نعم عزيزى القارئ سوف نكشف لك سهولة سرقة آلاف من المساهمين خاصة الصغار منهم فى البورصة المصرية والإفلات من العقوبة بكل بساطة، ليس لأنك عبقرى فى الإجرام، ولكن لأن قانون سوق المال المصرية رقم 95 لسنة 92، لم يضع شرط رد المال المسروق ضمن بنوده وأفرغ العقوبات من مضمونها، وبالتالى فلن تنال سوى بعض الأحكام القضائية بغرامات تافهة بالمقارنة بما سرقته ولن تدفع شيئا من هذه الغرامات وتعتمد على حبال المحاكمات الطويلة.. وبالطبع لن تلتفت للعنات الضحايا ممن سرقت أموالهم ويموتون فى اليوم ألف مرة انتظارا لتحقيق العدالة المفقودة أو لعنات عائلاتهم فى حالة موت المساهم كمدا أو انتحارا. طريقة السرقة
قم بشراء أسهم شركة من الشركات الخاسرة، وبالطبع فإن ثمن أسهمها لن يتجاوز 6 ملايين جنيه، ثم قم بزيادة رأس مالها إلى 75 مليون جنيه، وأعلن عن إصلاحات وضخ استثمارات فى الشركة حتى يتم بيع السهم بسعر جيد، وحبذا لو كنت من جنسية أخرى غير مصرية، وبالتالى فإن الثقة ستكون أعلى فى وعودك ثم قم بإعادة تقييم أصول الشركة، وبالتالى سيقفز سعرها بدلا من 75 مليون جنيه إلى 200 مليون جنيه وستكسب أسهما إضافية وهى تمثل الفرق بين ال (75 وال 125 مليونا) أى حوالى 62 مليون سهم إضافية ثم ارهن هذه الأسهم لأحد البنوك، لأنك لا تستطيع أن تبيعها قبل مرور عامين ماليين متتاليين (فلوسك بقت فى جيبك لأنك أخدت حوالى 100 مليون من البنك مقابل هذه الأسهم) ثم أعلن عن طرح 9٪ من أسهمك للبيع وقم ببيع 37٪ منها وليس 9٪ وهيئة سوق المال لن تفعل لك شيئا (رغم أن ما فعلته جريمة فى القانون المصرى)، وذلك مع حملة إعلانية ضخمة، وبالتالى سيقفز سعر السهم من 87 قرشا عام 2007 ليباع بمتوسط أكثر من 12 جنيها عام 2009).
تخيلت حجم الأموال التى ربحتها أم أن الأمر أكبر من حساباتك.
أما المساهمون فإنهم سيحاولون التعلق بأى قشة حتى يثبتوا السرقة وفى حالتك فالهفوة تمثلت فى البيع أثناء فترة الحظر (وهى فترة الأمان التى تسبق نشر معلومات مهمة عن الشركة)، أى أنك بعت فى فترة الأمان فجنيت كثيرا من الأرباح، وفى هذه الحالة كان لابد للبورصة أن تصدر أمرا بشرائك ما قمت ببيعه، ولكن تم إيقاف هذا الأمر أثناء تنفيذه فى البورصة لأنك قمت بكتابة تظلم فى لحظتها ولحقت العملية.
وستظل تراوغ المساهمين لسنين طويلة يموت فيها كمدا من يموت وينتحر من ينتحر ويضيع مستقبل الأبناء وتترمل النساء، أما أنت فعش حياتك كما تريد.
لا توجد عقوبة بالقانون المصرى
ببساطة شديدة عندما تكتب إحدى السيدات شيكا على نفسها لأحد تجار الأدوات الكهربائية لتزويج ابنتها ويتم تقديم الشيكات للنيابة فهو إما الدفع أو الحبس هذا ما يسمى بتصحيح الضرر، وهو مقدم على حق المجتمع، فالتاجر سيتنازل عن المحضر فى نظير رجوع أمواله، وبالتالى تسقط عقوبة المجتمع بالسجن عن السيدة أو بالإفراج عنها وعليه فإن أى قانون فى العالم، تكون العقوبة فيه منقسمة إلى شطرين يكمل بعضهم البعض، عقوبة أساسية وعقوبة تكميلية لا ينفصلان، أما العقوبة الأساسية فهى حق المجتمع، والعقوبة التكميلية فهى لتصحيح الضرر ثم التعويض عن آثار الضرر، وحيث أن تصحيح الضرر مقدم على العقوبة الأساسية لأن من حقك إسقاط الدعوى نظير رد أموالك، فعندما تجد أن القانون تم إفراغه من مبدأ تصحيح الضرر أو (رد المنفعة المحققة للمتلاعب) فقد أسقط أهم شق فى العقوبة، وهذا هو حال قانون سوق المال المصرى.
