فى الوقت الذى يتمسك فيه نظام الرئيس البشير بقيام الانتخابات العامة فى السودان فى أبريل القادم ليعيد ترشيح البشير مرة أخرى بغرض الحفاظ على حصانته تفاديا لمثوله أمام المحكمة الجنائية الدولية، ضارباً عرض الحائط بكل مطالبات القوى السياسية السودانية والقوى الإقليمية والدولية بما فيها الولاياتالمتحدةالأمريكية، تستعد المعارضة السودانية بشقيها المدنى والعسكرى فى تكتل غير مسبوق لمنع العملية الانتخابية وتحويلها إلى انتفاضة شعبية تطيح بالبشير وأعوانه بعد فشل الحوار الوطنى. بينما لا ترغب أطراف سياسية أخرى بغير إسقاط الحكومة ولا ترى جدوى من محاورتها. ومع تزامن عقد حزب الموتمر الوطنى الحاكم لمؤتمره العام لتحديد مرشحه لرئاسة الجمهورية، أكد مساعد الرئيس السودانى ونائبه لشئون الحزب إبراهيم غندور عدم وجود ما يمنع ترشح الرئيس عمر البشير لدورة رئاسية جديدة وفقا لدستور الحزب، وأن حزبهم بدأ فى إجراءات اختيار مرشحيه لرئاسة الجمهورية، على أن يختار المؤتمر العام للحزب فى 23 أكتوبر الجارى منهم مرشحا واحدا فى انتخابات الرئاسة .2015 بدأت الخطوة الأولى للسيناريو بتعيين البشير البروفيسير مختار الأصم رئيسا لمفوضية الانتخابات العامة وتعديل قانون الانتخابات بمعزل عن القوى السياسية الأخرى ورفض الأحزاب المشاركة فى الحكومة، ويبرر قادة المؤتمر الوطنى «الحزب الحاكم» تمسكهم قيام الانتخابات فى أبريل 2015، استناداً على الدستور الانتقالى لسنة 2005 باعتبار أن مفوضية الانتخابات هى التى حددت الموعد ولا يملكون صلاحية تأجيلها كحزب. مساعد الرئيس إبراهيم غندور رفض بشدة أن يكون ترشيح البشير مرة أخرى مخالفا للدستور وقال: «كل من لديه أى حديث يتعارض مع الدستور وإمكانية ترشح البشير مرة أخرى فنحن جاهزون». وكان رئيس حركة «الإصلاح الآن» المنشق عن الحزب الحاكم غازى صلاح الدين قد علق فى وقت سابق داخل قبة البرلمان السودانى على محاولة حزب المؤتمر الوطنى ترشيح البشير قائلاً: «إن إعادة ترشيح البشير لدورة رئاسية جديدة يستلزم تعديل الدستور الذى ينص على عدم الأحقية فى الترشيح لدورتين رئاسيتين». وأضاف غندور فى موتمر صحفى عقده الأسبوع الماضى «إن الانتخابات استحقاق دستورى وإنهم ملتزمون بإتمامها فى موعدها الذى حددته المفوضية القومية للانتخابات، ورفض غندور طلبا كانت قد تقدمت به الولاياتالمتحدة عبر مبعوثها الخاص للسودان وجنوب السودان، دونالد بوث تأجيل الانتخابات لإعطاء الحوار الداخلى فرصة, وردد: «ما شأن أمريكا بانتخابات السودان». ويرى مراقبون أن استعجال الحكومة إقامة الانتخابات فى موعدها حسب الدستور الغرض منه ضمان استمرار النظام وبقيادة البشير لمدة أربع سنوات أخرى وليس الهدف منه فتح الباب أمام المصالحة والانتقال الديمقراطى السلمى وإيقاف الحرب. ويدور صراع معلوم بين تيارين داخل الحزب الحاكم، وباعتراف قياداته بين من يؤيدون ترشيح البشير مرة أخرى وبين الرافضين لذلك، حيث ترى بعض القيادات ضرورة تجديد الدماء فى الحزب بمرشح يكون مقبولا إقليميا ودوليا لا سيما أن بقاء البشير الملاحق بالمحكمة الجنائية قد انعكس سلباً على البلاد وعلى حزب المؤتمر الوطنى نفسه. مسئول العلاقات الخارجية فى الجبهة الثورية ياسر عرمان