أسماء المرشحين بالنظام الفردي عن دوائر محافظة بني سويف بانتخابات مجلس النواب 2025    نوفمبر الحاسم في الضبعة النووية.. تركيب قلب المفاعل الأول يفتح باب مصر لعصر الطاقة النظيفة    المشهراوي: لا بد من إطلاق إعمار غزة سريعًا لتثبيت صمود الشعب    مصطفى البرغوثي: وحدة الموقف الفلسطيني أولوية وطنية في المرحلة المقبلة    مهرجان الموسيقى العربية ال33 يحتفي بأساطير الطرب.. ثروت وناجي يعيدان سحر حليم ووردة| صور    تعرف على موعد بدء التوقيت الشتوي وموعد ضبط الساعة رسميًا    سعر الدولار الآن أمام الجنيه والعملات العربية والأجنبية الجمعة 24 أكتوبر 2025    النيابة العامة تنظم دورات تدريبية متخصصة لأعضاء نيابات الأسرة    رسميًا.. أسعار استخراج جواز سفر متسعجل 2025 بعد قرار زيادة الرسوم الأخير (تفاصيل)    زيلينسكي: الاتحاد الأوروبي أكد أن المساعدات المالية لأوكرانيا ستستمر    مع استمرار الإغلاق الحكومي.. متبرع ثري يقدم 130 مليون دولار لتغطية رواتب الجيش الأمريكي    دوي صفارات الإنذار في تجمعات سكنية قرب غزة.. وبيان عاجل من الجيش الإسرائيلي    غضب من لاعب الزمالك بعد استبعاده أمام ديكيداها الصومالي    فتاة تتناول 40 حبة دواء للتخلص من حياتها بسبب فسخ خطوبتها بالسلام    في قبضة العدالة.. حبس 3 عاطلين بتهمة الاتجار بالسموم بالخصوص    بدء غلق طريق محور 26 يوليو لرفع كوبري مشاة محطة مونوريل جامعة النيل    عيار 21 الآن بعد الزيادة الجديدة.. أسعار الذهب والسبائك اليوم بالصاغة (تحديث مباشر)    د. زاهي حواس يكتب: الافتتاح العظيم لأعظم متحف في العالم    نانيس أيمن تكتب: الهند لأول مرة بالعراق من خلال «رقصة النسيج» اللوحة الفنية الراقية والفوز المستحق    «ليلة عسل زيك انت وعروستك».. ويزو تهنئ حاتم صلاح بحفل زفافه    «مش بيكشفوا أوراقهم بسهولة».. رجال 5 أبراج بيميلوا للغموض والكتمان    «بالأرز».. حيلة غريبة تخلصك من أي رائحة كريهة في البيت بسهولة    وكيل صحة الفيوم تفتتح أول قسم للعلاج الطبيعي بمركز يوسف الصديق    طلع سوابق، مفاجأة غير متوقعة في تحقيقات النيابة مع مرشح الفيوم المنتحل صفة طبيب    82.8 % صافي تعاملات المستثمرين المصريين بالبورصة خلال جلسة نهاية الأسبوع    الشناوي يكشف مكافأة لاعبي بيراميدز عن الفوز بدوري الأبطال    نجيب ساويرس يؤكد دعوة محمد سلام لحضور فعاليات مهرجان الجونة السينمائي    قطة: سأتولى رقابة ديمبيلي.. وسأمنح هذا الثنائي أفضل لاعب داخل القارة    التجربة المغربية الأولى.. زياش إلى الوداد    طريقة عمل صوابع زينب، تحلية مميزة لأسرتك    نصائح أسرية للتعامل مع الطفل مريض السكر    سيلتا فيجو يفوز على نيس 2-1 فى الدورى الأوروبى    رابط التقديم في اللوتري الأمريكي 2025 وخطوات التسجيل في قرعة الهجرة إلى أمريكا    أخبار × 24 ساعة.. ارتفاع تحويلات المصريين بالخارج ل26.6 مليار دولار    مصرع وإصابة شخصان إثر حريق سيارة بطريق السويس الصحراوى    في ليلة طربية استثنائية.. ملك أحمد تبهر جمهور معكم بأداء مؤثر لأغنية الرضا والنور    طعن طليقته أمام ابنه.. ماذا حدث فى المنوفية؟.. "فيديو"    حكم قضائى بمحو السجل الجنائى لليوتيوبر أحمد أبو زيد بعد براءته من الاتجار فى النقد الأجنبى    أحمد حسن يكشف خطوات الحصول علي شقة من الإسكان البديل لأصحاب الايجار القديم    أوكرانيا تطلب دعمًا دوليًا عبر "الناتو" لتخفيف آثار الحرب الروسية    مجلس