وزير التعليم العالي يبحث سبل التعاون مع نائب حاكم الشارقة ورئيس جامعة الشارقة    وزير الري يتابع موقف التعامل مع الأمطار التي تساقطت على جنوب سيناء    وزير الإسكان يتفقد مشروعات المرحلة العاجلة للأراضي البديلة بمنطقة "شمس الحكمة"    بدء اجتماع مجلس المحافظين.. وقانون الإيجار القديم الأبرز    رئيس "كهرباء الصعيد": استقرار التغذية الكهربائية بجميع مناطق أسوان    "يونسيف" يحذر :112 طفلًا يدخلون دائرة سوء التغذية يوميًا في قطاع غزة ومؤسس المطبخ العالمي يصل القطاع    القاهرة الإخبارية: الاحتلال يوسّع دائرة اعتداءاته جنوب لبنان    مصطفى شوبير يحتفل بارتداء شارة قيادة الأهلي: "شرف ما بعده شرف"    انطلاق البطولة العربية الأولى للخماسي الحديث للمنتخبات والأندية تحت 15 عامًا    أحمد عاطف قطة: كأس العالم للأندية "حلم كبير".. وهذه رسالتي للاعبين الصغار    الداخلية تكشف ملابسات مقطع فيديو تم تداوله بمواقع التواصل الإجتماعى تضمن حدوث مشاجرة بالجيزة.    ضبط 117.3 ألف مخالفة مرورية متنوعة خلال 24 ساعة    تكريمًا لسيد درويش.. وزارة الثقافة تعلن 15 سبتمبر "اليوم المصري للموسيقى"    انطلاقة قوية لفيلم "درويش".. 8 ملايين جنيه في أول 72 ساعة عرض    جريئة أمام البحر.. أحدث ظهور ل ياسمين صبري والجمهور يعلق (صور)    إجراء 20 عملية مياه بيضاء ناجحة في مستشفى نجع حمادي    حازم الجندى: بيان ال31 دولة عربية وإسلامية يمثل تحولا نوعيا في آليات المواجهة السياسية والدبلوماسية مع إسرائيل    بعد تناول وجبات.. إصابة 9 أشخاص ب«اشتباه نزلة معوية» في الشرقية    ضبط لحوم وسلع غذائية فاسدة وتحرير 382 محضرًا خلال حملات رقابية بأسيوط    وزيرة التنمية المحلية والقائم بأعمال وزير البيئة تلتقي فريق عمل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي    تقليل الاغتراب 2025.. أماكن الحصول على الخدمة للمرحلتين الأولى والثانية    السيسي يوافق على ربط موازنة الجهاز المصرى للملكية الفكرية لعام 2025-2026    بالتعاون بين الشركة المتحدة والأوقاف.. انطلاق أضخم مسابقة قرآنية تلفزيونية    ماذا حدث في أوكرانيا خلال قمة ألاسكا بين بوتين وترامب؟    سيمينو ينفجر غضبا بسبب العنصرية.. والشرطة تحقق في الحادث    «السياحة» تبدأ مبكرًا في إجراءات الحج بتوقع عقد الضيافة وخدمة الحجاج بالمشاعر المقدسة    تشييع جثمان شاب لقي مصرعه غرقا داخل حمام سباحة ببني سويف    بالفيديو: عبيدة تطرح كليب «ضحكتك بالدنيا»    محافظ بورسعيد يعلن قبول جميع المتقدمين لمرحلة رياض الأطفال بنسبة 100%    علماء يلتقطون أول صور ثلاثية الأبعاد لزرع جنين داخل الرحم    خلال العطلات الرسمية....صحة الشرقية تنفذ أكثر من 37 ألف زيارة منزلية لتقديم الرعاية الصحية    حلول عاجلة لتوصيل مياه الشرب لعدد من المناطق بجنوب بورسعيد    لماذا يُستبعد الموظف من الترقية رغم استحقاقه؟.. 