعاطى مع الحياة لكان لدينا أجيال من الشباب والرجال القادرة على أن تصارع الحياة وتتفوق عليها وتهزمها ومن ثم تكون طوع أمرهم بكل ما بها وفيها. لأنه مطلوب من المسلم أن يكون منتج علم لكن الإخوان حولوا العلم إلى علم المعارف الشرعية وأضلوا الناس فأصبح من لديه معارف شرعية هو العالم وتوارى العالم الحقيقى الذى ينقب فى الأرض وينظر للسماء باحثاً عما يفيد الإنسان من طب وفلك وزراعة وعلوم.. دواليك. ومنها ومن هنا تخلفنا عن كل شىء وضاع الطريق الذى كان يجب أن نكون فى أوله وباقى الأمم تسير وراءنا لتتعلم منا وتأخذ مرغمة ثقافتنا أليس نحن فى أول الطريق ونقف على رأس التقدم العلمى وابن خلدون قالها واضحة لا لبس فيها أو غموض «إن المنهزم يقلد المنتصر أى أن أى رقم يقلد رقم واحد». وأضعنا الفرصة تلو الفرصة وتعودنا على ذلك فعشنا كالبلهاء سعداء بهذا والذين مطلوب منهم أن ينبهونا إلى ذلك هم من عملوا على صنع هذا الذى نحن نعيش فيه. وفى النهاية لا أجد شيئا أنهى به هذا المقال الذى طال طول همنا وغمنا غير ما قاله عمرو بن العاص بعد أن فتح مصر «التى لم تكن مغلقة» «إن حكم مصر يوازى خلافة» وهذا القول أهديه للدكتور ورجال الإسلام السياسى إلى أن نلتقى فى المقال القادم.∎