الوزراء اللبناني يقر اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع قبرص    عاجل- مجموعة "كايرو ثري إيّه" تدعم وحدة زراعة الكبد في مستشفى الناس بمبلغ 50 مليون جنيه    بعد المشاركة في مظاهرة بروكسل.. أمن الانقلاب يعتقل شقيقا ثانيا لناشط مصري بالخارج    الأمين العام لمجلس الكنائس العالمي: وحدة الكنيسة ليست خيارًا بل طاعة لنداء المسيح    لماذا لم تتم دعوة الفنان محمد سلام لمهرجان الجونة؟.. نجيب ساويرس يرد    «محمد عبدالوهاب كان هيعملي أغاني».. فردوس عبدالحميد تروي بدايتها في الغناء (فيديو)    محمد كساب: ستاد المصري الجديد تحفة معمارية تليق ببورسعيد    أظهرا حبهما علنًا.. محكمة تُلزم 2 «تيك توكر» بالزواج بعد نشرهما فيديو «مخالف للآداب»    نجم غزل المحلة السابق يشيد ب علاء عبدالعال: «أضاف قوة مميزة في الدوري»    انتخاب إدريس الهلالي نائبا لرئيس الاتحاد الدولي للتايكوندو    راقب وزنك ونام كويس.. 7 نصائح لمرضى الغدة الدرقية للحفاظ على صحتهم    النيابة تكشف مفاجأة في قضية مرشح النواب بالفيوم: صدر بحقه حكم نهائي بالحبس 4 سنوات في واقعة مماثلة    إكرامي: سعداء في بيراميدز بما تحقق في 9 أشهر.. ويورشيتش لا يصطنع    ما الدعاء الذي يفكّ الكرب ويُزيل الهم؟.. أمين الفتوى يجيب أحد ذوي الهمم بلغة الإشارة    هل تأخير صلاة الفجر عن وقتها حرام؟| أمين الفتوى يجيب    الشيخ خالد الجندي: الطعن فى السنة النبوية طعن في وحي الله لنبيه    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس 23-10-2025 في محافظة الأقصر    ما حكم بيع وشراء العملات والحسابات داخل الألعاب الإلكترونية؟ دار الإفتاء تجيب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اشتر شيخوختك


عبدالله كمال 13 مارس 2010 2:00 م

قانون التأمينات المصرى والأزمة الأوروبية
بدأت مناقشة مع الدكتور يوسف بطرس غالي وزير المالية بحديث في الشريعة الإسلامية.. وبينما انقطع الحديث معه بسبب اتصال تليفوني كان أن صادفت في مكتبه لوحة بمقولة للإمام علي بن أبي طالب.. فضلا عن مصحف إلي جانب إنجيل.. لقد كان الموضوع الدائر هو (قانون التأمينات الجديد).. لكن النقاش قادنا في النهاية إلي حديث عن الأزمة العالمية.. فما هي علاقة معاش قدره مائة جنيه يتقاضاه مواطن مصري بلغ الخامسة والستين بانهيار اقتصاد دولة مثل اليونان.. تلك التي قد تتلوها مشكلات عميقة في كل من إيطاليا والبرتغال وإسبانيا؟ إن الإجابة تقود إلي موضوع كبير.. فجره نقاش مع الوزير.. وأكملته أفكار أخري.
مقولة الإمام علي بن أبي طالب (كرم الله وجهه) المدونة في مكتب الوزير.. قد لا تكون شهيرة بين كثير من الجمهور.. لكنها معروفة عند النخبة المهتمة بالمجتمع واقتصاده ومتابعي الفكر الديني بالطبع.. والمقولة هي: ليكن نظرك في عمارة الأرض أبلغ من استجلاب الخراج.. لأن ذلك لايدرك إلا بالعمارة.. ومن طلب الخراج بغير عمارة أخرب البلاد وأهلك العباد.
والخراج بلغة العصر الحديث كلمة معروفة.. أي الضرائب والجباية.. والعمارة هي الاستثمار.. ومن المدهش أن يوسف بطرس غالي يعلق مقولة كهذه في مكتبه معبرا عن إيمانه بها.. بينما تبدو الصورة العامة له هي أنه آلة جباية.. ورجل يفرض الضرائب علي مدار الساعة.. غير أن تلك هي الضريبة الحقيقية التي يدفعها في إطار أنه غالبا ما يتصدر الصورة تعبيرا عن خطط الإصلاح الهيكلي المتتالية التي تهدف لتحديث الاقتصاد والنظام المالي المصري.
