إلى من أتوجه بهذا الحديث؟! إلى شيخ الأزهر بصفته الرسمية، أى أنه مسئول عما يصدر باسم الأزهر من كبيرة وصغيرة والذى أعلمه أن أى أزهرى حتى طالب الإعدادى يعد نفسه كبيرا. وأنا سوف أحاول بقدر الاستطاعة ألا أطيل فالذى حدث لا يمكن السكوت عنه، لأنه فى الأهرام السبت الموافق 23/5/2015 وفى الصفحة رقم 20 قال الدكتور محيى الدين عفيفى أستاذ الثقافة الإسلامية بجامعة الأزهر وأمين عام مجمع البحوث الإسلامية فى رده على تساؤل الشاعر أحمد عبدالمعطى حجازى الذى تساءل قائلا: أن موقف الأزهر مازال غامضا من مسألة الخلافة. وهنا لابد أن نقرأ رد الدكتور كاملا «أما عن الخلافة فأنا أذكر الحاضرين والأستاذ عبدالمعطى حجازى أن الأزهر الشريف عقد مؤتمرا مؤخرا فى أوائل ديسمبر 2014 (الأزهر فى مواجهة الإرهاب) وكانت قضية الخلافة إحدى القضايا وأحد المصطلحات التى تناولها المؤتمر والرؤى التى ناقشها المؤتمر أن الخلافة الإسلامية انتهت وأنه لا يوجد نموذج ملزم للمسلمين فى زمان أو أى مكان، وكان من جملة ما قاله الإمام الأكبر الأستاذ الدكتور أحمد الطيب فى الجلسة الافتتاحية بمؤتمر الأزهر قال: بإمكان المسلمين أن يتوصلوا لأى صيغة تناسب الزمان والمكان كما هو بالنسبة للاتحاد الأوروبى - إذا القضية محسومة ورؤية الأزهر لا يرى حصر المسلمين فى نموذج الخلافة». رأى عبقرى تأخر كثيرا، حيث كان يجب أن يقال منذ لحظة وقوع الفتنة الكبرى. لكن مجلة الأزهر كان لها رأى آخر مغاير تماما لرأى شيخ الأزهر ورجال المؤتمر، حيث كانت افتتاحية العدد الأخير من مجلة الأزهر عدد يونيو 2015 دفاعا ومطالبة بعودة الخلافة. ومن هنا نقول للدكتور عمارة، أى خلافة تريد خلافة سيدنا عمر ابن الخطاب أم خلافة معاوية أم خلافة ابنه يزيد أم خلافة العباس أم خلافة من، أم هى خلافة والسلام.. ولنفرض أن لدينا خليفة وليكن اسمه (محمد عمارة) فما الذى سوف يتغير أو يزيد؟. وهذا كله يجعلنا نتساءل عن الفرق بين الخليفة ورئيس الدولة. الخليفة يمتلك كل شىء - الأشياء المادية والأشياء الروحية، أى من حقه أن يضع القوانين ومن حقه أن يلغى القوانين ومن حقه أن يعمل بها أو لا يعمل بها، أى بمختصر الكلام بيده السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية. أما رئيس الدولة فهو وحكومته لديهم السلطة التنفيذية فى مقابل السلطة التشريعية والتى يقوم بها مجلس النواب،وهذا من حسنات الفكر الإنسانى، وهو لا يضر الدين فى شىء، لأن الإنسان فى أصله هو خليفة الله فى أرضه وقد خلق الإنسان لكى يعمر الأرض بالعمل فى ظل الدين أى العلم أسبق على الدين كما قال لنا القرآن الكريم. أليس العلم أسبق على الدين وهو أى العلم هو الذى جعل الملائكة تسجد لسيدنا آدم وجعل إبليس يرفض السجود لأنه اكتشف أن التمييز تمييز علم وليس شيئا آخر وهذا الذى جعله يتكبر ويرفض السجود يا دكتور عمارة. ونعود إلى مسألة الخلافة والتى يبدو أنها لن تنتهى مادمنا نوجد على ظهر الأرض. ونعود إلى الدكتور عمارة ونلقى نظرة سريعة