تعود علاقة السودان بدولة قطر إلى بداية السبعينيات من القرن الماضى، وهى جزء من علاقات السودان التقليدية بدول الخليج العربى، وإلى عهد حكومة الرئيس البشير كانت تسير بذات الشكل التقليدى، ثم تطور وتبدل شكل العلاقة فى مرحلة ما بعد انقلاب الأمير حمد بن خليفة على والده بمساعدة أجهزة حكومية سودانية ذات ارتباط أيديولوجى-«إخوان مسلمين»- بشخص الأمير الجديد الذى استولى على السلطة فى العام .1995 فالسودان الذى مزقته الحروب قرابة نصف القرن ولاتزال، أصبح منخفضاً سياسياً يقدم التنازلات، ومنها سماحه لدولة قطر بالتدخل فى أدق شئونه الداخلية، قطر من ناحيتها كانت على الدوام الداعم الرئيسى لإسلاميى السودان، خصوصاً فى فترات العزلة الدولية التى عاشها السودان بسبب توجه نظامه وتسببه فى توتر علاقة السودان بمحيطيه العربى والأفريقى، ثم واصل النظام القطرى بتقديم نفسه وسيطاً بين أطراف الصراع فى السودان، واستضافت قطر مفاوضات سلام دارفور عبر «منبر الدوحة»، وتنامت المصالح القطرية فى السودان لتتجاوز استثماراتها فى السودان ال «3 مليارات دولار»، فى مشروعات مختلفة مالية وزراعية وصناعية وبعضها فى قطاعات النقل والخدمات بشكل عام، وأصبحت دولة قطر مؤثرا وفاعلاً فى السياسة السودانية، وعلى الرغم من امتلاك قطر لفوائض مالية هائلة وإمكانيات اقتصادية وإعلامية كبيرة يصور الإعلام القطرى بلده بأنها دولة ليست ذات مطامع فى السودان، ولكن النظر فى نوع الاستثمارات القطرية يشى بعكس ذلك، إذ باتت تحتكر أراضى ومشروعات زراعية ومتاحف تاريخية. يفسر بعض السودانيين ازدهار العلاقة بين السودان وقطر فى ظل حكومة البشير بأنه يعود إلى علاقة خاصة تربط الأمير القطرى السابق حمد بن خليفة بتنظيم الإخوان المسلمين السودانيين بشكل خاص وبزعيمهم حسن الترابى على نحو أخص. وكانت قطر أول دولة قامت بدعم الإسلاميين السودانيين فور وصولهم إلى السلطة، حيث قدمت مبلغ 40 مليون دولار كقرض بدون فوائد عقب نجاح انقلابهم فى الخرطوم فى العام 1989 إلى جانب الدعم الإعلامى من خلال قناة «الجزيرة» وانحيازها لهم، كما قدمت قطر دعماً دبلوماسيا وسياسيا للخرطوم بالمصالحة التى عقدتها بين النظام السودانى والحكومة الإريترية، مما منح قطر فرصة للتدخل فى صراع فصائل شرق السودان وحكومة البشير ثم نجحت فى تحييد النظام فى أريتريا مما مكن قطر من الوصول إلى اتفاقية وقف العدائيات بين تنظيمى «مؤتمر البجا والأسود الحرة» من جهة والحكومة السودانية. عقب ذلك ألقت قطر بثقلها فى الملف الشائك والمعقَّد «قضية دارفور»، وقدمت مبادرة للسلام بين الفصائل المسلحة فى دارفور والحكومة السودانية، وأخفقت فى أغلب محاولاتها لإجراء مصالحة بين الفصائل الدارفورية المتعددة وحكومة السودان ولكنها نجحت فى الوصول إلى اتفاق بين الحكومة السودانية وأحد فصائل دارفور فى ما عرف ب «اتفاق سلام الدوحة»، وكانت قطر قد لعبت دور الوسيط فى وقت سابق حيث حاولت رأب الصدع بين طرفى الحركة الإسلامية فى السلطة بقيادة الرئيس عمر البشير، والجناح المنشق عنه بقيادة الدكتور حسن الترابى، إلا أنها فشلت فى توحيد الإسلاميين. فى ديسمبر 2013 كان الرئيس البشير يتحدث إلى أعضاء حزبه فى مدينة القضارف بشرق السودان عن الانتخابات ثم فجأة قال: «إن دولة قطر قد وقفت مع السودان فى كل مراحل تطوره!» وهذا ما يؤكد أن دولة قطر حاضرة بشكل قوى فى الشأن السودانى وتتدخل فى كل شئونه الداخلية وبلا حدود. رغم تغير الكثير من المعادلات على الصعيد الإقليمى فإن علاقة قطر بالسودان لم تتأثر بذلك، فقطر تحتاج السودان كمعبر لتقديم الدعم إلى التنظيمات الإسلامية المتحالفة معها وطلبت من السودان مساعدتها فى تمويل الإسلامويين عبر حدوده المفتوحة مع ليبيا وتمرير السلاح والعتاد على أن تسدد قطر قيمة ذلك. على الصعيد الاقتصادى قدمت قطر مساعدات مالية تقدر ب «2» مليار دولار لإعمار دارفور، ومشروعات عديدة أبرزها مشروع الديار ومشروع حصاد الزراعى ثم قدمت مليارا آخر عبارة عن استثمارات فى شكل قروض استخدمت فى بناء «سد مروى»، وتعلية «خزان الرصيرص»، ورصف عدد من الطرق، وتم ذلك من خلال الصندوق العربى.∎