لقد عبر في جلسة النقاش تلك، وكان شريكي فيها الدكتور عبدالمنعم سعيد رئيس مجلس إدارة الأهرام، عبر (يوسف) عن أنه يري أن وظيفة وزير المالية أن يحقق أعلي معدل نمو للناتج المحلي الإجمالي في ظل توازنات مالية مستديمة.. وحين حضرت مع مئات آخرين اجتماعا مهما للمجلس الأعلي للسياسات يوم الأربعاء الماضي قال وزير المالية: إن فلسفة قانون التأمينات والمعاشات الجديد هي رفع معدل النمو.
-أكبر حلم
المسألة قد تبدو معقدة. لكن يمكن تبسيطها: كل إضافة إلي معدل النمو.. تعني مزيدا من الوظائف.. البلد وصل إلي معدل 2,7% قبل الأزمة العالمية.. حاليا تتراوح أرقامه بين 4% و 5%.. وهو مستوي كبير جدا في عالم تسجل فيه أغلب الدول معدلات سلبية.. وتتراجع نقطة وراء أخري.. في ظل انكماش.. أدي إلي كساد يكاد يكون كبيرا.. ولم يستثن من هذه الحالة إلا الهند والصين.. ومن بعدهما مصر.. وربما دولة عربية أخري أو أكثر.. لأسباب بترولية.
الحلم الكبير جدا لهذا البلد هو أن نصل بمعدل نمو إلي 10%.. لكن هذا حلم بعيد للغاية.. الحلم الأقرب والصعب هو أن نصل إلي 5,8%.. وأن يستمر هذا خمس سنوات علي الأقل.. وقتها سوف تكون فرص تبدل الحال بصورة كبيرة قريبة جدا من التحقق.. ويحدث الانطلاق.
الاستثمار يؤدي إلي زيادة معدلات النمو.. ولكن الاستثمار مقيد بأرقام لابد أن تزيد.. أولها الاستثمار الأجنبي.. وقد كان يتخطي 11 مليار دولار قبل الأزمة.. لكنه تراجع إلي النصف.. بسبب مجريات العالم.. إذا ما أضفت إليه مستوي الادخار المحلي.. وهو 14% يكون الرقم هو 19%.. ومن ثم فإن نتيجة ذلك تكون معدل النمو الحالي وهو: 7,4% . حين كنا نحقق معدل نمو قدره 2,7% كان السبب هو ارتفاع معدل الاستثمار: 10% أجنبي و14% من المدخرات المحلية.. والهدف هو أن نصل إلي 28%.. منها 18 % تمثل معدل الادخار المحلي.. وهذا يؤدي بحسبة الدكتور يوسف إلي 5,8% معدل نمو.. وقد يتحقق هذا الحلم بعد خمس سنوات من تطبيق قانون التأمينات الجديد.
-أوجه الإصلاح
المستفيدون من القانون لن يبالوا بهذا علي الإطلاق.. بل لايقع في اعتبارهم.. كل ما يهم قابض المعاش عند التقاعد هو أن يحصل علي مبلغ مرضٍ يوفر له حياة كريمة في شيخوخته.. الواقع الحالي أن أي متقاعد مهما كان موقعه يعاني.. حتي لو كان قبل أن يترك عمله بسبب نهاية رحلة عمله قد أصبح راتبه ألوف الجنيهات.. إذ لايحصل علي أكثر من 1240 جنيها.. وهو رقم أكبر معاش في مصر.
أوجه الإصلاح هنا كثيرة جدا.. بعضها بدأ منذ سنوات.. حين تم ضم هيئة التأمينات والمعاشات إلي وزارة المالية.. بدلا من أن تكون تابعة كما كانت لوزارة الشئون الاجتماعية.. المعاش كان وقتها عبارة عن صدقة.. في حين أنه يفترض فيه أن يكون قيمة ادخار.. تحصل عليه بعد مضي السنوات الطويلة.. واقعيا أن تدفع وتأخذ الفتات.. لأن العقلية التي كانت تدير الأمر لم يكن لها أي توجه مالي.. وفقا للقانون الجديد أنت سوف تحصل علي معاش بنفس القدر الذي تدفع من أجله.. وبدون أن تكون مشغولا بالأمور الكبيرة.. فإن نجاح نظام التأمينات الجديد سوف يؤدي إلي زيادة معدلات الادخار.. وبالتالي تزيد معدلات الاستثمار.. ويزيد معدل النمو.. وتزيد فرص العمل.. وتزيد القدرة في الإنفاق علي التعليم والصحة والطرق وغير ذلك.
