«تفكيك الجيوش» مخطط غربى اكتسح فى طريقه كل الجيوش العربية القوية والمتوسطة بل والصغيرة أيضا.. باستثناء الجيش المصرى الذى ولله الحمد لايزال باقياً شامخا راسخا رغم الضغوط الشرسة داخليا وخارجيا.. وتصور البعض أن هذه الضغوط ستتراجع ولو قليلا بعد تسليم الجيش للسلطة، لكن الأمور تسير على نفس الوتيرة.. وما يريحنا أن قادة الجيش بكل مستوياته واعية لهذا المخطط وحتى قبل أن تظهر ثماره الخبيثة فى اليمن وليبيا وسوريا.. بعدما استفادت من النموذج العراقى.
فالجيش العراقى الذى كان أقوى جيش فى الشرق الأوسط حتى حرب الخليج الأولى، الآن غير مصنف على الإطلاق بعدما فككه الأمريكان فى أول قرار لهم بعد سقوط بغداد.. والحمد لله أيضا لا يعانى جيشنا من نقاط الضعف التى نخرت كالسوس فى هذه الجيوش التى سقطت، ومنها الطائفية والحزبية والإثنية، حيث أسقطت الجيش العراقى الصراعات الطائفية والإثنية بين الشيعة والسنة والأكراد وغيرها من الطوائف التى تحولت من نعمة إلى نقمة عراقية.
وبنفس الطريقة ينهار خلال الفترة الأخيرة الجيش السورى بالصراع بين العلويين والسنة والأكراد والشيعة بتدخلات خارجية آخر همها بالطبع هو تحقيق ما ثار من أجله السوريون، فهم مجرد أداة لتحقيق أهدافهم فى تنفيذ «سايكس بيكو جديدة» للمنطقة كانت فى منتصف التسعينيات تسميها إسرائيل «الشرق الأوسط الجديد» وسمتها أمريكا «الفوضى الخلاقة».
وكان مفاجئا للكثيرين أن المفكر الكبير محمد حسنين هيكل غير رأيه فى الثورات العربية التى كان يمدحها فى البداية ليقول بالنص خلال حواره الاستثنائى فى جريدة الأهرام منذ أيام: بكل أمانة الثورات لا تصنع ويستحيل أن تنجح بهذا الأسلوب، الثورات فعل لا يتم بطريقة «تسليم المفتاح»، أعنى أنه ليست هناك ثورات تسليم مفتاح من قوى خارجية تطلب السيطرة، هذه القوى الخارجية تريد مصالحها فقط، ولا يصح أن يتصور أحد أنها بعد المصالح تريد تحرير شعب.. منتقدا وبشدة عدم استيعاب - الإخوان المسلمين - لما يحدث، مرجعاً ذلك لما سماه «نشوة الاعتراف بشرعيتهم» التى لم تعطهم فرصة كافية لدراسة دواعى ذلك بعد النشوة.. فالأمريكان يستخدمونهم فقط.
رأى هيكل كان جامعا مانعا.. وتنبع خطورة تحذيراته من تزامنها مع تحذيرات خبراء عسكريين واستراتيجيين كبار، حيث دعوا كل القوى الوطنية المصرية إلى التيقظ لهذا المخطط الذى يقف الجيش المصرى «كالعظمة فى الزور» فى طريق إنهائه بالكامل، بعدما أنجز تفكيك الجيش الليبى واليمنى والسورى دخل مراحل النهاية الأخيرة.. فالجيش لا يحتاج ليقظة قادته فقط بل والشعب أيضا وفى مقدمته الإخوان والسلفيون والمحسوبون على الثوار، الذين لا يفوتون فرصة إلا ويهاجمون فيها الجيش دون دراية بأن هذا يضعفه لصالح هذا المخطط، وبالطبع نحن لا نعمم، فبالعكس هناك أسماء ثورية بارزة كان لها موقف جيد فى أزمة مطالبة البعض بعدم الاحتفال بذكرى ثورة يوليو بدعوى أنها انقلاب عسكرى أوصلنا لمسببات ثورة يناير.. وكان لهم موقف ليس أقل يقظة فى أزمة تنفيذ القرار الرئاسى بالإفراج عن 275 مدنياً حوكم عسكريا.