3 حالات يحددها قانون الخدمة المدنية    آداب أسيوط تطرح برنامج الترجمة باللغة الفرنسية بنظام الساعات المعتمدة    موقف غير متوقع يختبر صبرك.. حظك اليوم ل مواليد برج الدلو 16 أغسطس    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : ولتكن البداية بميزان العدل والحق!?    يسري جبر: يوضح حكم زيارة قبور أهل البيت والصحابة والدعاء عندها    تنسيق المرحلة الثالثة 2025 علمي علوم.. قائمة كليات تقبل من 50%    في صورة انتقال حر.. بيرسي تاو ينتقل إلى نام دينه الفيتنامي    إخلاء سبيل الشاب عبد الرحمن خالد، مصمم فيديو الترويج للمتحف المصري الكبير بالذكاء الاصطناعي    الصحة: تدريب أطباء الأسنان وتقديم خدمات مجانية ل86 مواطنًا    محاكمة 6 متهمين في خلية «بولاق أبو العلا» الإرهابية| بعد قليل    إنقاذ سائق وتباع بعد انقلاب سيارتهما أسفل كوبري أكتوبر| صور    أمين الفتوى يوضح حكم من تسبب في موت كلاب بغير قصد وحقيقة طهارتها    فوز 4 من أبناء بني سويف في برلمان الطلائع على مستوى الجمهورية    18 قتيلا و24 مصابا فى حادث سقوط حافلة وسط العاصمة الجزائرية    وفاة والدة صبحي خليل وتشييع جثمانها بعد صلاة الظهر    عمرو وهبة يحتفل بعيد ميلاد ابنه: «الحمد لله عدت بدعوات الناس » (فيديو)    مدير الرعاية الصحية بالأقصر يتفقد 5 مستشفيات بالمحافظة لمتابعة الخدمات    وزارة الأوقاف تحدد 15 نقطة لاستغلال وقت الفراغ والإجازة الصيفية.. اعرفها    مصرع وإصابة 15 شخصًا في حادث تصادم ميكروباص بسيارة نقل بالوادي الجديد    بدائل الثانوية العامة محاصرة بالشكاوى.. أزمات مدارس «ستيم» تثير مخاوف العباقرة    ترامب يغادر ألاسكا بعد قمته مع بوتين    بوتين يدعو كييف والقادة الأوروبيين إلى عدم عرقلة "التقدم الناشئ"    مفاجآت في قائمة الزمالك لمواجهة المقاولون العرب    بقيادة صلاح.. ليفربول يفوز بصعوبة على بورنموث برباعية في افتتاح البريميرليج    حاكم ألاسكا: لقاء بوتين وترامب يمثل يوما تاريخيا لولايتنا    وزير الأوقاف السابق: إذا سقطت مصر وقع الاستقرار.. وعلينا الدفاع عنها بأرواحنا (فيديو)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الانتخابات الرباعية تضع السودان في مفترق طرق بين الاستقرار والوحدة.. والفوضي والتفكك
نشر في القاهرة يوم 13 - 04 - 2010

بعد أربعة وعشرين عاما لم تشهد فيها السودان انتخابات تعددية، بدأت الانتخابات (الرئاسية والبرلمانية والمحلية) في موعدها أول أمس الأحد، برغم الأزمة التي تصاعدت بين الحكومة والمفوضية القومية للانتخابات من ناحية، والمعارضة بأحزابها المختلفة من ناحية أخري، وذلك في إطار مشهد يحمل الكثير من المخاطر علي دولة السودان، ليس أقلها، انفصال الجنوب وفقا للاستفتاء علي تقرير المصير المقرر إجراؤه في يناير القادم.
