بدء تلقي الطعون على نتائج 73 دائرة بالمرحلة الثانية لانتخابات النواب    مصادر بالوفد: بهاء أبو شقة يدرس الترشح على رئاسة الحزب    جامعة قناة السويس تقدّم حملة توعوية بمدرسة القصاصين التجريبية    "المجتمعات العمرانية" تعقد اجتماعا لمناقشة آليات تطوير العمل    الوزير الأول بالجزائر: شراكتنا مع مصر إطار واعد لتحقيق التكامل والنفع المتبادل    مصر تستضيف المؤتمر السنوي لمنظم الرحلات الألماني Anex Tour    وزارة «الاستثمار» تناقش موازنة برنامج رد أعباء الصادرات بقيمة 45 مليار جنيه    ارتفاع جماعي لمؤشرات البورصة بمنتصف تعاملات اليوم    أسيوط تواصل إزالة التعديات ضمن المرحلة الثالثة من الموجة 27    وفاة العشرات جراء الفيضانات الكارثية في تايلاند وإندونيسيا    بعد وصول عدد متابعيها ل 5 ملايين، حقيقة حذف إيلون ماسك العلامة الزرقاء لنادي الزمالك    جوارديولا يوضح سبب البدء ب مرموش أمام ليفركوزن وإبقاء هالاند على مقاعد البدلاء    الحصر العددى لقائمة دائرة أول الزقازيق بمجلس النواب 2025    ضبط طالب بالمنوفية لتعديه على سيدة بالضرب بسبب خلافات الجيرة    إلهام شاهين: عشت أجمل لحظات حياتي في عرض كاليجولا مع نور الشريف    رمضان 2026.. نيللي كريم وشريف سلامة ينهيان تحضيرات مسلسل أنا    إثيوبيا تعلن وفاة 6 أشخاص بسبب فيروس ماربورج الخطير    10 علامات تخبرك أن طفلك يحتاج إلى دعم نفسي    الناقد الذي كان يشبه الكلمة... وداعًا محمد عبد المطلب    إجراءات جديدة لحجز تذاكر زيارة المتحف المصري الكبير بدءًا من ديسمبر    الارتجال بين الفطرة والتعليم.. ماستر كلاس تكشف أسرار المسرح في مهرجان شرم الشيخ    رئيس الوزراء ونظيره الجزائرى يشهدان توقيع عدد من وثائق التعاون بين البلدين    المدير السابق لجهاز الموساد يكشف أسرار سرقة الأرشيف النووى الإيرانى    انهيار جزئي لعقار من 4 طوابق في الإسكندرية والحماية المدنية تنقذ السكان    8 ملايين جنيه.. حصيلة قضايا الاتجار في العملات ب«السوق السوداء»    محافظ أسيوط يتفقد كليات جامعة سفنكس ويشيد بجودة الخدمات المقدمة للمواطنين    نصائح هامة لوقاية طلاب المدارس من عدوى أمراض الجهاز التنفسي    قرارات عاجلة من النيابة فى واقعة ضبط طن حشيش فى الرمل بالإسكندرية    طقس الإسكندرية اليوم.. انخفاض في درجات الحرارة والعظمى 23 درجة مئوية    قوات الاحتلال تفرض حظرًا للتجوال وحصارًا شاملًا على محافظة طوباس    وزير الدفاع يشهد تنفيذ المرحلة الرئيسية للتدريب المشترك "ميدوزا -14".. شاهد    حزب النور في المقدمة.. نتائج الحصر العددي الأولي عن الدائرة الأولى فردي بكفر الشيخ    قائمة بيراميدز في رحلة زامبيا لمواجهة باور ديناموز    محمود فتح الله: تصريحات حسام حسن الأصعب تاريخيًا.. وكان يمكنه تجنبها    رضا البحراوي يكشف حقيقة وفاة والدته    «خطوات التعامل مع العنف الأسري».. جهات رسمية تستقبل البلاغات على مدار الساعة    انطلاق أعمال اجتماع مجلس وزراء الإعلام العرب بالجامعة العربية    بركان كيلاويا في هاواي يطلق حمما بركانية للمرة ال37 منذ بدء ثورانه العام الماضي    البرهان: السلام في السودان مرهون بتفكيك الدعم السريع    رئيس الرعاية الصحية: تطوير 300 منشأة بمنظومة التأمين الشامل    .. اديهم فرصة واصبر    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 26-10-2025 في محافظة الأقصر    مواعيد مباريات اليوم الأربعاء 26 نوفمبر 2025.. قمم أوروبية ومعارك عربية في الطريق إلى كأس العرب    السيسى يحقق حلم عبدالناصر    مقتل 8 أشخاص في إندونيسيا بفيضانات وانزلاقات تربة    موعد امتحان نصف العام لصفوف النقل وضوابط وضع الأسئلة    وزير الري يتابع موقف التعامل مع الأمطار على البحر الأحمر وشمال سيناء    الأقصر: انقطاع المياه عن عدد من مناطق نجع علوان بالطود صباح اليوم    اتحاد السلة يعتمد فوز الأهلي بدوري المرتبط بعد انسحاب الاتحاد ويعاقب الناديين    بعد نجاح "دولة التلاوة".. دعوة لإطلاق جمهورية المؤذنين    دار الإفتاء تؤكد حرمة ضرب الزوجة وتحث على الرحمة والمودة    دار الإفتاء تكشف.. ما يجوز وما يحرم في ملابس المتوفى    ترامب: «خطة ال28» للسلام في أوكرانيا «مجرد خريطة»    دعاء جوف الليل| اللهم يا شافي القلوب والأبدان أنزل شفاءك على كل مريض    الأمن يفحص منشور بتحرش سائق بطفلة بمدرسة خاصة في التجمع    بروسيا دورتمنود يمطر شباك فياريال برباعية نظيفة    بوروسيا دورتموند يفترس فياريال برباعية في دوري أبطال أوروبا    محمد صبحي عن مرضه: التشخيص كشف عن وجود فيروس في المخ    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«محاكم تفتيش» الحاكم بأمر المرشد!
نشر في روزاليوسف الأسبوعية يوم 07 - 07 - 2012