وبالتالى فوعى الكثير منا بالضغوط التى على جيشنا يعزز قوته ضد هذا المخطط الذى يهدد ولأول مرة وجود مصر بالفعل، وبدون مبالغة، ويؤكد خبراؤنا العسكريون أن الوقت وتفويت الفرصة على المتربصين بالجيش المصرى عاملان فى غاية الأهمية لإحباط مخطط إكمال تفكيك كل الجيوش العربية.
فى هذا السياق قال لنا اللواء محمد طلبة بسلاح المدفعية وأحد المشاركين فى حرب تحرير الكويت إنه بالفعل لم تكن توجد سوى جيوش العراق وسوريا.. وطبعا الجيش المصرى الباقى دائما قويا وسالما وموحدا بإذن الله وبعون شعبه، أما بقية الدول فلا توجد بها جيوش بمعنى الكلمة ناهيك عن السعودية التى تحاول تقوية جيشها، وبالتالى فإن مخططات التفكيك ركزت على الجيوش القوية مثل العراقى والسورى.. والحديث يختلف لو تطرقنا إلى الجيش الليبى، لأنه كان أسلحة ومعدات وطائرات ودبابات روسية حديثة جدا بلا قوات حقيقية، ولو كانت هذه المعدات فى يد الجيش المصرى لكان التاريخ تغير تماما.
وأضاف طلبة إن الجيش السورى فى طريقه للانهيار، والتفكيك سيكون أول قرار لمن يصل الحكم بعد سقوط بشار، لكن لو لم يسقط النظام السورى أو استطاع النظام القادم أن يبقى على جيش الشعب السورى سيستطيع الوقوف على قدميه سريعا خاصة لو وقفت وراءه أمريكا أو الصين وروسيا، وفق وجهة دمشق القادمة.. مشيرا إلى أننا ليس لدينا من يدعمنا لو فقدنا الجانب الأمريكى، فنحن بالفعل يجب أن نعارض أمريكا ونواجهها ولكن بأساليب محسوبة حتى لا تتركنا، فلو مصر وقعت لن تقوم لها قائمة مرة أخرى.
واستنكر الخبير العسكرى اهتمام الرئيس الإخوانى بأزمات حماس التى من المفروض أن تحلها إسرائيل على حساب الشأن الداخلى المصرى، مؤكدا أنه بذلك يدعم إسرائيل التى تتهرب من مسئولياتها تجاه قطاع غزة، محذرا من خطورة ذلك خاصة لو ربط البعض ذلك بالحديث عن تدفق غزاوى على سيناء، فوفق الاتفاقيات الموقعة يجب أن تحل إسرائيل المشاكل التى خلقتها للغزاوية ومنها التيار الكهربائى والوقود، وكان يجب أن يضغط الرئيس على حلفائه الأمريكان ليقنعوا إسرائيل بأن ترفع الحصار عن غزة.. لو كان يريد مساعدتهم بالفعل، فمصر هكذا تسير فى الطريق الخاطئ.
وعن قراءته لأخطاء الجيش طيلة فترة توليه السلطة والتى كان من الممكن عدم الوقوع فيها حتى لا يستغلها البعض ضد الجيش، قال طلبة إن أى مؤسسة تتولى السلطة من الممكن أن تخطئ، فالجيش فوجئ أنه أصبح متوليا السلطة بعد الثورة ولم يكن معدا لذلك، وكشفت الضغوط التى تورطت فيها أطراف خارجية وداخلية عن هذا بشكل كبير، مع استمرار الحالة غير المستقرة أمنيا طيلة السنة ونصف التى تولى فيها الجيش السلطة، وبالطبع كانت هناك أخطاء من كل القوى الموجودة فى المشهد.