القانون الحالي، وصدر في سنة 1977. بني علي أساس أن الموظف الذي سيحال للمعاش عند سن الستين.. من المحتمل جدا وفق معدلات العمر في البلد أن يموت بعد 3 سنوات.. معدل العمر كان 63 سنة.. الآن اختلف الحال.. فرغم الشكاوي المتزايدة من الرعاية الصحية.. إلا أن الأمور تحسنت بحيث ارتفع معدل العمر إلي 74 سنة.. بحسبة بسيطة هذا يعني أن المتقاعد سوف يحصل علي معاشه بعد التقاعد 14 سنة علي الأقل وليس 3 سنوات فقط.. ويمثل هذا عبئا طبعا علي النظام التأميني.. بحيث أدي إلي خلل.
- كشف حساب
أنت لايجب أن يشغلك بالتأكيد كل هذا.. ولكنه بالضرورة يتعلق بمصالحك.. ويجب أن تطلع عليه.. وفيما بعد حين يصدر القانون.. سوف يصلك خطاب كل ثلاثة أشهر.. تبلغك فيه (التأمينات) بمفردات حسابك.. ما دفعته.. وما دفعه صاحب العمل.. وما تستحقه في لحظة وصول الخطاب.. تأكد أن هذا سوف يعطيك فرصة كبيرة لكي تلاحق صاحب العمل كي يدفع ما عليه في حسابك. والرقم الذي سيدفعه هو 13% من الأجر.. وأنت سوف تدفع 9% من الأجر.. فقط 20% منها توضع في حسابك.. ال2% الباقية توضع في حساب آخر تسميه الحكومة الحساب التكافلي.. وهذا يوجه إلي من يستحقون المعاش قبل بلوغ سن التقاعد بسبب الوفاة.. أو العجز الكلي.. أو العجز الجزئي.
الفكرة استوردها الوزير من أكثر من دولة.. أبرزها السويد.. وسوف يقدم له وزير مالية السويد - الذي فهمت أنه صديقه - المعرفة التكنولوجية اللازمة لذلك وأساليب التشغيل.. عملية نقل خبرات مهمة بين الدول عبر الأشخاص. المهم. إذا ما عدنا إلي مسألة العمر وكم يعيش المتقاعد بعد التقاعد.. انتبهت إلي أن الوزير يريد في القانون الجديد أن يرفع سن التقاعد في عام 2015 إلي 61 سنة.. ثم يتدرج بالأمر إلي سن ال 65 في عام 2027. بصراحة أفزعني هذا.. ووجدت أنه يؤثر علي فرص العمل.. فقلل الوزير من مخاوفي.. وقال: هذه تكون مشكلة في دولة مثل فرنسا.. حيث يؤدي ارتفاع معدل العمر إلي أن يكون كل شخص يعمل يتحمل في المقابل شخصا متقاعدا.. وفي اليابان حيث يوجد عامل لكل اثنين من المتقاعدين.. أما في مصر وبسبب الحالة السكانية فإن كل صاحب معاش أمامه خمسة يعملون.
بالطبع كلما امتدت سن العمل أدي هذا إلي مزيد من سنوات الاشتراك في النظام التأميني.. وقل عدد سنوات السداد.. لكن المهم هنا هو أن النظام الجديد يجعلك قادرا علي أن تأخذ بقدر ما تريد.. وبقدر ما تدفع.. وهو أيضا يراعي من خلال الحسابات (الاكتوارية) معدلات التضخم.. فيما قبل لم يكن هذا يحدث.. وقد تندهش حين تعلم أن كل صاحب معاش يقبض من الحكومة 72% من معاشه وليس من اشتراكه.. لأن الحكومة بأوامر من الرئيس بدأت منذ منتصف الثمانينيات إضافة العلاوات الاجتماعية لأصحاب المعاشات.
- أفكار خبيثة
وبدون أن نقحم المواطن البسيط أو صاحب المعاش الذي لاتعنيه صراعات السياسة فإن الحقيقة الأخيرة تعني أن الحكومة لاتهدر أموال المعاشات كما اتهم بذلك يوسف بطرس غالي.. وإنما تضيف لها.. بعكس ما يردد المعارضون.. وعلي كل حال فإن استثمارات المعاشات في البورصة حققت خلال السبع سنوات الماضية متوسطاً قدره 28%.. ووفق القانون الجديد سوف يكون من حق النظام التأميني أن يستثمر نحو 75 % من أموال المعاشات في سندات الحكومة المضمونة.. وحتي 25% فقط في البورصة.