تمسك المشرعون بحبس السيدات الغارمات بشيكات لا تتجاوز عدة آلاف من الجنيهات وتدمير أسر بالكامل، فى حين تقاعسوا وتغاضوا عن حبس من يستولون على مئات الملايين من مساهمى البورصة ولنا فى قضية أجواء الأسوة والعبرة فقد كانت نتيجه إسقاط مبدأ رد المنفعة أن يفلت المتلاعب بمعظم ما ربحه من مكاسب غير مشروعة (تعدت 400 مليون جنيه) لأن عددا صغيرا جدا من المتضررين (أقل من 100 مساهم من أصل 8700 مساهم أصابهم الضرر) لجأوا إلى التعويض الذى يستغرق سنين عديدة، وبالتالى أفلت المتلاعب بما حققه من أرباح تخص 98٪ من المساهمين وهو الجزء الأعظم من المال المسروق.
ويبدو أن المصرى سيظل رخيصا فى بلاده وما نقوله ليس كلاما إنشائيا ولكنه حقيقة، ففى حين نجد أن المادة الأولى فى دساتير ألمانيا (كُتب عام 1934) والولاياتالمتحدةالأمريكية هى المواطن وحقوقه، نجد أن حقوق المصرى فى المادة 54 من دستوره أى بعد حقوق الدولة، وإذا ألقينا نظرة على قوانين سوق المال نجدها متشابهة فى كل دول العالم خاصة من ناحية العقوبات وفى قوانين سوق المال بأمريكا وإنجلترا وسنغافورة والسعودية والإمارات والكويت سنجدها تغلظ العقوبة بصورة شديدة على من يتربح بطرق غير مشروعة من المساهمين بالبورصة فتكون العقوبة فى الولاياتالمتحدةالأمريكية السجن مدى الحياة، أما فى الصين فتصل العقوبة إلى الإعدام، ولأن جرائم سوق المال غالبا ما تكون بغرض التربح، وبالتالى تحقيق مكاسب غير مشروعة للمستثمر من جيوب الضحايا، فإن قوانين تلك الدول قامت على مبدأين أساسيين الأول وهو رد المنفعة والثانى هو ربط الغرامة بقيمة التربح.. أما المبدأ الأول فقد نصت عليه المادة رقم 128 فى قانون سوق المال الكويتى (فى جميع الأحوال يحكم على الجانى فضلاً عن العقوبة الأصلية برد قيمة المنفعة المالية التى حققها أو قيمة الخسائر التى تم تجنبها نتيجة ارتكابه فعلاً مخالفاً لأحكام هذا القانون. وسنجد أيضا أن حق التصالح مشروط برد هذه المنفعة فى (المادة 131) من نفس القانون (يجوز للهيئة، فى أى مرحلة من مراحل الدعوى إلى أن يصدر فيها حكم بات، عرض الصلح أو القبول به مع أى شخص ارتكب إحدى الجرائم المنصوص عليها فى هذا القانون وذلك مقابل أداء مبلغ لا يقل عن الحد الأدنى للغرامة المقررة وألا يزيد على حدها الأقصى)
السعودية
أما فى قانون سوق المال السعودى فسنجد مبدأ رد المنفعة فى البند الرابع من المادة التاسعة والخمسين، والتى نصت على (تعويض الأشخاص الذين لحقت بهم أضرار نتيجة للمخالفة المرتكبة، أو إلزام المخالف بدفع المكاسب التى حققها نتيجة هذه المخالفة إلى حساب الهيئة).
أما المبدأ الثانى وهو ربط الغرامة بقيمة التربح، أى أن العقوبة المالية لأى جريمة مالية يجب أن تكون متناسبة مع حجم التربح فتكون الغرامة مرتبطة بمبلغ التربح للردع بما لا يزيد على 3 أضعاف القيمة التى تم تربحها فى جرائم الغش والتدليس أو الانتفاع أو استغلال معلومات داخلية، حيث يؤكد القانون الأمريكى أن العقوبة المالية يتم تحديدها بواسطة المحكمة، ولكنها يجب ألا تزيد على ثلاثة أمثال المكاسب المحققة أو الخسائر التى تجنبها كنتيجة لهذه الجريمة.
وهو ما يتوافق معه القانون الكويتى أيضا فى إحدى مواده (118) بأنه (يعاقب بالحبس مدة لا تتجاوز خمس سنوات وبالغرامة التى لا تقل عن قيمة المنفعة المحققة أو الخسائر التى تم تجنبها أو مبلغ عشرة آلاف دينار أيهما أعلى ولا تتجاوز ثلاثة أضعاف قيمة المنفعة المحققة أو الخسائر التى تم تجنبها أو مبلغ مائة ألف دينار أيهما أعلى أو بإحدى هاتين العقوبتين كل مطلع انتفع أو استغل معلومات داخلية عن طريق شراء أو بيع الأوراق المالية أو الكشف عن المعلومات الداخلية أو إعطاء مشورة على أساس المعلومات الداخلية لشخص آخر غير مطلع. ويعتبر الشخص الذى يتداول بالأوراق المالية أثناء حيازته للمعلومات الداخلية منتفعا بها إذا كان الشخص على علم بها عندما قام بالبيع أو الشراء إلا إذا استطاع إثبات أنه لم يتداول بناء على تلك المعلومات).
