«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الانتخابات الرباعية تضع السودان في مفترق طرق بين الاستقرار والوحدة.. والفوضي والتفكك
نشر في القاهرة يوم 13 - 04 - 2010

بعد أربعة وعشرين عاما لم تشهد فيها السودان انتخابات تعددية، بدأت الانتخابات (الرئاسية والبرلمانية والمحلية) في موعدها أول أمس الأحد، برغم الأزمة التي تصاعدت بين الحكومة والمفوضية القومية للانتخابات من ناحية، والمعارضة بأحزابها المختلفة من ناحية أخري، وذلك في إطار مشهد يحمل الكثير من المخاطر علي دولة السودان، ليس أقلها، انفصال الجنوب وفقا للاستفتاء علي تقرير المصير المقرر إجراؤه في يناير القادم.
كانت المفوضية القومية للانتخابات السودانية قد رفضت مطالب الأحزاب والقوي السياسية التي دعت إلي تأجيل الانتخابات بدعوي أنها المعنية فقط باتخاذ قرار التأجيل من عدمه، وهو ما يعد خارج سلطة رئيس الدولة وشريكي الحكم، وعللت المفوضية موقفها علي أساس عدم وجود أية اشكالات أو موانع تمنع اجراء الانتخابات في موعدها المقرر. وفي محاولة من المعارضة لفرض مطالبها والضغط علي الحكومة، أعلن خمسة مرشحين رئيسيين في الانتخابات الرئاسية انسحابهم من السباق، وهم الصادق المهدي (حزب الأمة)، وحاتم السر، وياسر عرمان (الحركة الشعبية لتحرير السودان)، ومبارك الفاضل (حزب الأمة الإصلاح والتجديد)، ومحمد ابراهيم، بدعوي وقوع تلاعب في الاجراءات والاستعدادات لتمكين الرئيس عمر البشير من الفوز في الانتخابات.
من ناحية أخري، وعلي الطريقة الغربية في اعتبار الانتخابات هدفا في حد ذاته، دعت الولايات المتحدة إلي ضرورة اجراء الانتخابات السودانية في موعدها، واجتمع المبعوث الأمريكي للسودان سكوت جريشن مع أحزاب المعارضة، طالبا منها ضرورة عدم الانسحاب من الانتخابات أومقاطعتها، مشيرا إلي تأكيدات تلقاها من المفوضية القومية للانتخابات بالتزام الشفافية والنزاهة، وأن اجراء الانتخابات خير من عدم اجرائها علي الاطلاق.
الخريطة الحزبية
تشمل الانتخابات السودانية انتخابات الرئاسة، والانتخابات البرلمانية، واختيار الولاة ومجالس الولايات، وتأتي في إطار حراك سياسي لم تشهده السودان منذ سنوات، منذ آخر انتخابات اجريت هناك في ابريل 1986. ويتنافس في هذه الانتخابات أكثر من 60 حزبا سياسيا، يظلهم قانون الأحزاب المعدل الذي أقره البرلمان السوداني، ويجيز للأحزاب ممارسة نشاطها، بمجرد إخطار مجلس الأحزاب. كما تأتي الانتخابات كأحد بنود اتفاقية السلام الموقعة في عام 2005 بين شريكي الحكم حزب المؤتمر الوطني، والحركة الشعبية لتحرير السودان.
وعلي الرغم من درجة التوافق النسبي التي توصلت إليها أحزاب المعارضة السودانية، إلا أنها طرحت في ساحة الانتخابات الرئاسية عشرة مرشحين، في مواجهة الرئيس عمر البشير مرشح الحزب الحاكم (المؤتمر الوطني) الأمر الذي لم يخف تعدد وجهات نظر أحزاب المعارضة إلي حد الاختلاف.
وكانت أحزاب المعارضة السودانية قد عقدت مؤتمرا في جوبا، المعتبرة عاصمة جنوب السودان، في نهاية سبتمبر الماضي، برعاية حكومة الجنوب، وبمشاركة 23 حزبا علي رأسها " الحركة الشعبية لتحرير السودان" الشريك في الحكم، ونظر إلي هذا المؤتمر علي أنه "مؤتمر الاجماع الوطني " بالرغم من أنه شهد خلافات أسفرت عن انسحاب أحزاب المعارضة الجنوبية.