كانت المفوضية القومية للانتخابات السودانية قد رفضت مطالب الأحزاب والقوي السياسية التي دعت إلي تأجيل الانتخابات بدعوي أنها المعنية فقط باتخاذ قرار التأجيل من عدمه، وهو ما يعد خارج سلطة رئيس الدولة وشريكي الحكم، وعللت المفوضية موقفها علي أساس عدم وجود أية اشكالات أو موانع تمنع اجراء الانتخابات في موعدها المقرر. وفي محاولة من المعارضة لفرض مطالبها والضغط علي الحكومة، أعلن خمسة مرشحين رئيسيين في الانتخابات الرئاسية انسحابهم من السباق، وهم الصادق المهدي (حزب الأمة)، وحاتم السر، وياسر عرمان (الحركة الشعبية لتحرير السودان)، ومبارك الفاضل (حزب الأمة الإصلاح والتجديد)، ومحمد ابراهيم، بدعوي وقوع تلاعب في الاجراءات والاستعدادات لتمكين الرئيس عمر البشير من الفوز في الانتخابات.
من ناحية أخري، وعلي الطريقة الغربية في اعتبار الانتخابات هدفا في حد ذاته، دعت الولايات المتحدة إلي ضرورة اجراء الانتخابات السودانية في موعدها، واجتمع المبعوث الأمريكي للسودان سكوت جريشن مع أحزاب المعارضة، طالبا منها ضرورة عدم الانسحاب من الانتخابات أومقاطعتها، مشيرا إلي تأكيدات تلقاها من المفوضية القومية للانتخابات بالتزام الشفافية والنزاهة، وأن اجراء الانتخابات خير من عدم اجرائها علي الاطلاق.
الخريطة الحزبية
تشمل الانتخابات السودانية انتخابات الرئاسة، والانتخابات البرلمانية، واختيار الولاة ومجالس الولايات، وتأتي في إطار حراك سياسي لم تشهده السودان منذ سنوات، منذ آخر انتخابات اجريت هناك في ابريل 1986. ويتنافس في هذه الانتخابات أكثر من 60 حزبا سياسيا، يظلهم قانون الأحزاب المعدل الذي أقره البرلمان السوداني، ويجيز للأحزاب ممارسة نشاطها، بمجرد إخطار مجلس الأحزاب. كما تأتي الانتخابات كأحد بنود اتفاقية السلام الموقعة في عام 2005 بين شريكي الحكم حزب المؤتمر الوطني، والحركة الشعبية لتحرير السودان.
وعلي الرغم من درجة التوافق النسبي التي توصلت إليها أحزاب المعارضة السودانية، إلا أنها طرحت في ساحة الانتخابات الرئاسية عشرة مرشحين، في مواجهة الرئيس عمر البشير مرشح الحزب الحاكم (المؤتمر الوطني) الأمر الذي لم يخف تعدد وجهات نظر أحزاب المعارضة إلي حد الاختلاف.
وكانت أحزاب المعارضة السودانية قد عقدت مؤتمرا في جوبا، المعتبرة عاصمة جنوب السودان، في نهاية سبتمبر الماضي، برعاية حكومة الجنوب، وبمشاركة 23 حزبا علي رأسها " الحركة الشعبية لتحرير السودان" الشريك في الحكم، ونظر إلي هذا المؤتمر علي أنه "مؤتمر الاجماع الوطني " بالرغم من أنه شهد خلافات أسفرت عن انسحاب أحزاب المعارضة الجنوبية.
وفي المواجهة، يلاحظ اتساع نطاق التكتلات والأحزاب التي توافقت علي ترشيح الرئيس الحالي عمر البشير مرشح حزب المؤتمر الوطني الحاكم لمنصب الرئاسة، ومنها: أحزاب الجبهة الديمقراطية القومية، الإرادة الحرة، أنصار السنة، سانو القومي، الحزب الديمقراطي المتحد، المنبر الديمقراطي لجنوب السودان، الإخوان المسلمون، جبهة الانقاذ الديمقراطي المتحدة، الحزب السوداني الافريقي، حزب النهضة القومي مؤتمر البجا، الحزب الاتحادي المسجل، حزب النهضة القومي، جبهة شرق السودان.
وبين أخذ ورد، واعلانات الانسحاب من الانتخابات والرجوع عنها، أعلنت ما يعرف بهيئة الأحزاب في السودان وهي تضم 20 حزبا مشاركتها الكاملة في الانتخابات، وأعلن عبود جابر رئيس الهيئة أنه سيتم دراسة دور الأحزاب السودانية في إنجاح الانتخابات وفقا لمنظور التوافق السياسي.