ما أن تنفس المفكرون والأدباء والفنانون الصعداء بعد ثورة (25) يناير .. وأحسوا أن رياح التغيير سوف تهدم سقف القيود والحواجز والخطوط الحمراء التى تحول دون إطلاق حرية التعبير لتتقدم خطوة فى طريق صنع مستقبل مختلف عوقت نهضته الحضارية تلال من المحاذير الأمنية والسياسية والدينية وركام من فرض الوصايات المتخلفة على الإبداع والفكر.


وما أن تفاءلنا جميعاً بتراجع الرقابة الفنية عن فرض سطوتها .. والتخفف من غلوائها .. حتى ظهر السلفيون ودعاة الردة الحضارية الذين كثفوا نشاطهم الظلامى تكثيفاً مطرداً مخيفاً فأشاعوا مناخاً تكفيرياً مستغلين انتشار ثقافة الحلال والحرام وسيطرة التفكير الرجعى والمتخلف على أدمغة الناس وتخاذل التيارات الحزبية.. والسياسية الأخرى والصفوة من الليبراليين وأصحاب الاتجاهات التنويرية عن أداء دورهم المناهض والاكتفاء بالسخرية والتنكيت والتعليقات الساخرة ... فبادر «الشحات» المتحدث الرسمى باسم الدعوة السلفية ... والمسئول الرسمى عن الفتاوى الساحقة الماحقة بالتحريم والتجريم والمصادرة بتكفير أديب «نوبل» العظيم «نجيب محفوظ» بصفته محرضاً على الفجور والرذيلة ومناهضاً لأحكام الدين ونواهى العقيدة وضوابط الفضيلة.. وخاصة فى روايته الشهيرة «أولاد حارتنا».

تلك الفتوى التى استفزت جبهة الإبداع المصرى والتى تضم مجموعة كبيرة من صفوة المبدعين من فنانين وأدباء ونقاد ومفكرين.. واستنهضت من همتهم لعقد مؤتمرها الأول وأصدرت بيانها الذى يدعو إلى تحرير الإرادة المصرية بإزالة القيود عن حرية الفكر والرأى والإبداع والتصدى للتيارات التى تسعى إلى إرهاب العقول وتكفير التفكير وإطفاء شموع الفنون وإشاعة مناخ من التشدد والتزمت والقتامة يدعو فيه الظلاميون من أعداء الفن والحياة إلى تحطيم التماثيل لأنها أصنام وإلى تعقيم دار الخيالة بتكريس مفهوم السينما النظيفة وإلى تحجيب الدراما التليفزيونية وفرض المحظورات الوهابية عليها.