الفكرة الخبيثة التي يريد وزير المالية تحقيقها من هذا القانون هي أن يوفر عوامل جاذبية للنظام الجديد.. فيتحول من يريد من النظام القديم إليه.. والأهم أن تنتهي حالة الصناديق التكميلية التي تؤسسها الهيئات والشركات والمصالح والنقابات للعاملين فيها.. إذ سيجد المشترك أنه إذا رفع معدل اشتراكه في النظام التأميني فسوف يستفيد أكثر.. بأسعار أكبر.
الخبث هنا من النوع الحميد الذي يحقق الصالح العام. ويزيد معدلات الادخار. ومن ثم يؤدي إلي ارتفاع معدلات النمو. لكن خبث الوزير المكار لايقف عند هذا الحد.. بل أيضا يمتد إلي نوع من التطويق القانوني لأصحاب الأعمال.. إذ كانوا لايدفعون حصصهم من الاشتراكات في النظام التأميني للعاملين.. أو يدفعون عن أجور يقولون إن قيمتها مائة جنيه فقط.. النظام الضريبي الذي ناضل يوسف بطرس والحزب من أجله حتي استقر وأدي إلي مضاعفة حصيلة الضرائب ثلاث مرات.. يدفع كل صاحب عمل لأن يدون في إقراراته قيمة ما يدفعه من اشتراكات للعمال.. إذ لو أنه لم يدونها كما هي واجبة لن تخصم من مصروفاته التي تخصم مما يستحق عليه من ضرائب.
- قوانين جديدة
هذا الملمح يدخل بنا إلي جانبين جديدين. الأول له علاقة بموقف أصحاب الأعمال من القانون الجديد. شخصيا كنت أتوقع أن تكون هناك معارضة جديدة من رجال الأعمال بمختلف مستوياتهم.. لكن الوزير أكد أن اتحاد الصناعات ورئيسه جلال الزوربا واتحاد الغرف التجارية ورئيسه محمد المصري قد وافقا علي نصوص القانون.
بالطبع لاننسي أن أصحاب الثروات الكبيرة، وملاك العقارات الفخيمة، أي ال 5,4% الذين سيدفعون الضريبة وليسوا من بين ال 5,95% المعافين منها.. هم الذين حركوا عمليات الهجوم المدوية علي قانون الضرائب العقارية.. ومن قبل كان قطاع منهم هو الذي وقف واعترض ضد إلغاء الإعفاء من الضرائب علي المشروعات الجديدة.. كما كان يحدث من قبل. لكن حال أصحاب الأعمال في قانون التأمينات اختلف.
الجانب الآخر، هو أن القانون الجديد يمثل خطوة مهمة في عملية انتقال إلي وضع مختلف ماليا وبالتالي اقتصاديا.. خطوة تأتي بعد خطوات سبقتها.. أقرتها اللجنة الاقتصادية في أمانة السياسات.. وتبناها الحزب في إطار خطة إصلاح اقتصادي وهيكلي طويلة المدي.. تنظيم للجمارك.. وللضرائب علي الدخل.. وللضرائب العقارية.. وغيرها.. وصولا إلي قانون التأمينات الجديد.. وأعتقد جازما أن القانون الذي تجري دراسة أبعاده حاليا وهو قانون التأمين الصحي الجديد يمثل إضافة في هذا السياق التراكمي المحكوم برؤية شاملة ومتدرجة. قانون الضرائب.. أدي إلي زيادة الإيراد.. ومن ثم أدي ارتفاع (الخراج) إلي ارتفاع (العمارة) أو الاستثمار.. وقانون الضريبة العقارية قرر أن يسد ثغرة مهولة في المجتمع.. مؤداها (عمارة بلا خراج).. فدخلت نسبة قليلة منها إلي ساحة التسديد.. بحيث إنه كلما زادت القيمة زاد الإيراد.. والإيراد يوجه إلي المصالح التي تهم الأحوال اليومية للناس.. الصحة والتعليم والبنية التحتية وغير ذلك.. والأهم أن يبيع الناس ويشتروا.. فلا يكتنزوا.. والغني يسدد عن قصره وفيلته.. لكي يمكن للبلد أن يعين من يسكن في المناطق العشوائية.
القانون الجديد يجعل الموظف والعامل، أيا ما كانت جهة عمله، يشتري شيخوخته.. مسئولاً عنها.. يضمن الغد.. يعرف ما الذي سوف يجري فيما بعد فيما يخص مستقبله.. لاينتظر صدقة الدولة.. فلا يقلق.. ولا يتوتر.. ولايكون تقاعده خرابه.. أو انهيار ميزانية بيته.. وفي نفس الوقت فإن البلد حين يدفع بهذا القانون العصري إلي البرلمان فإنه يشتري مزيدا من الاستقرار.. والأمن الاجتماعي.. والتطور الاقتصادي.. وارتفاع معدل التنمية.. أي يشتري نموه.
