بورسعيد الباسلة تتصدر المشهد السياسى والإعلامى وكأن أيام العدوان الثلاثى تعود من جديد، لكن العدوان هذه المرة ليس ثلاثيا وليس خارجيا، إنما هو من داخل الوطن، وكأنه كتب على أبناء بورسعيد أن يتحملوا متاعب الغزوات الخارجية والداخلية بمفردهم، واليوم أبناء بورسعيد يواجهون شرطة الحاكم، يتصدون للرصاص الحى والسحل والدهس على مدار أيام من الغضب. فمع اشتعال فتيل الأزمة بين أهالى بورسعيد وقوات الشرطة، تزايدت أعداد المصابين التى اقتربت من ال 500 مصاب، بالإضافة إلى 4 قتلى نتيجة الاشتباكات الدامية المشتعلة منذ أيام، وقد تعرضت قوات الجيش المكلفة بتأمين المنطقة إلى الاعتداء من قبل مجهولين ورجال الشرطة كان نتيجتها إصابة بعض الضباط ووفاة أحدهم. وعلى خلفية الأحداث قامت وزارة الداخلية بترحيل 39 متهما فى قضية مجزرة بورسعيد إلى مكان مجهول صباح يوم الأحد الماضى، وعلى إثرها اندلعت الاشتباكات وزادت المظاهرات وبلغت ذروتها حتى قامت قوات الأمن بإلقاء قنابل الغاز المسيل للدموع على المتظاهرين فى محاولة منهم لفض اعتصام ميدان الشهداء ببورسعيد، فحرقت وخنقت وجرحت المئات، بالإضافة إلى قيام قناصة الداخلية باستهداف عيون المتظاهرين مما زاد حماس وغضب شعب بورسعيد الذى خرج فى مسيرات ترفع صور الشهداء وتنادى برحيل النظام، قام المعتصمون بإشعال النيران فى إطارات الكاوتش محاولة منهم لتخفيف حدة الغاز الموجه عليهم. ولكن أخذ رجال الشرطة فى التقدم حتى وصلوا إلى بداية ميدان الشهداء، وحاول رجال القوات المسلحة الفصل بين المتظاهرين ورجال الأمن بوضع الحواجز الحديدية ولكن دون جدوى، حيث أُصيب عدد كبير من القوات المسلحة باختناقات، ذهبوا على إثرها للمستشفى، بينما التف المتظاهرون حول مديرية أمن بورسعيد فقام رجال الشرطة بإلقاء بلوكات الرخام من فوق أسطح مبنى المديرية.
وأكد شهود عيان أن قوات الأمن المركزى قامت برشق المتظاهرين بالحجارة ثم أطلقت عليهم الخرطوش بكثافة.
فعلى مدار أسبوعين عاشت المدينة الباسلة فى ظل حماية أفراد شعبها بعد غياب دور الشرطة ورجال المرور بها منذ بداية العصيان المدنى وحتى يوم 3 مارس الجارى فقاموا بإنشاء مقار للجان الشعبية بمعظم أحياء بورسعيد وفى المداخل المؤدية لميدان الشهداء بالإضافة إلى تنظيم المرور فى شوارع بورسعيد الرئيسية.
ولم تسلم بورسعيد من استفزازات الداخلية المستمرة التى أغرقت بورسعيد فى بحور دماء، فى الوقت الذى قام به ألتراس أهلاوى بمحاصرة البنك المركزى ومطار القاهرة وقبلها قطع خطوط المترو، ولم توجه لهم السلطة أى تصريحات مستفزة، فى الوقت الذى وصفت فى السلطة شعب بورسعيد بالبلطجية مما أدى إلى انفجار البورسعيدية الذين خرجوا للشارع مطالبين برحيل النظام واسترداد حق الشهداء والمصابين ورفعوا صور الشهداء وصور الفريق عبدالفتاح السيسى مطالبين إياه بحكم البلاد ورفعت نقابة المحامين ببورسعيد لافتات تعلن عن سقوط (الشرعية الأخلاقية) للرئيس مرسى وتدعو السيسى لإدارة البلاد، وتوعد أهالى بورسعيد بالانتقام من قتلة أبنائهم.