في مفترق الطرق
كان من المفترض أن تكون انتخابات السودان المقبلة، وهي الأولي منذ نحو عقدين، طريقها لنقلة ديمقراطية تساهم في تحقيق توافقا مجتمعيا، يدعم توجهات الوحدة والاستقرار ويزيح المخاطر التي تتربص بالسودان الأرض والدولة، لولا أن تعقيدات كثيفة تحيط بالانتخابات من جراء عدة عوامل متشابكة تتوزع بين صراعات الداخل من ناحية، وتدخلات الخارج، إقليميا وعالميا من ناحية أخري. ويمكن تبين ذلك علي الوجه التالي:
أولا- تختلف الدوافع التي تحفز كل فريق علي الساحة السياسية للمشاركة في الانتخابات، فبينما يبدو حزب المؤتمر الوطني في حاجة ماسة لإجراء الانتخابات لاكتساب الشرعية أمام المجتمع الدولي، بالنظر إلي استمرار مطلب المحكمة الجنائية الدولية لاعتقال الرئيس البشير بدعوي ارتكاب جرائم حرب في دارفور، فإن أحزاب الجنوب تربط بين الانتخابات ومصير الاستفتاء الشعبي المقرر اجراؤه حول الجنوب، خاصة وقد هدد البشير بأنه لااستفتاء اذا لم تجر الانتخابات، هذا، بينما تبدو أحزاب الشمال متمسكة ببعض المستويات الانتخابية لأسباب قبلية وجهوية. وهنا لابد من الإشارة تحديدا إلي موقف الحركة الشعبية، فقد تحالفت مع أحزاب المعارضة من ناحية، ولكنها رأت بعد ذلك أن تراهن علي حزب المؤتمر الوطني الحاكم لجعل الفرصة أكبر في موضوع استفتاء الجنوب.
ويبقي السؤال: لماذا اختارت الحركة رئيس مجموعتها البرلمانية ومتحدثها الرسمي ياسر عرمان مرشحا عنها في انتخابات رئاسة الجمهورية، بينما اختار رئيس الحركة سلفا كير الترشح لرئاسة إقليم الجنوب؟ إن الإجابة لابد أنها تتعلق بمستقبل الجنوب السوداني.
ثانيا- لا تبدو أحزاب المعارضة علي الدرجة المناسبة من التوافق بما يسمح لها بإنجاز خطوة ملموسة في الانتخابات، وبعد توافق جوبا، تراجع الحزب الاتحادي الديمقراطي بزعامة عثمان الميرغني عن قرار الانسحاب، وأعلنت مصادر حزب الأمة بزعامة الصادق المهدي أن عودة الحزب عن قرار المقاطعة مازال واردا. وكان حزب الأمة قد تقدم بثمانية شروط للمشاركة وهي: تجميد ما سماه الأحكام الأمنية حتي نهاية الانتخابات بأمر جمهوري، ووضع الإعلام القومي تحت اشراف آلية قومية ذات توجهات نافذة تتفق القوي السياسية علي تكوينها، وحظر استخدام إمكانات الدولة وموارد القطاع العام ماديا وبشريا في الحملة الانتخابية، ووضع سقف للانفاق الانتخابي. كما طالب الحزب بفصل مسألة استفتاء الجنوب عن المساجلات السياسية الانتخابية، واعتبار مسألة انتخابات دارفور مسألة ناقصة لأسباب أمنية، وتكوين مجلس دولة لوضع ضوابط ضمان نزاهة الانتخابات، وتمديد فترة الاقتراع لأربعة أسابيع ضمانا لنزاهة الانتخابات.