على كتابه (الإسلام والعروبة) وسوف نقرأ ما كتبه الدكتور فى تمهيده للكتاب وفى هذا التمهيد يقدم لنا الدكتور قراءة جديدة ومهمة للغاية حيث يقول فى السطر الثانى: «فلابد من التنبيه إلى أننا بإزاء أكثر من إسلام فهناك الإسلام الدين كما تمثل ويتمثل فى النص القرآنى الموحى به الله سبحانه وتعالى إلى الرسول محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم فى السنة النبوية التشريعية». وهناك الإسلام الحضارة كما تمثل ويتمثل فى ثمرات العقل المسلم وتجربة المسلمين فى مختلف مناحى الحياة الدنيا.. ولقد عرف العرب المسلمون الإسلام الحضارة منذ تأسيس دولتهم الأولى دولة المدينة تلك التى كانت بيعة العقبة عقدا تأسيسيا لها. فلم تكن الدولة هدفا من أهداف الوحى ولا مهمة من مهام النبوة والرسالة، ولا ركنا من أركان الدين وإنما اقتضتها ضرورة حماية الدعوة الجديدة. وهناك الإسلام التاريخ الذى عاش المسلمون فى ظله بعد جمود حضارتهم وتوقفها عن النمو والازدهار والإبداع والعطاء.. وعلى وجه التحديد منذ سيطرة الترك المماليك المجلوبين على مقاليد الأمور فى الدولة العباسية تلك السيطرة التى ظهرت آثارها الأولية منذ عهد الخليفة العباس المتوكل 232-742- 748-861 م. فمن ذلك التاريخ تراجعت - تدريجيا - القسمات الجوهرية للإسلام الدين وبرزت الزوائد والشوائب والبدع والخرافات وشهد المجتمع الإسلامى مرحلة اجترار الجوانب المختلفة من ثراثه الدينى وساد النصوصيون وعبدة المأثورات وأخذ الجامعون والململمون والمصنفون يوجزونها فى المتون ويفصلونها فى الحواشى والشروح والتعلقات، وتراجعت كذلك القسمات الجوهرية للإسلام الحضارة، وفى مقدمتها قسمة العقلانية وقسمة العروبة اللتين مثلتا وجهى عملية الحضارة العربية الإسلامية فى عصر العطاء والازدهار. ولقد كان وراء هذا التراجع للإسلام الدين والإسلام الحضارة غربة السلطة العسكرية الحاكمة عن حضارة الأمة، الأمر الذى انتكس بقسمة العروبة.. وأيضا جهلها بسبب من طبيعة اهتماماتها وأساليب تربيتها كجند مماليك - جهلها بحقيقة الإسلام. فعندما تقتصر المدارك عن أن تعى الإسلام ببراهين العقل فلن تستطيع هذه المدارك أن تدرك دينا جعل العقل حاكما فى شريعته حتى فى النصوص والمأثورات». ونكتفى بهذا القدر حتى نتمكن من القراءة مرة أخرى حتى نتأكد من أسلوب ومنهج الدكتور عمارة فى التفكير. وفى المقال القادم سوف نعيد قراءة مقال مهم للدكتور محمد عمارة عن طبيعة الخلاف بين الإسلاميين والعلمانيين منشور فى مجلة الهلال العدد الصادر فى فبراير 1988 وفى هذه الدراسة يقول الدكتور عمارة: فالدولة - الخلافة الأمامه - بكل ما يتعلق بها -هى من مباحث الفروع وأحكام وأوصاف الفكر والمفكرين المختلفين فيها يجب ألا تتعدى إطار الخطأ والصواب والضرر والنفع هو فى اعتقادى الإطار الذى يجب أن يحكم خلافنا نحن الإسلاميين مع العلمانيين الذين لا يتبنون العلمانية الثورية - الشمولية الداعية إلى اقتلاع الدين من اعتقادات الأفراد والشعوب. ∎