وفي المواجهة، يلاحظ اتساع نطاق التكتلات والأحزاب التي توافقت علي ترشيح الرئيس الحالي عمر البشير مرشح حزب المؤتمر الوطني الحاكم لمنصب الرئاسة، ومنها: أحزاب الجبهة الديمقراطية القومية، الإرادة الحرة، أنصار السنة، سانو القومي، الحزب الديمقراطي المتحد، المنبر الديمقراطي لجنوب السودان، الإخوان المسلمون، جبهة الانقاذ الديمقراطي المتحدة، الحزب السوداني الافريقي، حزب النهضة القومي مؤتمر البجا، الحزب الاتحادي المسجل، حزب النهضة القومي، جبهة شرق السودان.
وبين أخذ ورد، واعلانات الانسحاب من الانتخابات والرجوع عنها، أعلنت ما يعرف بهيئة الأحزاب في السودان وهي تضم 20 حزبا مشاركتها الكاملة في الانتخابات، وأعلن عبود جابر رئيس الهيئة أنه سيتم دراسة دور الأحزاب السودانية في إنجاح الانتخابات وفقا لمنظور التوافق السياسي.
في مفترق الطرق
كان من المفترض أن تكون انتخابات السودان المقبلة، وهي الأولي منذ نحو عقدين، طريقها لنقلة ديمقراطية تساهم في تحقيق توافقا مجتمعيا، يدعم توجهات الوحدة والاستقرار ويزيح المخاطر التي تتربص بالسودان الأرض والدولة، لولا أن تعقيدات كثيفة تحيط بالانتخابات من جراء عدة عوامل متشابكة تتوزع بين صراعات الداخل من ناحية، وتدخلات الخارج، إقليميا وعالميا من ناحية أخري. ويمكن تبين ذلك علي الوجه التالي:
أولا- تختلف الدوافع التي تحفز كل فريق علي الساحة السياسية للمشاركة في الانتخابات، فبينما يبدو حزب المؤتمر الوطني في حاجة ماسة لإجراء الانتخابات لاكتساب الشرعية أمام المجتمع الدولي، بالنظر إلي استمرار مطلب المحكمة الجنائية الدولية لاعتقال الرئيس البشير بدعوي ارتكاب جرائم حرب في دارفور، فإن أحزاب الجنوب تربط بين الانتخابات ومصير الاستفتاء الشعبي المقرر اجراؤه حول الجنوب، خاصة وقد هدد البشير بأنه لااستفتاء اذا لم تجر الانتخابات، هذا، بينما تبدو أحزاب الشمال متمسكة ببعض المستويات الانتخابية لأسباب قبلية وجهوية. وهنا لابد من الإشارة تحديدا إلي موقف الحركة الشعبية، فقد تحالفت مع أحزاب المعارضة من ناحية، ولكنها رأت بعد ذلك أن تراهن علي حزب المؤتمر الوطني الحاكم لجعل الفرصة أكبر في موضوع استفتاء الجنوب.
ويبقي السؤال: لماذا اختارت الحركة رئيس مجموعتها البرلمانية ومتحدثها الرسمي ياسر عرمان مرشحا عنها في انتخابات رئاسة الجمهورية، بينما اختار رئيس الحركة سلفا كير الترشح لرئاسة إقليم الجنوب؟ إن الإجابة لابد أنها تتعلق بمستقبل الجنوب السوداني.
ثانيا- لا تبدو أحزاب المعارضة علي الدرجة المناسبة من التوافق بما يسمح لها بإنجاز خطوة ملموسة في الانتخابات، وبعد توافق جوبا، تراجع الحزب الاتحادي الديمقراطي بزعامة عثمان الميرغني عن قرار الانسحاب، وأعلنت مصادر حزب الأمة بزعامة الصادق المهدي أن عودة الحزب عن قرار المقاطعة مازال واردا. وكان حزب الأمة قد تقدم بثمانية شروط للمشاركة وهي: تجميد ما سماه الأحكام الأمنية حتي نهاية الانتخابات بأمر جمهوري، ووضع الإعلام القومي تحت اشراف آلية قومية ذات توجهات نافذة تتفق القوي السياسية علي تكوينها، وحظر استخدام إمكانات الدولة وموارد القطاع العام ماديا وبشريا في الحملة الانتخابية، ووضع سقف للانفاق الانتخابي. كما طالب الحزب بفصل مسألة استفتاء الجنوب عن المساجلات السياسية الانتخابية، واعتبار مسألة انتخابات دارفور مسألة ناقصة لأسباب أمنية، وتكوين مجلس دولة لوضع ضوابط ضمان نزاهة الانتخابات، وتمديد فترة الاقتراع لأربعة أسابيع ضمانا لنزاهة الانتخابات.