ثالثا- يبدو الرئيس البشير مصمما علي المضي قدما في طريق اجراء الانتخابات في موعدها، حتي أنه هدد بطرد المراقبين الدوليين الذين طالبوا بتأجيل الانتخابات، ويبدو الخطاب السياسي للبشير نموذجا لخطاب يستثمر الدين سياسيا، فالبشير يؤكد أن الانتخابات وما يليها سيكون امتدادا لمشروع الإنقاذ الذي يقوم علي المحافظة علي الدين، وأضاف (أنه وصل إلي مقعد الحكم بدعاء أهل الدين، والطرق الصوفية، وأنه جاء مسنودا منهم، لغرس الدين والقيم الفاضلة التي تربي عليها المريدون.. وأنه لا يخشي في الحق برلمانا، ولاصندوقا، ولاحكومة، ووعد البشير بأن يحكم البلاد بالشريعة الإسلامية).
هذا، كما أن المفوضية القومية للانتخابات سعت إلي نوع من الاستجابة الجزئية لمطالب المعارضة حيث أصدرت قرارا بتحديد سقف الانفاق علي الحملات الانتخابية، ولكن جاء ذلك قبل ستة أيام من انقضاء الفترة المحددة للحملات. ولا يخفي هنا أن الحكومة أيضا سعت إلي استرضاء الجنوبيين فمنحت 40 مقعدا اضافيا للجنوب في البرلمان الوطني المركزي، بما يرفع عدد مقاعده إلي العدد الذي يعطيه حق الفيتو علي أية تعديلات دستورية جديدة.
رابعا- تبدو الانتخابات السودانية عملية معقدة، كونها تجري علي أربعة مستويات، فيجري انتخاب رئيس الدولة، أو رئيس حكومة جنوب السودان، ثم الانتخابات التشريعية علما بأن الهيئة التشريعية تتكون من المجلس الوطني ومجلس الولايات، ويتكون المجلس الوطني من 450 عضوا، أما مجلس الولايات فيتكون من ممثلين اثنين من كل ولاية، يتم انتخابهما بواسطة أعضاء المجلس التشريعي للولاية.أي أن الناخب يختار مرشحه للرئاسة، ومرشحه لحاكم الولاية، وممثليه للمجلس الوطني، وممثليه لمجلس الولاية.
ويجمع النظام الانتخابي بين النظام الفردي والتمثيل النسبي، حيث تخصص فيه 60% من المقاعد التشريعية للدوائر الجغرافية، و 25% لتمثيل المرأة، و 15% لقوائم الأحزاب السياسية. ويتم فيها تطبيق نظام الأغلبية النسبية، حيث يفوز من يحصل علي أكثر الأصوات، سواء تجاوزت 50% أم لم تتجاوز.
خامسا- إن انتخابات السودان تجري في ظل أصعب ظرف تمر به الدولة، بدءا من الحرب الأهلية في دارفور، والسلام الذي لم يكتمل في الجنوب، وهيمنة مشروع نيفاشا للسلام علي شكل الدستور وقانون الانتخابات. بالإضافة إلي ترقب استفتاء الجنوب. ومن المعروف أن الحركة الشعبية لتحرير السودان قد انضمت إلي حزب المؤتمر الوطني بزعامة البشير، في حكومة ائتلافية بعد نحو 22 عاما من الحرب الأهلية بين الشمال الذي تقطنه أغلبية عربية ومسلمة، والجنوب الذي يغلب عليه المسيحيون وأصحاب الديانات الأخري. ولا شك أن الإحصاء العام للسكان ينطوي علي أهمية في هذا السياق، وبحسب وكالة الصحافة الفرنسية فإن عدد سكان السودان يبلغ نحو 39 مليون نسمة، منهم نحو 8 ملايين نسمة أو 21% من السكان يعيشون في الجنوب، كما أن نحو نصف مليون من سكان جنوب السودان يعيشون في شماله، في حين يقول الجنوبيون إن أعدادهم تصل إلي ثلث سكان السودان.