إزاء ذلك حاولت «الجبهة» أن تدعم جهودها بمسيرة إلى مجلس الشعب حاملة توصياتها لحماية حرية الإبداع.. فكان المقابل من قبل السلفيين هو مقاضاة الفنان «عادل إمام» بتهمة ازدراء الدين الإسلامى فى أعماله الفنية.. والسخرية من الجلباب واللحية.. وصدور حكم من محكمة الجنح بحبسه ثلاثة أشهر .. وهو أول حكم من نوعه يصدر ضد فنان فى مصر.


المفاجأة الكارثية أن يأتى رد الفعل السلبى على جهود «الجبهة» من واحد كان من المفترض أنه من أسرتها والمدافعين عن توجهاتها ... إنه نقيب الموسيقيين الذى أصدر قراره بمنع المطربة اللبنانية «مروى» من الغناء لأنها تعرت أثناء تصوير فيلم انتهى تصويره وعرض من عامين.. إن النقيب الفنان حفيد «سيد درويش» العظيم إذاً قد ارتدى لحية لجنة الفضيلة العليا لفقه المصادرة وتقمص دور الدعاة لاستنهاض الهمم وشحذ الضمائر المؤمنة لمناهضة المارقين والماجنين المنتمين إلى حزب «الإبداع الإباحى» ومصادرة تجمعاتهم المشبوهة فى بلاتوهات السينما ومواخير الفجور والفساد التى ترغب فى شيوع الرذيلة.. وملاحقة بذاءاتهم التى تسعى إلى تقويض أركان السلام الاجتماعى.. وأشهر هراوة جماعة «الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر» وتقمص دور زعيمهم وخلط خلطاً فاحشاً بين الخطاب الدينى والأخلاقى.. وبين الخطاب الفنى الجمالى.. والترويج لمقولة غبية وجاهلة هى: الفنون حلالها حلال وحرامها حرام.. وهى مقولة تسطح مفهوم الفن وتشوهه.. فهناك فن جيد.. وفن ردىء.. راقٍ ومبتذل.. عميق وتافه.. لكن ليس هناك فن «حلال» وفن «حرام».. فن «مؤمن» وفن «كافر».

إن النقيب الذى يسعى إلى نفاق الزاحفين والذين يتدثرون بعباءة الدين أصدر فى النهاية قراراً أخلاقياً ضد ممثلة فى عمل فنى.. متصوراً أن وظيفة النقابة إقامة محكمة تفتيش دينية.. وفى الحقيقة أن هذه ليست وظيفة الفن ولا وظيفة النقيب المطرب.

ثم عاد التيار الدينى تحت قبة البرلمان إلى سعيه الحثيث لوأد حرية الإبداع وإعلان الحرب المقدسة على الفنون الملعونة من خلال «لجنة دينية» شكلها هذا التيار لتقوم بدور الرقابة على الأعمال الدرامية التى تعرضها الشاشات التليفزيونية سواء الرسمية أو الخاصة والتوصية بحذف كل المشاهد التى يرونها - من وجهة نظرهم - غير مناسبة - نظراً لتقصير الرقابة السابقة - قبل وصول القادمين المؤمنين الجدد - فى تأدية عملها القمعى لتكريس مبادئ الأخلاق السامية ... وشيوع الفضيلة فى ربوع «يوتوبيا» الأرض الطيبة ... وتمخض عمل اللجنة الطاهرة لتخليص الدراما المصرية من «الدنس» و«الفاحشة» عن تقديم مشروع قانون يقضى بتحريم عرض تلك المشاهد فى جميع وسائل الإعلام وتوقيع عقوبات رادعة على من يخالف ذلك تصل إلى وقف ترخيص القنوات.. وحبس مالك القناة بالإضافة إلى غرامة مالية ضخمة.. وبناء عليه فقد انتشرت الأخبار عن نية التليفزيون فى القيام بإعادة مراقبة أفلام الستينيات والسبعينيات وحذف المشاهد الساخنة منها مثل مشاهد رقص ل«نجوى فؤاد» و«تحية كاريوكا» و«سامية جمال»، إضافة إلى مشهد تقبيل «فريد الأطرش» «لبنى عبد العزيز» فى فيلم «خطاب من امرأة مجهولة» ومشاهد «لرشدى أباظة» و«شادية» فى فيلم (الزوجة رقم 13) ومشهد قبلة «عبد الحليم حافظ» و«نادية لطفى» فى «الخطايا» (والحمد لله أنهم نسوا قبلاته لها فى فيلم «أبى فوق الشجرة» والتى سجلت رقماً قياسياً فى عددها وإلا أوصوا بحذف الفيلم كله).