كارثة قانون سوق المال المصرى
أما فى مصر فلا شرط للتصالح يعلقه على رد المنفعة لأن أصلا مبدأ (رد المنفعة) غير موجود بالقانون! وهو ما منح صاحب شركة أجواء الفرصة للإفلات بما حققه من مكاسب غير مشروعة من المستثمرين وعدم تنفيذه أى حكم قضائى صدر ضده (6 أحكام قضائية ) ومنها قضايا غرامات لم يقم بسدادها.
وهو ما يوضحه دكتور عوض الترساوى - أستاذ القانون الدولى - شارحا عيوب القانون المصرى بقوله (فى المادة 65 من قانون سوق المال لا يتم تحريك الدعوى الجنائية ضد المستثمر المتلاعب فى جرائم سوق المال إلا بناءً على طلب هيئة سوق المال وبذلك ضيقت على حق المضرور وحدت من حقوقه فى اللجوء إلى القاضى الطبيعى، وفى هذه الحالة فهو القاضى الجنائى بطريق الادعاء المباشر، أى أن المساهم يقع ضحية احتيال وغش ولن يستطيع تحريك دعواه إلا بعد موافقة الهيئة وفى حالة رفضها يتم رفض القضية ولم يعد للمتضرر حق إقامة دعوى جنائية بالطريق المباشر وما تملكه النيابة أن تحيل الأمر مرة أخرى إلى الهيئة لموافقتها أو عدم موافقتها.
ويضيف الترساوى: أما الجزئية الأخرى فى القانون فإنها (للهيئة أن تتصالح فى الدعوى الجنائية فى أى مرحلة بشرط أن تتحصل على الغرامات الملزمة الواجب الوفاء بها على المخالف جنائيا ويترتب على تصالح الهيئة انقضاء الدعوى الجنائية فى حق المتهم وتترك الضحية وشأنه مع القضاء، ومن حق المتضرر أن يقيم دعوى التعويض المدنى فقط، وبالتالى فقد أنزل القانون الهيئة منزلة الواصى على المجنى عليه بينما المساهم هو الضحية، ولذلك يجب أن تتم إضافة شرط موافقة المساهم المضرور على التنازل عن الدعوى الجنائية، وهو ما يحدث فى أمريكا وإنجلترا وجميع دول العالم ولابد من إصلاح وإزالة الضرر عن المساهمين قبل التصالح وفى حالة شركة أجواء فلابد من إزالة الضرر بتعويض المستثمرين بالكامل عما أصابهم من ضياع أصل رأس المال المستثمر لهم وحبس المال طوال مدة الإيقاف والتعويض عن الفرص الاستثمارية الفائتة فى ظل تغيير الظروف الاقتصادية والتعويض عن الضرر المادى والمعنوى من خيبة أمل وإيذاء نفسى.
ويوضح الترساوى أن ما يتم المطالبة به هو تشريع جوهرى وضرورى يحتاج إلى تعديلات قانونية خاصة أن الهيئة تحتاج إلى قانون جديد يضمن لها الحيدة والاستقلالية المنصوص عليهما فى دستور 2014 لتنتقل تبعيتها إلى مجلس الشعب وليس مجلس الوزراء.
عجز هيئة سوق المال
ويستبعد شريف سامى - رئيس هيئة سوق المال - التقدم بتعديلات على قانون سوق المال قبل عام من الآن مستندا بذلك إلى عدم وجود مجلس شعب لإقرار تلك التعديلات بقوله: «لا نستطيع تغيير القوانين كل شهرين خاصة أننا انتهينا من تعديلات اللائحة التنفيذية لقانون سوق المال لأنها سلطة وزير الاستثمار وليس مجلس الشعب غير الموجود ليقوم بإقرار تعديلات القانون وما يقوم به رئيس الجمهورية من إصدار تشريعات يتم على نطاق ضيق ولقوانين فى غاية الأهمية للمواطنين».
وعن نسبية الأهمية للقوانين فما يراه غير مهم يراه المساهمون مسألة حياة أو موت يقول سامى: «تختلف الأهمية ولكن عندما يقوم رئيس الجمهورية بإصدار تشريعات لقطاع عريض من المواطنين مثل قانون التمويل المتناهى الصغر وقانون التأمين».
ويضيف سامى: «فى حالة مراجعة القانون سيتم النظر فى العقوبات وستكون هناك نسبة وتناسب فى عقوبات التلاعب فى السوق وتعامل الداخلين (موظفو الشركات التى تقوم بطرح أسهمها فى البورصة) المستفيدين من المعلومة غير المتاحة للغير وأن تكون الغرامة متناسبة مع قيمة المخالفة وبقيمة أكبر أيضا حتى تكون رادعا لمن يحاولون التلاعب فى سوق المال.
ويفجر سامى قنبلة بقوله: «حتى لو تمت إضافة بند رد المنفعة فى القانون فلن يتم تطبيقه بأثر رجعى، وبالتالى لن يسرى على المتضررين الحاليين فى شركة أجواء، وقد قمنا بتحريك الدعوى الجنائية ضد المستثمر ولا نملك ما نفعله أكثر من ذلك.