استطلاعات مبدئية
تبدو صورة المشاركة الحزبية في الانتخابات مغرقة في الغموض ما بين قرارات المقاطعة، وقرارات الرجوع عنها وأخيرا هؤلاء الذين اتخذوا قرارات بالمشاركة الجزئية في الانتخابات التشريعية والمحلية، ومقاطعة انتخابات الرئاسة وعموما، من المتوقع أن يبدأ اقتراع 11 ابريل بنحو 12 مرشحا، من بينهم سيدة سودانية تترشح للمنصب كأول سيدة علي المستوي الأفريقي، وهي الاستاذة فاطمة عبد المحمود، التي تولت منصبا وزاريا في عهد الرئيس السابق النميري. ويقوم علي مراقبة انتخابات السودان 10 دول منها جنوب افريقيا واليابان ووفود من الاتحاد الأوروبي، والأمم المتحدة، والاتحاد الأفريقي، والجامعة العربية.
وتدل استطلاعات أولية أنه مع سيطرة الحركة الشعبية لتحرير السودان علي الجنوب الذي يشكل ربع عدد الناخبين السودانيين فإنه في حال عودة ياسر عرمان للمشاركة، فإنه سيمثل منافسا قويا وتحديا كبيرا للبشير، وقد يبدو مرشحا أوفر حظا، إلا أن آخرين يرون أن البشير سيخوض انتخابات سهلة طالما أن نطاق المنافسة لن يتسع، وربما لن يواجه الرئيس منافسة تذكر، وأن استمرار البشير يظل ضمانة لإجراء استفتاء الجنوب كما هو متفق عليه. غير أنه من دواعي القلق بالنسبة للمؤتمر الوطني الحاكم أن تمنع أصوات الجنوبيين من فوز البشير من الجولة الأولي، أو أن تؤدي تحالفات المعارضة إلي طرح مرشح قوي، وأن تتطور الأمور إلي فوز للبشير مشكوك فيه، لتجد السودان نفسها في وضع مشابه لسيناريو (إيران) ولتتصاعد المواجهات الداخلية التي تزيد من خطورة الوضع الداخلي في السودان.
المقاطعة.. مالها وماعليها
من المؤكد أن الأحزاب السودانية، ومنها أحزاب تتمتع برصيد سياسي وتاريخي ودرجة عالية من الحضور الشعبي حاولت أن تستخدم سلاح المقاطعة للانتخابات سعيا للضغط من أجل مزيد من الشفافية والنزاهة وضمان سلامة العملية الانتخابية، وتخفيف حجم الضغوط التي تمارسها عليها السلطات الأمنية.غير أن سلاح المقاطعة في حد ذاته هو سلاح ذو حدين، وقد تعتبر مقاطعة أحزاب المعارضة للانتخابات أحد عيوب الأحزاب العربية عموما، ونقطة ضعف لها أهميتها في الممارسات السياسية في السياق العربي. فالمقاطعة إذن، حتي تؤتي ثمارها، تحتاج إلي توظيفها سياسيا بصورة مجدية، وبحيث تنطوي علي أهداف محددة ترجي من ورائها.
وفي حالة الانتخابات السودانية، فإنه في حالة اقدام نحو خمسة من أهم الأحزاب علي مقاطعة انتخابات رئاسية وتشريعية ومحلية، ستكون له آثاره السلبية علي مدي شرعية الانتخابات، وبالتالي سلامة النتائج، وفي التحليل الأخير، الشرعية الديمقراطية للنظام السوداني، والرئيس البشير نفسه، في ظل الظروف التي تمر بها البلاد. ذلك أنه في الوضع العكسي، أي إذا ما تمكنت السودان من إجراء انتخابات، بمشاركة حزبية معقولة، فإن ذلك سيخفف من حدة العزلة الدولية للنظام السوداني، ويحسن موقف الرئيس أمام المجتمع الدولي.
من ناحية أخري، فإن إجراء الانتخابات السودانية في ظل مقاطعة حزبية مؤثرة، يطرح تساؤلات مهمة حول مصير علاقة الشراكة بين الحركة الشعبية، وحزب المؤتمر الوطني الحاكم، في ظل نتائج انتخابية مطعون في صحتها، وما يمكن أن يترتب علي ذلك من مشكلات ضخمة إذا ما تقرر إجراء استفتاء الجنوب كما هو مقرر.