- كيف كنا؟
هذه القوانين وغيرها من إجراءات تشجيع الاستثمار والإصلاح الاقتصادي وتنظيم التجارة.. عملية التنظيم الواسعة للسوق.. التي لم تكتمل بعد.. هي التي أدت إلي حالة من الاستقرار والمتانة جعلت البلد قادراً علي أن يعبر الأزمة الاقتصادية العالمية.. أو يتعامل معها بدون مشكلات كبيرة.
ولاشك أن لكل منا تفسيره في السبب الذي أدي إلي هذه (المتانة).. التي نسحب من رصيدها فترة تلو أخري الآن.. لكي نواجه تبعات الأزمة.. بإجراءات تنشيطية وتحفيزية.. مرة بضخ 15 مليار جنيه.. ومرة بضخ عشرة مليارات أخري.. وكما يقول الوزير كنا اقتصادا يشبه (رجل يحتضر.. لو فاتته وجبة يموت)..الآن نحن يمكن أن نقتطع من هنا وهناك لكي نعيد الحيوية إلي الاقتصاد.. ونبقيه ينمو.
وتحضرني شخصيا في هذا السياق، إذ أن الكثيرين ينسون، الحالة التي كنا عليها في نهاية الثمانينيات، وبداية التسعينيات.. حين كنا علي وشك الإفلاس.. وذهبنا إلي نادي باريس لكي نجدول الديون.. ونخضع للشروط.. وبدأنا القفزة الحقيقية بقرار سياسي حكيم.. وتصرف إقليمي رائع.. قام به الرئيس مبارك.. حين قدنا الدول العربية في عملية تحرير الكويت.. وكان لهذا فوائد سياسية عظيمة.. وفوائد اقتصادية أهم.. وأسفر هذا عن إسقاط عديد من الديون الخارجية المهولة التي كادت تخنق البلد.
تطورت الأمور.. وبدأ الإصلاح المتريث وسط مقاومة مهولة وفي ظل إرهاب فظيع.. وقضينا التسعينيات ما بين المعوقات والاعتراضات والإنجازات الطفيفة.. وصولا إلي أزمة جنوب آسيا وتأثيرها المباشر علي مصر.. ثم أزمة الائتمان المصرفي في بداية الألفية الجديدة. كان حجم الدين المحلي بالنسبة للناتج المحلي الإجمالي 121%.. وكان عجز الموازنة يبلغ 10%.. ما يعني أننا كنا علي وشك مشكلات كبري جديدة.. تؤدي إلي اقتراض.. والدين له تكاليف.. تأكل من الإيرادات.. فلا تجد تمويلا للإنفاق علي الاستثمارات الداخلية.. وتموج الأزمات التي تلاحق المواطن أولا.
رؤية عميقة.. وقرار سيادي حقيقي بالمضي قدما في الإصلاح بغض النظر عن الاعتراضات.. أدي إلي تطور مهول بدءا من 2004. علي مستوي الفرد ارتفع معدل الدخل من 1400 دولار سنويا.. إلي 2200 دولار سنويا.. والرقم معناه مزيد من القدرة علي الاستهلاك.. وبالتالي ارتفاع الطلب علي السلع.. وبعده زيادة الإنتاج.. وتشغيل الماكينات.. وبناء المصانع.. وانخفض الدين المحلي ووصل الآن نحو 78% من الناتج المحلي.. وانخفض عجز الموازنة.. وإن كان قد عاد قليلا للارتفاع.. بسبب الإجراءات التي اتخذت لتنشيط السوق.. ففي بعض الأحيان لابد أن تأخذ إجراءً ما ولو كانت له آثار سلبية.. مادامت أن هناك جوانب أخري تعوضه.. أو تعطي القدرة علي مواجهة أنوائه.
- طبع البنكنوت
في المقابل نجد أن الدول من حولنا تتساقط.. دول كبيرة كنا نحلم بالمستوي الذي بلغته.. ونحن الآن بعيدون عن كوارثها المتتالية.. نتحصن بمتانة اقتصادنا الداخلي.. وقدرته علي استيعاب الصدمات.. ويقول الخبراء إن الأزمة الدولية الكبيرة تشبه الزلزال.. ويقولون إن الأزمات التي تظهر في الدول واحدة تلو أخري هي توابع الزلزال الأضخم.. حدثت أزمة في أيسلندا.. ثم في دبي.. وها هي اليونان تنهار.. ومن بعدها تترنح إيطاليا.. وإسبانيا.. والبرتغال.. وأيرلندا.. بل الاتحاد الأوروبي كله.