المفاجأة الكارثية الثانية.. أو المفارقة التراجيكوميدية الكابوسية هى تعليق «أشرف عبدالغفور» نقيب الممثلين - والذى سبق أن نال الرضا السامى بزيارة المرشد الإخوانى - على قرار مبادرة اللجنة الدينية بمجلس الشعب بحذف مشاهد العرى من مسلسلات رمضان القادم على القنوات المصرية، فهو يرى أن موقف النقابة لن يتحرك إلا بصدور قرار رسمى من اللجنة بتفعيل دورها كرقيب.. وإذا تم التفعيل تبدأ النقابة بعقد جلسات مع اللجنة الدينية للتعرف على رؤيتها ... وما هى المعطيات التى جعلتها تقدم على ذلك؟!.. وإذا لم تقتنع النقابة ستبدأ باتخاذ الإجراءات التى تبطل هذا القرار وتوقف تنفيذه بالتعاون مع اتحاد الإذاعة والتليفزيون.. وهذا يعنى أن النقيب لا مانع عنده مبدئياً فى وجود لجنة دينية تراقب أعمالاً درامية اجتماعية وتاريخية وغير دينية. يا إلهى.. إن الرجل قد نسى تماماً أننا نحيا فى ظل دولة مدنية لا تزال.. وأيقن يقيناً راسخاً أننا نعيش فى كنف دولة دينية تشيد لمحاكم التفتيش صروحاً بازغة.. وقصوراً سامقة.. فما بالكم دام فضلكم وقد وصل «د. مرسى» إلى كرسى الرئاسة.. ولم يشر فى بيانه الأول عن موقفه من الفن وحرية التعبير والإبداع الفنى ولا حتى إلى الحريات العامة.

لقد عبر الفنانون.. بجميع أطيافهم عن جزعهم.. أما نقيب الممثلين فقد صرح - لا فض فوه - أنه لا وقت الآن للحديث عن أى مخاوف مهنية.. فهى أشياء فرعية وهامشية.. وليست الهم الأكبر الذى يجب أن نفكر فيه الآن.. تصوروا حرية الإبداع والتعبير هى مجرد مخاوف مهنية(!).. وهى أشياء فرعية وهامشية(!).. وقائل ذلك يشغل منصب نقيب الممثلين (!).. ويعمل بالتمثيل(!).. وينتمى إلى الفن والفنانين (!) .. بل هو فى موقع المسئولية(!).. أما المسئول الإعلامى لهيئة الوصاية على الأخلاق الحميدة مولانا الفاضل حامى حمى الفضيلة رئيس التليفزيون فقد تطوع بالنيابة عن فقهاء الكآبة والمصادرة وبالأصالة عن نفسه فى زمن العفاف والحشمة والتقوى بمنع عرض مسلسل «كاريوكا» التى تجسد سيرتها الذاتية «وفاء عامر» إخراج الشاب «عمر الشيخ» فى رمضان القادم!.

وقد أكد لى المخرج أن بطلة المسلسل لم ترتد بدلة الرقص طوال الحلقات.. والمسلسل يستعرض حقبة مهمة من تاريخ مصر.. ويركز على أبعاد سياسية وأدوار وطنية للبطلة تتضمن موقفها المعارض للملك وتأييدها للثورة ورجالها.. ثم اختلافها معهم واعتقالها.

لكن رئيس التليفزيون أصدر قراراً أخلاقياً مسبقاً على عمل فنى.. إذا كان هذا هو موقف المنوط بهم مواجهة الظلاميين أعداء الفن والحياة فلابد أن تسفر الحرب المقدسة ضد الإبداع الملعون عن رفع الرايات السوداء مؤكدة هزيمته وإلغاء وجوده.. والإبحار فى غياهب الدمامة والتخلف والظلمات.


ورعب أكثر من هذا سوف يجىء.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.