علي صعيد آخر، فقد يبدو أن ظروف إقليم دارفور، تمنح الشرعية وصواب الرؤية لكل من يطالب بعدم المشاركة في الانتخابات. فهيئة محاميي دارفور طالبت إما بتأجيل الانتخابات أو بالتأجيل الجزئي في دارفور، واشترطت لإجراء انتخابات حرة ونزيهة في دارفور نزع سلاح الجنجويد والمجموعات المدعومة من قبل الحكومة، واتخاذ التدابير اللازمة لعودة اللاجئين والنازحين، واجبار الحكومة علي السماح لمنظمات الإغاثة الدولية بالعمل الإنساني في دارفور. إذن فإقليم دارفور، الذي يقطنه 20 % من سكان السودان، ويعد ثاني أكبر أقاليم البلاد، يشهد مشكلات وعقبات انتخابية، القت بظلالها علي الموقف برمته. وتقول مصادر الأمم المتحدة إن ملايين النازحين في دارفور قد لا تشملهم العملية الانتخابية، ولم تبذل حكومة البشير التدابير الضرورية لضمان مشاركة جدية لسكان دارفور والتعبير عن مصالحهم.
البعد الدولي
ليس السودان بالبلد الذي يمكن أن يترك وشأنه، وهو الدولة بالغة الاتساع بما يعادل مساحة 8 دول أوروبية مجتمعة (5. 2 مليون كيلو متر مربع)، يقطنه 40 مليون نسمة متنوعي الأصول : العربية والافريقية، وانتماءات إلي عشرات القبائل والعرقيات، التي قد تمتد إلي دول مجاورة. هذا فضلا عن توافرعناصر القوة من موارد طبيعية، وثروات معدنية، ومصادر المياه، والآراضي الخصبة.
كل هذه العناصر تجعل من الشأن السوداني أمرا تهتم به الدوائر الإقليمية والعالمية، علي عدة مستويات. ففي دول الجوار الأفريقي، هناك من يترقب التطورات الانتخابية السودانية، وما يمكن أن تسفرعنه بالنسبة لمنطقة الجنوب، نظرا للعلاقات التي توثقت مع بعض فصائله في فترة الحرب الأهلية (كينيا اثيوبيا)، فضلا عن دول افريقية أخري تابعت الشأن الانتخابي، لدرجة أنها أدلت برأي في اتجاه التأجيل منتقدة بعض الممارسات لحكومة السودان مما يمس سلامة الانتخابات.
أما علي الصعيد الدولي، فإن قوي عظمي تترقب ما يجري سياسيا في السودان علي اعتبار أنه يمس مباشرة مصالحها في هذا البلد، فهناك سباق أمريكي أوروبي صيني علي نفط السودان وثرواته الكامنة.
وبالإضافة إلي التوجهين الأمريكي والأوروبي الداعم لإجراء الانتخابات بالرغم من بعض التحفظات، فإن الرؤي الدولية تشمل أيضا أولئك الذين يتابعون الشأن السوداني بدرجة أعمق. من ذلك ما أدلي به ديمتري تيتوف مساعد الأمين العام للأمم المتحدة لعمليات حفظ السلام أمام مجلس الأمن مؤكدا أن "حرية التعبير" و" التجمع" ضروريتان لحملة انتخابية وانتخابات فعالة في أول انتخابات ديمقراطية يشهدها السودان منذ 24 عاما وأكد تيتوف لمجلس الأمن أنه في الوقت الراهن تواجه الحريات الأساسية قيودا بموجب قوانين الطوارئ لعام 1997 التي تم رفعها في جميع أنحاء السودان، ولكنها مازالت تطبق في الولايات الثلاث لدارفور. واستنتج تيتوف أنه من المهم تعديل قانون الأمن القومي الذي يسمح لأجهزة الأمن الحكومية باعتقال أشخاص من دون سبب، وأنه يحسن تعطيل هذا القانون قبل بدء الانتخابات.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.