كنا فيما مضي لا نصارح الناس.. نعوض العجز بطبع الفلوس.. بنكنوت بلا قيمة.. هذا كان يحدث في زمن بعيد لن يعود.. فيؤدي هذا السلوك المالي الخطير إلي كوارث.. تضخم رهيب.. غلاء خيالي.. الآن هذا لايحدث أبدا.. الاقتصاد شفاف بأكبر قدر ممكن.. واضح.. أرقامه تعبر عن واقعه. الأزمة العالمية برمتها هي انكشاف لعملية تدليس واسعة النطاق.. أرقام غير حقيقية.. لا تعبر عن المجريات.. حان وقت فضحها.. فضح إجباري يفرض نفسه.. إذ لا يمكن أن تبقي الاقتصاديات قائمة علي الهشاشة مهما طال الوقت.. ببساطة في عالم الاقتصاد يجب أن تكون أرقام الدفاتر مساوية لقيمة حقائق الواقع.. إذا لم يكن هذا مماثلاً لذاك يكون هناك تدليس.. سوف ينكشف.. وإذا كانت هناك فجوة بين أرقام الاقتصاد المعلنة وقيمة الموجودات والأصول والعمل الذي يغطيه.. فسنكون أمام فقاعة.. بالون سوف تنفجر في أي لحظة.. كاشفة عن حجم الأوهام.
في دبي المضاربات قادت إلي مشكلة ديون خطيرة وجسيمة.. وكمثال فإن عمليات البناء العقاري تفوق حجم السوق والطلب علي السكن .. هذا يشتري.. ويضارب.. ويبيع.. وهذا يشتري من غيره.. لكن حقيقة الأمر أنه لابد في لحظة ما أن يأتي شخص أخير ليتحمل تبعات السعر الحقيقي.. وهو غالبا يهوي من أعلي نقطة وصل إليها المضاربون.
في اليونان.. كانت هناك حكومة علي قدر هائل من التدليس.. خدعت المواطن اليوناني.. والاتحاد الأوروبي.. قدرت قيمة ما لديها بأكبر من سعره الحقيقي.. الاتحاد الأوروبي يشترط أن تكون نسبة العجز في الموازنة 3% لكي يكون هذا البلد أو ذاك صالحا للانضمام إليه.. ولكن اليونان - الحكومة السابقة - لم تخدع الاتحاد الأوروبي فقط بل خدعت بلدها.. وتبين فيما بعد حين جاء رئيس الوزراء الحالي جورج باباندريو أن نسبة العجز 5,12%.. أي أن البلد غارق في الديون.. وحقيقته وهم كبير.
-الموضوع كبير
لماذا أستغرق في هذا الأمر.. هل لكي أؤكد ميزة أن الحكومة صريحة والدولة لاتخدعك الآن؟.. يجوز.. لكن المسألة أعمق وأعقد من هذا بكثير.. ولها علاقة بفوائد قوانين الإصلاح التي نمضي فيها قدما خطوة تلو أخري.. ومنها قانون التأمينات.
نحن مثلا كنا نتقرب إلي اليونان اقتصاديا.. ولكن بحذر.. ذهبنا إليهم نطلب استثماراتهم.. ووعدوا بالكثير الذي لا أظن أنه تحقق.. والآن نفهم السبب. ونحن أيضا معنيون بالأمر.. لأن تأثيراته سوف تؤثر علي مصير الاتحاد الأوروبي.. وعلي مستقبل منطقة اليورو.. التي تضم 16 دولة من بين الدول ال 27 أعضاء الاتحاد.. ففي أوروبا يطرحون الآن تساؤلات جوهرية: هل علينا أن ننقذ أشقاءنا الأوروبيين أم ندفع تمويلات لأنشطة في دول جنوب المتوسط.. وهذه نحن منها؟ فهل سوف تستمر الشراكة المصرية الأوروبية.. وهل الأموال التي يتم ضخها كمعونات في المشروعات التنموية سوف تستمر.
المسألة أيضا تطرح زوايا أبعد.. قد لا نشعر بها الآن.. ولكنها سوف تؤثر حتما.. خصوصا وأن سوقنا التصديرية الأولي هي أوروبا.. وكذلك لأن القوة الاقتصادية الأوروبية تهتز.. ولهذا تأثيره السياسي علي المستوي الدولي.. الصحيح بالطبع أن الاتحاد الأوروبي لن يتفتت بين يوم وليلة.. ولكنه قيد نقاشات عنيفة.. وتقييمات شرسة.. والأقرب الآن أن تحدث مشكلة كبيرة في منطقة اليورو.. ما يؤدي إلي طرد أعضاء فيها.. أو خروج اضطراري لدولة تلو أخري منها. لأن عددا كبيرا من دول الاتحاد لا تريد أن يتحمل مشكلات اليونان.. ألمانيا مثلا تقول إنها ليست الجيب العميق الذي تدفع منه للمبذرين الأوروبيين.