ثالثا- يبدو الرئيس البشير مصمما علي المضي قدما في طريق اجراء الانتخابات في موعدها، حتي أنه هدد بطرد المراقبين الدوليين الذين طالبوا بتأجيل الانتخابات، ويبدو الخطاب السياسي للبشير نموذجا لخطاب يستثمر الدين سياسيا، فالبشير يؤكد أن الانتخابات وما يليها سيكون امتدادا لمشروع الإنقاذ الذي يقوم علي المحافظة علي الدين، وأضاف (أنه وصل إلي مقعد الحكم بدعاء أهل الدين، والطرق الصوفية، وأنه جاء مسنودا منهم، لغرس الدين والقيم الفاضلة التي تربي عليها المريدون.. وأنه لا يخشي في الحق برلمانا، ولاصندوقا، ولاحكومة، ووعد البشير بأن يحكم البلاد بالشريعة الإسلامية).
هذا، كما أن المفوضية القومية للانتخابات سعت إلي نوع من الاستجابة الجزئية لمطالب المعارضة حيث أصدرت قرارا بتحديد سقف الانفاق علي الحملات الانتخابية، ولكن جاء ذلك قبل ستة أيام من انقضاء الفترة المحددة للحملات. ولا يخفي هنا أن الحكومة أيضا سعت إلي استرضاء الجنوبيين فمنحت 40 مقعدا اضافيا للجنوب في البرلمان الوطني المركزي، بما يرفع عدد مقاعده إلي العدد الذي يعطيه حق الفيتو علي أية تعديلات دستورية جديدة.
رابعا- تبدو الانتخابات السودانية عملية معقدة، كونها تجري علي أربعة مستويات، فيجري انتخاب رئيس الدولة، أو رئيس حكومة جنوب السودان، ثم الانتخابات التشريعية علما بأن الهيئة التشريعية تتكون من المجلس الوطني ومجلس الولايات، ويتكون المجلس الوطني من 450 عضوا، أما مجلس الولايات فيتكون من ممثلين اثنين من كل ولاية، يتم انتخابهما بواسطة أعضاء المجلس التشريعي للولاية.أي أن الناخب يختار مرشحه للرئاسة، ومرشحه لحاكم الولاية، وممثليه للمجلس الوطني، وممثليه لمجلس الولاية.
ويجمع النظام الانتخابي بين النظام الفردي والتمثيل النسبي، حيث تخصص فيه 60% من المقاعد التشريعية للدوائر الجغرافية، و 25% لتمثيل المرأة، و 15% لقوائم الأحزاب السياسية. ويتم فيها تطبيق نظام الأغلبية النسبية، حيث يفوز من يحصل علي أكثر الأصوات، سواء تجاوزت 50% أم لم تتجاوز.
خامسا- إن انتخابات السودان تجري في ظل أصعب ظرف تمر به الدولة، بدءا من الحرب الأهلية في دارفور، والسلام الذي لم يكتمل في الجنوب، وهيمنة مشروع نيفاشا للسلام علي شكل الدستور وقانون الانتخابات. بالإضافة إلي ترقب استفتاء الجنوب. ومن المعروف أن الحركة الشعبية لتحرير السودان قد انضمت إلي حزب المؤتمر الوطني بزعامة البشير، في حكومة ائتلافية بعد نحو 22 عاما من الحرب الأهلية بين الشمال الذي تقطنه أغلبية عربية ومسلمة، والجنوب الذي يغلب عليه المسيحيون وأصحاب الديانات الأخري. ولا شك أن الإحصاء العام للسكان ينطوي علي أهمية في هذا السياق، وبحسب وكالة الصحافة الفرنسية فإن عدد سكان السودان يبلغ نحو 39 مليون نسمة، منهم نحو 8 ملايين نسمة أو 21% من السكان يعيشون في الجنوب، كما أن نحو نصف مليون من سكان جنوب السودان يعيشون في شماله، في حين يقول الجنوبيون إن أعدادهم تصل إلي ثلث سكان السودان.