وعندما سألناه عن نقاط الضعف التى من الممكن أن يلعب عليها أعداؤنا فى محاولتهم لتفكيك جيشنا، قال قائد سلاح المدفعية بحسم إن نقطة الضعف الوحيدة هى الشعب المصرى.. فلن يراق دم مصرى أبدا، فهناك أخلاق عسكرية معروفة لكن الخطورة فى الممارسات التى أصبحت تغلب على المجتمع المصرى الآن فلا احترام للكبير ولا لجيش والتجاوز أصبح قاعدة، ونحن لا نستطيع التعامل مع هذه الممارسات السلبية.. فبعد شعارات الجيش والشعب إيد واحدة، ظهرت قوى تسىء للجيش عن قصد أو عن جهل.. لكن الجيش قادر على مواجهة مخطط التفكيك، المهم أن نجمع على حب مصر والمصلحة الوطنية، ولا نقف مع فصيل على حساب كل القوى المصرية الأخرى، منتقدا اختيار خبير فى المياه وقبله خبير فى النقل لرئاسة الوزراء، فنحن نريد إما سياسيا كبيرا وإما اقتصاديا عالميا. محذرا من أن الحرب القادمة لو تورطنا فيها فلن نحارب إسرائيل بل أمريكا نفسها، ولأن الجيش يعى ذلك، جعل قرار الحرب فى يده لا فى يد الرئيس لأنه قرار صعب ومصيرى.
وقال خبير عسكرى رفض ذكر اسمه لحساسية موقعه الوظيفى إن الجيش يواجه أى مناوشات واستفزازات مهما كانت قسوتها بضبط النفس، والمشير طنطاوى يشدد بنفسه على ذلك لكل الضباط والعساكر، والدافع الوطنى هو الذى يحمى جيشنا وطبعا الحماية الربانية، فلو انتهى الجيش ستسقط مصر ولن تذكر مرة أخرى.
وأضاف أن إسرائيل سعيدة جدا بما نحن فيه الآن، ولو استمر تراجع الولاء هاتبقى مصيبة بل كارثة، وكان هذا واضحا فى هجوم الشباب بدون معرفة على ثورة يوليو، وأكد أن الجيش بكل مستوياته واع جدا لهذه المخططات ولذلك لن يتورط مرة أخرى فى أى مواجهات مع مدنيين.
وهناك استقرار فى قيادات الجيش حتى تواجه هذا المخاطر وترد على الشائعات التى تريد النيل منه وآخرها كان اتجاه المشير للتقاعد، حيث أكد الاستمرار باعتباره رمانة ميزان، اختلفنا أو اتفقنا معه.
فى النهاية فنحن بصدد خسائر أكثر فداحة من الحروب النظامية، وكان هناك رأى فى غاية الأهمية يقول فى هذا السياق إن المناداة بسقوط حكم العسكر أو مطاردة جيش النظام البائد أو الفلول أو «الشبيحة» أو «جلاوزة النظام البائد» أو غير ذلك من المسميات المرتبطة بالعنف المنظم والممنهج الذى يحدث فى المنطقة الآن ويعنى ضرب إسفين بين الشعب وأدوات قوته العسكرية والشرطية.. يعنى تجريداً لتلك الشعوب من أسلحة الحماية التى تعودت عليها، وهو ما لا يختلف مع تفكيك الجيش العراقى المحترف بعد حرب تحرير العراق.
وهكذا تتبعثر الجيوش النظامية العربية، وتهدر عوامل القوة للدول العربية «الدول وليس الأنظمة كما يقولون».. فأتمنى أن نتيقظ إلى هذا الخطر قبل فوات الأوان.. حينها لن تكون هناك مصر.. أو ستنفذ فيها «سايكس بيكو مصرية» تخلق لنا دويلات فى مصر.. وهذا ما لن يحدث بإذن الله ثم بوعى الشعب المصرى العظيم.