- قرار مستقل
زاوية أخري مهمة.. عنوانها: اقتصاد مستقر.. يعني قرارا وطنيا مستقلا.. وقد قال باباندريو للأوروبيين حين كان يتفاوض معهم بشأن إجراءات معالجته الأزمة وكيف سيعينونه تعليقا علي ما هو مطلوب منه: اليوم نحن نفقد جزءا من سيادتنا. وفي اليونان يتحدثون الآن عن الاستعمار الأوروبي. ويلمحون إلي ألمانيا والحرب العالمية الثانية وما جري فيها.. ويقولون إن النازية قد عادت.. ذلك أن الأوروبيين يريدون إخضاع إجراءات اليونان إلي إشراف مستمر منهم.. والأخطر وما يمثل ضربة كبري للاتحاد الأوروبي أن دولة عضواً فيه.. قد تلجأ مباشرة إلي الاقتراض من صندوق النقد الدولي.. في ضوء التراجعات الأوروبية الراغبة في تمويل عجز اليونان وإعادة تدوير اقتصادها.. وهذا في حد ذاته فضيحة كبيرة جدا للاتحاد. ملمح آخر في المسألة يعود بنا إلي مصر وإلي وضعها بشكل مباشر.. الحكومة منذ سنوات تتبع خطوات واضحة في مصارحة الناس بالحقائق.. لا تداعبهم لأسباب انتخابية.. ولا ترضيهم علي حساب مصالحهم.. وأستطيع أن أقول إنه يمكنها العكس لو أرادت.. وحتي في وجود كل هذه الكثافة الإعلامية فإنه يمكن إخفاء الحقائق لبعض الوقت.. حتي نفاجأ بكارثة.. هذا لا يحدث الآن.. ولا توجد لدينا إدارة يمكنها أن تخفي.. خصوصا وأنها خاضعة لمتابعة دقيقة ومستمرة من الرئيس.
ولهذا أعود بك مجددا إلي أهمية قانون التأمينات الجديد.. حتي لو كانت آثاره سوف تأخذ وقتا لكي تظهر.. وبالمناسبة سمعت تعليقا جانبيا في اجتماع المجلس الأعلي للسياسات قبل أيام بينما كان الوزير غالي يعلن أنه لن يكون متاحا للأشقاء أن يستحقوا معاش صاحب الاشتراك.. فقال المعلق: إن هذا ضد الشريعة الإسلامية؟ وقد صارحت الوزير بهذا.. فقال: لو كنا نقصد توريث المعاش فإن هذا سيكون ضد الشريعة.. ولكن هذا ليس توريثا بنص القانون.. وإنما النص يشير إلي أن من يستحق المعاش بعد صاحبه هم أبناؤه الذكور إلي سن 21 سنة وبناته وأرملته وأمه وأبوه.
ماليا، هناك فائدة جوهرية في تقليل عدد المستحقين للمعاش بعد صاحبه.. إذ كلما زاد عدد المستحقين قل المعاش.. لأنه بالحسابات الاكتوارية تتم مراعاة متوسطات عدد المستحقين بالخصم من الرقم الذي سوف يحصل عليه صاحب الاشتراك.. والمنطق يقول إنه ينبغي أن يتحمل رجل عجوز لصالح مستحق بعده في سن الشباب.
الأهم أن الوزير قد فاجأني بمعلومة غريبة تقول إن أوضاع القانون الحالي، ولأنه لم تتم عملية الربط الكامل بين مصلحة الأحوال المدنية ونظام التأمينات.. فإن النظام يتحمل نصف مليار جنيه قيمة معاشات تحصل عليها مطلقات علي الورق.. يزعمن أنهن طلقن.. وبالتالي يحق لهن أن يحصلن علي نصيب من معاش الأب.. في حين أنهن إما تزوجن مجددا من نفس الأزواج عرفيا أو بطريقة غير مسجلة ولم تطلع عليها أوراق التأمينات.
إن مثل هذه التصرفات الاجتماعية البسيطة لو لم يتم ضبطها.. فإنها تؤثر في معيشتك ومعيشتي.

عبد الله كمال
يمكنكم مناقشة الكاتب وطرح الأراء المتنوعة على موقعه الشخصى
www.abkamal.net
أو علي موقع المجلة :
www.rosaonline.net/weekly
أو علي المدونة علي العنوان التالي‮: ‬
http//:alsiasy.blogspot.com
Email: [email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.