استطلاعات مبدئية
تبدو صورة المشاركة الحزبية في الانتخابات مغرقة في الغموض ما بين قرارات المقاطعة، وقرارات الرجوع عنها وأخيرا هؤلاء الذين اتخذوا قرارات بالمشاركة الجزئية في الانتخابات التشريعية والمحلية، ومقاطعة انتخابات الرئاسة وعموما، من المتوقع أن يبدأ اقتراع 11 ابريل بنحو 12 مرشحا، من بينهم سيدة سودانية تترشح للمنصب كأول سيدة علي المستوي الأفريقي، وهي الاستاذة فاطمة عبد المحمود، التي تولت منصبا وزاريا في عهد الرئيس السابق النميري. ويقوم علي مراقبة انتخابات السودان 10 دول منها جنوب افريقيا واليابان ووفود من الاتحاد الأوروبي، والأمم المتحدة، والاتحاد الأفريقي، والجامعة العربية.
وتدل استطلاعات أولية أنه مع سيطرة الحركة الشعبية لتحرير السودان علي الجنوب الذي يشكل ربع عدد الناخبين السودانيين فإنه في حال عودة ياسر عرمان للمشاركة، فإنه سيمثل منافسا قويا وتحديا كبيرا للبشير، وقد يبدو مرشحا أوفر حظا، إلا أن آخرين يرون أن البشير سيخوض انتخابات سهلة طالما أن نطاق المنافسة لن يتسع، وربما لن يواجه الرئيس منافسة تذكر، وأن استمرار البشير يظل ضمانة لإجراء استفتاء الجنوب كما هو متفق عليه. غير أنه من دواعي القلق بالنسبة للمؤتمر الوطني الحاكم أن تمنع أصوات الجنوبيين من فوز البشير من الجولة الأولي، أو أن تؤدي تحالفات المعارضة إلي طرح مرشح قوي، وأن تتطور الأمور إلي فوز للبشير مشكوك فيه، لتجد السودان نفسها في وضع مشابه لسيناريو (إيران) ولتتصاعد المواجهات الداخلية التي تزيد من خطورة الوضع الداخلي في السودان.
المقاطعة.. مالها وماعليها
من المؤكد أن الأحزاب السودانية، ومنها أحزاب تتمتع برصيد سياسي وتاريخي ودرجة عالية من الحضور الشعبي حاولت أن تستخدم سلاح المقاطعة للانتخابات سعيا للضغط من أجل مزيد من الشفافية والنزاهة وضمان سلامة العملية الانتخابية، وتخفيف حجم الضغوط التي تمارسها عليها السلطات الأمنية.غير أن سلاح المقاطعة في حد ذاته هو سلاح ذو حدين، وقد تعتبر مقاطعة أحزاب المعارضة للانتخابات أحد عيوب الأحزاب العربية عموما، ونقطة ضعف لها أهميتها في الممارسات السياسية في السياق العربي. فالمقاطعة إذن، حتي تؤتي ثمارها، تحتاج إلي توظيفها سياسيا بصورة مجدية، وبحيث تنطوي علي أهداف محددة ترجي من ورائها.
وفي حالة الانتخابات السودانية، فإنه في حالة اقدام نحو خمسة من أهم الأحزاب علي مقاطعة انتخابات رئاسية وتشريعية ومحلية، ستكون له آثاره السلبية علي مدي شرعية الانتخابات، وبالتالي سلامة النتائج، وفي التحليل الأخير، الشرعية الديمقراطية للنظام السوداني، والرئيس البشير نفسه، في ظل الظروف التي تمر بها البلاد. ذلك أنه في الوضع العكسي، أي إذا ما تمكنت السودان من إجراء انتخابات، بمشاركة حزبية معقولة، فإن ذلك سيخفف من حدة العزلة الدولية للنظام السوداني، ويحسن موقف الرئيس أمام المجتمع الدولي.
