شهدت الخرطوم الأسبوع الماضى، وبحضور قادة أفارقة وعرب مراسم تنصيب الرئيس عمر البشير وأدائه القسم الدستورى بالمجلس الوطنى بأم درمان، رئيساً للفترة الثانية بعد اتفاقية سلام نيفاشا التى أسست لدستور 2005 الذى منحه شرعية للاستمرار فى الحكم، ولم يكن وقتها يعترف به من قبل معظم الأحزاب والحركات السياسية السودانية ولا بسلطته باعتباره أطاح بنظام حكم ديمقراطى تعددى فى 1989 وأصبح البشير رئيسا للبلاد منذ ذلك التاريخ. ووصف البشير الانتخابات التى أجريت فى السودان أبريل الماضى وفاز فيها بنسبة 94٪ بأنها انتخابات ديمقراطية وقال: (إن العملية الانتخابية جرت فى أجواء ديمقراطية نزيهة شهد لها المراقبون الدوليون)، وتقدم بالشكر للشعب على حرصه على التداول السلمى للسلطة عبر صناديق الاقتراع مؤكدًا فى ذات الوقت حرصه على أن يكون رئيساً للجميع الذين صوتوا له والذين لم يصوتوا له، ووعد الشعب بفتح حوار وطنى مع قوى المعارضة. شارك الاحتفال بتنصيب البشير الرئيس عبدالفتاح السيسى،ورئيس زيمبابوى ورئيس الاتحاد الأفريقى «روبرت موغابى»،والرئيس التشادى «إدريس ديبى»، ورئيس الوزراء الأثيوبى «هايلى ميريام ديسالين»، ورئيس كينيا «أوهورو كينياتا»،ورئيس جيبوتى «إسماعيل قيلى» ورئيس جمهورية الصومال «حسن شيخ محمود». وكان البشير قد قام عقب انتخابه تغييرات كبيرة أبرزها إعفاء الولاة وتعيين ولاة جدد فى ال (18) ولاية أغلبهم من ذوى الخلفيات العسكرية، ثم قام بعملية إعفاءات واسعة النطاق لأعضاء هيئة قيادة أركان القوات المسلحة السودانية، وانتخب حزب الموتمر الوطنى صاحب الأغلبية فى المجلس الوطنى الجديد والقيادى بحزب المؤتمر الوطنى الحالى «إبراهيم أحمد عمر» ووزير التعليم العالى والبحث العلمى الأسبق والذى يعد مقرباً من البشير حيث تم استبعاد نائبه السابق على عثمان محمد طه والذى كان من المتوقع أن يكون رئيساً للمجلس الوطنى (برلمان). ويؤكد إعلان بعض الفصائل المشاركة فى الانتخابات عدم مشاركتها فى التشكيلة الوزارية لأسباب متباينة، استمرار حكومة الحزب الواحد وسيطرة المؤتمر الوطنى على مجريات الأوضاع السياسية، باستبعاد أهم الفصائل المشاركة فى الانتخابات عن التشكيلة الوزارية الجديدة، فقد أبدى الحزب «الاتحادى الأصل» عدم رغبته المشاركة فى الحكومة، على اعتبار أن ما طرح من نسبة لا يليق به، كما أعلن حزب فصيل منشق عن حزب الأمة القومى (حزب الأمة المتحد) عزوفه عن المشاركة. وحشد البشير فى الاحتفال كل مؤيديه من التنظيمات المنقسمة عن أحزابها الرئيسية إضافة إلى بعض الحركات المنشقة والموقعة على (اتفاقيات سلام)، كما عاد إلى الخرطوم موسى هلال قائد وزعيم الجنجويد بعد فترة انقطاع قاربت العامين، كما شهد احتفالات التنصيب مشاركة «مؤتمر البجا» أحد الفصائل المنشقة عن المتمردين السابقين فى شرق السودان، وعدداً من الضيوف من خارج السودان أبرزهم الأمين العام لجامعة الدول العربية، وبعض زعماء الأحزاب العربية والأفريقية، كما حضرت حفل تنصيب البشير ملكة جمال أثيوبيا وأفريقيا حياة أحمد الحاصلة على المركز السادس فى مسابقة جمال العالم. المعارضة السودانية وبمختلف تكويناتها، ترفض استمرار البشير وتنصيبه مرة أخرى وتسعى إلى الإطاحة بنظامه وإقامة نظام ديمقراطى تعددى ينهى حكم الإسلاميين، يقول أحمد إبراهيم رئيس الجبهة الوطنية العريضة فرع القاهرة: (إن عجز الحزب الحاكم «إخوان السودان» من الإتيان ببديل للبشير يرجع الى أن أجنحة من قيادة الحزب تتنافس على منصب الرئاسة جناح «نافع على نافع» وجناح «على عثمان محمد طه» حيث يرى كل منهما الأحقية بمنصب الرئيس من غيره، والحزب نفسه أصابه الفساد المادى والأخلاقى والسياسى وانفضت عنه مجموعات كثيرة وأصبح عديم الفائدة). ويؤكد إبراهيم: أنه لا أمل للسودان لخروجه من أزمته السياسية الحالية إلا بهبة الشعب والإطاحة بالنظام الذى فقد مشروعيته وشرعيته وعدم جدوى مشروعه السياسى، كونه غير واقعى، ويضيف: أثبتت التجربة أنه من تسبب فى الحروب الدائرة فى كل من دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق وأنه سبب تدهور الاقتصاد والخدمات من تعليم