يقول أحمد حكيم، المصاب بجرح قطعى فى الساق إن قوات الأمن المركزى ألقت الحجارة على المتظاهرين، ثم قنابل الغاز (المثير للأعصاب) بكثافة، مؤكدا أنه لن يتراجع هو وزملاؤه الثوار عن الأهداف التى أقسموا على تحقيقها وهى رحيل النظام ورجوع جميع حقوق البورسعيدية..
وتقول السيدة بهجة والدة الشهيد محمد راشد أول شهيد بورسعيدى برصاص الشرطة فى ثورة يناير إن الوعود لم تعد علاجا يشفى جروح بورسعيد، فلم يفعل النظام الجديد شيئا غير الأسوأ ويجب رحيله بالكامل.
ويقول المهندس محمد خضر، مدير المركز الإقليمى للأغذية والأعلاف بمينائى بورسعيد ودمياط سابقا: إن بورسعيد فى حالات استفزاز مستمر والرئيس مرسى منذ حدوث مجزرة بورسعيد الثانية لم يقدم أى اعتذار وكأنه يعيش فى بلد آخر، فبورسعيد لها مكانتها العالمية وقدرها فى جميع دول العالم، عشقها الرئيس عبدالناصر وكان حريصاً على زيارتها واصطحب معظم رؤساء العالم فى زياراته المتعددة لبورسعيد ليرى عظمة وبسالة شعبها وزارها ثوار العالم مثل جيفارا وجميلة بوحريد.
كما قال ح. م طبيب إن بورسعيد تستعيد الآن أمجادها وبطولاتها فى 56 و,67 فهى ترفض أساليب القمع والظلم ولا تبالى بإطلاق النيران والغاز فى سبيل الوصول إلى أهدافها لكن الذى يحزنه أن بورسعيد فى الماضى كانت ثوراتها وانتفاضاتها على الاستعمار بكل صوره، لكن الآن الظلم وقع عليها من الداخل وأعتقد أن بورسعيد لن تهدأ إلا بعد رحيل النظام بالكامل فهى فقدت أبناءها وأرزاقها ولا يبقى عندها أغلى من كرامتها.
هناك مجموعة من الشباب يصمدون وسط أمطار من الغاز الخانق الذى يلقى وسط ميدان الشهداء، يحاولون استعادة توازنهم برفع أصواتهم مرددين الأغانى الوطنية.
أما محمد الفقى الشيخ الكبير ذو الوجه النحيل الملىء بالحزن واليأس لا يعرف طعم أى شىء بعدما هزمته الحياة وقضت على أمله الوحيد وهو ولده حسن محمود الفقى البالغ من العمر 26 عاما، والذى تم القبض عليه وهو متوجه إلى منزله بحى المناخ ليحتجز بغير جريمة 45 يوما.
ويقول المهندس إسلام عز الدين، أنه فقد إحدى عينيه فى اعتصام محمد محمود، وفقد اثنين من أصدقائه برصاص القناصة فى مجزرة بورسعيد الثانية ويطالب بالقصاص من القتلة.
ويقول سامى محمد مدير إدارة بإسكان بورسعيد ووالد الشهيد أحمد سامى الطالب بالصف الثالث الثانوى : أحمد ابنى كان عضواً فى جمعية رسالة وعند عبوره شارع محمد على بالقرب من كلية التربية الأساسية متوجها إلى أهالى المتهمين لمحاولة مساعدتهم تصادف نطق الحكم وقتها، وكانت مدرعة تجرى بسرعة فى مواجهة امرأة عجوز تبكى على ابنها وتكاد تدهس تحت عجلات المدرعة، فأسرع أحمد لإنقاذها وكان جزاؤه رصاصة فى فمه وأخرى فى الصدر وسقط قتيلا.
أما مينا مرقص الطالب بالصف الثالث بمعهد الخدمة الاجتماعية فله موقف طريف مع أحد أقطاب الإخوان فى بورسعيد، رواه لنا تحت أمطار من الرصاص الحى والغاز، مينا يسكن فى شارع محمد على، أطلق عليه زملاؤه الثوار (مينا محمد على) مما أثار غضب الإخوان وقام أحد قيادى الإخوان بتحرير محضر ضده والتوعد له بسبب هذا الاسم الملقب به!