من ناحية أخري، فإن إجراء الانتخابات السودانية في ظل مقاطعة حزبية مؤثرة، يطرح تساؤلات مهمة حول مصير علاقة الشراكة بين الحركة الشعبية، وحزب المؤتمر الوطني الحاكم، في ظل نتائج انتخابية مطعون في صحتها، وما يمكن أن يترتب علي ذلك من مشكلات ضخمة إذا ما تقرر إجراء استفتاء الجنوب كما هو مقرر.
علي صعيد آخر، فقد يبدو أن ظروف إقليم دارفور، تمنح الشرعية وصواب الرؤية لكل من يطالب بعدم المشاركة في الانتخابات. فهيئة محاميي دارفور طالبت إما بتأجيل الانتخابات أو بالتأجيل الجزئي في دارفور، واشترطت لإجراء انتخابات حرة ونزيهة في دارفور نزع سلاح الجنجويد والمجموعات المدعومة من قبل الحكومة، واتخاذ التدابير اللازمة لعودة اللاجئين والنازحين، واجبار الحكومة علي السماح لمنظمات الإغاثة الدولية بالعمل الإنساني في دارفور. إذن فإقليم دارفور، الذي يقطنه 20 % من سكان السودان، ويعد ثاني أكبر أقاليم البلاد، يشهد مشكلات وعقبات انتخابية، القت بظلالها علي الموقف برمته. وتقول مصادر الأمم المتحدة إن ملايين النازحين في دارفور قد لا تشملهم العملية الانتخابية، ولم تبذل حكومة البشير التدابير الضرورية لضمان مشاركة جدية لسكان دارفور والتعبير عن مصالحهم.
البعد الدولي
ليس السودان بالبلد الذي يمكن أن يترك وشأنه، وهو الدولة بالغة الاتساع بما يعادل مساحة 8 دول أوروبية مجتمعة (5. 2 مليون كيلو متر مربع)، يقطنه 40 مليون نسمة متنوعي الأصول : العربية والافريقية، وانتماءات إلي عشرات القبائل والعرقيات، التي قد تمتد إلي دول مجاورة. هذا فضلا عن توافرعناصر القوة من موارد طبيعية، وثروات معدنية، ومصادر المياه، والآراضي الخصبة.
كل هذه العناصر تجعل من الشأن السوداني أمرا تهتم به الدوائر الإقليمية والعالمية، علي عدة مستويات. ففي دول الجوار الأفريقي، هناك من يترقب التطورات الانتخابية السودانية، وما يمكن أن تسفرعنه بالنسبة لمنطقة الجنوب، نظرا للعلاقات التي توثقت مع بعض فصائله في فترة الحرب الأهلية (كينيا اثيوبيا)، فضلا عن دول افريقية أخري تابعت الشأن الانتخابي، لدرجة أنها أدلت برأي في اتجاه التأجيل منتقدة بعض الممارسات لحكومة السودان مما يمس سلامة الانتخابات.
أما علي الصعيد الدولي، فإن قوي عظمي تترقب ما يجري سياسيا في السودان علي اعتبار أنه يمس مباشرة مصالحها في هذا البلد، فهناك سباق أمريكي أوروبي صيني علي نفط السودان وثرواته الكامنة.
وبالإضافة إلي التوجهين الأمريكي والأوروبي الداعم لإجراء الانتخابات بالرغم من بعض التحفظات، فإن الرؤي الدولية تشمل أيضا أولئك الذين يتابعون الشأن السوداني بدرجة أعمق. من ذلك ما أدلي به ديمتري تيتوف مساعد الأمين العام للأمم المتحدة لعمليات حفظ السلام أمام مجلس الأمن مؤكدا أن "حرية التعبير" و" التجمع" ضروريتان لحملة انتخابية وانتخابات فعالة في أول انتخابات ديمقراطية يشهدها السودان منذ 24 عاما وأكد تيتوف لمجلس الأمن أنه في الوقت الراهن تواجه الحريات الأساسية قيودا بموجب قوانين الطوارئ لعام 1997 التي تم رفعها في جميع أنحاء السودان، ولكنها مازالت تطبق في الولايات الثلاث لدارفور. واستنتج تيتوف أنه من المهم تعديل قانون الأمن القومي الذي يسمح لأجهزة الأمن الحكومية باعتقال أشخاص من دون سبب، وأنه يحسن تعطيل هذا القانون قبل بدء الانتخابات.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.