وصحة وفى عهده ظهرت جرائم أخلاقية على نطاق واسع رغم ادعائه الانتساب إلى الإسلام وهم من أساءوا إلى الإسلام بقدر ما أساءوا للسودان الوطن، وحتى لا يتكرر الفشل الذى لازمنا ربع قرن حكم فيها نظام الإخوان المسلمين بقيادة البشير وانتقلت فيها البلاد من فشل إلى فشل، فإننا الجبهة الوطنية العريضة نعمل ونؤمن بإسقاطه ومحاكمة رموزه الفاسدة. ووصف محمد ضياء الدين القيادى ب«تحالف الإجماع الوطنى» والناطق باسم حزب البعث العربى الاشتراكى خطاب البشير بأنه فارغ من المضمون ولا جديد فيه وإنها ذات الوعود القديمة التى ظللنا نسمعها منذ 26 عاماً وهى وعود كاذبة - حسب ضياء الدين - قدمها البشير أثناء أدائه القسم فى خطاب تمكين التنصيب تحت عناوين العهد الجديد والصفحة الجديدة. ويستطرد: المؤتمر الوطنى ورئيسه وبعد 26 عاما، لم يعد لهم ما يمكن أن يتقدموا به لصالح شعب السودان ولحل أزمات البلاد وهم لم ولن يتنازلوا عن امتيازاتهم فى السلطة والثروة لأنه ببساطة لم يعد لهم شرفا يمكن أن يتنازلوا عنه. وانتقد ضياء الدين دعوة البشير إلى الحوار قائلا: كرر البشير فى خطاب التنصيب نفس دعوته فى خطاب الوثبة حيث أعلن العفو من جديد عن حملة السلاح للمشاركة فى الحوار، ولكن لا أحد يدرى عن أى حوار يتحدث البشير وهل هناك جديد فى دعوة الحوار التى أطلقها البشير فى خطابه الأخير؟ ويرى ضياء الدين أن البشير حاول أن يقدم نفسه بشكل جديد لكنه فشل فى ذلك وأن خطابه لم يقدم جديداً. ووجه ضياء انتقاداته لخطاب البشير قائلا: إذا كان حريصاً على عهد جديد وصفحة جديدة كما ردد، كان عليه القيام بالإعلان عن جملة إجراءات عبر قرارات واضحة تبدأ بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين والمحكومين لأسباب سياسية، وأن يبادر بإطلاق سراح الأسرى وإلغاء القوانين المقيدة للحريات، وأن يعلن عن وقف إطلاق النار من جانب واحد وفتح ممرات آمنة لإغاثة المتضررين من الحرب. ويرى أن دعوة الرئيس للحوار ليست ذات جدوى لأنه قطع أى فرصة لدعاة الحوار والتسوية بخطابه وضاعت لحظات انتظارهم وترقبهم، وكان عليه أن يعلن قبوله بأن يفضى الحوار لقيام سلطة وطنية انتقالية يحكمها وضع انتقالى كامل بمشاركة الجميع، وألا أحد فوق القانون، لذلك نرى أنه ليس ثمة جديد فى خطابه. الصادق المهدى رئيس وزراء آخر عهد ديمقراطى قال فى وقت سابق: إن الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، التى أجريت فى السودان جعلت المجال مفتوحاً أمام قوى المعارضة لتعمل على إسقاط نظام البشير تحت شعارات «ارحل» التى صممتها قوى المعارضة، وأنها أى قوى المعارضة تسعى لقيام حوار بين مكوناتها بتحديد مسار جديد فى مواجهة النظام. ويواجه السودان تحديات عديدة أبرزها الأزمة الاقتصادية الخانقة التى يعيشها عقب فقدانه إيرادات النفط المنتج فى الجنوب بفعل انفصال الجنوب، ثم اشتعال الحرب الأهلية فى الجنوب، حيث تعطل العمل فى عملية الصادر حيث يستفيد السودان من إيرادات نقل بترول الجنوب، ثم تدهور العملية الإنتاجية فى قطاعات الزراعة والرعى وتعطل الكثير من المصانع بسبب السياسة الضريبة أو القيود المفروضة على السودان بفعل سياسات النظام مع العالم الخارجى. ومن ناحية أخرى يواجه السودان تحدياً أمنياً متمثلاً فى الحرب الدائرة فى بعض مناطق دارفور وكل من ولايتى جنوب كردفان والنيل الأزرق، إضافة إلى التشكيك فى شرعية ومشروعية العملية الانتخابية من قبل أطراف أوروبية ودولية مهمة مثل دول الترويكا بريطانيا والسويد والولايات المتحدة التى قالت: الانتخابات الرئاسية والتشريعية التى تمت فى السودان غير نزيهة، ووصفت إدارة حكومة المؤتمر الوطنى بالفشل فى تنظيمها. وحددت الدول الثلاثة جوانب الخلل والشوائب فى العملية الانتخابية بضعف الإقبال على التصويت وانعدام الحريات والحقوق السياسية فى البلاد واستمرار الحروب فى مناطق مختلفة، وأنها انتخابات لا تعبر عن إرادة الشعب السودانى. لا سيما أنها شهدت ضعفاً فى الإقبال على صناديق الاقتراع والإدلاء بالأصوات مما يضع البشير أمام تحدٍ آخر وهو كيفية الحصول على شعبية للاستمرار فى الحكم حتى العام 2019م.∎