دعا قوى المعارضة لجعل الانتخابات معركة لإسقاط النظام وطالب المواطنين برفض التسجيل والترشح داعياً إلى قيامها بعد إيقاف الحرب، مناشدا القوى السياسية ومنظمات المجتمع المدنى وقوى التغيير من النساء والشباب والطلاب لمنع قيام الانتخابات وجعلها منصة لمعركة واسعة تقود إلى انتفاضة سلمية تسقط النظام، وقال فى بيان صحفى «سعينا مع كل القوى السياسية لكى نلتقى لمنع قيام الانتخابات، ولتشكيل أوسع جبهة من المعارضة لإسقاط النظام». وحسب مراقبين سياسيين، فإن السودان الذى يمر بأسوأ مراحله السياسية والاقتصادية منذ استقلاله عن الاستعمار الإنجليزى 1956، موعود بمستقبل مجهول ومصير قاتم فى ظل عدم التوافق السياسى بين أحزابه وتشكيلاته السياسية المعارضة لحكومة الإخوان المسلمين برئاسة البشير. قوى المعارضة المدنية، ممثلة فى تحالف القوى الوطنية، طالبت بتأجيل الانتخابات وتشكيل حكومة لفترة انتقالية تسبق الانتخابات، توقف الحروب الدائرة فى دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق، وتهيئ الأجواء لقيام انتخابات لاحقة حرة ونزيهة، لكن المؤتمر الوطنى رفض هذا الطلب، وقال إن حزبه قدم الدعوة لقرابة ال 50 دولة لحضور المؤتمر العام تمهيداً لجولة جديدة للحكم. أكد محمد ضياء الدين الناطق الرسمى لتحالف قوى الإجماع الوطنى مقاطعة المعارضة للانتخابات فى ظل إصرار الحزب الحاكم على خوضها، وأكد أن النظام غير الديمقراطى لا يمكن أن يخرج انتخابات ديمقراطية، وقال: «الدستور الدائم أيضا لا يمكن صياغته فى ظل وطن نصفه يعيش فى حرب والنصف الآخر حريته مصادرة». وأضاف ضياء الدين قائلاً: المعارضة لن تقبل بوضع الدستور إلا فى المرحلة الانتقالية، أما إذا أراد الوطنى أن يجرى الانتخابات فى ظل هيمنته السياسية، فليقمها كما يريد، هذا شأنه، أما قوى الإجماع الوطنى فترفضها رفضا باتا، فليفز بالإجماع السكوتى، وتابع: قد علمنا أن الانتخابات ستكلف البلد ما لا يقل عن «800 مليون دولار، فليوفر هذا المبلغ لتقديم مساعدات إنسانية للنازحين والفقراء وليفز بالتزكية أو الإجماع، ونحن راضون عن ذلك». من جهته يقول دكتور عبدالوهاب الأفندى أستاذ العلوم السياسية بجامعة كمبردج، إنها ليست أول ولا آخر مخالفة من الحكومة للدستور، الذى ظل الالتزام به هو الاستثناء، كما يظهر من التمادى فى التعدى على حريات المواطنين التى كفلها الدستور، ولو كان الالتزام بالدستور هو معيار الشرعية، فإن النظام فاقد للشرعية أساساً، والفراغ الدستورى قائم. وانتقد الأفندى لجنة الانتخابات والبيئة السياسية الحالية فى السودان وقال: «لجنة الانتخابات بتركيبتها الحالية تفتقد الحيدة والكفاءة لعقد انتخابات بعيدة عن تدخلات المؤتمر الوطنى، كما أن هيمنة الحزب الحاكم على الدولة وأجهزتها من إعلام وشرطة وقضاء لا تتيح للمعارضين الفرص المتكافئة». وكانت المفوضية العامة للانتخابات السودانية، قد أعلنت فى وقت سابق وعلى لسان رئيسها مختار الأصم أن الانتخابات ستجرى فى الثانى من أبريل، على أن تبدأ الحملات الانتخابية فى الثالث عشر من فبراير، وأن كل حزب سياسى سيحصل على قوائم الناخبين.. فى إشارة إلى مضى الحكومة فيما تخطط له بتنظيم انتخابات تكسبها شرعية جديدة أمام المجتمع الدولى.∎